كشفت وكالة "إنترفاكس" الروسية في 23 أغسطس 2022، أن وزارة الصناعة والتجارة الروسية أعدت قائمة بالمناطق الاقتصادية الخاصة الموجودة في 14 دولة صديقة، وهي إيران، الصين، منغوليا، فيتنام، أذربيجان، أرمينيا، كازاخستان، قرغيزستان، طاجيكستان، أوزبكستان، مصر، الإمارات، المغرب، وتركيا، التي يمكن للشركات الروسية أن تقيم أعمالاً فيها، وذلك في ضوء العقوبات المفروضة على روسيا من الدول غير الصديقة، وصعوبات شراء المواد الخام والمكونات والمعدات المستوردة التي يستخدمها المصنعون الروس.

وقد تم تجميع هذه القائمة نتيجة عمل الوزارة مع البعثات التجارية الروسية في الخارج، حيث تم تجميع المعلومات حول المناطق الاقتصادية الخاصة في البلدان الصديقة (95 موقعاً محتملاً)، وتم نقل المعلومات حول المواقع في الخارج إلى كبرى الشركات الصناعية الروسية وجمعيات الأعمال بنهاية يوليو 2022.

التحليل:

- تأتي الخطوة الروسية في إطار التصدي لمحاولات عزلها وحصار نشاطها الاقتصادي من قبل الدول الغربية، لأن بناء كيانات روسية في المناطق الاقتصادية الخاصة بالدول المذكورة، سيتيح حصولها على مستلزمات الإنتاج والسلع النهائية التي يحتاجها المُصنّع الروسي وتجاوز العقوبات التي تقيد استيرادها من السوق العالمي، وفي ذات الوقت يمكن تصدير ما يتم إنتاجه من تلك المصانع إلي روسيا أو إلي أي مكان بالعالم.

-  سيعزز ذلك الاجراء من المصالح المشتركة بين روسيا والدول المذكورة التي تحتاج لاستثمارات أجنبية لتعزز اقتصادها الوطني، وفي ذات الوقت قد تزيد موسكو من صادراتها لتلك الدول لتعويض تراجع التصدير للدول الأوروبية، تحسباً من حدوث اختناقات في قطاعات الإنتاج الروسية.

- تسعى موسكو لتوطيد شبكة علاقاتها الدولية على كافة ، وفي نفس الوقت تسعى لتعزيز تواجدها في العديد من المناطق مع خفض حالة عدم الاستقرار بها، وهو ما يبرزه جهود الوساطة لتقليص التوتر بين تركيا والنظام السوري، إضافة إلى تعزيز علاقاتها العسكرية عبر إقامة مناورات وتدريبات مشتركة مع بعض الدول، مثل تلك التي سيتم إجراءها مع الجزائر في شهر نوفمبر 2022، وتستهدف تلك التحركات الحفاظ على تواجد روسي أصيل في العديد من الملفات لإبراز دورها المستمر كلاعب فاعل في التأثير على الأمن والاستقرار العالميين، وأن دورها لا يقتصر فقط على إمدادات الطاقة وبعض السلع، والتي يمكن توفير البديل لها خلال الفترة المقبلة.

التوقعات:

- ترتبط الحركة النشطة التي تقوم بها روسيا  بمدى استجابة الدول الصديقة (كما أطلقت عليها)، وفي نفس الوقت رد فعل الدول غير الصديقة، وبالتالي من غير المرجح أن تتجه الدول الغربية لفرض عقوبات أو الضغط على الـ14 دولة سالفة الذكر لدفعها لعدم التعاون مع موسكو، وذلك تحسباً من أي ردود فعل روسية قد تعمق من حالة الركود المتوقعة في الاقتصاد العالمي الفترة المقبلة، وأيضاً لتجنب أي رفض من الدول الـ14 التي ترغب غالبيتها في جذب استثمارات أجنبية لإنعاش اقتصاداتها، خاصة أن ذلك يمس السيادة الوطنية في فترة حرجة يمر بها الاقتصاد العالمي، وفي ذات السياق قد تتحسب الدول الغربية من تشويه صورتها في حالة فرض عقوبات والرجوع فيها، أو تبُيّن عدم فاعليتها كما تؤكد العديد من وسائل الاعلام الغربية.

- من المرجح تركيز السياسة الخارجية الروسية الحالية على مناطق بعينها، أبرزها آسيا الوسطى والقوقاز، والشرق الأوسط وشمال افريقيا، مع بناء مراكز تصنيع روسية في تلك المناطق، وذلك في إطار السعي الروسي لخلق شبكة تعاون اقتصادي متعددة الأطراف في نطاقات إقليمية محددة، بما يسهم في تجاوز العقوبات الغربية بشكل أكثر فاعلية، خاصة إذا ما تم ربط تلك المراكز ببعضها البعض كسلسلة توريد واحدة، بل وقد يشجع ذلك العديد من الدول والشركات الدخول في تلك المراكز، أو حتى استيراد ما يتم إنتاجه منها، وهو ما يعني تكريس دور وأهمية روسيا والدول النامية في الاقتصاد العالمي.

 

قام المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية "كريم خان" بزيارة رسمية إلى السودان خلال الفترة 20 - 25  أغسطس الجاري، وذلك بهدف البحث في مسألة تسليم السلطات السودانية للرئيس المعزول "عمر البشير" واثنين من كبار معاونيه (وزير الدفاع الأسبق "عبد الرحيم محمد حسين" - وزير الدولة "أحمد هارون") للمحكمة الجنائية لمحاكمتهم في الاتهامات الموجهة إليهم بارتكاب جرائم حرب في دارفور عام 2003.

التحليل:

- اكتسبت زيارة مدعي العام المحكمة الجنائية الدولية للخرطوم في هذا التوقيت أهمية خاصة، نظراً لأنها تعد الزيارة الثانية التي يقوم بها مدعي الجنائية للخرطوم منذ شهر أغسطس 2021، عندما تم توقيع مذكرة تفاهم مع الحكومة الانتقالية السابقة تقضي بتبادل المعلومات وتسليم المتهمين في ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية للمحكمة الجنائية الدولية.

