تستعد المستشارة الأممية "ستيفاني ويليامز" لمغادرة ليبيا، في 31 يوليو الجاري، بعد نحو أربعة اعوام ونصف العام قضتها على رأس البعثة الأممية في ليبيا، وقد وجهت ويليامز قبل مغادرتها انتقادات حادة للمسؤولين الليبيين، حملتهم خلالها نتاج تعثر الجهود الأممية فيما يتعلق بالمسار الانتخابي.

التحليل

  • تأتى خطوة إنهاء مهام المستشارة الاممية "ويليامز" في ظل سياقات داخلية مأزومة يشهدها الملف الليبي، حيث انتهت فعلياً خارطة الطريق التي كانت قد وضعتها الأمم المتحدة، وتصاعدت حدة الاستقطاب السياسي والعسكري في الداخل، فضلا عن ارتفاع وتيرة الحشد العسكري في غرب ليبيا.
  • وجهت المستشارة الأممية "ستيفاني ويليامز" اتهامات حادة للنخبة السياسية الليبية، واصفة اياهم بالانتهازية وخدمة مصالحهم الشخصية على حساب مصالح الدولة الليبية، معتبرة أن الطبقة السياسية الحاكمة في ليبيا تسعى لدفع البلاد بعيداً عن المسار الانتخابي.
  • تعكس الموافقة الأمريكية على عدم تجديد ولاية ويليامز وجود رغبة لدى واشنطن في اعادة هيكلة استراتيجيتها في الملف الليبي، بعدما فشلت الدبلوماسية الأمريكية في تحقيق اي تقدم حقيقي في تسوية الملف، فضلا عن تراجع مدى القبول الذي تحظى به ستيفاني ويليامز في الداخل الليبي.
  • عكست تصريحات المستشارة الاممية وجود حالة من الغضب الامريكي والأممي لممارسات النخبة السياسية الحالية في ليبيا، بل أن هناك بعض التقديرات التي رجحت أن هذه الانتقادات ربما تحمل اتهامات ضمنية لحكومة الدبيبة، باعتبارها السلطة التي كانت مسؤولة عن إدارة عملية الانتخابات السابقة التي كان يفترض اجراؤها في ديسمبر الماضي، وهو ما قد ينعكس على مستقبل الموقف الأمريكي إزاء القوى السياسية الليبية.

التوقعات:

  • احتمالات أن تدعم واشنطن خلال الفترة المقبلة المطالب الأفريقية السابقة الرامية لاختيار مبعوث أممي إلى ليبيا يكون من القارة الافريقية، لمحاولة حشد مزيد من الدعم من قبل القوى الاقليمية.
  • من المرجح أن يشهد ملف اختيار مبعوث أممي جديد صراعاً حاداً بين الولايات المتحدة وروسيا، وهو ما انعكس في قرار مجلس الامن الدولي الأخير بتمديد مهام البعثة الأممية لمدة ثلاثة أشهر جديدة دون تسمية رئيس لهذه البعثة، وذلك للمرة الرابعة منذ استقالة المبعوث السابق "يان كوبيتش" في سبتمبر الماضي.
  • اتجاه واشنطن لتبني استراتيجية جديدة في ليبيا تعتمد على تكثيف الانخراط المباشر في هذا الملف، والعمل على مواجهة النفوذ الروسي المتنامي هناك.

وافق وزراء الطاقة للدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، في اجتماع عُقد في 26 يوليو  2022، على تخفيض الطلب على الغاز الطبيعي بنسبة 15% مقارنة بمتوسط استهلاكه الـ5 سنوات الماضية، على أن يتم ذلك الخفض من 1 أغسطس 2022 حتى 31 مارس 2023، وذلك مع وجود استثناءات تراعي الوضع الخاص لكل من الدول الأعضاء.

تحليل:

يستهدف القرار تحقيق وفورات من الغاز قبل حلول فصل الشتاء استعدادً لأي انقطاعات محتملة لإمدادات الغاز من روسيا، وهي التي تم تخفيضها بالفعل في فترة ما بعد الحرب على أوكرانيا، وذلك بنسبة تصل إلى 30% للغاز الذي يتدفق للدول الأوروبية عبر الأنابيب (وفق وثيقة مقدمة من المفوضية الأوروبية في 20 يوليو 2022ب ِشأن تخفيض الطلب على الغاز)، فضلاً عن توفير فائض من الغاز في بعض الدول الأعضاء يمكن ضخها لدولة أخرى، كما أن القرار يأتي في اطار التحركات الأوروبية التي شددت في خطتها REPowerEU (الصادرة في 18 مايو 2022) لأنهاء الاعتماد على الطاقة الأحفورية من روسيا، وما تبعها من مطالبات على مستويات عليا من قادة دول الاتحاد لتحسين التأهب لاضطرابات العرض المحتملة على وجه السرعة.

يُشار في هذا الصدد، إلي أن شركة "غاز بروم" الروسية قد أعلنت مؤخراً تخفيض إمدادات الغاز اليومية عبر خط انابيب "السيل الشمالي-1" إلى 20% من القدرة الكاملة للخط، مرجعة ذلك إلي توقف احدى التوربينات لصيانته، علماً بان الخط كان يعمل بـ40% من طاقته نظراً لقيام كندا بصيانة احدى التوربينات، والتي أنتهت منها بالفعل بعد تأخر بسبب العقوبات على روسيا، ولكن وفق عدة مصادر بأن التوربين لم يصل بعد، مما دفع روسيا لتخفيض ضخ الغاز عبر "السيل الشمالي-1" في رد مباشر على العقوبات المفروضة، ولإبراز أن المتضرر الأول من العقوبات هي الدول التي تفرضها، وبالتالي يُرى أن من أسباب تنامي أزمة الطاقة الراهنة هو سرعة وحدة ردود الفعل المتبادلة بين روسيا والدول الغربية.

