إطلالة أولى: الكونجرس... ماذا بعد؟

إطلالة أولى: الكونجرس... ماذا بعد؟

تنطلق انتخابات التجديد النصفى في الولايات المتحدة الأمريكية، وسط ترقب محلى وعالمي لنتائج الانتخابات التى تعد مؤشرا لانتخابات الرئاسة 2024، وان كان من بين آخر 19 انتخابات تجديد نصفية خسر حزب الرئيس 17 مرة. وبالتالى من المتوقع فوز الجمهوريين بأغلبية مجلس النواب كما تؤكد ذلك استطلاعات الرأي أيضا. وأظهر استطلاع الرأي الذي أجرته رويترز-إبسوس تراجع شعبية الرئيس الأميركي جو بايدن إلى 39 بالمئة، مما يعزز توقعات المراقبين المستقلين لانتخابات التجديد النصفي أن الحزب الديمقراطي سيفقد أغلبيته اليوم الثلاثاء. وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول تأثير هذا التغيير في الحكومة الأمريكية على سياسة الولايات المتحدة الامريكية تجاه مناطق النفوذ الامريكية في العالم.

 

  • التحليل:

تشير المؤشرات، سواء كانت استطلاعات الرأي أو التجربة التاريخية، أن الديمقراطيين سيفقدون على الأقل أغلبيتهم في مجلس النواب. مع الانقسام بنسبة 50-50 في مجلس الشيوخ.

تتسم الحكومة الأمريكية المنقسمة  عادة في النصف الثاني من ولاية معظم الرؤساء الأمريكيين بمناخ من الفوضى. ومما يزيد الأمور تعقيدًا أن نهاية دورة المدة النصفية تمثل البداية غير الرسمية لدورة الانتخابات الرئاسية لعام 2024. وتشير معظم التقديرات أن الرئيس السابق دونالد ترامب سيسعى إلى فترة ولاية أخرى. كما أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الرئيس بايدن سيسعى لإعادة انتخابه أم لا، وما إذا كانت نائبة الرئيس كامالا هاريس هي المرشح الديمقراطي الأوفر حظا إذا اختار بايدن عدم الترشح.

فيما يتعلق بالطريقة التي ستؤثر بها نتائج الانتخابات النصفية على السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فرغم التشابه بين مواقف الديمقراطيين والجمهوريين، فإن هناك أيضًا عدد من السياسات التي سيعارض فيها الجمهوريون سياسة الإدارة الأمريكية الحالية .

احدى جوانب السياسة الخارجية الأمريكية التي لن تغيرها حتى الحكومة المنقسمة هو الإنفاق الدفاعي. إن الديمقراطيين والجمهوريين متفقين إلى حد كبير على وجوب الحفاظ على ميزانية عسكرية كبيرة بل وزيادتها، وتقديم المساعدة العسكرية لحلفاء واشنطن في الخارج. قد تكون تفاصيل وسياسات طرق الانفاق نفسها هي محل النقاش. علاوة على ذلك، فمن المرجح أن تتوقف المقترحات الديمقراطية لإعادة توجيه إمدادات الدفاع السعودية إلى أوكرانيا، خاصة لو كان لجناح ترامب نصيبا كبيرا في هذه الانتخابات وهو الجناح الذي يعارض علنًا دعم كييف في حربها ضد روسيا.

قضايا الداخل:

  • التضخم:

يعد ارتفاع الأسعار هو الشاغل الأول للناخبين في انتخابات التجديد النصفي لهذا العام ، حيث تجاوز الإجهاض والجريمة وغيرها من القضايا الساخنة. المعتاده

تشير الاستطلاعات أن واحدا من كل ثلاثة ناخبين يشيرون إلى أن التضخم يعتبر الأولوية الأكثر إلحاحًا ، وفقًا للاستطلاعات أيضا جاء  "الحفاظ على الديمقراطية" في المرتبة الثانية. كما تشير الاستطلاعات أن الناخب الأمريكي يرى الجمهوريين أكثر قدرة من الديمقراطيين على معالجة التضخم بهامش واسع. تأتي الانتخابات في الوقت الذي ترتفع فيه أسعار المستهلكين بأسرع وتيرة منذ أربعة عقود.  

لم يكن التضخم مصدر قلق كبير عندما تولى الرئيس بايدن منصبه لأول مرةعلى الرغم من أن الوباء تسبب في زيادات منفصلة في الأسعار لأشياء مثل الخشب - إلا أن التكلفة الإجمالية للمعيشة كانت ترتفع بأقل من 2٪ سنويًا. ومع ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كوفيد -19 ، فقد الاقتصاد الأمريكي 115 ألف وظيفة في الشهر السابق لأداء بايدن اليمين.

أقر الديمقراطيون في الكونجرس مشروع قانون للإغاثة الاقتصادية العاجلة بقيمة 1.9 تريليون دولار ، والذي تضمن مدفوعات مباشرة قدرها 1400 دولار لمعظم البالغين ، إلى جانب إعانات بطالة موسعة وائتمان ضريبي جديد للأطفال.

نجح هذا القانون كحافز اقتصادي فقد أضاف بايدن أكثر من 10 ملايين وظيفة منذ أن تولى منصبه. لكن الجمهوريين يلومون خطة الإغاثة هذه و التى تم إقرارها بدون دعم من الحزب الجمهوري - في تأجيج الأسعار  وزيادة التضخم.