- دفعت الاشتباكات القبلية والعرقية المتصاعدة في دارفور منذ مطلع العام الجاري، بالمحكمة الجنائية الدولية لإعادة الاتصالات بالسودان، بعد أن تسببت هذه الاشتباكات في مقتل وإصابة آلاف الأشخاص منذ مطلع العام الجاري، كما تعالت الأصوات المطالبة للمحكمة الجنائية الدولية بتحقيق العدالة؛ لأن تأخير التحقيقات شجعت على ارتكاب المزيد من الانتهاكات داخل إقليم دارفور، وهو ما يفسر زيارة مدعي الجنائية الدولية لمعسكرات النازحين في دارفور

- تأتي هذه الزيارة أيضاً في اطار الضغوط التي يمارسها المجتمع الدولي على المكون العسكري في السودان لدفعه نحو تسليم باقي المطلوبين على قائمة الاتهامات ومحاكمتهم لإنصاف ضحايا ما تعتبره المحكمة "جرائم حرب" وقعت في دافور، وخاصة بعد تسليم "علي كوشيب" نفسه للمحكمة.

-  كما تسعى المحكمة عبر الزيارة لإعادة تنشيط الاتصالات بالسلطات الانتقالية السودانية، وذلك بعد أن تم تعليق عمل فريق التحقيق التابع للمحكمة داخل السودان؛ بسبب إجراءات 25 أكتوبر الماضي، وقيام مدعي الجنائية الدولية بإرسال تقرير إلى مجلس الأمن الدولي في شهر يناير الماضي لإبلاغه بوقف أنشطة التحقيقات بعد أن تسببت إجراءات 25 أكتوبر في انعدام للأمن وعدم الاستقرار السياسي في السودان.

التوقعات:

- من المتوقع أن تتواصل الضغوط الدولية على السلطات الانتقالية السودانية لاتخاذ المزيد من الإجراءات الأمنية لمنع تجدد الاشتباكات المسلحة وحفظ الأمن والسلم داخل ولايات دارفور، وتحسين أوضاع اللاجئين هناك.

- من المتوقع أن يتم تأجيل تسليم "البشير" للمحكمة الجنائية الدولية وذلك استناداً إلى تدهور حالته الصحية من جهة، ورفض بعض أعضاء المؤسسة العسكرية تسليمه للمحكمة باعتبار ذلك انتهاكاً لسيادة الدولة السودانية من جهة أخرى.

 

وافق وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس في 5 أغسطس الجاري  على استدعاء 25 ألف جندي احتياطي  في القيادة الجنوبية للجيش بهدف تعزيز قدراتها ،  ودعم مقدرات الدفاع الجوي، وقيادة الجبهة الداخلية، والقوات المقاتلة علي الجبهات المختلفة ، كما أمر وزير الدفاع  بالانتقال إلى حالة الطوارئ، وفتح غرفة العمليات العليا لقيادة الأركان. كما  وقع وزير الأمن الداخلي عومر بارليف، على أوامر تجنيد واستدعاء لعشرة فرق من حرس الحدود لنشرها في إسرائيل، وتحديداً في المدن الساحلية الفلسطينية ، مثل عكا وحيفا واللد والرملة.

التحليل:

1. الاهداف علي (المستوي السياسي)

  • نقل رسالة استباقية للفصائل الفلسطينية بأن الجيش الاسرائيلي سيصعد في نطاق عملياته ، وأنه لن يتعامل مع حالة الوضع الراهن لتمركز القوات  في مناطق وجودها .
  • مخاطبة الجمهور الاسرائيلي بالاساس بقدرة وزارة الدفاع ووزيرها بيني جانتس  علي توفير الحماية للشعب الاسرائيلي ، وبأن اسرائيل لديها القدرة القتالية الكاملة بما في ذلك التعبئة المتتالية  .
  • رغبة وزير الدفاع الاسرائيلي بيني جانتس في الرد علي المعارضة الاسرائيلية ،  ورئيسها نتنياهو بأنه لا تراجع أو تهاون في الدفاع عن أمن الدولة والتأكيد علي المواجهة الكاملة وليس الرد علي ضربات ضاروخية .
  •  تأكيد مكانة وزير الدفاع بيني جانتس في قلب الخريطة السياسية الحزبية باعتباره لاعبا مركزيا ورئيسيا ،  وقادر علي القيام بدوره العسكري خاصة وأن يحظي بدعم وتأييد غير مسبوق من قيادات أجهزة المعلومات ورئيس الاركان أفيف كوخافي.

2.    الاهداف علي (المستوي العسكري) 

  •  تفعيل توجيهات التدريبات والمناورات التي قام بها الجيش الاسرائيلي طوال ال50 يوما الاخيرة /  والمتعلقة بالتعامل مع أية مهددات تمس الامن القومي الاسرائيلي من الجبهات المختلفة سواء جبهة حزب الله أو قطاع غزة أو التعامل مع الخطر الايراني .
  •   اختبار تنفيذ الاجراءات الاستثنائية لعملية الاستدعاء في الظروف الاستثنائية والعادية بعد الاتهامات الاخيرة من بعض الجنرالات السابقين لوزارة الدفاع بالفشل في الحشد واستدعاء الاحتياطي في الظروف العادية.
  •  تقييم تنفيذ  توصيات خطة تطوير الجيش الاسرئيلي في مراحلها الراهنة  والتي من المفترض أن تنتهي في نوفمبر 2024 وتشمل وسائل التعامل الاستباقي مع المخاطر والتحديات من جبهة غزة تحديدا .
  •   اختبار مباشر لقدرة لواء جولاني ، وهو من القوة التي تم استدعائها  وهو من ألوية النخبة العسكرية في العمل في مسارح عمليات متعددة بعد التطوير الذي جري في بنية بعض الافرع والتشكيلات الاسرائيلية .
  •  تنفيذ توصية التدريبات والمناورات الاسرائيلية المعروفة باسم تحول 2022،  والتي طالبت بضرورة اختبار مناعة الدولة وقدراتها علي العمل في ظروف استثنائية من خلال التعبئة والحشد الدوري في مختلف الأجواء .

