أعداد أوراق الشرق الأوسط

ديسمبر 2021

افتتاحية العدد/ 
                   د. أحمد الشربيني             

      يُصدر المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط العدد (90) من دورية "أوراق الشرق الأوسط" في ضوء مجموعة من التطورات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة العربية والإقليم والعالم، ولا يزال يشهد إقليم الشرق الأوسط حالة من عدم الاستقرار بسبب استمرار الصراعات والأزمات في العديد من الدول، والعجز عن التوصل إلى حلول حقيقية يمكن أن تُغير من مسار تلك الأوضاع.

فعلى صعيد المنطقة العربية، فقد فرض النسق الفكري للقيادة السياسية التونسية "الرئيس قيس سعيد" تأثيراً على صناعة قرار التغيير في البلاد، وهو ما قد تجسد في قرارات الخامس والعشرين من يوليو للعام 2021 والتي تم بموجبها اقالة رئيس الحكومة وتجميد نشاط البرلمان ورفع الحصانة عن النواب، وغيرها من الاجراءات التي وسعت صلاحيات القيادة التونسية في ادارة المرحلة الاستثنائية التي تمهد في حقيقة الأمر الطريق نحو ارساء نموذج سياسي جديد قد يفرض تصوره على شكل النظام السياسي للبلاد، إلا أن قرارات الرئيس قيس سعيد افرزت حالة من الجدل السياسي حول القضايا التي سيتم طرحها للنقاش داخل الحوار الوطني المزمع تنظيمه من قبل الرئاسة التونسية لاسيما مسألة تعديل النظامين السياسي والانتخابي، برغم أن القرارات الأخيرة جاءت استجابة لمطالبات مدنية وشعبية.

وعلى صعيد التطورات في منطقة شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، فلاتزال أزمة شرق السودان قائمة حتى الوقت الراهن، حيث لم ينجح المجلس الانتقالي السوداني في التوصل لحل فاعل للأزمة مع "المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة" الذي يقود الاحتجاجات بشرق السودان منذ سبتمبر الماضي، إلا أنه تم التوصل لاتفاق بين الطرفين على تمديد مهلة الإغلاق الكامل للإقليم لمدة خمسة عشر يوماً، وذلك عقب الاجتماع الطارئ الذي عقده المجلس مع اللجنة العليا التي شكلها مجلس السيادة الانتقالي لمعالجة الأزمة برئاسة نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول "محـمد حمدان دقلو"، لاسيما عقب انقضاء المهلة التي وضعها المجلس لمعاودة إغلاق الموانئ البحرية الواقعة على البحر الأحمر وكل الطرق في الإقليم من جديد وكان مقرراً لها في 4 ديسمبر الجاري، غير أن اللجنة العليا استطاعت إقناع المجلس الأعلى لنظارات البجا بتمديد المهلة حتى 20 ديسمبر 2021 في ظل مساعي الدولة للتوصل إلى حلول تلقى قبولاً من قبل كافة الأطراف بما فيها الأطراف الرافضة لإلغاء مسار الشرق.

ومن جانب اخر يشهد الملف الصومالي وضعية هشة ومتفاقمة في ظل الأزمات المتشابكة التي تعاني منها البلاد، والتي باتت تهدد المكتسبات التي تم تحقيقها خلال السنوات الأخيرة من خلال الشركاء الدوليين، فثمة حالة من الركود السياسي التي تهيمن على مقديشو منذ مطلع العام الجاري 2021 بسبب تعطيل اجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلاد، فضلاً عن تأزم الموقف بين الرئيس المنتهية ولايته "محمد عبد الله فرماجو" ورئيس الوزراء "محمد حسين روبيلي"، من ناحية أخرى تشهد الصومال استمراراً لتدهور الأوضاع الأمنية، حيث باتت حركة الشباب في وضعية أقوى بكثير، وتمثل تهديداً وجودياً للدولة الصومالية.

وفي هذا السياق، هناك إشكالية أخرى تزيد من قتامة المشهد الراهن في الداخل الصومالي، تتعلق بمستقبل بعثة الاتحاد الافريقي في الصومال (أميصوم) بعد 31 ديسمبر 2021، وهو التاريخ الذي سينتهي فيه تفويض الأمم المتحدة للبعثة، وفي ظل المعطيات الراهنة باتت فكرة انسحاب بعثة الأميصوم من الصومال في الوقت الحالي تمثل مؤشراً خطيراً بشأن مستقبل الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد، حال تمت عملية الانسحاب بشكل غير مدروس مع وضع بدائل فاعلة تضمن الاستقرار والحيلولة دون احداث فراغ أمنى في البلاد.

