|
افتتاحية العدد |
لواء/ أحمد الشربيني |
يصدر المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط العدد (73) من دورية "أوراق الشرق الأوسط" في ضوء مجموعة من التطورات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة العربية والإقليم والعالم في ظل ترقب وصول رئيس جديد للولايات المتحدة سيعيد ترتيب الحسابات الأمريكية السياسية والاستراتيجية في أنماط وتفاعلات العلاقات مع الدول العربية وفي آسيا وفي النطاقين الأوروبي والأمريكي اللاتيني.
فعلى المستوي العربي والمشهد المغربي خاصة، عكست التطورات على الساحة الداخلية أزمة سياسية واضحة جراء عدم انتهاء رئيس الحكومة المكلف "عبد الإله بن كيران" من المشاورات اللازمة لتشكيل الحكومة الجديدة وفق نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حيث لم يتمكن من توفير الأغلبية البرلمانية الكافية لتشكيل حكومته (198 صوتاً على أقل تقدير) بسبب احتدام الخلافات بين القوى الحزبية والسياسية المتمسكة بشروطها للانضمام للحكومة المقبلة لاسيما حزبي الاستقلال، والتجمع الوطني للأحرار، مما دعا العاهل المغربي التدخل أكثر من مرة للضغط من أجل تسريع المشاورات، وستظل التخوفات السياسية قائمة من الذهاب لسيناريوهات إجراء انتخابات مبكرة أو تكليف قيادة توافقية أخرى من داخل حزب العدالة والتنمية لتشكيل الحكومة مازالت قائمة، أما التطورات على صعيد السياسة الخارجية فقد شهدت تقدماً ملحوظاً في ضوء سلسلة الزيارات الناجحة للعاهل المغربي لعدد من الدول الأفريقية في سبيل إعادة احياء الدور المغربي في أفريقيا عبر فتح المجال لشراكات استثمارية تنموية هامة.
كما شهدت تونس العديد من التطورات، ففي الوقت الذي صعد فيه سقف التوقعات المتفائلة للأثار الإيجابية التي طرحتها نتائج المؤتمر الاستثماري الدولي الذي انعقد بتونس أواخر نوفمبر الماضي على المشهد التونسي، توالت مجموعة من التطورات المتلاحقة والمتزامنة التي أحدثت اختلالاً في تقييم مستقبل الوضع الأمني والسياسي بالبلاد، ويأتي في مقدمة تلك التطورات حالة الجدل المثارة تجاه تبعات التلويح بعودة الإرهابيين التونسيين من مناطق القتال في سوريا والعراق وليبيا وغيرها والذي أكد استمرار تخوف القوى السياسية الحاكمة بتونس وعلى رأسها حركة النهضة الإسلامية، من خطورة الاقدام على تشريع قانون لاحتواء العائدين ومن ثم يحرص من خلال تحالفه مع حزب "نداء تونس" على التمهيد لقبول الفكرة مجتمعياً، بالإضافة الي إحتمال حدوث تداعيات عملية الاغتيال التي طالت المهندس محمد الزواري في أحد محافظات الجنوب التونسي، وتورط فيها جهاز الموساد بدعوى أنه قيادي تنظيمي ومنتمي لكتائب عز الدين القسام التابعة لحركة حماس، وهو ما أثار نقاشاً حول أداء المؤسسات الرسمية وخاصة الأمنية، وواقع العلاقات التونسية – الإسرائيلية.
وفيما يتعلق بالحالة الجزائرية، شهدت الجزائر مؤخراً موجة تغييرات كبيرة على الصعيد السياسي والأمني، مما يعكس الجدل السياسي القائم بين مختلف الأطراف السياسية في الجزائر، حول صعوبة المرحلة الراهنة، وما يتعلق بها من ترتيبات لمرحلة ما بعد الرئيس الحالي "عبد العزيز بوتفليقة"، في ظل الحالة الصحية المتدهورة للرئيس، وتداعيات ذلك داخلياً وخارجياً، وإرهاصات التقارير المختلفة التي تشكك في قدرة "بوتفليقة" في إدارة شئون البلاد.