  • الإجهاض:

كان الإجهاض في الولايات المتحدة متاحا بفضل ما يسمى "قضية رو ضد وايد" منذ عام 1973، والذي كان مفروضا بموجبه السماح بالإجهاض قانون فيدراليا على الولايات أن تلتزم به. ولكن في يونيو 2022 ألغت المحكمة العليا هذا الحكم على المستوى الفيدرالي ليصبح لكل ولاية الحق في تقرير قانونها الخاص في هذا الشأن. فعادت مثلا ولاية ويسكونسن إلى قانون 1949 الذي يحظر الإجهاض.

وبالتالى فإن قضية الإجهاض دورا محوريا في الانتخابات النصفية، حيث يستغل الديمقراطيون هذه القضية من أجل تعبئة الناخبين لصالحهم وخصوصا من النساء وقد أشارات الاستطلاعات بالفعل أن نسبة النساء التى ستقوم بالتصويت في الانتخابات النصفية أعلى من الرجال بمقدار 17%. وبطبيعة الحال فإن الولايات الأمريكية التى يسيطر فيها الحزب الديمقراطي ستتجه إلى السماح بالإجهاض و عدم فرض قيود عليه.

  • الضرائب:

 يخطط  الجمهوريون إذا ما نجحوا في السيطرة على الكونجرس لإجبار الرئيس جو بايدن على التوقيع على تشريع جمهوري لجعل التخفيضات الضريبية لعام 2017 دائمة أو الاعتراض عليها وعرقلتها وبالتالى وصمه أمام الناخب الأمريكي بأنه الرئيس الذي فرض زيادات ضريبية على الطبقة المتوسطة الأمريكية.

إن الفوز بأغلبية  مجلس النواب تعني التحكم في الأجندة التشريعية للولايات المتحدة، كما تعني الأغلبية الضئيلة في مجلس الشيوخ أن بإمكان الجمهوريين وضع تشريعات ضريبية جديدة على مكتب بايدن. وقد صرح بايدن بالفعل إنه سيستخدم حق الفيتو لعرقلة الإجراءات التى يتخذها الجمهوريون ضد رغبته.

قضايا الخارج:

  • البترول

من المرجح أن يؤدي قرار منظمة أوبك+ لخفض الانتاج -لاعتبارات اقتصادية- إلى التأثير إيجابيا على موقف الجمهوريين وسلبا على موقف الديمقراطيين نظرا لأثر ارتفاع أسعار المواد البترولية على المواطن الأمريكي.

هذا التطور جزء من مشكلة أكبر يواجهها الرئيس بايدن ، حيث أن الرئيس بايدن في بداية فترة قام باستعداء السعودية وتجاهل المنطقة. ولكن ليس من المتوقع أن يؤدي فوز الجمهوريين إلى تغيير سياسة الولايات المتحدة النفطية بل من المرجح إذا ما استمرت أزمة النفط إلى قيام الجمهوريون بدعم مشروع القانون المقترح المسمى "نوبك" ، والذي كان السناتور الجمهوري تشاك جراسلي يدفع به خلال جلسات الكونجرس القليلة الماضية.

  • دعم إسرائيل

يشترك كلا الحزبين الأمريكيين أيضًا في دعم أمن إسرائيل اتفاقات أبراهام الأخيرة التي تم إبرامها قرب نهاية ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب. وبغض النظر عما تحاول إدارة بايدن القيام به لدمج إسرائيل مع جيرانها في الشرق الأوسط، هناك مجال واحد يمكن أن يعارض فيه الكونجرس الذي وهو قضية فلسطين. فمع السيطرة على المخصصات والسلطات الإنفاقية الأخرى، من المتوقع أن يقوم المشرعون الجمهوريون بإلقاء حواجز على الطرق عند كل منعطف إذا سعى الرئيس بايدن إلى مساعدة الفلسطينيين بشكل أكبر. قد يُسمح ببعض المساعدات - وإن كان ذلك بشروط - لكن أغلبية الحزب الجمهوري ستحاول إعاقة أي تحركات يُنظر إليها على أنها في صالح الجانب الفلسطيني ما لم تكن مرتبطة في الأساس بمصلحة إسرائيل.

  • إيران

تخلت الإدارة الديمقراطية عن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، بالإضافة إلى أن الحزب الجمهوري طالما عارض الاتفاق النووى مع إيران. وبالإضافة إلى ذلك فإن حركة الاحتجاج في إيران ، والمزاعم حول إرسال إيران طائرات بدون طيار للمساعدة في حرب روسيا في أوكرانيا تجعل العودة إلى الاتفاق أقل احتمالًا.

  • الخليج:

يتفهم الحزبان الديمقراطي والجمهوري الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية للعلاقات مع السعودية والإمارات وجيرانهما ، لكنهما مستاءان من قرار أوبك + الأخير لتعزيز إنتاج النفط وكذلك استمرار العلاقات الجيدة بين دول الخليج وروسيا، بينما ترى واشنطن أن الرئيس الروسي بوتين هو الخصم الجديد للغرب. كما ستثير استضافة الرئيس الصيني شي جين بينغ في ثلاث قمم مقبلة السعودية قلق في واشنطن على العلاقات الأمريكية السعودية العميقة والاستراتيجية، والانتخابات النصفية لن تخفف من وطأة ما يجرى من تطورات.