3.    التفسيرات المباشرة   :

  •  يعتبر هذا الاجراء رمزيا وله دلالاته السياسية والاستراتيجية النظرية خاصة وأن جبهة الجنوب مع قطاع غزة تعمل بكفاءة وفي نطاق ما يعرف باسم منطقة غلاف غزة.
  •  أن عملية الاستدعاء للجنود الاحتياط أي كان عددها تتم بصورة روتينية ،  وفي كل المواجهات مع قطاع غزة وتتم في الايام الاولي للمواجهة ( صدر القرار في الساعات الاولي من بدء الضربات علي القطاع ) ،وكجزء من تطبيق ما سُمي "العبر المستخلصة من عدوان حامي الأسوار" في العام الماضي.
  •  وكان الكنيست الإسرائيلي قد أقرّ قبل عدة أشهر تعديلين لقانون خدمة قوات الأمن: يسمح الأول للجيش بتحويل ونشر قوات من حرس الحدود في البلدات والمدن داخل إسرائيل، تحت ذريعة ضمان الاستقرار والقانون في حال اندلاع حرب جديدة أو تصعيد عسكري، سواء على الجبهة الشمالية أو الجنوبية. أما التعديل الثاني، فيخوّل إلى الجيش وحرس الحدود مواجهة الأسرى الفلسطينيين.
  •   أن قرارات الاستدعاء التي تتم بقرار من وزير الدفاع لا تحتاج لتصديق من الكنيست الاسرائيلي وغالبا ما تعود الي مهامها بعد انتهاء المواجهات وهو ما جري في المواجهتين الاخيرتين .
  •    يعتبر هذا الاجراء وسيلة ردع ليس أكثر ويتم التعامل معه من الجانب الفلسطيني علي أنه اجراء  احترازي ليس أكثر  وفي اطار شن الحرب النفسية علي سكان قطاع غزة بالاساس.
  •  أن هذه القوات التي يتم استدعائها خاصة بالاجتياحات البرية والدخول في عمق القطاع  وهو أمر غير وارد وغير مطروح تماما في هذه المواجهة لاعتبارات داخلية واقليمية عديدة .
  •  توجيه رسالة طمأنينة لسكان المستوطنات القريبة من قطاع غزة بأن الجيش الاسرائيلي يتبني كل الخيارات والبدائل والسياسات العسكرية لتوفير الامن المطلوب .

التوقعات:

‌- لن يؤثر قرار الاستدعاء للجنود الاسرائيلي علي مسارات التعامل العسكري الراهن   بصورته التقليدية ، وفي ظل التوقع بعدم استخدام أية قوات برية في المواجهة الراهنة لضعف القدرات القتالية لعناصرها علي الارض.

‌- من المرجح أن تتنامي المزايدات الحزبية في اسرائيل في خضم ما يجري خاصة وأن الوضع السياسي غير المستقر سيسمح بمزيد من التحفظات علي طبيعة ما سيجري من عمليات حيث من المرجح أن تتعامل المعارضة الاسرائيلية مع الموقف الراهن من منطق حزبي ضيق ، ووفق اتهام وزير الدفاع بيني جانتس ورئيس الاركان  أفيف كوخافي بالبحث عن مصالح شخصية  وبالفشل المسبق في التعامل مع التهديدات الراهنة.

-  سيستمر تخوف المستوطنيين الذين يقيمون في منطقة غلاف غزة من استمرار اطلاق الصواريخ أي كانت تأثيراتها خاصة وأن وجود الاف المستوطنيين في الملاجيء يوميا سيؤدي للشعور بفشل حكومي عام وليس وزارة الدفاع عن حياتهم .

-  سيتم استثمار الموقف الراهن مع جبهة غزة بصورة جيدة من الحكومة الاسرائيلية في التسريع بالحصول علي التمويل الاضافي لتطوير منظومة القبة الحديدية  وبرنامجي حيتس 1/2 اضافة لمنظومة الليزر لتأمين السموات الاسرائيلية.

- سيعلي المستوي العسكري من انتقاداته للمستوي السياسي بأنه غير قادر علي ادارة التعامل مع جبهة غزة وأنه قد ثبت  فعليا بأن تثبيت الهدنة والتوصل الي حالة لهدنة الكاملة يحتاج إلي آليات أخري أكثر ردعا وتعاملا  وهو ما سيؤثر في كل الاحوال علي مسارات العملية الانتخابية  في نوفمبر المقبل .

أعلن وزير خارجية الاتحاد الأوروبي "جوزيب بوريل" في 31 أغسطس 2022، أن وزراء خارجية دول الاتحاد اتفقوا على تعليق اتفاقية مُبرمة في عام 2007 لتسهيل إصدار تأشيرات إقامة قصيرة المدة في دول الاتحاد للروس، وبالتالي تعليق الاتفاق سيجعل حصولهم على التأشيرات أكثر صعوبة.

لفت "بوريل" إلى أن الدول الأوروبية المتاخمة لروسيا يمكنها اتخاذ إجراءات على المستوى الوطني لتقييد دخول الروس إلى الاتحاد الأوروبي، وفي ذات الوقت أكد على أهمية السماح وتيسير سفر أعضاء المجتمع المدني الروسي إلى الاتحاد الأوروبي.

التحليل:

- تأتي خطوة عرقلة استقبال دول الاتحاد الأوروبي للمواطنين الروس في إطار توظيف الاتحاد جميع أدواته الممكنة للضغط على موسكو، واستهدفت تلك الخطوة تحديداً المواطنين العاديين، وهي الخطوة التي قد تؤدي لمزيد من الحنق وإثارة الرأي العام الداخلي بروسيا، وذلك مع وضع استثناء للنشطاء في المجتمع المدني الروسي الذي قد يكون لهم دور في تحفيز المواطنين الروس للضغط على النظام، ويأتي ذلك في بموازاة ضغوط موسكو على الدول الأوروبية التي تستهدف إثارة الرأي العام الأوروبي أيضاً، على خلفية ارتفاع تكاليف المعيشة بسبب خفض إمدادات روسيا من الطاقة، والتي كان اخرها وقف ضخ الغاز الطبيعي عبر خط انابيب "نورد ستريم-1" بشكل مؤقت.

- إن تعليق اتفاقية 2007 سيسفر عن صعوبات في منح التأشيرات للروس الراغبين في دخول دول الاتحاد الأوروبي، نتيجة تزايد التكلفة والوقت اللازمين للحصول على التأشيرة، مع الوضع في الاعتبار أنه قد تم بالفعل تعليق أجزاء من اتفاقية 2007 المتعلقة بحرية تنقل المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال المقربين من الرئيس الروسي في فبراير الماضي.

إن الانقسام الداخلي في الاتحاد يعرقل من فرض ضغوط مؤثرة على روسيا، وأبرز ذلك التباين الداخلي الراهن في الاتحاد الأوروبي ما بين وقف اتفاق 2007 لإلغاء المعاملة التفضيلية لمواطني روسيا عند دخول الاتحاد الأوروبي، أو الاكتفاء بالإجراءات الاخيرة مع إمكانية تشديد دخول الروس لدول الاتحاد ووضع حصة لدخولهم، أو حتى فرض حظر شامل على دخول الروس للأراضي الأوروبية.