وختاماً سيشهد "العالم العربي" جملة من التطورات المفصلية التي تدفع العالم العربي لإعادة ترتيب الأولويات وفقاً للتغيرات الإقليمية والدولية، ولعل إعلان انعقاد القمة العربية المقبلة في الأردن في مارس المقبل سوف يمثل فرصة مناسبة لبحث التحديات المطروحة.
وعلي صعيد العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، مازال المشهد السياسي مجمداً علي مستوي المفاوضات المقترحة روسياً وفرنسياً ومصرياً وفي ظل استمرار حالة الانقسام بين قطاع غزة والضفة الغربية وتحرك إسرائيل لفرض سياسة الأمر الواقع من خلال استكمال بناء 7100 وحدة سكنية في القدس والتخطيط لتحقيق أغلبية سكانية في القدس الكبرى مع التعامل مع تبعات (قرار 2334) الصادر يوم 23 ديسمبر 2016 في مجلس الأمن، وفي ظل ترقب إسرائيل لأبعاد وتداعيات انعقاد مؤتمر باريس خلال الفترة المقبلة، إضافة لدخول روسيا علي خط الوساطة لعقد لقاء نتانياهو – محمود عباس في موسكو.
علي جانب أخر تخطط إسرائيل للتعامل مع الإدارة الأمريكية الجديدة بمنظور واقعي نفعي مباشر والسعي لتطوير برنامج المساعدات بالإضافة لإنتظار قرار الإدارة الأمريكية بنقل السفارة إلي القدس وهو ما يمكن أن يثير إشكاليات عربية وإسلامية ودولية عديدة.
أما علي صعيد التطورات علي المشهد الإيراني، فتشهد السياسة الداخلية والإقليمية قدراً من التشابك والتعقيد، خاصة فيما يتعلق بتدهور الأوضاع الصحية للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية أية الله علي خاميني خلال الفترة الماضية بما سيؤدي لتداعيات علي مستقبل إيران وسط حديث عن صراع علي السلطة في إيران، خاصة وأن أي تحول سيحدث سوف يأتي في أخطر وقت من تاريخ إيران الذي امتد علي طول 35 سنة، بسبب ما يجري من تغيرات سياسية واجتماعية محلية غير مسبوقة من ناحية وبسبب الأحداث الإقليمية والدولية من ناحية أخري، علاوة علي إعلان إيران عن إمكانية إقامة قواعد بحرية في سوريا واليمن، وكذا التأكيد علي ضرورة وجود أسطول بحري في بحر عمان، وأخر في المحيط الهندي بدعوي التواجد في البحار البعيدة والتصدي لأعمال القرصنة، ويعد هذا التوجه الإيراني الأخير بمثابة نقطه انطلاق للمشروع الإيراني التوسعي من أجل التمدد وفرض النفوذ على مختلف دول المنطقة، مما قد يؤدي الي دخول دولها في دائرة سباق جديد للتسلح، حيث سيسعى كل طرف لتعزيز قدراته العسكرية، مما يزيد من إنهاك اقتصاد دول المنطقة.
تتزامن تلك التطورات علي المستويين العربي والإقليمي مع بدء تولي الإدارة الامريكية الجديدة، والتي لم تتضح أو تتأكد حتي الآن تفصيلات سياساتها سواء تجاه منطقه الشرق الأوسط أو تجاه القوي الكبرى(روسيا-الصين-اليابان..)، وهو ما يتطلب استشراف جديد لمنظومة المصالح العربية في إطار السياسات الجديدة للإدارة الامريكية.
افتتاحية العدد
لواء/ أحمد الشربيني
ُصدر المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط العدد (70) من دورية "أوراق الشرق الأوسط" في ضوء مجموعة من التطورات المتلاحقة التي تشهدها منطقتنا العربية والإقليمية.
