التطورات الداخلية والإقليمية في السياسة التركية

الخميس, مارس 20, 2014 - 11:00

نوع الفعالية:

عقد المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط ورشة عمل حول التطورات الداخلية والإقليمية في السياسة التركية، وذلك يوم 20 مارس 2014، بمقر المركز، شارك فيها عدد من الخبراء والباحثين المصريين، بالإضافة إلى عدد من الباحثين الأتراك، حيث وجه المركز دعوة لمشاركة كل من: الدكتور إحسان اوغلو أستاذ مساعد العلوم السياسية-جامعة الفاتح، السيد سنان يورولماز مدير مركز النيل للثقافة والفنون.

افتتح الجلسة الدكتور محمد مجاهد الزيات، رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، متحدثا عن التطورات الداخلية التي تشهدها تركيا ممثلة في الاحتجاجات وقضايا الفساد والتي أدت إلى وجود حالة من عدم الاستقرار السياسي، كما أشار إلى أن تركيا لديها مشكلات مع دول الجوار في تعبير واضح عن انتهاء سياسة صفر المشكلات التي اتبعتها لفترة طويلة، وأكد على أن تركيا تفكر في تطوير وتعزيز علاقاتها مع إسرائيل وكذلك مع إيران في ظل ما تتعرض له من ضغوط داخلية وإقليمية، متمثلة في حالة عدم الاستقرار السياسي داخل المجتمع التركي، وما يصاحبها من استحقاقات انتخابية قادمة رئاسية وبرلمانية، وانهيار نظام جماعة الإخوان المسلمين في مصر الذي كان حليفا لتركيا.

تناول الأستاذ علي جلال معوض، مدرس مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، أثر أزمة الفساد في تركيا على شعبية حزب العدالة والتنمية، حيث أشار إلى أن الأزمات التي شهدتها تركيا منذ منتصف عام 2013، بدأ من مظاهرات تقسيم، ثم قضايا الفساد والتعامل الحكومي معها، أدت إلى الخصم من أرصدة القوة الناعمة لأردوغان وحزبه.

أكد معوض على أن قضايا فساد 17ديسمبر شكلت أزمة غير مسبوقة وذلك بالنظر إلى طبيعتها كتجسيد للفساد الكبير سواء من حيث حجم المخالفات أو طبيعة المسؤولين المتورطين أو ضخامة الآثار المترتبة على الفساد، وكذلك بالنظر إلى إثارتها في مواجهة حزب ذي مرجعية محافظة /إسلامية حرص على تأكيد محاربته للفساد كأحد المقومات الأساسية لتميز الحزب واعتباره "الحزب الأبيض أو النظيف" غير الملوث بالفساد، فضلا عن تعامل الحكومة مع تلك الأزمة بدخولها في مواجهة ضد الشرطة والقضاء، وبشكل يهدد جميع المقومات الداخلية للنموذج التركي سياسيا واقتصاديا. 

وأكد معوض على أن حزب العدالة والتنمية لا يزال لديه القدرة على الفوز بالأغلبية رغم ما تعرض له في الفترة الأخيرة، وذلك للأسباب التالية:

‌أ-        غياب البديل الملائم سواء على مستوى الأحزاب أو القيادات لتوجيه الأصوات إليه كنوع من التصويت العقابي ضد العدالة والتنمية.

‌ب-   العامل الأيديولوجي حيث يرتبط مؤيدي الحزب به على أسس أيديولوجية-عقائدية سواء على خلفية الأيديولوجية المعلنة للحزب باعتباره "ديموقراطيا محافظا" أو أيديولوجيته الأكثر شيوعا على المستوى الإدراكي كحزب ذي مرجعية إسلامية. ورغم تعارض قضايا الفساد بشكل عام مع مرجعية الحزب.