التوقعات:

-  يُرى أن العديد من قرارات الاتحاد الأوروبي للضغط على موسكو، مثل الخطوة الأخيرة، قد لا يكون لها أثر كبير على الداخل الروسي، خاصة وأن تلك القرارات غير صارمة وغير ملزمة على كافة الدول، ويدلل على ذلك ما ذكره زير خارجية الدنمارك "جيب كوفودكما" بأن عقد اجتماع وزراء الخارجية –المشار إليه سلفاً- في براغ بصورة غير رسمية قد يسفر عنه عدم صدور قرار قانوني بذات الشأن، وبالتالي قد تشهد الفترة المقبلة تحركات أوروبية لإصدار قرارات أو لائحة تنفيذية تتبناها الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي لتقييد دخول الروس، وقد يشمل ذلك وضع حد أقصى لعدد التأشيرات التي ستُمنح للسياح الروس، مع منح صلاحيات للدول في تقييد حركة الروس عبر حدودها داخل التكتل الأوروبي.  

- إن تعطيل منح التأشيرات وليس الحظر قد يخفض من عدد السياح الروس لأوروبا، وهو ما سيفقد العديد من الدول الأوروبية جزء من الإيرادات السياحية، وفي المقابل سيتجه العديد من الروس لوجهات سياحية أخرى لا تضع تعقيدات على دخولهم لأراضيها، ولا يستبعد أن تقوم موسكو بتقييد السفر لبعض دول الاتحاد الأوروبي في إطار الضغط المتبادل، وتعتبر ألمانيا (من إحدى معارضي فرض الحظر الشامل على دخول الروس للاتحاد الأوروبي)، واليونان وقبرص من أكبر دول الاتحاد المتوقع تراجع إيراداتها من السياحة الروسية، وبالتالي قد يشكل قرار تعليق دخول السياح الروس للاتحاد الأوروبي مثار جدل الفترة المقبلة بين الدول الأعضاء.

تستعد المستشارة الأممية "ستيفاني ويليامز" لمغادرة ليبيا، في 31 يوليو الجاري، بعد نحو أربعة اعوام ونصف العام قضتها على رأس البعثة الأممية في ليبيا، وقد وجهت ويليامز قبل مغادرتها انتقادات حادة للمسؤولين الليبيين، حملتهم خلالها نتاج تعثر الجهود الأممية فيما يتعلق بالمسار الانتخابي.

التحليل

  • تأتى خطوة إنهاء مهام المستشارة الاممية "ويليامز" في ظل سياقات داخلية مأزومة يشهدها الملف الليبي، حيث انتهت فعلياً خارطة الطريق التي كانت قد وضعتها الأمم المتحدة، وتصاعدت حدة الاستقطاب السياسي والعسكري في الداخل، فضلا عن ارتفاع وتيرة الحشد العسكري في غرب ليبيا.
  • وجهت المستشارة الأممية "ستيفاني ويليامز" اتهامات حادة للنخبة السياسية الليبية، واصفة اياهم بالانتهازية وخدمة مصالحهم الشخصية على حساب مصالح الدولة الليبية، معتبرة أن الطبقة السياسية الحاكمة في ليبيا تسعى لدفع البلاد بعيداً عن المسار الانتخابي.
  • تعكس الموافقة الأمريكية على عدم تجديد ولاية ويليامز وجود رغبة لدى واشنطن في اعادة هيكلة استراتيجيتها في الملف الليبي، بعدما فشلت الدبلوماسية الأمريكية في تحقيق اي تقدم حقيقي في تسوية الملف، فضلا عن تراجع مدى القبول الذي تحظى به ستيفاني ويليامز في الداخل الليبي.
  • عكست تصريحات المستشارة الاممية وجود حالة من الغضب الامريكي والأممي لممارسات النخبة السياسية الحالية في ليبيا، بل أن هناك بعض التقديرات التي رجحت أن هذه الانتقادات ربما تحمل اتهامات ضمنية لحكومة الدبيبة، باعتبارها السلطة التي كانت مسؤولة عن إدارة عملية الانتخابات السابقة التي كان يفترض اجراؤها في ديسمبر الماضي، وهو ما قد ينعكس على مستقبل الموقف الأمريكي إزاء القوى السياسية الليبية.

التوقعات:

  • احتمالات أن تدعم واشنطن خلال الفترة المقبلة المطالب الأفريقية السابقة الرامية لاختيار مبعوث أممي إلى ليبيا يكون من القارة الافريقية، لمحاولة حشد مزيد من الدعم من قبل القوى الاقليمية.
  • من المرجح أن يشهد ملف اختيار مبعوث أممي جديد صراعاً حاداً بين الولايات المتحدة وروسيا، وهو ما انعكس في قرار مجلس الامن الدولي الأخير بتمديد مهام البعثة الأممية لمدة ثلاثة أشهر جديدة دون تسمية رئيس لهذه البعثة، وذلك للمرة الرابعة منذ استقالة المبعوث السابق "يان كوبيتش" في سبتمبر الماضي.
  • اتجاه واشنطن لتبني استراتيجية جديدة في ليبيا تعتمد على تكثيف الانخراط المباشر في هذا الملف، والعمل على مواجهة النفوذ الروسي المتنامي هناك.

وافق وزراء الطاقة للدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، في اجتماع عُقد في 26 يوليو  2022، على تخفيض الطلب على الغاز الطبيعي بنسبة 15% مقارنة بمتوسط استهلاكه الـ5 سنوات الماضية، على أن يتم ذلك الخفض من 1 أغسطس 2022 حتى 31 مارس 2023، وذلك مع وجود استثناءات تراعي الوضع الخاص لكل من الدول الأعضاء.

تحليل:

يستهدف القرار تحقيق وفورات من الغاز قبل حلول فصل الشتاء استعدادً لأي انقطاعات محتملة لإمدادات الغاز من روسيا، وهي التي تم تخفيضها بالفعل في فترة ما بعد الحرب على أوكرانيا، وذلك بنسبة تصل إلى 30% للغاز الذي يتدفق للدول الأوروبية عبر الأنابيب (وفق وثيقة مقدمة من المفوضية الأوروبية في 20 يوليو 2022ب ِشأن تخفيض الطلب على الغاز)، فضلاً عن توفير فائض من الغاز في بعض الدول الأعضاء يمكن ضخها لدولة أخرى، كما أن القرار يأتي في اطار التحركات الأوروبية التي شددت في خطتها REPowerEU (الصادرة في 18 مايو 2022) لأنهاء الاعتماد على الطاقة الأحفورية من روسيا، وما تبعها من مطالبات على مستويات عليا من قادة دول الاتحاد لتحسين التأهب لاضطرابات العرض المحتملة على وجه السرعة.

