حذر مدير برنامج الأغذية العالمي "ديفيد بيزلي" في 18 فبراير 2023 (على هامش مؤتمر "ميونيخ للامن")، من عدم تجديد المبادرة المدعومة من الأمم المتحدة، التي مكنت أوكرانيا من تصدير الحبوب عبر الموانئ الواقعة تحت السيطرة الروسية سيكون كارثياً في ظل وجود ملايين على شفا المجاعة في إفريقيا، حيث أن هناك نحو 50 مليون شخص في القارة على شفا المجاعة، لافتاً إلى أنه مع كل الأزمات التي يواجها العالم من تغير المناخ والجفاف والفيضانات العارمة، لا يمكن تحمل انهيار مبادرة تصدير الحبوب عبر البحر الأسود على الإطلاق.
التحليل:
- يأتي تحذير المسؤول الأممي في وقت يواجه فيه العالم حالة من عدم اليقين الاقتصادي، في ضوء عدم قدرة العديد من الدول في احتواء معدلات التضخم المرتفعة، والتي أدت بدورها إلى موجة من ارتفاع اسعار الطعام حول العالم، لاسيما تلك التي يتم استيرادها من الخارج بسبب ارتفاع تكلفة النقل، وتواجه دول افريقيا عبء إضافي يتمثل في ارتفاع فاتورة الاستيراد من الخارج بسبب تراجع قيمة عملاتها المحلية أمام الدولار، وذلك في مقابل عدم وجود قاعدة تصديرية كبيرة في غالبية دول القارة تمكنها من الحفاظ على قيمة عملاتها المحلية.
- ثارت المخاوف من عدم تمديد روسيا لاتفاق الحبوب الذي من المفترض ان يتم تجديده في مارس 2023، وذلك في ضوء إشارات روسية بعدم رضاها عن بعض جوانب الاتفاق، خاصة المتعلقة بالسماح لها بتصدير الحبوب والأسمدة بدون فرض قيود عليها تحت أي مسمى، حيث ان العقوبات المفروضة على موسكو دفعت المستوردين لتقليص الاستيراد منها، وفي هذا الإطار بادرت موسكو عبر إشارة "سيرجي فيرشينين" نائب وزير الخارجية الروسي مؤخراً بانه سيكون من غير المناسب تمديد اتفاق الحبوب في البحر الأسود ما لم يتم رفع العقوبات التي تضر بصادراتها الزراعية وحل قضايا أخرى.
التوقعات:
- لا يتوقع أن يشهد الموقف الروسي تغير الفترة المقبلة، بخصوص الإصرار على إلغاء العقوبات التي تضر بصادراتها الزراعية، حيث تركز موسكو على الغاء الحظر على آلية تسوية المدفوعات والخدمات اللوجستية والتأمين التي تعرقل من انسياب تلك الصادرات، مما يعني أن موسكو قد تضع ذلك الملف كأولوية لتمرير تجديد اتفاق تصدير الحبوب عبر الموانئ الأوكرانية، وهو ما يتطلب مرونة من الدول الغربية الساعية لتقويض تمدد النفوذ الاقتصادي الروسي حول العالم، وخاصة في الدول النامية، وذلك عبر الوصول لتوافق يضمن عدم تهديد الأمن الغذائي في المناطق الهشة حول العالم، مثل أن يتم استحداث الية تُمكن روسيا من تصدير الغذاء لبعض تلك المناطق بدون قيود.
- أن عدم تجديد اتفاق الحبوب يعني زيادة حدة المجاعة في بعض دول القارة الافريقية، كما انه قد يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي في العديد من الدول بسبب تهديد الأمن الغذائي لمواطني تلك الدول، وبما يعني مزيد من موجات الهجرة تجاه الدول الأوروبية، الأمر الذي يطرح ضرورة إيجاد آلية غربية تضع الأمن الغذائي لدول القارة كأولوية، وذلك من خلال تجديد اتفاق الحبوب أو عبر ضمان إمدادات من الحبوب والغذاء لدول القارة بأسعار مناسبة، خاصة وأنه ليس من مصلحة المجتمع الدولي اندلاع موجة من عدم الاستقرار في القارة التي ستسهم عبر مواردها الطبيعية في دعم التوجه العالمي نحو طاقة مستدامة غير ملوثة للبيئة.