فعلى مستوى الأزمة السورية، جاء قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسحب القسم الأكبر من القوات العسكرية الروسية من سوريا مفاجئاً من ناحية التوقيت، إلا أن حدوثه كان منطقياً في ظل الهدنة المفروضة والحسابات الاقتصادية لموسكو، ويبدو أن موسكو خشيت من أن يتحول وجودها في سوريا إلى ورطة بالنسبة لها إذا فشلت المفاوضات ولجأت الدول المتنافسة معها في سوريا إلى خطط بديلة. ولا يتعين قراءة الخطوة الروسية بالانسحاب الجزئي من سوريا بأنها تخلى عن نظام الرئيس الأسد، حيث أن انهياره سيمثل ضربة للمصالح الروسية بعد أن قامت بكل هذا الجهد لإنقاذه، وما يؤكد ذلك هو أن الانسحاب الروسي لم يكن كاملاً، وأن ما تم في الواقع هو خفض لحجم القوات، حيث ضمنت روسيا تواجد عسكري نوعي في سوريا من خلال قاعدتي "طرطوس" و"حميميم" ومنظومة صواريخ "إس400" المضادة للطائرات، ولا شك أن التدخل الروسي انعكس بشكل مباشر على الوضع العسكري وموازين القوى بين أطراف الصراع، وأفرز متغيرات جديدة على الأرض، لعل أهمها تحسين وضع النظام الميداني وإعطاءه أفضلية في جميع الجبهات على حساب قوات المعارضة وتنظيم داعش، كما يرجع لروسيا الفضل في إعادة بشار الأسد إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى وذلك في ضوء سعي روسيا لتقديم نفسها في صورة صانع الحل والتسوية السياسية للأزمة السورية.
وفيما يتعلق بتطورات الأزمة اليمنية، فقد بدأت بوادر الحل السلمي للصراع في اليمن، فمن المنتظر أن تشهد الكويت مفاوضات بين الحوثيين والنظام اليمني وذلك برعاية الأمم المتحدة، بهدف التوصل لاتفاق ينهي النزاع اليمني ويتيح استئناف الحوار الوطني بين الفرقاء اليمنيين فضلاً عن وضع آلية لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي "رقم 2216" حول حل الأزمة اليمنية، وتأتي هذه الخطوة بعد عدة تطورات أهمها الإعلان عن هدنة في 10 ابريل 2016 بين تحالف الحوثيين وصالح من جهة والتحالف العربي بقيادة السعودية من جهة أخرى، وذلك عقب زيارة وفد حوثي للرياض في مارس 2016 لبحث عمليات التهدئة على الحدود اليمينة السعودية وتبادل الأسرى. وأخيراً قرارات الرئيس هادي بإعفاء "خالد بحاح" من منصب رئاسة الوزراء، وتعيين "على محسن الأحمر" نائباً للرئيس، في إطار الضغط على الحوثيين وحلفاؤهم في المفاوضات المزمع انعقادها في الكويت للقبول بالحل السياسي أو استمرار الحل العسكري.
وفيما يتعلق بتطورات الأزمة الليبية، فقد شهدت ليبيا عدد من التطورات الهامة على المستوى السياسي حيث تمكن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني من الانتقال من تونس إلى العاصمة الليبية طرابلس في 30 مارس 2016 عن طريق البحر ليستقر في قاعدة "أبو ستة" البحرية التي يمارس مهامه حالياً منها، بعدما فشل في الانتقال إلى طرابلس عن طريق الجو، بسبب إغلاق حكومة الإنقاذ المسيطرة على العاصمة طرابلس للمجال الجوي بتعليق حركة الملاحة الجوية في مطاري معيتيقة ومصراته. وقد أدى انتقال المجلس الرئاسي للعاصمة إلى تباينات في مواقف الأطراف الليبية، وظهور انقسامات بداخل التحالفات الليبية القائمة وصلت إلى اندلاع اشتباكات بالعاصمة طرابلس بين الجماعات المسلحة المؤيدة والمعارضة لحكومة الوفاق غير أنها سرعان ما توقفت عقب تدخل عدد من الأعيان والقيادات القبلية، في حين رحبت معظم القوى الدولية بانتقال المجلس الرئاسي للعاصمة.