أن فكرة الاستثناءات التي تم تضمينها في الاتفاق بشأن عدم التزام بعض الدول بقرار تخفيض الطلب على الغاز، ترجع إلى مدى تباين دول الاتحاد الأوروبي في الاعتماد على الغاز الروسي، وعدم الرغبة في احداث خلاف داخلي يقوّض من التدابير الأوروبية في مواجهة روسيا، فعلى سبيل المثال رأت المجر عدم إمكانية التزامها بذلك القرار، كما أنه وفق قرار خفض الطلب على الغاز تم  إعطاء الأولوية للتدابير التي لا تؤثر على الأسر والخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والدفاع، وبناءاً على ذلك يعتبر قرار خفض الطلب على الغاز مناورة لا يمكن الاعتماد عليها في التعامل مع واقع تهديد أمن الطاقة الأوروبية، ولكن يمكن اعتبارها كمبادرة يمكن البناء عليها مستقبلاً في تحديد بعض ملامح التعامل مع نقص الطاقة التي تشهدها دول الاتحاد الاوروبي، وبأي حال من الأحوال يُرى صعوبة إحلال الغاز الروسي لأوروبا حتى الشتاء القادم نظراً لمحدودية الغاز المتداول عالمياً مقارنة بالغاز الروسي.

التوقعات:

قد تشهد الفترة المقبلة مزيد من القرارات الأوروبية، سواء الملزمة أو الطوعية، للتعامل مع الأزمة الراهنة، وقد تتضمن التحرك الأوروبي بشكل جماعي لتأمين إمدادات الغاز المسال من الأسواق العالمية، بعد ان شهدت الفترة الماضية تحركات أوروبية منفردة ترقى إلي التنافس بين بعضها البعض، إضافة إلي تكثيف العمل لدعم البنية التحتية لاستيراد الغاز وتوزيعه، بما يعني الدخول في مشاريع عملاقة لاستيراد الغاز من خارج المنطقة، سواء عبر الأنابيب أو حتى بناء محطات للإسالة في مناطق أخرى، مع إيجاد صيغة جديدة لمشاطرة إمدادات الغاز والنفط بين دول الاتحاد الأوروبي في حالة الطوارئ، وهي التي لم يتم تحديدها بشكل واضح حتى الآن، على أن يصاحب ذلك مزيد من الضغط على الدول الأوروبية لتقليص استهلاك الغاز، ففي دولة مثل إيطاليا تفرض الحكومة مستويات دنيا وقصوى للتدفئة والتبريد.

أشارت بعض المصادر السودانية إلى إعلان مجموعة من الشباب السوداني المنتمين لبعض الولايات السودانية (شمال كردفان، غرب كردفان، جزء من جنوب كردفان، ولاية جنوب دارفور، ولاية شرق دارفور، الجزء الشرقي من شمال دارفور، والمناطق الشرقية من وسط دارفور، والمناطق الجنوبية من غرب دارفور)، في 25 يوليو 2022، عن وضعهم خطة للإنفصال التام عن الدولة وإعلان دولة "كردفان الكبرى".

شملت الخطة وضع الحدود لدولة كردفان الكبرى (يحدها شرقا ولايتي النيل الأبيض والخرطوم- غرباً حدود دولة تشاد ، ومن شمال دارفور ووسط دارفور - وجنوباً حدودها دولتي إفريقيا الوسطى وجنوب السودان وحدود حواكير العرب من جنوب كردفان - شمالاً ولاية الشمالية ودولتي مصر وليبيا).

التحليل:

يمكن تفسير الإعلان عن خطة الانفصال عن الدولة وإعلان دولة كردفان الكبرى في هذا التوقيت، من خلال الأسباب والعوامل التالية:

‌أ. عدم تنفيذ الاتفاق النهائي للسلام الموقع بين الحكومة الانتقالية السابقة والحركات المسلحة في أكتوبر 2020، وخاصة فيما يتعلق بمنح ولاية جنوب كردفان حكماً ذاتياً كنوع من التعويض عن سنوات التهميش السياسي والاقتصادي التي عانت منه في عهد البشير.

‌ب.   ممارسة أكبر قدر من الضغوط على النظام السياسي الانتقالي الحالي لتحقيق مطالبهم الاقتصادية وتحسين أوضاعهم المعيشية، في ظل معاناتهم من التهميش الاقتصادي والتنموي، وذلك رغم ما تتمتع به هذه الولايات من ثروات طبيعية هائلة (زراعية - نفطية - موارد طبيعية كالذهب والنحاس والحديد - ثروة حيوانية..).

‌ج. مواجهة محاولات السيطرة على أراضي هذه الولايات (الحواكير) بما فيها من ثروات طبيعية، وأيضاً محاولات طمس هويتهم التاريخية والثقافية سواء من قبل المركز أو بعض الجماعات المسلحة مثل للحركة الشعبية لتحرير السودان - جناح عبد العزيز الحلو" في جنوب كردفان، وحركات "الزرقة" في غرب دارفور

‌د. الحصول على نسبة من عائدات هذه الثروات لمشروعات التنمية الاقتصادية، أدى إلى انهيار البنية التحتية في كل المجالات كالصحة والتعليم، وزيادة حدة الفقر والبطالة، وانتشار الجريمة والسلاح، وسيادة ثقافة العنف والنزاعات الفردية والقبلية.

‌ه. انشغال النظام السياسي الانتقالي الحالي بالصراع على السلطة بين المكونين المدني والعسكري، وهو ساهم بشكل كبير في عدم القدرة على إدارة التنوع الإثني والعرقي في هذه الولايات، وهو ما أدى إلى حدوث خلل في التوازن الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بين الأقاليم السودانية المختلفة.

‌و. استغلال عدم قدرة النظام السياسي الانتقالي على تسوية الأزمة السياسية الراهنة والممتدة منذ إجراءات 25 أكتوبر الماضي، في ظل غياب التوافق السياسي بين المكونين المدني والعسكري اللازم لحل هذه الأزمة، وأيضاً تعثر الجهود الدولية التي تقودها الآلية الثلاثية لتقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية المختلفة وتسوية هذه الأزمة.

التوقعات:

من المتوقع أن تواجه محاولات إعلان دولة كردفان الكبرى بعض العقبات، ومن أبرزها ما يلي:

‌أ. رفض سلطات الحكم الانتقالي مساعي هذه الولايات للانفصال عن باقي الدولة السودانية انطلاقاً من مبدأ المحافظة على وحدة الدولة السودانية ضد دعوات الانفصال والتقسيم، ومنعاً لقيام أية محاولات أخرى للإنفصال.