ويأتي ذلك فيما ينتشر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على نطاق جغرافي واسع في أفريقيا جنوب الصحراء، في ظل السياق السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي الذي يشهد العديد من الاضطرابات التي عززت غياب الأمن والاستقرار الإقليمي، مما شكل بيئة مناسبة لتمدد عناصر داعش التي تمتلك العديد من المقومات التي تدفع نحو انخراطها في تلك المناطق واستقطاب المزيد من المؤيدين لها.

ويظل مستقبل تنظيم داعش في أفريقيا مرهونًا بعدد من العوامل المرتبطة بقدرة الدول الإفريقية على تعزيز سبل المواجهة للقضاء على خطر داعش، من خلال معالجة الاختلالات المرتبطة بأداء ودور الدولة الذي يشهد تراجعًا متناميًّا، مما يزيد من السخط الشعبي الذي يدفع البعض للانضمام لتلك التنظيمات سعيًّا وراء الانتقام أو رغبة في جمع المزيد من الأموال والاستفادة من المزايا والإغراءات التي يقدمها داعش لمناصريه. في الوقت الذي تتزايد فيه أهمية الجهود الدولية لمواجهة التنظيمات الإرهابية النشطة في القارة لا سيما تنظيم داعش تفاديًّا لتداعيات كارثية شبيهة بسيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان، ولكن هذه المرة ستكون على نطاق واسع في قارة أفريقيا التي تعاني معظم دولها من الهشاشة والضعف ما يجعل سقوطها أمرًا سهلًا بالنسبة لداعش.

وبالنسبة لوضع الاقتصاد العالمي، فقد خلقت جائحة "كوفيد-19" العديد من الصدمات التي طالت العديد من القطاعات والمجالات، مما انعكس بدوره على المؤشرات الاقتصادية، والتي من أبرزها معدل التضخم، والذي يُتوقع له مزيد من الارتفاع أو على أقل تقدير صعوبة خفضه في المدى المنظور، نتيجة حالة عدم اليقين من الوضع الصحي وتأثيره على المشهد الاقتصادي، ويمكن إرجاع أهم أسباب التضخم الحالية إلي الأزمة التي احدثتها الجائحة في سلاسل التوريد، وارتفاع أسعار مصادر الطاقة والسلع الأساسية في الأسواق العالمية، فضلاً عن تطبيق الدول سياسات نقدية ومالية تيسيرية في مواجهة أي ركود محتمل، ويحمل ارتفاع التضخم العديد من المخاطر المستقبلية على مستوي الاقتصادين الجزئي والكلي ان لم يتم احتواءه، منها على سبيل المثال تهديد الأمن الغذائي وارتفاع معدلات الفقر، وكذا اتجاه العديد من الشركات للإفلاس، وتبعات ذلك بشكل سلبي على اقتصادات الدول والاقتصاد العالمي. 

أكتوبر 2021

 

افتتاحية العدد/ 
                  د. أحمد الشربيني

                    يُصدر المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط العدد (89) من دورية "أوراق الشرق الأوسط" في ضوء مجموعة من التطورات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة العربية والإقليم والعالم. ولا يزال يشهد إقليم الشرق الأوسط حالة من عدم الاستقرار بسبب استمرار الصراعات والأزمات في العديد من الدول، والعجز عن التوصل إلى حلول حقيقية يمكن أن تُغير من مسار تلك الأوضاع.

          شهدت المنطقة العربية العديد من التطورات خلال الأسابيع الأخيرة. فعلى صعيد التطورات المغربية، عاد حزب العدالة والتنمية الاسلامي إلى صفوف المعارضة السياسية بعدما حقق نتائج متراجعة في الانتخابات التشريعية، وقد كلف العاهل المغربي عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار الليبرالي، الذي تصدر نتائج الانتخابات، بتشكيل الحكومة المغربية الجديدة، لتنتهي بذلك فترة عشر سنوات قاد فيها حزب العدالة والتنمية الائتلافات الحكومية في البلاد.