يُشار في هذا الصدد، إلي أن شركة "غاز بروم" الروسية قد أعلنت مؤخراً تخفيض إمدادات الغاز اليومية عبر خط انابيب "السيل الشمالي-1" إلى 20% من القدرة الكاملة للخط، مرجعة ذلك إلي توقف احدى التوربينات لصيانته، علماً بان الخط كان يعمل بـ40% من طاقته نظراً لقيام كندا بصيانة احدى التوربينات، والتي أنتهت منها بالفعل بعد تأخر بسبب العقوبات على روسيا، ولكن وفق عدة مصادر بأن التوربين لم يصل بعد، مما دفع روسيا لتخفيض ضخ الغاز عبر "السيل الشمالي-1" في رد مباشر على العقوبات المفروضة، ولإبراز أن المتضرر الأول من العقوبات هي الدول التي تفرضها، وبالتالي يُرى أن من أسباب تنامي أزمة الطاقة الراهنة هو سرعة وحدة ردود الفعل المتبادلة بين روسيا والدول الغربية.

أن فكرة الاستثناءات التي تم تضمينها في الاتفاق بشأن عدم التزام بعض الدول بقرار تخفيض الطلب على الغاز، ترجع إلى مدى تباين دول الاتحاد الأوروبي في الاعتماد على الغاز الروسي، وعدم الرغبة في احداث خلاف داخلي يقوّض من التدابير الأوروبية في مواجهة روسيا، فعلى سبيل المثال رأت المجر عدم إمكانية التزامها بذلك القرار، كما أنه وفق قرار خفض الطلب على الغاز تم  إعطاء الأولوية للتدابير التي لا تؤثر على الأسر والخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والدفاع، وبناءاً على ذلك يعتبر قرار خفض الطلب على الغاز مناورة لا يمكن الاعتماد عليها في التعامل مع واقع تهديد أمن الطاقة الأوروبية، ولكن يمكن اعتبارها كمبادرة يمكن البناء عليها مستقبلاً في تحديد بعض ملامح التعامل مع نقص الطاقة التي تشهدها دول الاتحاد الاوروبي، وبأي حال من الأحوال يُرى صعوبة إحلال الغاز الروسي لأوروبا حتى الشتاء القادم نظراً لمحدودية الغاز المتداول عالمياً مقارنة بالغاز الروسي.

التوقعات:

قد تشهد الفترة المقبلة مزيد من القرارات الأوروبية، سواء الملزمة أو الطوعية، للتعامل مع الأزمة الراهنة، وقد تتضمن التحرك الأوروبي بشكل جماعي لتأمين إمدادات الغاز المسال من الأسواق العالمية، بعد ان شهدت الفترة الماضية تحركات أوروبية منفردة ترقى إلي التنافس بين بعضها البعض، إضافة إلي تكثيف العمل لدعم البنية التحتية لاستيراد الغاز وتوزيعه، بما يعني الدخول في مشاريع عملاقة لاستيراد الغاز من خارج المنطقة، سواء عبر الأنابيب أو حتى بناء محطات للإسالة في مناطق أخرى، مع إيجاد صيغة جديدة لمشاطرة إمدادات الغاز والنفط بين دول الاتحاد الأوروبي في حالة الطوارئ، وهي التي لم يتم تحديدها بشكل واضح حتى الآن، على أن يصاحب ذلك مزيد من الضغط على الدول الأوروبية لتقليص استهلاك الغاز، ففي دولة مثل إيطاليا تفرض الحكومة مستويات دنيا وقصوى للتدفئة والتبريد.

أشارت بعض المصادر السودانية إلى إعلان مجموعة من الشباب السوداني المنتمين لبعض الولايات السودانية (شمال كردفان، غرب كردفان، جزء من جنوب كردفان، ولاية جنوب دارفور، ولاية شرق دارفور، الجزء الشرقي من شمال دارفور، والمناطق الشرقية من وسط دارفور، والمناطق الجنوبية من غرب دارفور)، في 25 يوليو 2022، عن وضعهم خطة للإنفصال التام عن الدولة وإعلان دولة "كردفان الكبرى".

شملت الخطة وضع الحدود لدولة كردفان الكبرى (يحدها شرقا ولايتي النيل الأبيض والخرطوم- غرباً حدود دولة تشاد ، ومن شمال دارفور ووسط دارفور - وجنوباً حدودها دولتي إفريقيا الوسطى وجنوب السودان وحدود حواكير العرب من جنوب كردفان - شمالاً ولاية الشمالية ودولتي مصر وليبيا).

التحليل:

يمكن تفسير الإعلان عن خطة الانفصال عن الدولة وإعلان دولة كردفان الكبرى في هذا التوقيت، من خلال الأسباب والعوامل التالية:

‌أ. عدم تنفيذ الاتفاق النهائي للسلام الموقع بين الحكومة الانتقالية السابقة والحركات المسلحة في أكتوبر 2020، وخاصة فيما يتعلق بمنح ولاية جنوب كردفان حكماً ذاتياً كنوع من التعويض عن سنوات التهميش السياسي والاقتصادي التي عانت منه في عهد البشير.

‌ب.   ممارسة أكبر قدر من الضغوط على النظام السياسي الانتقالي الحالي لتحقيق مطالبهم الاقتصادية وتحسين أوضاعهم المعيشية، في ظل معاناتهم من التهميش الاقتصادي والتنموي، وذلك رغم ما تتمتع به هذه الولايات من ثروات طبيعية هائلة (زراعية - نفطية - موارد طبيعية كالذهب والنحاس والحديد - ثروة حيوانية..).

‌ج. مواجهة محاولات السيطرة على أراضي هذه الولايات (الحواكير) بما فيها من ثروات طبيعية، وأيضاً محاولات طمس هويتهم التاريخية والثقافية سواء من قبل المركز أو بعض الجماعات المسلحة مثل للحركة الشعبية لتحرير السودان - جناح عبد العزيز الحلو" في جنوب كردفان، وحركات "الزرقة" في غرب دارفور

‌د. الحصول على نسبة من عائدات هذه الثروات لمشروعات التنمية الاقتصادية، أدى إلى انهيار البنية التحتية في كل المجالات كالصحة والتعليم، وزيادة حدة الفقر والبطالة، وانتشار الجريمة والسلاح، وسيادة ثقافة العنف والنزاعات الفردية والقبلية.