‌ج-   استمرار شرعية إنجازات الحزب لاسيما على المستوى الاقتصادي، فقد يتوجه الناخبون لتغليب الاعتبارات البراجماتية ممثلة في تحسن أوضاعهم الاقتصادية تحت قيادة الحزب، والتغاضي عن قضايا الفساد طالما أن الأداء الاقتصادي لحكومات الحزب يظل أفضل بشكل عام من حكومات الأحزاب الأخرى السابقة عليها، أو تلك المرشحة لخلافتها حال التصويت العقابي ضد حزب العدالة والتنمية. 

‌د-    توظيف الحزب وجوده في السلطة لتعزيز قدرته على الدعاية الانتخابية وتقديم الوعود بالخدمات، ومحدودية اطلاع غالبية مؤيدي الحزب على مصادر المعلومات الإلكترونية، واحتمال إحداث تغييرات داخلية في الحزب باستبعاد العناصر المتورطة في قضايا الفساد (بما فيها أردوغان ذاته) وتصعيد عناصر جديدة وقيادات بديلة مثل عبد الله جول (حال تخليه عن الرئاسة) أو بولينت ارينج نائب أردوغان ورئيس البرلمان السابق وأحد العناصر المؤسسة للحزب.

أشار معوض في نهاية حديثة إلى أن اتساع نطاق أزمة الفساد يرفع احتمالات المخاطر غير الانتخابية التي يواجهها حزب العدالة والتنمية، سواء في صورة انشقاق الحزب ذاته، أو التدخل القضائي ضده أو ضد رموزه وقياداته، أو سياسات الشارع التي قد تفضي حال اتساعها إلى زيادة حالة عدم الاستقرار بما قد يوفر مبررا موضوعيا لتدخل المؤسسة العسكرية التركية بشكل مباشر أو غير مباشر.

تناول الأستاذ بشير عبد الفتاح، رئيس تحرير مجلة الديمقراطية، سياسة تركيا الإقليمية، مشيرا إلى أنه بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا في عام 2002 عمل على إحداث تغيير في السياسة الخارجية لتركيا، وذلك من خلال تدعيم علاقات تركيا بدول الجوار، وذلك لتحقيق أهداف اقتصادية وجيواستراتيجية. يأتي هذا التغير في السياسة الخارجية التركية من أجل تقوية وتعزيز موقفها التفاوضي مع الغرب، سواء فيما يتعلق بالعلاقات مع واشنطن أو حتى مساعي تركيا في دخول الاتحاد الأوروبي.

أشار عبد الفتاح إلى أن ثورات الربيع العربي أحدثت صدمة للسياسة الخارجية التركية، وذلك بسبب تأثير هذه الثورات على الداخل التركي ذاته، والتأثير الذي أحدثته على علاقات ومصالح تركيا الإقليمية والدولية، فالسياسة الخارجية التركية التي كانت تقوم على صفر المشاكل تأثرت بسبب الثورات العربية، وذلك بسبب توتر علاقات تركيا مع دول كانت تربطها بتركيا علاقات جيدة مثل مصر وسوريا، وبذلك تكون سياسة صفر المشاكل قد انتهت.

أكد عبد الفتاح على أن أثر الموقف التركي من الثورة السورية ومن نظام الأسد أثر على علاقاتها بكل من النظام السوري (والذي كان يعد حليفا في السابق)، علاوة على تأثر علاقاتها بكل من روسيا والعراق وحتى علاقاتها مع الغرب، وذلك لأنه كان في وجهة نظر الغرب الداعم لوصول الإسلاميين لسدة الحكم من خلال ترويجه للإسلام المعتدل.

وفيما يتعلق بالموقف التركي من التطورات الجارية في مصر، أكد عبد الفتاح على أن الحكومة التركية الحالية لا تزال تدعم حملات التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين لتشويه الصورة عن الأحداث في مصر، علاوة على اتجاه هذه الحكومة إلى تهديد أمن مصر القومي، وذلك من خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو إلى إثيوبيا عارضا عليها الخبرة التركية في بناء السدود.