‌ب. احتمال معارضة بغض الجماعات المسلحة لقيام هذه الدولة، خاصة وأن مخطط إعلانها قد يهدد استغلال هذه الحركات لثرواتها ومنها الحركة الشعبية لتحرير السودان - جناح "عبد العزيز الحلو"" والتي تسيطر عسكرياً على جزء كبير من ولاية جنوب كردفان،  وكانت لها مطالب سابقة بالحصول على حق تقرير المصير وذلك كشرط للتوقيع على الاتفاق النهائي للسلام، ولم تستجب لمطالبه الحكومة الانتقالية السابقة قبل الإطاحة بها في 25 أكتوبر الماضي.

من المتوقع أن يقوم النظام السياسي الانتقالي الحالي بالتدخل السريع والاتصال مع الشخصيات أو الجهات التي وضعت خطة لإعلان دولة كردفان الكبرى، في محاولة لإقناعهم بضرورة البقاء ضمن الدولة الواحدة، وهنا يوجد سيناريوهين:

‌أ. السيناريو الأول، الاستجابة لمساعي النظام السياسي الانتقالي وحل القضية عبر منحهم تمييز إيجابي عبر تخصيص نسبة من عوائد الثروات الطبيعية لتحقيق التنمية الاقتصادية في تلك المناطق المهمشة.

‌ب. السيناريو الثاني، الإصرار على مطالب الانفصال، وهو ما يرجح أن تتصاعد الأمور وقد تصل إلى حد التدخل العسكري من قبل المؤسسة العسكرية لمنع الانفصال عن الدولة بالقوة، وهو ما سيترتب عليه دخول السودان في حالة من الفوضى الأمنية. 

شهدت منطقة غرب ليبيا خلال الأيام الأخيرة تجدد الاشتباكات المسلحة مرة أخرى، سواء في العاصمة الليبية طرابلس، أو في مدينة مصراته، وهو ما أثار قلقاً داخلياً وخارجياً متنامياً من احتمالات تأجيج المشهد الداخلي من جديد، خاصةً وأن هذه الاشتباكات جاءت في إطار جملة من المتغيرات التي فرضت نفسها مؤخراً على المشهد الليبي.

التحليل:

  •  شهدت العاصمة الليبية طرابلس، في 22 يوليو الجاري، اشتباكات عنيفة بين اثنتين من المليشيات المسلحة المنتشرة بالمدينة، هما "جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة" بقيادة "عبد الرؤوف كاره"، والتابع للمجلس الرئاسي، و"كتيبة ثوار طرابلس" بقيادة "أيوب بوراس" آمر جهاز الحرس الرئاسي، وهو ما خلف نحو 16 قتيل وحوالي 52 جريح وفقاً للتقديرات الأولية.
  •  امتد الصراع السياسي والعسكري إلى مدينة مصراته، حيث شهدت الأخيرة اشتباكات (غير معتادة في المدينة) بين قوات تابعة لرئيسي الحكومتين المتنافستين، "عبد الحميد الدبيبة" و"فتحي باشاغا"، فقد شهد الطريق الساحل مواجهات بين "قوة العمليات المشتركة" الموالية للدبيبة، و"لواء المحجوب" التابعة لباشاغا، قبل أن تنجح وساطة آمر شعبة الاحتياط بقوة "مكافحة الإرهاب" من تجنب التصعيد وفك الاشتباكات، وقد جاءت هذه الاشتباكات بعدما حاولت القوات التابعة للدبيبة في مصراته إلقاء القبض على باشاغا أثناء تواجده بالمدينة.
  •   وتأتي زيارة باشاغا إلى مصراته مع استعداده للقيام بزيارة أخرى إلى مدينة الزاوية في إطار التحولات التي طرأت على خريطة التحالفات الداخلية خلال الأيام المقبلة، في ظل الحديث عن وجود صفقة تم إبرامها بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية المقالة، برئاسة "عبد الحميد الدبيبة" مع قائد الجيش الليبي "خليفة حفتر"، لذا ربطت بعض التقديرات بين هذه التحركات التي يقوم بها باشاغا بمحاولته فرض واقع جديد يحول دون خروجه من المشهد، من خلال الاستفادة من حالة الانقسامات الحادة بين المجموعات المسلحة في غرب ليبيا.
  •   تمثل الاختلافات الحادة بين المجموعات المسلحة في غرب ليبيا إحدى أبرز الإشكاليات الكبرى في الملف الليبي، ويبدو أن هذه الاختلافات مرشحة لمزيد من التفاقم، وهو ما عكسته الاشتباكات الأخيرة في العاصمة الليبية طرابلس، والتي ربطتها بعض المصادر برفض بعض المليشيات في طرابلس للتفاهمات الأخيرة التي توصل إليها الدبيبة مع حفتر، خاصةً مع الزيارة التي قام بها رئيس أركان الجيش الوطني الليبي، الفريق أول "عبد الرازق الناظوري" إلى طرابلس، للمرة الأولى وعقده اجتماع مع رئيس الأركان بحكومة الدبيبة الفريق أول "محمد الحداد"، وعودة الزخم بشأن توحيد المؤسسة العسكرية، في مؤشر اعتبرته المليشيات في طرابلس بأنه يمثل تهديد لمكتسباتها التي تحظى بها في ظل الوضع الراهن. وبالتالي يمكن في هذا السياق تفسير قرار الدبيبة الأخير بإقالة وزير الداخلية بحكومته اللواء "خالد المازن"، وتكليف وزير الحكم المحلي "بدر الدين التومي" بتسيير مهام وزارة الداخلية.
  •  وتجدر الإشارة إلى أن قرار الدبيبة بإقالة رئيس المؤسسة الوطنية للنفط "مصطفى صنع الله" الأسبوع الماضي كان قد أثار غضب بعض المجموعات المسلحة في طرابلس والزاوية، والتي كانت تحشد قواتها للتصعيد، قبل أن يتمكن الدبيبة من عقد اجتماع مع قياداتها والاتفاق على التهدئة، مما يعكس وجود حالة من الاستقرار الهش داخل العاصمة، قابل للتغير في أي وقت.