كما قطعت حكومة الوفاق الوطني خطوات باتجاه تثبيت وجودها في طرابلس حيث أصدر وزراء حكومة الإنقاذ في طرابلس من دون رئيس الحكومة "خليفة الغويل" بياناً أعلنوا فيه تسليم سلطاتهم لحكومة الوفاق الوطني، كما التقى المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق بحوالي 25 من عمداء بلديات المنطقة الغربية والجنوبية وحصلوا على تأييدهم، كما أعلن المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط والمؤسسة الليبية للاستثمار في طرابلس، تأييدها لحكومة الوفاق وخضوعهم لسلطتها. وعلى صعيد أخر فقد تشكل المجلس الأعلى للدولة المنبثق عن المؤتمر الوطني العام وعقد أولى جلساته في 5 أبريل 2016 وتم انتخاب النائب عن مدينة مصراتة "عبد الرحمن السويحلي" رئيساً له.
وفيما يتعلق بالأزمة العراقية، فتشهد العراق أزمة سياسية داخلية نتيجة لنظام المحاصصة الطائفية التي تقوم عليها العملية السياسية العراقية، والأزمة الاقتصادية وانتشار الفساد في مؤسسات الدولة مما أدى لتردي واضح في مستوي معيشة المواطنين، وتجلت هذه الأزمة مع دعوة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في 9 فبراير 2016 مجلس النواب والقوى السياسية إلى التعاون من أجل تغيير وزاري يضم شخصيات مهنية وتكنوقراط وأكاديميين، وليس وفق الاختيار السابق للوزراء بناء على حجم الكتل السياسية وتمثيلها في البرلمان، وتعقد المشهد السياسي والأمني بصورة كبيرة مع دخول زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر على خط الأزمة ودعوته للاعتصام أمام بوابات المنطقة الخضراء بالعاصمة بغداد في 26 فبراير 2016، وإعطاء العبادي مهلة 45 يوماً لتحقيق وعود الإصلاح، والتي انتهت في 26 مارس 2016 ، ونظرا لعدم استجابة رئيس الوزراء للمطالب الإصلاحية صعد مقتدى الصدر من تحركاته بدخول المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد، التي تضم مقري الحكومة والبرلمان، وهو ما دفع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في 31 مارس 2016 إلى طرح تشكيلته الوزارية الجديدة، وحدد رئيس البرلمان سليم الجبوري مدة عشرة أيام لمناقشتها، وهو ما ترتب عليه تصعيد من قبل أعضاء المجلس بإقالة رئيس مجلس النواب "سليم الجبوري" من منصبه، وتجميد عمل مجلس النواب وظهور انقسامات حادة داخل الكتل السياسية بين مؤيد للإقالة ومعارض لها، الأمر الذي يفتح الباب أمام العديد من السناريوهات خلال المرحلة القادمة حول مستقبل العملية السياسية في العراق.
وفيما يتعلق بالشأن الإيراني، فقد أُجريت الانتخابات الإيرانية ( مجلس الخبراء ومجلس الشورى) في 26 فبراير 2016، والتي أظهرت نتائجها تقدم عدد كبير من التيار المحافظ والأقل تشدداً، ومن أهم التطورات التي شهدتها إيران أيضاً بالفترة الأخيرة هي قيام إيران بإطلاق صاروخين "بالستيين" قصير ومتوسط المدي في 9 مارس 2016، من طراز "قدر" من جبال البرز شمال ايران، وذلك في إطار مناورات "اقتدار الولاية" وتحت إشراف الحرس الثوري الإيراني، وهو ما فتح المجال للعديد من التساؤلات حول مدى التزام إيران باتفاقاتها مع المجتمع الدولي، كما أن تلك التجارب الصاروخية سلطت الضوء على الخلاف بين التيارات السياسية الإيرانية الداخلية، خاصة بين التيار المتشدد المعارض لسياسة الانفتاح مع الغرب والتيار الأكثر اعتدالاً متمثلا في الرئيس "حسن روحاني" الذي يحاول تحسين صورة إيران لجذب الاستثمارات الأجنبية إليها، ويمكن قراءة هذه التجارب في ضوء استمرار إيران في اتباع سياسة "استعرض القوة" أو "سياسة حافة الهاوية" مع الغرب، وذلك من خلال إبراز أنها القوة الأكثر ردعاً في المنطقة.