وأشار عبد الفتاح إلى أن سياسة أردوغان حيال مصر لا تحظى بإجماع أو حتى توافق داخل تركيا، حيث تري بعض الدوائر المقربة من الحكومة، أن الموقف التركي من الحكومة المؤقتة في مصر زاد من تعقيد السياسة الخارجية لأنقرة، خاصة أنها متوترة أساسا مع القوى الكبرى مثل واشنطن والاتحاد الأوروبي وموسكو، وقد تضر هذه المواقف التركية من النظام الحالي في مصر بالعلاقة مع الدول الخليجية ومن ثم استثماراتها في تركيا، الأمر الذي إن تطور سوف يؤدي إلى عزلة تركيا عن باقي الدول المحيطة بها.

أشار عبد الفتاح إلى أنه مع استمرار خسائر أنقرة على كافة الأصعدة نتيجة للثورات العربية، لم تجد حكومة أردوغان بدا من الاتجاه إلى البحث عن حلفاء جدد ككردستان العراق، بالتوازي مع استعادة علاقاتها مع أصدقائها القدامى والتقليديين في المنطقة كإسرائيل وإيران وإثيوبيا. حيث تهدف تركيا من إعادة علاقتها مع إسرائيل إلى تحصين العلاقات التركية الأمريكية ضد أية أزمات، وتحسبا لأية مشاريع أمريكية – إسرائيلية لإعادة هندسة المنطقة جيواستراتيجيا خلال المرحلة المقبلة.

وفيما يتعلق بالعلاقات التركية الإيرانية أشار عبد الفتاح إلى أنه على الرغم من اختلاف الموقفين التركي والإيراني من الأزمة السورية، إلا أنه مؤخرا حدث تقارب بين الطرفين، ويهدف أردوغان من خلال إعادة تدعيم علاقته مع إيران إلى إعادة صوغ العلاقات الإقليمية لتركيا عبر النافذة الإيرانية، بعد الإخفاقات التي مُنيت بها سياستها في ملفات إقليمية هامة. والاستفادة من تعافى السوق الاقتصادية الإيرانية الواعدة في مرحلة ما بعد العقوبات بعد إبرام اتفاق جنيف بين إيران والدول الست المعنية بملفها النووي.

في نهاية حديثه، أكد عبد الفتاح على أنه يصعب في الوقت الحالي الحديث عن سياسة خارجية تركية مستقرة، وذلك في الوقت الذي تمر فيه تركيا بأوضاع داخلية غير مستقرة، بالإضافة إلى انتظار الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، علاوة على التغير الذي تمر به المنطقة وإعادة صياغة التحالفات الإقليمية والدولية،  وبناء عليه، لن يكون في وسع حكومة العدالة والتنمية الإقدام على أية قرارات حاسمة أو مواقف حدية أقرب إلى المغامرات على صعيد السياسة الخارجية، عموما والإقليمية منها على وجه التحديد، مخافة التأثير بالسلب على موقفها التنافسي في الاستحقاقات الانتخابية القادمة. 

تناول الدكتور طارق فهمي تطورات العلاقات التركية الإسرائيلية في الفترة الأخيرة، مشيرًا إلى أنه منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا، شهدت العلاقات التركية الإسرائيلية تراجعا، وبعد مرور عدة سنوات ما لبثت أن تغيرت هذه العلاقات من علاقات تحالف، كانت سائدة لعقد كامل قبل وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة، إلى علاقات متراجعة نسبيا على المستوى السياسي على الأقل، لاسيما بعد العدوان الإسرائيلي على  قطاع غزة في نهاية عام 2008 وبداية عام 2009، فقد أدخل هذا العدوان العلاقات بين الدولتين في مرحلة جديدة اتسمت بالتوتر السياسي وازدياد حدة انتقادات تركيا للسياسة الإسرائيلية تجاه الجانب الفلسطيني، وأشار فهمي إلى أن حادثة أسطول الحرية المتوجه إلى قطاع غزة لكسر الحصار الذي تفرضه إسرائيل عليه منذ ما يقارب أربع سنوات الذي هاجمته القوات البحرية الإسرائيلية في مايو 2010، كان من أبرز الأحداث التي ساهمت في حدة التوتر بين تركيا وإسرائيل، والتي ترتب عليها مقتل تسعة ناشطين أتراك.