التوقعات:

في إطار المعطيات السابقة، يمكن ترجيح ما يلي:

  •  على الرغم من المؤشرات الإيجابية التي عكستها بعض المتغيرات الأخيرة في الملف الليبي بشأن احتمالات التوصل إلى ترتيبات جديدة تحول دون الانزلاق في صراعات مسلحة جديدة، بيد أن الانتشار المليشاوي في غرب ليبيا، والانقسامات الواسعة والولاءات المتغيرة لهذه المجموعات يمثل تحدياً كبيراً أمام أي تسوية مقبلة.
  •  على الرغم من ترجيح غالبية التقديرات بأن حكومة باشاغا باتت أقرب للخروج من المشهد بعد التفاهمات الأخيرة المزمعة بين حفتر والدبيبة، بيد أن باشاغا لا يبدو راغباً في التسليم بهذا الخروج، ومن ثم يتوقع أن يعمل على محاولة حشد مزيد من الدعم في غرب ليبيا، الامر الذي يضفي على المشهد حالة من الالتباس وفتح المجال أمام أي تحولات محتملة.
  •  من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من الانخراط الغربي في الملف الليبي، خاصةً من قبل الإتحاد الأوروبي، من أجل الدفع نحو تحقيق تقدم في المسار السياسي، وربما يدعم هذا الطرح اللقاءات المكثفة التي عقدها السفير الألماني لدى ليبيا "ميخائيل اونماخت" خلال الأسبوع الماضي، مع عدة أطراف فاعلة في الداخل الليبي.

وقعت موسكو وكييف في 22 يوليو 2022، اتفاقيتين منفصلتين مع تركيا والأمم المتحدة بخصوص تصدير الحبوب والمنتجات الزراعية الأوكرانية العالقة في الموانئ عبر البحر الأسود، وذلك مقابل تخفيف القيود على صادرات الحبوب الروسية، وبموجب الاتفاق سيتم إعادة استخدام البحر الأسود عبر ممرات مؤمنة ووقف لإطلاق النار في مناطق العبور، وشمل الاتفاق المرافئ الأوكرانية المطلة على البحر الاسود في أوديسا بالإضافة إلى موقعين مجاورين، وينص الاتفاق أيضا على عملية تفتيش للسفن التجارية، لضمان عدم نقل أسلحة بواسطة السفن التي ستبحر إلى مدينة أوديسا لشحن الحبوب، إضافة إلي إنشاء مركز مشترك للتنسيق والقيادة مكون من ممثلي روسيا وأوكرانيا وتركيا والأمم المتحدة.

التحليل:

  • يرجع توقيع الاتفاق الروسي/ الأوكراني في المقام لتجنب تفاقم نقص إمدادات الحبوب التي قد تؤدي إلى تهديد الأمن الغذائي والوصول إلى حدوث مجاعة في العديد من دول العالم، وبالتالي تم ربط الاتفاقية بأبعاد انسانية لنجاح تمريرها، وهو ما دلل عليه مشاركة مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية "مارتن غريفيث" في المفاوضات، كما يُرى أن ذلك الربط يًعد سبباً قوياً لتبرير القيادات الغربية لرجوعهم عن بعض العقوبات التي تم إقرارها سابقاً للضغط على روسيا، وذلك لتحسين صورتهم أمام الرأي العام الداخلي والخارجي.
  • اتخذ الاتحاد الاوربي خطوات تمهيديه للاتفاق منها  (في 21 يوليو 2022) تخفيف عددًا من القيود على صادرات النفط والحبوب الروسية إعفاء بعض الكيانات المملوكة لروسيا من أي عقوبات فيما يتعلق بالمنتجات الزراعية ونقل النفط إلى دول ثالثة، وفي ذات السياق أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية في 14 يوليو توضيحاً أكدت فيه ان الولايات المتحدة لم تفرض عقوبات على إنتاج، أو صناعة، أو بيع، او نقل السلع الزراعية (تشمل الأسمدة) الروسية، كما تناقلت بعض المصادر أن واشنطن تتجه لمنح ضمانات لتأمين نقل الحبوب والأسمدة الروسية بواسطة سفن كبيرة دون أن تؤثر العقوبات عليها.
  • بالرغم من توقيع الاتفاق، إلا أنه في اليوم التالي استهدفت موسكو ميناء اوديسا الأوكراني الذي يدخل ضمن الاتفاق، بما يعد رسالة واضحة بأن روسيا يمكنها في أي وقت تعطيل حركة تصدير الحبوب من أوكرانيا عبر أي مرفأ، خاصة مرفأ أوديسا الذي يعتبر أهم ميناء أوكراني على ساحل البحر الأسود، كما أن تلك الضربة تؤكد أن الحرب مستمرة على أوكرانيا خاصة ضد مناطقها الحيوية، وبما يشير إلى أن لروسيا اليد العليا في إنجاح او افشال أي اتفاق يتم توقيعه مستقبلاً فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية والتصدير عبر البحر الأسود بشكل عام، وتعبر الضربة أيضاً عن رفض موسكو الاستمرار في تشديد العقوبات الغربية ضدها، والتي كان اخرها الحزمة السابعة من العقوبات، التي تزيد الضغط على الاقتصاد الروسي.

التوقعات:

  • بالرغم من توقيع الاتفاق، إلا أن هناك بعض الرسائل المصاحبة التي تستهدف خلق حالة من الضبابية في سوق الحبوب العالمي، أبرزها ضرب ميناء اوديسا، بما يعكس أنه في أي وقت هناك احتمالية كبيرة لوقف تصدير الحبوب مرة أخرى، وهو الأمر الذي قد يدفع لتزايد الطلب على الحبوب الروسية والأوكرانية في فترة زمنية محدودة بعد بدء سريان الاتفاق فعلياً، وذلك في إطار سياسة التحوط التي قد تتبعها الدول لتخزين الحبوب ضد أي تراجع في إمدادها مرة أخرى، وهو ما قد يؤدي إلي عدم استمرار تراجع سعر الحبوب في السوق العالمي بشكل ملموس نظراً لزيادة الطلب عليها.
  • يُذكر أن مدة سريان الاتفاق تبلغ 120 يوم قابلة للتجديد، وبالتالي لا يمكن ضمان استمرار سريانها بعد انتهائها، وبالتالي العقود الآجلة للحبوب قد لا تتراجع بشكل كبير نظراً لحالة الضبابية في ضوء احتمالات تنامي مستوى التوتر المحتمل بين روسيا وأوكرانيا من جهة، وبين روسيا والغرب من جهة أخرى، كما أن تلك الفترة قد لا توفر الوقت الكافي لتصدير نحو 25 مليون طن من الحبوب والقمح الاوكراني للخارج، وذلك في ضوء أن إنشاء المركز المشترك للتنسيق والقيادة سيستغرق فترة قد تصل لشهر (وفق بعض التقديرات)، بما يعطل تدفق الحبوب حتى إنشائه، كما أن الاتفاق على كيفية التفتيش للسفن المتجهة لشحن الحبوب من أوكرانيا، والفترة التي ستأخذها عملية التفتيش الفعلية للسفن قد تعطل من حركة تصدير الحبوب، كما أن تأمين ممرات آمنة لعبور السفن قد يتطلب وقت أكبر من المرور العادي لأنه ذلك يتطلب تحضيرات عسكرية وتوافق على وقف النار في وقت مرور السفن.
  • من غير المستبعد أن تسعى موسكو لعرقلة عملية تصدير الحبوب بكامل طاقتها من أوكرانيا، لضمان استمرار ارتفاع أسعارها في السوق العالمي ضمن خطة لضمان ارتفاع جانب الطلب على طلب العرض (أسوة بسوق النفط العالمي)، وفي نفس الوقت عدم تصدير مخزون الحبوب الأوكراني بالكامل لإعادة تمديد الاتفاق الموقع مع أوكرانيا، وذلك بشرط إعادة التفاوض لرفع مزيد من العقوبات من على موسكو وأنشطتها الاقتصادية والتجارية والمالية.