وعلى المستوى الإفريقي، فقد شهدت منطقة القرن الأفريقي حالة من الحراك السياسي حيث استضافت أثيوبيا منتدى "تانا" الخامس حول "الأمن في أفريقيا" لمدة يومين 16 – 17 أبريل 2016، وذلك في إطار حرص إثيوبيا للترويج لسياساتها باعتبارها قوة إقليمية في أفريقيا ومنطقة القرن الأفريقي من خلال المشاركة والتأثير في القضايا التي تهم دول القارة خاصة مكافحة الإرهاب. كما شهدت دولة السودان عدد من المتغيرات السياسية الهامة على الصعيد الداخلي حيث أجرت الحكومة السودانية في 11 أبريل 2016 استفتاء إداري حول وضع اقليم دارفور الاداري لتحديد ما إذا كان الإقليم سيبقى مقسماً إلى خمس ولايات أم سيتم توحيده في كيان واحد، وإن كانت المؤشرات الأولية لنتائج الاستفتاء تشير إلى الإبقاء على نظام الولايات الخمس بدلاً من الإقليم الواحد، وهو ما يعني الابقاء على وضع وبنية الولايات الخمس في دارفور. وخارجياً، لا يزال نظام الإنقاذ يتبنى سياسة خارجية من شأنها الحفاظ على مصالحه الاستراتيجية سواء في القارة الأفريقية أو في منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة عبر تعزيز علاقات السودان الخارجية مع القوى الإقليمية ذات التأثير وخاصة المملكة العربية السعودية من خلال التعاون معها في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، ومن خلال تعزيز علاقاتها بأثيوبيا لما لها من ثقل سياسي في القارة الأفريقية.
يُصدر المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط العددين (68 و69) من دورية "أوراق الشرق الأوسط" في ضوء مجموعة من التطورات المتلاحقة التي تشهدها منطقتنا العربية والإقليمية.
فعلى مستوى الأزمة السورية، أدى التدخل العسكري الروسي لمتغيرات جديدة على الصعيدين العسكري والسياسي، فعلى الصعيد الميداني والعسكري، أصبح النظام السوري في وضع المبادر بالهجوم اعتماداً على الإسناد الجوي الروسي، وتحسن وضعه الميداني نسبياً، وأصبحت فصائل المعارضة تشعر بالعجز في تحركاتها نتيجة الاستهداف الروسي لمقراتها وخطوط إمدادها، ولا يزال تنظيم داعش يتمدد بشكل خاص على حساب قوات المعارضة، واستغل الأكراد التنافس الأمريكي الروسي على دعمهم في أعقاب التدخل الروسي لزيادة نفوذهم الميداني في الشمال السوري. وعلى الصعيد السياسي، رأت روسيا استخدام الحل العسكري في سوريا لفرض الحل السياسي -من وجهه نظرها- ويأتي تكثيف موسكو من جهودها للتوصل لحل سياسي في إطار رغبتها في عدم إطالة تدخلها العسكري في سوريا أو دفع الأمور إلى حرب واسعة، ويعد الإنجاز الأبرز في هذا الصعيد هو قرار مجلس الأمن رقم 2254 والذي يتبنى خريطة طريق لحل الأزمة والتي سيكون من المتعين لإنجاحها الالتزام بإنجاز المهمات الموكلة للأطراف المختلفة في التوقيتات المحددة، خاصة فيما يتعلق بوضع خطة متكاملة من جانب الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار وجمع ممثلي النظام والمعارضة في يناير الجاري في جنيف لتشكيل الحكومة الانتقالية، ويعد وقف إطلاق النار في سوريا هو المسألة الأعقد التي ستواجهها الأطراف الساعية لإنجاح خريطة الطريق، وذلك نظراً لكثرة الفصائل المتواجدة على الأرض، ولصعوبة تحديد خطوط التماس في بعض المناطق، الأمر الذي يجعل هناك صعوبة في تحديد أي فصيل قد يخرق وقف إطلاق النار.