أكد فهمي على أن الولايات المتحدة الأمريكية لعبت دورا في المفاوضات التي جرت بين تركيا وإسرائيل، والتي أسفرت عن تقديم الحكومة الإسرائيلية اعتذارا رسميا لتركيا لتبدأ مرحلة جديدة من العلاقات وبدء تسوية الخلافات، حيث كشف الاتفاق المبدئي عن قيام إسرائيل بدفع تعويضات إلى عائلات الأتراك الذين قتلوا خلال الهجوم على سفينة مرمرة. وأشار فهمي أن هناك مصلحة أمريكية في إنهاء هذه الأزمة على اعتبار أن الدور التركي في المنطقة، خاصة في هذه المرحلة غير المستقرة، هو دور أساسي في التقديرات الأمريكية، وأن استئناف التعاون، خاصة الأمني والعسكري بين إسرائيل وتركيا هو أحد مرتكزات الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.

وفي النهاية أشار فهمي إلى أن العلاقات الأمنية بين إسرائيل وتركيا لن تعود إلى سابق عهدها ورغم أنه سيكون هناك تعاون عسكري وأمني محدد، إلا أن إسرائيل التي أجرت مناورات مشتركة مع الجانب التركي سمحت لسلاح الجو الإسرائيلي بالتدرب على مهاجمة أهداف بعيدة مثل المنشآت النووية الإيرانية، قد وجدت بدائل منذ الأزمة من خلال تدريبات جوية مشتركة في رومانيا وبلغاريا واليونان. أن الأمر الأهم في هذه العلاقات هو التعاون في المجال الاستخباراتي. ويشار في هذا السياق أن العلاقات الاستخباراتية الوثيقة بين تركيا وإيران رغم الخلافات بينهما، تردع إسرائيل عن التعاون مع تركيا والذي قد يؤدي إلى تسرب معلومات.

عقب الدكتور مصطفى اللباد، مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية، على ما سبق عرضه بورشة العمل، حيث أشار إلى أن النموذج التركي كان نموذج غير مكتمل، حيث كان الملف الاثني يفخخ تلك التجربة، وفي الوقت ذاته تتحدث تقارير الاتحاد الأوروبي عن تراجع الديمقراطية بتركيا حيث قمع الاحتجاجات، والتضييق على الصحافة ووسائل الإعلام، وإغلاق شبكات التواصل الاجتماعي. وأشار أيضا إلى أن تركيا تشهد الأن حالة من عدم التوافق الداخلي وصراع سياسي حاد بين القوى السياسية المختلفة، أبرزها الصراع بين حركة فتح الله كولن والحزب الحاكم، والتي دفعت الحزب الحاكم إلى الانتقال من التحدث عن الدولة العميقة إلى الدولة الموازية.

وفيما يتعلق بالاستحقاقات الانتخابية المقبلة، أكد اللباد على أن حزب العدالة والتنمية سيظل أكبر كتلة موجودة في الحياة السياسية، مشيرا إلى أن المحدد الأساسي لشعبية الحزب هو أنقرة وإسطنبول، ذكر أيضا أنه لا يجب الاعتماد بنسبة كبيرة على استطلاعات الرأي التي تجريها المراكز التركية، حيث أنها تتسم بالانحياز وعدم الحيادية ومن ثم المصداقية.

وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية التركية، أشار اللباد إلى أن التقارب التركي مع إيران يرجع بالأساس إلى الرغبة التركية في الانفتاح على السوق الإيراني، والتعاون في ملف الأكراد الذي يتزايد خطرهم بمرور الوقت نتيجة للصراع الدائر في سوريا وسيطرتهم على أجزاء منها، فضلا عن إيجاد نوع من توازن المصالح والقوى بين البلدين. أكد اللباد أيضا على أن تركيا تتجه الأن إلى التواصل مع دول المحيط العربي (إيران-سوريا-إثيوبيا) بعد توتر العلاقات مع معظم الدول العربية. وأن التواجد التركي في كردستان العراق يقوم على القوة الناعمة والاقتصاد خوفا من انفصال شمال العراق الذي سيكون له تأثير على أكراد تركيا.

وفيما يتعلق بالدور الإقليمي التركي، أوضح اللباد أن تركيا لديها رؤية للمنطقة وطبيعة دورها، إلا أنها لا تمتلك القدرات التي تمكنها من تنفيذ تلك الرؤية، وأكد اللباد على أن الدور التركي يبرز عندما يتراجع الدور المصري، فالمفاوضات بين سوريا وإسرائيل، ودعم القضية الفلسطينية، ولعب دور في الصومال، ومكافحة القرصنة في البحر الأحمر، كلها أدوار ومهام كان يجب أن تقوم بها مصر، وعندما لم تقم بذلك جاءت تركيا لتحل محلها، لتصبح صاحبة النفوذ الأكبر بالمنطقة.

تحدث الأستاذ سنان يورولماز، مدير مركز النيل للثقافة والفنون، عن حركة الخدمة الإيمانية التابعة للداعية فتح الله كولن، حيث عرفها بأنها حركة اجتماعية مدنيّة تعتمد على التطوع، وتستقي إلهاماتها من الإيمان، وتهدف إلى إرساء ثقافة التعايش مع الآخر في إطار القيم الإنسانية العالمية. فهي ليست بطريقة أو مذهب، ولا تصف نفسها بالدينية أو الإسلامية.

وفيما يتعلق بعلاقة الحركة بالعمل السياسي، أكد سنان على أنها ليست حركةً سياسية أو أيدولوجية. لا تتعارض مع المؤسسة السياسية، ولكن لا تجعل منهجها الخدمة عن طريق السياسة. ليس لها ارتباطٌ قديم أو حديث بأي حزب داخل تركيا أو خارجها، ولا يدعّم المتطوعون فيها حزبا معينا بأمرٍ يأتيهم من أعلى، بل يختارون ما يختارون بإرادتهم الذاتية الحرة. تخلو أجندة الخدمة من أي مطمعٍ دنيوي ومادي، ولا تستهدف الاستحواذ على السلطة السياسية. فضلا عن ذلك لا تسعى إلى الوحدة الإسلامية بالمعنى السياسي، بل تسهم في تحقيق وحدة القلوب بين الناس.

وفيما يتعلق بأنشطة الحركة أشار سنان إلى بعض النشاطات التي تقوم بها حركة الخدمة، اجتماعات "أبانت" التي يشارك فيها الأكاديميون والمثقفون والمفكرون من جميع طوائف المجتمع، برنامج "حَرّان" المنعقد في مدينتي "اورفه وماردين"، ويشارك فيه ممثلون عن الأديان السماوية الثلاث، مؤسسات للحوار في كل أنحاء العالم، قاعات للدراسة، وفعاليات تقوم بها الجمعية الخيرية "كيمسه يوق مو-هل من مغيث؟" داخل تركيا وخارجها. فضلا عن مؤسسات تربوية وخدمية أنشأها أحباء الخدمة مثل: المدارس، والمراكز الثقافية، والحضانات، وعلى مراكز حوارية، وجمعيات لرجال الأعمال، ومؤسسات إعلامية، ومستشفيات، وغير ذلك.