          كما شهدت الساحة السودانية مؤخراً مستجدات خطيرة، حيث حاول عدد من ضباط سلاح المدرعات بالجيش السوداني تنفيذ محاولة انقلاب عسكري على الحكم الانتقالي الحالي، إلا أن السلطات الأمنية والعسكرية سارعت بالتصدي لهذه المحاولة ونجحت في إفشالها وإلقاء القبض على المتورطين فيها، وبدء التحقيقات مع الضباط المعتقلين. وتشير المعلومات الأولية إلى تورط تنظيم الإخوان المسلمين في التخطيط لهذه المحاولة، الأمر الذي يؤكد على حقيقة تغلغل أنصار النظام السابق داخل المؤسسة العسكرية.

          وتشهد منطقة المغرب العربي حالة من التوتر اللافت، حيث تأزمت العلاقات الجزائرية المغربية على خلفية إعلان الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ثم إغلاقها للمجال الجوي أمام كل الطائرات العسكرية والمدنية المغربية، مبررة مواقفها بمواصلة الرباط "استفزازاتها وممارساتها العدائية". ولا شك أن هذا التوتر أعاد للواجهة مجدداً مسألة الصراع بين البلدين على الصحراء الغربية، وسيؤثر على حالة الاستقرار الهش في منطقة المغرب العربي، وسيُتيح الفرصة لقوى إقليمية ودولية أن تُزيد نفوذها في هذه المنطقة.

          وعلى صعيد أخر، تشهد القارة الأفريقية حالة لافتة من الانخراط الدولي، حيث تحاول روسيا الارتكاز على عدد من الدول الأفريقية مثل مالي لتكون بوابة لها إلى منطقة الساحل والصحراء وغرب أفريقيا، من أجل تعزيز نفوذها وإيجاد موطئ قدم لها في المنطقة الاستراتيجية، والاستفادة من الثروات والموارد الطبيعية وتوسيع العلاقات الاقتصادية والتجارية مع دول المنطقة. وفي ضوء تطور العلاقات الروسية المالية خلال الفترة الأخيرة، تشعر القوى الأوروبية لا سيما فرنسا وألمانيا بمزيد من القلق إزاء التوجه الروسي الجديد في المنطقة خوفًا من تصاعد الدور الروسي في المنطقة الذي على حساب تلك القوى مما يهدد مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، لا سيما أن هناك قبولًا شعبيًا بالانخراط الروسي في المنطقة. وهو ما قد يترتب عليه المزيد من العسكرة لمنطقة الساحل والصحراء نتيجة التنافس المحتدم بين القوى الدولية، مما يزيد من تعقد السياق الإقليمي المضطرب بالأساس في المنطقة خلال الفترة الأخيرة.

          وثمة تطورات لافتة تشهدها العلاقات التركية الروسية، فبعد فترة طويلة من التعاون والتقارب والتنسيق المشترك في العديد من الملفات والتي نتج عنها اتفاقات خفض التصعيد في سوريا، واتفاق وقف النار في أذربيجان، وصفقة صواريخ إس-400، بدا وأن أفق التعاون قد ضاقت وأن مساحات الخلاف بدأت في الاتساع. ويعني ذلك أن تطورات الملفات المختلفة في الفترة القادمة، والتي من المفروض أن تشمل تسوية سياسية وبالتالي توزيعاً للمكاسب الاقتصادية والنفوذ، ستُظهر بشكل واضح تضارب المصالح بين الطرفين بما يضع نهاية للنهج التعاوني.

          ويُثار الجدل حول إمكانية توصل الولايات المتحدة وإسرائيل إلى استراتيجية مشتركة لمواجهة التهديدات النووية الإيرانية والتعامل مع سلوك طهران النووي والخبيث المهدد لاستقرار المنطقة، وذلك في حالة عدم القدرة على استئناف محادثات فيينا وتيقن إدارة بايدن من عدم قدرتها على إرغام طهران للعودة للاتفاق النووي لعام 2015. ويمكن القول إن الملف النووي الإيراني بات من أكثر القضايا الخلافية بين الإدارة الأمريكية وإسرائيل في الوقت الراهن، ولاسيما في ظل اقتراب طهران من امتلاك السلاح النووي. 