وفيما يتعلق بالأزمة العراقية، يعد الإنجاز الأبرز على الصعيد العسكري هو نجاح الجيش العراقي يوم 28 ديسمبر 2015 فــي تحرير معظم مدينة الرمادي مـن سـيطرة تنظيـم داعـش، ليكون ذلك الانتصار الثالث الكبير الذي تم تحقيقه ضد هذا التنظيم خلال الأشهر الماضية، وذلك بعد تحرير "بيجي" في أكتوبـر 2015، و"سـنجار" فـي نوفمبر من العام نفسه، ولكن يتمثـل الفارق المهم في تحرير الرمادي في أن القـوات العراقية بمساعدة العشائر السنية هي التي لعبت الدور الرئيسي في تحرير المدينة، وليس ميليشيات الحشد الشعبي أو قوات البيشمركة الكردية كما حدث فــي "بيجي" و"سنجار"، وهو نموذج يمكن الاعتماد عليه في مواجهة داعش مستقبلاً فـي "الفالوجة" و"الموصل" وبقية المدن. وعلى الصعيد السياسي، لا تزال الحكومة العراقية عاجزة عن تحقيق المصالحة مع المكون السني حتى الآن في ظل التفافها على مطالبهم وأبرزها تشكيل الحرس الوطني ووضعه في قوالب جديدة غير طائفية. وفي هذا الإطار يستمر سعي بعض مراكز الأبحاث الأمريكية – من خلال دعمها لتحركات السنة – إلى تهيئة الأجواء لمخطط تقسيم العراق إلى ثلاث أقاليم ويرتبط بذلك ما يتردد حالياً في أوساط المراكز البحثية الأمريكية عن ضرورة تشكيل دولة سنية جديدة تضم غرب العراق وشمال شرق سوريا وتكون سنية مستقلة بديلا عن الدولة الإسلامية. في حين لا تزال الخلافات بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان تراوح مكانها خاصة فيما يتعلق بالملف النفطي.
وفيما يتعلق بتطورات الأزمة الليبية، نجحت وساطة الأمم المتحدة في إقناع معظم أطراف الأزمة الليبية بالتوقيع على الاتفاق السياسي في 17 ديسمبر 2015 وتشكيل مجلس رئاسة حكومة التوافق الوطني برئاسة فايز السراج، مع استمرار معارضة رئاستي البرلمان الليبي والمؤتمر الوطني العام للاتفاق السياسي، ومن المقرر أن يشكل المجلس الرئاسي حكومة التوافق الوطني خلال الفترة المقبلة، غير أن مستقبل هذه الحكومة ونجاحها في ممارسة مهامها وبسط سيطرتها على الأرض يتوقف على موقف الميليشيات المسلحة من تلك الحكومة. وفي الوقت ذاته تتزايد احتمالات إقدام الدول الغربية على القيام بعملية عسكرية في ليبيا ضد تنظيم داعش الذي بدأ يتمدد باتجاه منطقة الهلال النفطي للسيطرة على حقول النفط لتوفير مصادر جديدة لتمويل عملياته بعد الخسائر التي تعرض لها في سوريا والعراق، وسعي التنظيم لجعل ليبيا بمثابة العاصمة الثانية له بعد مدينة الرقة في سوريا عقب مناشدة التنظيم للعناصر الراغبة في الانضمام إليه بالذهاب إلى ليبيا، حيث تستعد قوة مشتركة من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية قوامها ستة آلاف جندي للذهاب إلى ليبيا لتدريب ودعم القوات الليبية في مواجهة تنظيم داعش وتعتزم ألمانيا إرسال 100 جندي لتدريب قوات الأمن الليبية.
وفي الجزائر، يسعى النظام لتمرير التعديلات الدستورية التي أعلن عنها في 4 يناير 2016 والتي أبرز ما جاء فيه تحديد مدد تولي رئاسة الجمهورية بفترة واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، وجعل اللغة الأمازيغية لغة رسمية وإنشاء هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات يعين أعضاءها من قبل رئيس الجمهورية، غير أن تلك التعديلات لم تلقى قبول من أحزاب المعارضة التي تطالب بإعداد دستور جديد توافقي وإجراء انتخابات مسبقة تعالج خلو منصب رئيس الجمهورية الناتج عن مرض الرئيس بوتفليقة، ويمكن القول أن هذه التعديلات تندرج ضمن عملية تهيئة الأجواء لنقل السلطة في ظل مرض الرئيس بوتفليقة وفي إطار التنازلات السياسية التي يقدمها النظام الجزائري للتغلب على حالة الغضب في الشارع الجزائري نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية الناجمة عن انخفاض أسعار البترول العالمية.