 

ألقى الفريق أول ركن "محمد حمدان دقلو" (الجنرال حميدتي) نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد قوات الدعم السريع في السودان، بتصريحات أشار فيها إلى أن الجيش قد ترك أمر الحكم للمدنيين، وطالب القوى السياسية المدنية بالإسراع بالوصول إلى حلول عاجلة تؤدي لتشكيل مؤسسات الحكم الانتقالي وإجراء انتخابات حرة ونزيهة.

التحليل:

اكتسبت تصريحات الجنرال "حميدتي" أهمية خاصة نظراً لعدة ارتباطات، من أهمها ما يلي:

  •  أنها جاءت استكمالاً للقرارات التي أعلنها الفريق أول ركن "عبد الفتاح البرهان" رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش، التي أطلقها في 4 يوليو الجاري، والخاصة بانسحاب المكون العسكري من المفاوضات السياسية التي ترعاها الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة – الاتحاد الأفريقي – الايجاد) بغرض تقريب وجهات النظر مع المكون المدني وتسوية الأزمة السياسية الراهنة في البلاد، ومطالبة القوى المدنية بتشكيل حكومة كفاءات وطنية لإدارة شئون البلاد وصولاً لإجراء انتخابات برلمانية.
  •  اختبار مدى قدرة القوى السياسية المدنية على تحقيق التوافق السياسي اللازم لتشكيل حكومة وطنية، وأن الانقسامات والتباينات فيما بينها هي السبب الرئيسي وراء استمرار الأزمة السياسية الراهنة.
  • نفي ما يتردد من شائعات بشأن وجود خلافات بين الفريقين "البرهان" و"حميدتي"، خاصة وأن القرارات التي أعلن عنها "البرهان" تزامنت مع تواجد "حميدتي" في دارفور، وما أثير وقتها حول تصاعد الخلافات بين الطرفين.
  •   محاولة توحيد الجبهة الوطنية الداخلية بما فيها المكونين المدني والعسكري، حيث تضمنت التصريحات الإشارة إلى وجود مخاطر خارجية تهدد الأمن القومي للبلاد.
  •  محاولة احتواء الاحتجاجات الشعبية المتواصلة منذ 30 يونيو الماضي، من خلال التأكيد على ترك أمر الحكم للمدنيين، وبالتالي نزع المبرر لاستمرار هذه الاحتجاجات.
  •  تأييد بعض الجماعات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا النهائي للسلام لتصريحات "حميدتي"، بما يمنحها قوة دفع على المستوى الوطني.
  •  إيصال رسالة إلى المجتمع السوداني والمجتمع الدولي بدعم الجيش السوداني لعملية التحول الانتقالي في البلاد، في محاولة لتجنب فرض عقوبات أمريكية على بعض قادة الجيش المتورطين في عرقلة عملية التحول الديمقراطي في البلاد.

التوقعات:

  •   من المتوقع أن تسعى الآلية الثلاثية بالتنسيق مع المبادرة السعودية الأمريكية، للتواصل مع القوى السياسية المدنية للبحث عن حلول فاعلة للأزمة الراهنة.
  •   من المتوقع أن تقوم قوى الحرية والتغيير "مجموعة التوافق الوطني" الموالية للمكون العسكري، بالاستجابة لدعوة "حميدتي" وعقد لقاءات مع بعض القوى السياسية في محاولة للتوصل إلى توافق لتشكيل حكومة وطنية.
  •  من المتوقع أن تواجه تحركات قوى الحرية والتغيير "مجموعة التوافق الوطني" اعتراضاً من قبل المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة، وهو ما سيزيد من حدة الانقسام بين القوى السياسية المدنية وبالتالي إطالة أمد الأزمة السياسية.

قام رئيس أركان الجيش الوطني الليبي، الفريق أول "عبد الرازق الناظوري" بزيارة مفاجئة إلى العاصمة الليبية طرابلس، في 19 يوليو الجاري، في أول زيارة لمسؤول عسكري في الشرق الليبي إلى العاصمة الليبية منذ سنوات طويلة، وهو ما يعكس دلالات مهمة بشأن التحولات التي يشهدها الملف الليبي.

التحليل

-  تأتي هذه التطورات بالتوازي مع جملة من المتغيرات التي شهدها الملف الليبي خلال الأيام الأخيرة، والتي عكست وجود ترتيبات جديدة يجري التحضير لها، لعل أبرزها قرار رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة "عبد الحميد الدبيبة" بإقالة رئيس المؤسسة الوطنية للنفط "مصطفى صنع الله"، وتعيين "فرحات بن قدارة" خلفاً له، في خطوة أعتبرتها العديد من التقديرات بأنها نتاج صفقة سياسية متعددة الأبعاد.

-   ورجحت كثير من التقديرات الغربية أن أبعاد هذه الصفقة تمت بين الدبيبة وقائد الجيش الوطني الليبي "خليفة حفتر"، من أجل إنهاء حالة الانقسامات السياسية الراهنة، والتي باتت تلقي بظلالها على الأوضاع المعيشية للليبيين، والذي تجسد في الاحتجاجات الاخيرة التي شهدتها عدة مدن ليبية.