‌ه. انشغال النظام السياسي الانتقالي الحالي بالصراع على السلطة بين المكونين المدني والعسكري، وهو ساهم بشكل كبير في عدم القدرة على إدارة التنوع الإثني والعرقي في هذه الولايات، وهو ما أدى إلى حدوث خلل في التوازن الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بين الأقاليم السودانية المختلفة.

‌و. استغلال عدم قدرة النظام السياسي الانتقالي على تسوية الأزمة السياسية الراهنة والممتدة منذ إجراءات 25 أكتوبر الماضي، في ظل غياب التوافق السياسي بين المكونين المدني والعسكري اللازم لحل هذه الأزمة، وأيضاً تعثر الجهود الدولية التي تقودها الآلية الثلاثية لتقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية المختلفة وتسوية هذه الأزمة.

التوقعات:

من المتوقع أن تواجه محاولات إعلان دولة كردفان الكبرى بعض العقبات، ومن أبرزها ما يلي:

‌أ. رفض سلطات الحكم الانتقالي مساعي هذه الولايات للانفصال عن باقي الدولة السودانية انطلاقاً من مبدأ المحافظة على وحدة الدولة السودانية ضد دعوات الانفصال والتقسيم، ومنعاً لقيام أية محاولات أخرى للإنفصال.

‌ب. احتمال معارضة بغض الجماعات المسلحة لقيام هذه الدولة، خاصة وأن مخطط إعلانها قد يهدد استغلال هذه الحركات لثرواتها ومنها الحركة الشعبية لتحرير السودان - جناح "عبد العزيز الحلو"" والتي تسيطر عسكرياً على جزء كبير من ولاية جنوب كردفان،  وكانت لها مطالب سابقة بالحصول على حق تقرير المصير وذلك كشرط للتوقيع على الاتفاق النهائي للسلام، ولم تستجب لمطالبه الحكومة الانتقالية السابقة قبل الإطاحة بها في 25 أكتوبر الماضي.

من المتوقع أن يقوم النظام السياسي الانتقالي الحالي بالتدخل السريع والاتصال مع الشخصيات أو الجهات التي وضعت خطة لإعلان دولة كردفان الكبرى، في محاولة لإقناعهم بضرورة البقاء ضمن الدولة الواحدة، وهنا يوجد سيناريوهين:

‌أ. السيناريو الأول، الاستجابة لمساعي النظام السياسي الانتقالي وحل القضية عبر منحهم تمييز إيجابي عبر تخصيص نسبة من عوائد الثروات الطبيعية لتحقيق التنمية الاقتصادية في تلك المناطق المهمشة.

‌ب. السيناريو الثاني، الإصرار على مطالب الانفصال، وهو ما يرجح أن تتصاعد الأمور وقد تصل إلى حد التدخل العسكري من قبل المؤسسة العسكرية لمنع الانفصال عن الدولة بالقوة، وهو ما سيترتب عليه دخول السودان في حالة من الفوضى الأمنية. 

شهدت منطقة غرب ليبيا خلال الأيام الأخيرة تجدد الاشتباكات المسلحة مرة أخرى، سواء في العاصمة الليبية طرابلس، أو في مدينة مصراته، وهو ما أثار قلقاً داخلياً وخارجياً متنامياً من احتمالات تأجيج المشهد الداخلي من جديد، خاصةً وأن هذه الاشتباكات جاءت في إطار جملة من المتغيرات التي فرضت نفسها مؤخراً على المشهد الليبي.

التحليل:

  •  شهدت العاصمة الليبية طرابلس، في 22 يوليو الجاري، اشتباكات عنيفة بين اثنتين من المليشيات المسلحة المنتشرة بالمدينة، هما "جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة" بقيادة "عبد الرؤوف كاره"، والتابع للمجلس الرئاسي، و"كتيبة ثوار طرابلس" بقيادة "أيوب بوراس" آمر جهاز الحرس الرئاسي، وهو ما خلف نحو 16 قتيل وحوالي 52 جريح وفقاً للتقديرات الأولية.
  •  امتد الصراع السياسي والعسكري إلى مدينة مصراته، حيث شهدت الأخيرة اشتباكات (غير معتادة في المدينة) بين قوات تابعة لرئيسي الحكومتين المتنافستين، "عبد الحميد الدبيبة" و"فتحي باشاغا"، فقد شهد الطريق الساحل مواجهات بين "قوة العمليات المشتركة" الموالية للدبيبة، و"لواء المحجوب" التابعة لباشاغا، قبل أن تنجح وساطة آمر شعبة الاحتياط بقوة "مكافحة الإرهاب" من تجنب التصعيد وفك الاشتباكات، وقد جاءت هذه الاشتباكات بعدما حاولت القوات التابعة للدبيبة في مصراته إلقاء القبض على باشاغا أثناء تواجده بالمدينة.
  •   وتأتي زيارة باشاغا إلى مصراته مع استعداده للقيام بزيارة أخرى إلى مدينة الزاوية في إطار التحولات التي طرأت على خريطة التحالفات الداخلية خلال الأيام المقبلة، في ظل الحديث عن وجود صفقة تم إبرامها بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية المقالة، برئاسة "عبد الحميد الدبيبة" مع قائد الجيش الليبي "خليفة حفتر"، لذا ربطت بعض التقديرات بين هذه التحركات التي يقوم بها باشاغا بمحاولته فرض واقع جديد يحول دون خروجه من المشهد، من خلال الاستفادة من حالة الانقسامات الحادة بين المجموعات المسلحة في غرب ليبيا.
  •   تمثل الاختلافات الحادة بين المجموعات المسلحة في غرب ليبيا إحدى أبرز الإشكاليات الكبرى في الملف الليبي، ويبدو أن هذه الاختلافات مرشحة لمزيد من التفاقم، وهو ما عكسته الاشتباكات الأخيرة في العاصمة الليبية طرابلس، والتي ربطتها بعض المصادر برفض بعض المليشيات في طرابلس للتفاهمات الأخيرة التي توصل إليها الدبيبة مع حفتر، خاصةً مع الزيارة التي قام بها رئيس أركان الجيش الوطني الليبي، الفريق أول "عبد الرازق الناظوري" إلى طرابلس، للمرة الأولى وعقده اجتماع مع رئيس الأركان بحكومة الدبيبة الفريق أول "محمد الحداد"، وعودة الزخم بشأن توحيد المؤسسة العسكرية، في مؤشر اعتبرته المليشيات في طرابلس بأنه يمثل تهديد لمكتسباتها التي تحظى بها في ظل الوضع الراهن. وبالتالي يمكن في هذا السياق تفسير قرار الدبيبة الأخير بإقالة وزير الداخلية بحكومته اللواء "خالد المازن"، وتكليف وزير الحكم المحلي "بدر الدين التومي" بتسيير مهام وزارة الداخلية.
  •  وتجدر الإشارة إلى أن قرار الدبيبة بإقالة رئيس المؤسسة الوطنية للنفط "مصطفى صنع الله" الأسبوع الماضي كان قد أثار غضب بعض المجموعات المسلحة في طرابلس والزاوية، والتي كانت تحشد قواتها للتصعيد، قبل أن يتمكن الدبيبة من عقد اجتماع مع قياداتها والاتفاق على التهدئة، مما يعكس وجود حالة من الاستقرار الهش داخل العاصمة، قابل للتغير في أي وقت.