وعلى مستوى منطقة الخليج العربي، فقد تصاعد التوتر بين السعودية وإيران عقب إعدام السعودية 47 متهما في قضايا تتعلق بالإرهاب وزعزعة أمن واستقرار المملكة من بينهم الشيخ الشيعي السعودي "نمر الباقر النمر"، وهو ما ادى الى اندلاع احتجاجات واسعه داخل ايران تم خلالها حرق السفارة والقنصلية السعودية بطهران ومشهد، وكذلك في عدد من الدول العربية كالعراق والبحرين ولبنان، ووصل حد التصعيد بين الجانبين إلى إعلان المملكة العربية السعودية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع ايران، وقامت العديد من الدول العربية بمساندة الخطوة السعودية سواء بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع "طهران" كالسودان والبحرين، أو تخفيض التمثيل الدبلوماسي، أو استدعاء الممثلين الدبلوماسيين الإيرانيين، أو التنديد والاحتجاج على ما حدث. ومن شأن التصعيد السعودي الإيراني أن ينعكس في صورة مزيد من التصعيد بالأزمتين السورية واليمنية أحد مجالات التنافس السعودي الإيراني، خاصة مع اقتراب عقد جولة جديدة من المفاوضات في25 يناير 2016.
ويعد التطور الأبرز على مستوى منطقة الشرق الأوسط هو التحول الكبير في السياسة الخارجية التركية عقب التوتر التركي الروسي الناجم عن إسقاط تركيا لطائرة حربية روسية بدعوى انتهاكها للأجواء التركية، حيث تتجه تركيا لإعادة علاقاتها مع حلفاءها القدامى وعلى رأسهم إسرائيل حيث توصل الطرفان لاتفاق مبدئي حول تطبيع العلاقات بينهما، كما تتجه تركيا لتوثيق علاقاتها بحلفائها الغربيين ممثلين في حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا للاستعانة بهم في مواجهة التصعيد الروسي، وتتجه تركيا أيضاً في الوقت ذاته لتوثيق علاقاتها بالدول الخليجية وعلى رأسها قطر التي ستستضيف قاعدة عسكرية تركية والسعودية التي اتفقت مع تركيا على تأسيسي مجلس أعلى للتعاون الاستراتيجي، ويأتي هذا التحول في السياسة الخارجية التركية في إطار استراتيجيتها لمواجهة العقوبات الاقتصادية الروسية بفتح أسواق جديدة أمام المستثمرين الأتراك والصادرات التركية وتنويع مصادر حصولها على الغاز الطبيعي الذي يأتي 57% منه من روسيا.
افتتاحية
يصدر هذا العدد من دورية أوراق الشرق الأوسط في ظل تطورات عديدة تشهدها مصر والدول العربية والمنظومة الدولية والإقليمية معاً، فمصرياً تتأهب الساحة السياسية الحزبية لإجراء الانتخابات البرلمانية بعد أن أوشكت اللجنة القانونية لمراجعة قانون الحقوق السياسية ومباشرة العملية الانتخابية والنظام الانتخابي على الانتهاء من مهامها وبعد أن أجرت الحكومة عدة لقاءات للتعرف على وجهة نظر الأحزاب والقوى السياسية في التعديلات الانتخابية المطلوبة، ومن الواضح أن هناك حرصاً رئاسياً ووزارياً على الوصول لتفاهم سياسي وحزبي مبدئي يحصن مجلس النواب القادم من أية دعاوى قضائية محتملة وبهدف التوصل لاستقرار في بنية النظام السياسي المصري بالجملة.