-  وعلى الرغم من استمرار الغموض بشأن تفاصيل هذه الصفقة، لكنها على الاغلب ستفرز واقعاً جديداً في المشهد الليبي، من خلال إعادة تشكيل طبيعة التحالفات القائمة، فضلاً عن انعكاساتها المحتملة على مستقبل الانقسام السياسي والعسكري في ليبيا، وربما تهدف هذه الصفقة إلى امكانية رفع احتمالات استمرارية الدبيبية في السلطة من ناحية، والضغط على موقف باشاغا من ناحية اخرى.

-  وعلى المستوى العسكري، ربما تدفع هذه الصفقة نحو احداث اختراق في ملف توحيد المؤسسة العسكرية، وهو ما تعكسه زيارة "الناظوري" إلى طرابلس، ولقائه برئيس أركان القوات التابعة لحكومة الوحدة الوطنية بغرب ليبيا، الفريق أول "محمد الحداد"، بحضور أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة 5+5، حيث أعقب هذا الاجتاع إصدار بيان مشترك للجيش الليبي، للمرة الأولى، أكد على أن رئيسي أركان الشرق والغرب قد بحثا ملف توحيد المؤسسة العسكرية وتسيمة رئيس أركان موحد، كما أشار البيان إلى الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة تتولى ملف المفقودين والمحتجزين، فضلاً عن التوافق على برنامج المصالحة لتسهيل عودة المهجرين إلى مناطقهم.

التوقعات

 في إطار المتغيرات المتسارعة التي يشهدها الملف الليبي، يمكن ترجيح ما يلي:

1-  احتمالية أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من المتغيرات في الداخل الليبي، في إطار مخرجات الصفقة المزمعة بين الشرق والغرب الليبي، وربما تكون البداية بملف المناصب السيادية، من خلال الاعلان عن تغيرات في هذه المناصب، فضلاً عما ستفرزه من إعادة هيكلة شبكة التحالفات التقليدية، وخروج بعض الأطراف من المشهد.

2-  تنامي احتمالات اتخاذ مزيد من الخطوات فيما يتعلق بالمسار العسكري، خاصةً وأن البيان المشترك الصادر عن اجتماعات "الناظوري" و"الحداد" قد ألمح إلى إتفاق الطرفين على تفعيل "القوة المشتركة" التي نصت عليها اتفاقية وقف اطلاق النار.

3-  لا تزال هناك بعض التحديات الداخلية والخارجية التي ربما تعيق مسار هذه التحولات الراهنة في المشهد الليبي، خاصةً وأن الملف الليبي يتسم بتعقد شبكة الفواعل الداخلية والخارجية.

4-  لا يزال الموقف الدولي غير واضح إزاء المتغيرات الراهنة في الملف الليبي، حيث لا تزال القوى الدولية تبني استراتيجية الترقب الحذر، خاصةً في ظل سياقات التنافس الدولي الراهن، والذي لا تعد ليبيا بمعزل عنه، وهو ما ينطبق أيضاً على البعثة الاممية، إذ لم يصدر أي موقف واضح عن المستشارة الأممية "ستيفاني ويليامز".

أعلن رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن "عبد الفتاح البرهان" في 4 يوليو 2022، انسحاب الجيش من المفاوضات السياسية التي تشرف عليها أطراف دولية وإقليمية (الآلية الثلاثية)، تاركاً المجال أمام القوى السياسية للتوصل إلى توافق حول تشكيل حكومة كفاءات وطنية لإدارة شئون البلاد فيما تبقى من المرحلة الانتقالية الراهنة، على أن يتم حل مجلس السيادة الانتقالي الحالي بعد تشكيل هذه الحكومة.

التحليل:

- أطلق الفريق أول ركن "عبدالفتاح البرهان" هذه التصريحات في ضوء ما تشهده السودان من تصعيد سياسي غير مسبوق من قبل القوى السياسية المدنية وعلى رأسها المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير منذ تسيير مليونيات "30 يونيو" في الذكرى الثالثة لإسقاط نظام الإنقاذ وعزل الرئيس السابق "عمر البشير"، حيث تتواصل الاحتجاجات الشعبية لليوم الخامس على التوالي في الخرطوم وعدد من المدن الأخرى.

- اكتسبت تصريحات الفريق "البرهان" أهمية خاصة، نظراً لعدة اعتبارات هامة، من أبرزها ما يلي:

- الكشف عن استجابة لمطالب الاحتجاجات بشأن إبعاد الجيش عن الحياة السياسية السودانية، خاصة وأن هذه التصريحات جاءت في اليوم التالي للبيان الصادر عن المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير الذي اتهمت فيه المؤسسة العسكرية بتدمير العملية السياسية، واستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين رغم إعلان الجيش قبل انطلاق هذه المظاهرات بعدم استخدام العنف ضد المتظاهرين والسماح لهم بالتعبير عن آرائهم، إلا أنها شهدت مقتل 9 متظاهرين.

- أن إعلان الجيش انسحابه من الحوار الوطني الذي تشرف عليه الآلية الثلاثية (بعثة الأمم المتحدة "يونيتامس" – الاتحاد الأفريقي – الإيجاد) يمثل مناورة تكتيكية، سوف تكشف عن حجم التباينات فيما بين القوى السياسية المدنية وخاصة فيما يتعلق بإجراء الحوار الوطني وتشكيل الحكومة التنفيذية.

- تشير تصريحات الفريق "البرهان" إلى اتجاهه لوضع بعض الإجراءات التي تضمن له البقاء في المشهد السياسي ولو بشكل غير مباشر، وذلك من خلال إشارة الفريق "البرهان" إلى أنه بعد تشكيل الحكومة التنفيذية، سيتم تشكيل "مجلس أعلى من القوات المسلحة والدعم السريع" يتولى القيادة العليا للأجهزة النظامية ويكون مسئولاً عن مهام الأمن والدفاع.

- جاءت هذه التصريحات أيضاً عقب إصدار عدد من الفاعلين الدوليين وعلى رأسهم الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج والأمم المتحدة بيانات أدانت فيها استخدام السلطات الأمنية القوة المفرطة لقمع المظاهرات، وما ترتب على ذلك من مقتل بعض المتظاهرين وإصابة آخرين وارتفاع عدد القتلى إلى 114 منذ اندلاعها بعد إجراءات 25 أكتوبر الماضي، وهو ما نفته السلطات الأمنية واتهمت في المقابل بعض لجان المقاومة بإثارة العنف والتسبب في مقتل وإصابة رجال الأمن المكلفين بتأمين المظاهرات، وفي ذلك مؤشر على استجابة نوعية للضغوط الدولية على الجيش واتهامه بعرقلة تسوية الأزمة السياسية الممتدة في السودان.