التوقعات:

في إطار المعطيات السابقة، يمكن ترجيح ما يلي:

  •  على الرغم من المؤشرات الإيجابية التي عكستها بعض المتغيرات الأخيرة في الملف الليبي بشأن احتمالات التوصل إلى ترتيبات جديدة تحول دون الانزلاق في صراعات مسلحة جديدة، بيد أن الانتشار المليشاوي في غرب ليبيا، والانقسامات الواسعة والولاءات المتغيرة لهذه المجموعات يمثل تحدياً كبيراً أمام أي تسوية مقبلة.
  •  على الرغم من ترجيح غالبية التقديرات بأن حكومة باشاغا باتت أقرب للخروج من المشهد بعد التفاهمات الأخيرة المزمعة بين حفتر والدبيبة، بيد أن باشاغا لا يبدو راغباً في التسليم بهذا الخروج، ومن ثم يتوقع أن يعمل على محاولة حشد مزيد من الدعم في غرب ليبيا، الامر الذي يضفي على المشهد حالة من الالتباس وفتح المجال أمام أي تحولات محتملة.
  •  من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من الانخراط الغربي في الملف الليبي، خاصةً من قبل الإتحاد الأوروبي، من أجل الدفع نحو تحقيق تقدم في المسار السياسي، وربما يدعم هذا الطرح اللقاءات المكثفة التي عقدها السفير الألماني لدى ليبيا "ميخائيل اونماخت" خلال الأسبوع الماضي، مع عدة أطراف فاعلة في الداخل الليبي.

وقعت موسكو وكييف في 22 يوليو 2022، اتفاقيتين منفصلتين مع تركيا والأمم المتحدة بخصوص تصدير الحبوب والمنتجات الزراعية الأوكرانية العالقة في الموانئ عبر البحر الأسود، وذلك مقابل تخفيف القيود على صادرات الحبوب الروسية، وبموجب الاتفاق سيتم إعادة استخدام البحر الأسود عبر ممرات مؤمنة ووقف لإطلاق النار في مناطق العبور، وشمل الاتفاق المرافئ الأوكرانية المطلة على البحر الاسود في أوديسا بالإضافة إلى موقعين مجاورين، وينص الاتفاق أيضا على عملية تفتيش للسفن التجارية، لضمان عدم نقل أسلحة بواسطة السفن التي ستبحر إلى مدينة أوديسا لشحن الحبوب، إضافة إلي إنشاء مركز مشترك للتنسيق والقيادة مكون من ممثلي روسيا وأوكرانيا وتركيا والأمم المتحدة.

التحليل:

  • يرجع توقيع الاتفاق الروسي/ الأوكراني في المقام لتجنب تفاقم نقص إمدادات الحبوب التي قد تؤدي إلى تهديد الأمن الغذائي والوصول إلى حدوث مجاعة في العديد من دول العالم، وبالتالي تم ربط الاتفاقية بأبعاد انسانية لنجاح تمريرها، وهو ما دلل عليه مشاركة مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية "مارتن غريفيث" في المفاوضات، كما يُرى أن ذلك الربط يًعد سبباً قوياً لتبرير القيادات الغربية لرجوعهم عن بعض العقوبات التي تم إقرارها سابقاً للضغط على روسيا، وذلك لتحسين صورتهم أمام الرأي العام الداخلي والخارجي.
  • اتخذ الاتحاد الاوربي خطوات تمهيديه للاتفاق منها  (في 21 يوليو 2022) تخفيف عددًا من القيود على صادرات النفط والحبوب الروسية إعفاء بعض الكيانات المملوكة لروسيا من أي عقوبات فيما يتعلق بالمنتجات الزراعية ونقل النفط إلى دول ثالثة، وفي ذات السياق أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية في 14 يوليو توضيحاً أكدت فيه ان الولايات المتحدة لم تفرض عقوبات على إنتاج، أو صناعة، أو بيع، او نقل السلع الزراعية (تشمل الأسمدة) الروسية، كما تناقلت بعض المصادر أن واشنطن تتجه لمنح ضمانات لتأمين نقل الحبوب والأسمدة الروسية بواسطة سفن كبيرة دون أن تؤثر العقوبات عليها.
  • بالرغم من توقيع الاتفاق، إلا أنه في اليوم التالي استهدفت موسكو ميناء اوديسا الأوكراني الذي يدخل ضمن الاتفاق، بما يعد رسالة واضحة بأن روسيا يمكنها في أي وقت تعطيل حركة تصدير الحبوب من أوكرانيا عبر أي مرفأ، خاصة مرفأ أوديسا الذي يعتبر أهم ميناء أوكراني على ساحل البحر الأسود، كما أن تلك الضربة تؤكد أن الحرب مستمرة على أوكرانيا خاصة ضد مناطقها الحيوية، وبما يشير إلى أن لروسيا اليد العليا في إنجاح او افشال أي اتفاق يتم توقيعه مستقبلاً فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية والتصدير عبر البحر الأسود بشكل عام، وتعبر الضربة أيضاً عن رفض موسكو الاستمرار في تشديد العقوبات الغربية ضدها، والتي كان اخرها الحزمة السابعة من العقوبات، التي تزيد الضغط على الاقتصاد الروسي.