بالنسبة لمصادر تمويل الحركة، أشار سنان إلى أن تمويل المشروعات التي تقوم بها الخدمة على مستوى العالم تعتمد على المساعدات المادية التطوعية التي يقدمها الجميع وعلى رأسهم رجال الأعمال المحبين للخدمة، فضلا عن المساهمات البدنية والفكرية لمَن لا يجدون إلا جهدهم وفكرهم. ورجال الخدمة وعلى رأسهم السيد الأستاذ فتح الله كولن يتحلّون بالقناعة والصدق والإخلاص والتضحية، مما هيأ لدى الناس شعورا بالثقة نحو الخدمة، وشجعهم على المساهمة في المشروعات التي تقوم بها.

تحدث الدكتور إحسان يلمز، أستاذ مساعد العلوم السياسية- جامعة الفاتح، عن تطورات المشهد السياسي التركي، حيث أوضح أن الفوز المتكرر لأردوغان في الانتخابات جعل منه ديكتاتورا، وأوضح أن أردوغان استغل فكرة الانضمام للاتحاد الأوروبي كغطاء لتمكين نفسه، وبعد أن حقق هذا الغرض بدأ في طرحة فكرة الانضمام لمنظمة شنغهاي والتي تضم دولا غير ديمقراطية ولا تحترم حقوق الإنسان، كالصين وروسيا. أكد يلمز أن حركة الخدمة لا ترغب في انضمام تركيا لمنظمة شنغهاي وترغب في انضمامه إلى الاتحاد الأوروبي، لأنها ترى في الاتحاد الأوروبي أكثر تعبيرا عن قيم الإسلام السمحة كالعدل والحرية واحترام الأديان الأخرى.

أكد يلمز على أن أردوغان استغل القضية الفلسطينية للاستهلاك المحلي لزيادة شعبيته، دون أن يقدم شيء لها، وعلى الرغم من التوتر الذي شهدته العلاقات بين تركيا وإسرائيل إلا أن العلاقات استمرت بينهما على المستويات الأخرى خاصة الاقتصادية، وفي الوقت الذي ضغطت فيه الولايات المتحدة على إسرائيل لتقديم الاعتذار لتركيا تعهدت تركيا بعدم ملاحقة المتهمين في الاعتداء على السفينة وذلك دون علم الرأي العام التركي.

أشار يلمز إلى أن أردوغان يسيطر على قطاع كبير من الاقتصاد ووسائل الإعلام التي تدعمه، فهناك حوالي عشرة قنوات وصحف يسيطر عليهم أردوغان، وبعد فضيحة الفساد أصبح القضاء والمدعون العموميون في يد أردوغان، موضحا أن الصراع مع حركة فتح الله كولن استخدم كغطاء لتبرير فضائح الفساد.

طرح اللواء/ أحمد الشربيني، نائب رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، سؤالا على السيد يلمز تمثل في هل موقف أردوغان المعادي لمصر يمثل موقف شخصي أم موقف مؤسسي؟، أوضح السيد يلمز أن هذا موقف شخصي للسيد أروغان وليس نابع من موقف مؤسسي، بل أن معظم دوائر صنع القرار التركية تطالب أردوغان بالتهدئة مع مصر والاعتراف بالأمر الواقع، لأن تلك السياسة تعرض تركيا لخسائر إقليمية.

وجه الدكتور علي جلال معوض سؤالا للسيد يلمز تمثل فيما هو موقف حركة فتح الله كولن من السياسة الخارجية التركية؟، أوضح يلمز أن الحركة تعارض توجه أردوغان نحو روسيا والصين لأن الحركة ترى في تلك الدول نموذج غير جيد للديمقراطية والحريات واحترام حقوق الإنسان، كما أن بوتين نموذج للشخصية الديكتاتورية، والحركة تشجع التوجه نحو أوروبا والانضمام للاتحاد الأوروبي، وذلك لأنه أكثر تعبيرا عن قيم الإسلام في التسامح، واحترام حقوق الإنسان، والحرية. والحركة تعارض سياسة أردوغان التي تسببت في خلق العديد من المشكلات مع دول الجوار وأضرت بصورة تركيا بالمنطقة كدعم الإخوان المسلمين وانتقاد للأوضاع بمصر.