-  تشير تصريحات الفريق "البرهان" كذلك إلى نفي ما تردد خلال الفترة الأخيرة من وجود تحالف بين الجيش وحزب المؤتمر الوطني "المنحل" والحركة الإسلامية، وما أثاره ذلك من قلق أمريكي بشأن احتمالات عودة النظام السابق للسلطة مرة أخرى، وتم نفي تلك المزاعم بالتأكيد خلال هذه التصريحات على أن القوات المسلحة لن تكون مدخلاص لأي جهة سياسية للوصول إلى حكم البلاد.

التوقعات:

- من المتوقع أن تشهد الفترة القادمة اتجاه الآلية الثلاثية للاتفاق مع المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير وحزب الأمة القومي على تحديد جولات جديدة للحوار الوطني بمشاركة كافة الأحزاب والقوى السياسية المتصدرة للمشهد السياسي الراهن في البلاد.

-  أن تؤدي هذه التطورات إلى تهدئة الشارع السوداني ووضع حد للإعتصامات المفتوحة التي أعلنت لجان المقاومة الثورية تنفيذها لحين الاستجابة لمطالبهم.

-  من المرجح أن يسهم انسحاب الجيش من الحوار الوطني، في تسهيل مهمة الوساطة السعودية الأمريكية بالتنسيق مع الآلية الثلاثية لحل الأزمة السياسية الراهنة.

-  أن يؤدي تشكيل حكومة كفاءات وطنية من القوى السياسية المدنية في مرحلة لاحقة، إلى عودة تدفق المساعدات الاقتصادية والمنح الدولية التي تم تعليقها بسبب إجراءات 25 أكتوبر الماضي، وهو ما يمكن أن يسهم في التخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة في السودان.

شهدت عدة مدن ليبية احتجاجات واسعة، في مطلع يوليو 2022، تضمنت الأقاليم الليبية الثلاثة، وصلت حد اقتحام مقر البرلمان الليبي في طبرق، وذلك تنديداً بتدهور الأوضاع المعيشية، وكذا الاعتراض على حالة الانسداد السياسي المتفاقمة في البلاد.

التحليل

- جاءت اندلاع هذه الاحتجاجات الموسعة بسبب تردي الأوضاع المعيشية في ليبيا، خاصةً فيما يتعلق بأزمة الكهرباء المتفاقمة، مما دفع بعض التيارات الشعبية إلى تشكيل ائتلاف جديد تحت مسمى "حراك بالتريس الشبابي"، دعت إلى الاحتجاج على هذه الأوضاع المتردية، حيث انطلقت التظاهرات في عدة مدن ليبيا، لعل أبرزها العاصمة طرابلس، ومصراته وسرت وبنغازي وطبرق.

-  تفاقمت حدة السخط الداخلي بسبب الانقسامات السياسية الراهن في الداخل الليبي، خاصةً بعدما تعثرت اجتماعات جنيف الأخيرة بين رئيس مجلس النواب الليبي "عقيلة صالح" ورئيس المجلس الأعلى للدولة "خالد المشري" بشأن التوصل لتوافقات خاصة بالقاعدة الدستورية، ومن ثم لم تعد الاحتجاجات قاصرة فقط على الأوضاع المعيشية، بل تصاعدت مطالبها لحد الدعوة إلى إنهاء كافة الكيانات السياسية الحالية واجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

- ثمة حالة من الغموض بشأن ما إذا كانت هناك بعض الأطراف هي المسؤولة عن تحريك هذه الاحتجاجات في هذا التوقيت، غير أن ثمة تقديرات ربطت هذه الاحتجاجات بالتحركات الأخيرة التي كان المجلس الرئاسي قد أعلن عنها مؤخراً، والذي كان قد لوح إلى إمكانية تدخله حال استمرار الخلافات بين مجلسي النواب والدولة، بالتزامن مع ما اشارت إليه بعض التقارير الغربية التي ألمحت إلى وجود مبادرة يقودها المجلس الرئاسي مفادها تشكيل حكومة مصغرة يقودها المجلس الرئاسي نفسه، تتولى إدارة المرحلة الانتقالية لحين اجراء الانتخابات.

- وتعكس ردود أفعال الأطراف الليبية إزاء هذه الاحتجاجات عن وجود ترتيبات جديدة يجري التحضير لها للمرحلة المقبلة، خاصةً بعد انتهاء خارطة الطريق المنبثقة عن ملتقى الحوار الليبي، في 21 يونيو الماضي، حيث يسعى رئيس حكومة الوحدة الوطنية المقالة "عبد الحميد الدبيبة" لاستغلال هذه الاحتجاجات من أجل تعزيز موقفه الداخلي المتأزم، وهو ما انعكس في تصريحات الدبيبة الأخيرة التي لوح فيها إليه دعمه لهذه الاحتجاجات. فيما جاء البيان الصادر عن المجلس الرئاسي، في 2 يوليو الجاري، والتي أعلن خلاله أن المجلس سيظل في حالة انعقاد مستمرة لحين تحقيق مطالب الليبيين في التغيير، وافراز سلطة جديدة مقبولة، في مؤشر هام يدعم فرضية احتمالات تشكيل ترتيبات جديدة خلال الفترة المقبلة.

التوقعات

في إطار المعطيات الراهنة التي طرأت على المشهد الليبي، يمكن ترجيح ما يلي:

-  احتمالات طرح مبادرة عاجلة من قبل المجلس الرئاسي الليبي، برئاسة "محمد المنفي" من أجل تولي إدارة المرحلة الانتقالية والتحضير لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

-  يبدو أن ثمة ترتيبات دولية وأممية يجري التحضير لها بشأن خارطة طريق جديدة لإدارة المرحلة المقبلة في ليبيا، وهو ما انعكس في البيان الخماسي الأخير الصادر عن الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، فضلاً عن قرار الأمين العام للأمم المتحدة بتجديد مهام المستشارة الأممية "ستيفاني ويليامز" لمدة شهر إضافي.