التوقعات:

  • بالرغم من توقيع الاتفاق، إلا أن هناك بعض الرسائل المصاحبة التي تستهدف خلق حالة من الضبابية في سوق الحبوب العالمي، أبرزها ضرب ميناء اوديسا، بما يعكس أنه في أي وقت هناك احتمالية كبيرة لوقف تصدير الحبوب مرة أخرى، وهو الأمر الذي قد يدفع لتزايد الطلب على الحبوب الروسية والأوكرانية في فترة زمنية محدودة بعد بدء سريان الاتفاق فعلياً، وذلك في إطار سياسة التحوط التي قد تتبعها الدول لتخزين الحبوب ضد أي تراجع في إمدادها مرة أخرى، وهو ما قد يؤدي إلي عدم استمرار تراجع سعر الحبوب في السوق العالمي بشكل ملموس نظراً لزيادة الطلب عليها.
  • يُذكر أن مدة سريان الاتفاق تبلغ 120 يوم قابلة للتجديد، وبالتالي لا يمكن ضمان استمرار سريانها بعد انتهائها، وبالتالي العقود الآجلة للحبوب قد لا تتراجع بشكل كبير نظراً لحالة الضبابية في ضوء احتمالات تنامي مستوى التوتر المحتمل بين روسيا وأوكرانيا من جهة، وبين روسيا والغرب من جهة أخرى، كما أن تلك الفترة قد لا توفر الوقت الكافي لتصدير نحو 25 مليون طن من الحبوب والقمح الاوكراني للخارج، وذلك في ضوء أن إنشاء المركز المشترك للتنسيق والقيادة سيستغرق فترة قد تصل لشهر (وفق بعض التقديرات)، بما يعطل تدفق الحبوب حتى إنشائه، كما أن الاتفاق على كيفية التفتيش للسفن المتجهة لشحن الحبوب من أوكرانيا، والفترة التي ستأخذها عملية التفتيش الفعلية للسفن قد تعطل من حركة تصدير الحبوب، كما أن تأمين ممرات آمنة لعبور السفن قد يتطلب وقت أكبر من المرور العادي لأنه ذلك يتطلب تحضيرات عسكرية وتوافق على وقف النار في وقت مرور السفن.
  • من غير المستبعد أن تسعى موسكو لعرقلة عملية تصدير الحبوب بكامل طاقتها من أوكرانيا، لضمان استمرار ارتفاع أسعارها في السوق العالمي ضمن خطة لضمان ارتفاع جانب الطلب على طلب العرض (أسوة بسوق النفط العالمي)، وفي نفس الوقت عدم تصدير مخزون الحبوب الأوكراني بالكامل لإعادة تمديد الاتفاق الموقع مع أوكرانيا، وذلك بشرط إعادة التفاوض لرفع مزيد من العقوبات من على موسكو وأنشطتها الاقتصادية والتجارية والمالية.

 

ألقى الفريق أول ركن "محمد حمدان دقلو" (الجنرال حميدتي) نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد قوات الدعم السريع في السودان، بتصريحات أشار فيها إلى أن الجيش قد ترك أمر الحكم للمدنيين، وطالب القوى السياسية المدنية بالإسراع بالوصول إلى حلول عاجلة تؤدي لتشكيل مؤسسات الحكم الانتقالي وإجراء انتخابات حرة ونزيهة.

التحليل:

اكتسبت تصريحات الجنرال "حميدتي" أهمية خاصة نظراً لعدة ارتباطات، من أهمها ما يلي:

  •  أنها جاءت استكمالاً للقرارات التي أعلنها الفريق أول ركن "عبد الفتاح البرهان" رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش، التي أطلقها في 4 يوليو الجاري، والخاصة بانسحاب المكون العسكري من المفاوضات السياسية التي ترعاها الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة – الاتحاد الأفريقي – الايجاد) بغرض تقريب وجهات النظر مع المكون المدني وتسوية الأزمة السياسية الراهنة في البلاد، ومطالبة القوى المدنية بتشكيل حكومة كفاءات وطنية لإدارة شئون البلاد وصولاً لإجراء انتخابات برلمانية.
  •  اختبار مدى قدرة القوى السياسية المدنية على تحقيق التوافق السياسي اللازم لتشكيل حكومة وطنية، وأن الانقسامات والتباينات فيما بينها هي السبب الرئيسي وراء استمرار الأزمة السياسية الراهنة.
  • نفي ما يتردد من شائعات بشأن وجود خلافات بين الفريقين "البرهان" و"حميدتي"، خاصة وأن القرارات التي أعلن عنها "البرهان" تزامنت مع تواجد "حميدتي" في دارفور، وما أثير وقتها حول تصاعد الخلافات بين الطرفين.
  •   محاولة توحيد الجبهة الوطنية الداخلية بما فيها المكونين المدني والعسكري، حيث تضمنت التصريحات الإشارة إلى وجود مخاطر خارجية تهدد الأمن القومي للبلاد.
  •  محاولة احتواء الاحتجاجات الشعبية المتواصلة منذ 30 يونيو الماضي، من خلال التأكيد على ترك أمر الحكم للمدنيين، وبالتالي نزع المبرر لاستمرار هذه الاحتجاجات.
  •  تأييد بعض الجماعات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا النهائي للسلام لتصريحات "حميدتي"، بما يمنحها قوة دفع على المستوى الوطني.
  •  إيصال رسالة إلى المجتمع السوداني والمجتمع الدولي بدعم الجيش السوداني لعملية التحول الانتقالي في البلاد، في محاولة لتجنب فرض عقوبات أمريكية على بعض قادة الجيش المتورطين في عرقلة عملية التحول الديمقراطي في البلاد.

التوقعات:

  •   من المتوقع أن تسعى الآلية الثلاثية بالتنسيق مع المبادرة السعودية الأمريكية، للتواصل مع القوى السياسية المدنية للبحث عن حلول فاعلة للأزمة الراهنة.
  •   من المتوقع أن تقوم قوى الحرية والتغيير "مجموعة التوافق الوطني" الموالية للمكون العسكري، بالاستجابة لدعوة "حميدتي" وعقد لقاءات مع بعض القوى السياسية في محاولة للتوصل إلى توافق لتشكيل حكومة وطنية.
  •  من المتوقع أن تواجه تحركات قوى الحرية والتغيير "مجموعة التوافق الوطني" اعتراضاً من قبل المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة، وهو ما سيزيد من حدة الانقسام بين القوى السياسية المدنية وبالتالي إطالة أمد الأزمة السياسية.

Pages