أبريل 2021
 

افتتاحية العدد /

                                  د. أحمد الشربيني

يُصدر المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط العدد (87) من دورية "أوراق الشرق الأوسط" في ضوء مجموعة من التطورات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة العربية والإقليم والعالم. ولا يزال يشهد إقليم الشرق الأوسط حالة من عدم الاستقرار بسبب استمرار الصراعات والأزمات في العديد من الدول، والعجز عن التوصل إلى حلول حقيقية يمكن أن تُغير من مسار تلك الأوضاع.

          شهدت المنطقة العربية العديد من التطورات خلال الأسابيع الأخيرة. فعلى صعيد التطورات التونسية، يبرز الحراك الاحتجاجي بالتزامن مع الذكرى العاشرة للثورة وذكرى وقوع عدد من الاغتيالات السياسية. وتمثل الاحتجاجات الأخيرة تحدياً واضحاً لحكومة "هشام المشيشي" المنشغل بكيفية تحقيق ترضيات سياسية وحزبية من أجل البقاء على رأس الحكومة، وهو ما جعل هذه الحكومة تقع في نفس أخطاء الحكومات التونسية المتعاقبة.

          كما شهدت الساحة السياسية الفلسطينية مؤخراً مستجدات على صعيد الاستعداد لإجراء الاستحقاقات الانتخابية المنتظرة خلال العام 2021. ويعطي تحديد مواعيد لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في شهري مايو ويوليو على التوالي بصيص أمل للفلسطينيين لمعالجة الانقسام الممتد من حوالي عقد ونصف. وعلى الرغم من هذا التفاؤل، إلا أن إمكانية تأجيل تلك الانتخابات يبقى وارداً بقوة في ضوء بعض العراقيل، والتي يأتي على رأسها تصاعد الانقسامات داخل حركة فتح.

          من جانب آخر تشهد منطقة شرق أفريقيا والقرن الأفريقي تفاعلات كبيرة، لعل أبرزها توقيع الرئيس الصومالي "عبد الله فرماجو" مؤخراً قانوناً يمدد ولايته وولاية البرلمان لمدة عامين. ومن اللافت تزايد القوى الرافضة لقرار التمديد الرئاسي، كما برزت انتقادات شديدة اللهجة من جانب شخصيات رفيعة في أجهزة الأمن الوطنية الصومالية لـ "فرماجو" على خلفية تمديده لولايته الرئاسية، وهو الأمر الذي يزيد من إمكانية وقوع محاولات للانقلاب عليه مستقبلاً.

          ولا تقل التطورات الإثيوبية أهمية، خاصةً وأن الاضطراب الأمني الذي شهده إقليم التيجراي في نزاعه مع الحكومة المركزية في إثيوبيا قد أثر بشكل مباشر على نمط العلاقات السودانية الأثيوبية، حيث أصبح التوتر المتصاعد يغلب على نمط العلاقات الثنائية بين الجانبين في الوقت الراهن. ومن غير المستبعد أن يتحول ذلك التوتر المحدود إلى تصعيد عسكري في ظل عدم تسوية أزمة الحدود المشتركة بينهما، فقد منحت أزمة التيجراي الفرصة للسودان من أجل إعادة فرض سيطرته وسيادته على الأراضي التابعة له والتي كانت تحت سيطرة الجانب الأثيوبي.

          ويأتي ذلك فيما تتصاعد معدلات التعاون الإيراني الصيني غير المسبوقة، ويتضح ذلك من خلال توقيع البلدين مؤخراً على اتفاق شراكة استراتيجية لمدة 25 عاماً على الأقل. وعلى الرغم من عدم نشر تفاصيل هذا الاتفاق، إلا أنه يعد امتداداً جديداً للمشروع الصيني الخاص بمبادرة الحزام والطريق، التي تشمل بناء طرق تربط الصين ببقية أنحاء العالم مما يمكنها من توسيع نفوذها كقوة عالمية.

          وكان من اللافت أنه على الرغم من تصاعد حدة التوتر الإقليمي بين إيران وتركيا مؤخراً نتيجة وجود عوامل دافعة إلى التنافس أكثر من العوامل الجامعة لكليهما، سواء تعلق ذلك بعوامل جغرافية أو تاريخية أو ديمغرافية، إلا أن البلدين تمكنتا من إدارة علاقتهما بشكل يسمح بتعظيم العلاقات وتقليل حجم مساحات الاختلاف، وتقليص المواقف التنافسية لحساب المواقف التعاونية. 

Pages