أصدر المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة في شرق السودان بياناً في 29 يونيو 2022، أعلن فيه عن عدم تعامله مع "اللجنة العليا" برئاسة الجنرال "حميدتي" ومطالبة مجلس السيادة الانتقالي بحلها وحل كافة اللجان الفرعية المنبثقة عنها.

التحليل:

ترجع الأسباب الرئيسية وراء مطالبة المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة في شرق السودان، بحل اللجنة العليا المكلفة بحل أزمة شرق السودان والتي تم تشكيلها في شهر ديسمبر 2021 برئاسة نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن "حميدتي"، إلى الآتي:

‌أ. اتهام اللجنة العليا بعدم الحياد وعدم المصداقية في التعامل مع المطالب التي رفعها المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة منذ بدء أزمة شرق السودان في شهر سبتمبر الماضي، والمتمثلة في إلغاء مسار الشرق في اتفاق جوبا النهائي للسلام وتشكيل منبر تفاوضي جديد يعبر عن أهل الشرق بأسرع وقت ممكن على أن يكون المنبر الجديد ملماً بطبيعة ومكونات المشكلة في إقليم شرق السودان (البحر الأحمر - كسلا - القضارف)، كما يطالب المجلس بتنفيذ المصالحات القبلية.

‌ب. الاعتراض على عدم استجابة مجلس السيادة الانتقالي حتى الآن للمطلب الخاص بإلغاء مسار الشرق في اتفاق جوبا النهائي للسلام، وبدلاً من ذلك محاولة تمرير مسار الشرق المختلف حوله، حيث يرى "عبدالله أوبشار" مقرر المجلس "المجمد" أن هذا الاتفاق أدى إلى إشغال الحروب في إقليم الشرق كما في دارفور، دون العمل على حل الأسباب الجذرية للصراعات القبلية المتصاعدة في هذه الأقاليم.

‌ج. اتهام الأمين السياسي لمجلس البجا "سيد أبوامنة" اللجنة العليا بالخلل في صيغة تكوينها، حيث يرى مجلس نظارات البجا بأن السلطات الانتقالية قامت بتشكيل هذه اللجنة بغرض محاولة تفكيك مجلس البجا إلى مكونات متفرقة، وهو ما دفع مجلس البجا لرفض هذه المحاولات، والتأكيد على أن هذه المحاولات لن تسهم في حل مشكلة إقليم الشرق، بل ستؤدي إلى تفاقمها وفتح ميادين جديدة للصراع الاجتماعي وهو ما قد يؤدي إلى تفجر الأوضاع بالإقليم.

‌د. ارتباط مطالب مجلس البجا بحل اللجنة العليا بالانقسامات والانشقاقات التي أصابت المجلس خلال الفترة الأخيرة وخاصة بعد إعلان ناظر عموم قبائل الهدندوة "محمد الأمين ترك" قراراً في 23 يونيو الجاري، بتجميد أعمال المجلس وتشكيل لجنة تحضيرية لانعقاد المؤتمر العام، وهو ما أدى إلى انقسام المجلس إلى فريقين، الأول مؤيد لقرارات "ترك"، والفريق الآخر تزعمه مجموعة مؤثرة من القيادات الأهلية والسياسية بالإقليم والذي أعربوا عن اعتراضهم على هذا القرار، بل واتهموا ناظر عموم قبائل الهدندوة "محمد الأمين ترك" بالتواطؤ وموالاة أعضاء في المكون العسكري بهدف تفكيك المجلس الأعلى لنظارات البجا ومن ثم ضياع مطالبهم المشار إليها.

- تزامن رفع هذه المطالب مع ما يشهده إقليم شرق السودان من تجاذبات سياسية؛ بسبب قرار "الأمين ترك" بتجميد المجلس الأعلى لنظارات البجا وتوجيه حكومات ولايات البحر الأحمر والقضارف وكسلا بعدم التعاون مع أي مجموعات تدعي تمثيلها للمجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، وما ترتب على ذلك من تداعيات تمثلت في تنظيم الرافضين لهذا القرار مؤتمراً حاشداً بمدينة "بورتسودان" بولاية البحر الأحمر، أعربوا فيه عن رفضهم لمحاولات تفكيك المجلس، مستندين في ذلك إلى أنه جاء مخالفاً لمخرجات "مؤتمر سنكات"[1]، وهو ما دفعهم للتهديد بإغلاق الإقليم بالكامل، منعاً لما أطلقوا عليه محاولات "سرقة الإقليم" وتمرير مسار الشرق.

التوقعات:

- تشير التطورات الخاصة بالأوضاع الحالية في إقليم شرق السودان، إلى التوظيف السياسي للقبلية والمكونات الاجتماعية داخل الإقليم بهدف تحقيق بعض المكاسب والمصالح السياسية، إلا أن ذلك من شأنه زيادة حدة تعقيد أزمة الشرق وإطالة أمدها.

- من المتوقع أن تزداد أزمة الشرق تعقيداً خلال الفترة القادمة، مع عدم استبعاد تكرار مظاهر الضغط على السلطات الانتقالية من إغلاق للموانئ والطرق المؤدية إليها على غرار ما حدث في بداية الأزمة قبل عدة أشهر، وذلك للضغط على الخرطوم للاستجابة لمطالبهم.

- تذهب المؤشرات الحالية في اتجاه تفكك وانقسام المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة في ظل الخلافات المتصاعدة بين قياداته، وقد يترتب على هذا الانقسام تصاعد الصراعات بين المكونات القبلية المختلفة داخل إقليم الشرق، وهو ما سوف يترتب عليه استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي هناك، وكنتيجة لذلك فسوف يؤثر ذلك سلباً على حالة عدم الاستقرار السياسي التي تعاني منها السودان في الوقت الراهن، وبالتالي فإنه من المتوقع أن تستمر مظاهر عدم الاستقرار على المدى القريب.

 


[1] تم عقد مؤتمر "السلام والتنمية والعدالة" تحت شعار "تثبيت الحقوق التاريخية" مع عنوان فرعي آخر "وحدة البجا فوق كل القضايا" في 27 سبتمبر 2020 بمدينة "سنكات" بشرق السودان، ومن أبرز مخرجاته النص على منح إقليم الشرق حق تقرير المصير بسبب معاناته من التهميش السياسي والاقتصادي خلال السنوات الماضية.

 

Pages