عقب الأستاذ بشير عبد الفتاح على حديث الدكتور يلمز، حيث أشار أن حركة الخدمة تحاول تقديم نوع جديد من الإسلام السياسي وهو الإسلام الاجتماعي أو المدني أو ما بعد الإسلام السياسي، والذي يحاول أن يتلافى أخطاء تجربة الإسلام السياسي عند أردوغان ومن قبله أربكان، واختلف الأستاذ بشير مع ما قاله يلمز من أن أردوغان يرغب في الانضمام إلى منظمة شنغهاي بدافع شخصي ولنزعته الاستبدادية، حيث يرى بشير أن الرأي العام التركي، المستاء من رفض الاتحاد الأوروبي لانضمام تركيا له، هو الذي يدفع أردوغان نحو الانضمام لمنظمة شنغهاي، لإرسال رسالة للاتحاد الأوروبي بأننا لسنا في حاجة إليكم.  ووجه أستاذ بشير سؤالا أيضا يتمثل في هل فتح الله جولن يسعى برؤيته الجديدة للإسلام المدني أن يقدم بديلا لحكم أردوغان، وهل يتلقى دعم من الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق ذلك؟، وذكر أنه ليس من الضروري أن يؤسس فتح الله كولن حزب سياسي لكي يمارس السياسية فهناك وسائل غير تقليدية لممارسة السياسة كالإعلام ومن ثم فحركة كولن ستتورط في السياسة الأن أو بعد ذلك.

تمثل رد الدكتور يلمز على هذه التعقيبات والأسئلة من قبل الأستاذ بشير في: لماذا ستسعى الولايات المتحدة لإسقاط أردوغان؟، أردوغان يفعل ما تريده الولايات المتحدة وإن لم يكن ذلك ظاهرا فهو يفعل ذلك من خلف الأبواب، كما أن الولايات المتحدة تحب التعامل مع الديكتاتوريين لأنها تتعامل مع شخص واحد ولا تهتم برأي المجتمع المدني أو أحزاب المعارضة أو الرأي العام، وذكر يلمز أن الرأي العام التركي يميل نحو الاتحاد الأوروبي، ليس كعضو كامل وإنما الانخراط في العملية الأوروبية كحد أدنى لأن ذلك سيعود بالنفع عليهم سياسيا واقتصاديا، ويدرك الأتراك أن بلدهم ليست مؤهلة الأن للانضمام للاتحاد الأوروبي فهي لا تزال بلد نامي، غير متقدم تكنولوجيا، ومتأخر اقتصاديا، حيث يوجد 25 مليون شخص غني و 50 مليون شخص فقير و11 مليون عاطل، وفيما يتعلق بأن الحركة ستتورط في العمل السياسي، أكد على أن الحركة تتحدث في السياسة باعتبارها جزء من المجتمع المدني، فالحركة تطالب بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وهذه أمور سياسية، كما أن صحيفة زمان تنشر أمور سياسية، وهذه من مهام المجتمع المدني، ولكن الحركة لن تنشأ حزب سياسي ولن تسعى للسلطة.

وقد خلصت الندوة إلى ضرورة عدم التعامل مع تركيا كخصم أو عدو رغم الأزمة الراهنة في العلاقات، مع إدراك أن الصراع بين الطرفين في جانب كبير منه هو صراع على أدوار أكثر منه صراع وجودي، وأكد المشاركون على ضرورة عدم اختزال تركيا في حزب العدالة والتنمية (حيث أن هناك العديد من القوى الأخرى ذات المواقف المغايرة للحزب في مختلف القضايا يمكن التواصل معها خاصة حركة الخدمة)، وعدم اختزال حزب العدالة والتنمية في أردوغان (حيث أن هناك أجنحة معارضة جزئيا لتوجهات أردوغان داخل الحزب، فضلا عن تزايد الضغوط على أردوغان ذاته في إطار اتهامات قضايا الفساد الحالية بما قد يفسح المجال لتغيير القيادات داخليا).

تعليقات القراء