كما لا تزال الحكومة تواصل جهودها لمواجهة الأعمال الإرهابية من قبل جماعات الإرهاب التي تعمل على ترويع الوطن وإنهاك الأجهزة الأمنية في حرب مفتوحة ليس في سيناء وإنما أيضاً في بعض عواصم المحافظات، وبهدف عرقلة أي خطوة أو إنجاز يحدث ومحاولة عرقلة بناء الدولة المصرية وتحقيق إنجازات حقيقية على الأرض في ظل رؤية القيادة السياسية على أن تمضي في طريقها لتحقيق النهضة المطلوبة خاصة مع الإجراءات الاقتصادية المتعددة التي اتخذتها الحكومة لتصويب مسار الاقتصاد الوطني، وإعادة تدوير حركته اعتماداً على القدرات الذاتية والإمكانيات الوطنية، فضلاً عن تهيئة المناخ لجذب الاستثمارات الخارجية.
ولا شك أن تحقيق إنجازات داخلية ونجاح الدولة في الوصول لمنظومة عمل ناجحة ليس في مجال المشروعات العملاقة التي أعلنت عنها القيادة السياسية فحسب وإنما أيضاً إدراك المواطن البسيط لعائدها وانعكاس ذلك على نمط معيشة المواطن وهو المستهدف بالأساس من أي تنمية أو مخطط تسعى الدولة للوصول إليه.
وقد ترجمت الدولة المصرية التزاماتها العربية والقومية بالمشاركة في عملية "عاصفة الحزم" في اليمن لتأكيد شرعية الرئيس اليمني هادي منصور، وأعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي للرأي العام أن الشعب سيحاط بكل ما يجري بشأن الدور المصري في اليمن وأن هناك ضوابط للحركة المصرية العسكرية، وأنها جاءت بعد استكمال جميع الإجراءات الدستورية، وأن هذه المشاركة تتم في إطار علاقات مصر العربية والتزامات مصر تجاه الأشقاء العرب، وحرصاً على الأمن القومي المصري خاصة وأن الاقتراب من باب المندب وتهديد الملاحة في المضيق امتداداً لقناة السويس يعد خط أحمر لن تسمح مصر بتجاوزه، خاصة وأن تفاعلات الدور المصري في الخليج لن تتوقف عند التعامل مع الأزمة اليمنية وإنما ستطرح امتداداً للدور المصري بطبيعة الحال في أزمات المنطقة خاصة مع تداعيات اتفاق "الإطار" النووي الموقع بين إيران والولايات المتحدة والذي سيتحول بعد عدة أشهر لاتفاق نهائي في يونيو المقبل وهو ما سيجعل سائر الملفات العربية (سوريا، العراق، فلسطين، لبنان، اليمن) تتأثر بتداعيات الاتفاق ما يجعل الجانب العربي متوجساً ومرتاباً في أي حركة أمريكية إيرانية متوقعة وربما كان هذا الهاجس هو الذي دفع الإدارة الأمريكية لدعوة قادة دول مجلس التعاون الخليجي في 13 مايو المقبل لبحث المسألة اليمنية وآفاق الدور الخليجي، وفرص الحل السلمي.
وتباشر مصر دورها في التوصل لحل الأزمة السورية المستمرة من خلال دعوة الأطراف المختلفة من أطياف المعارضة السورية للاجتماع في القاهرة هذا الشهر استكمالاً لحوار جرى منذ شهرين للتوصل لإطار حل سياسي يمكن أن يبدأ من خلاله تفاهم جديد، ولا شك أن استدعاء الدور المصري في ملفات الإقليم يعكس القناعة بأهمية هذا الدور لإعادة التوازن للموقف الإقليمي ومواجهة التحديات التي تواجهها المنطقة.
كما نجحت مصر في توقيع اتفاق إطار بشأن مشروع "سد النهضة" بالتوافق مع إثيوبيا والسودان مما يهيئ المناخ الإيجابي للمفاوضات التفصيلية المتعلقة بالجوانب المختلفة للقضية، ونجح الرئيس عبد الفتاح السيسي في توجيه رسالة مصر عبر البرلمان الإثيوبي لتؤكد على حقوق مصر المائية، وأن مسألة الأمن المائي لمصر قضية "وجود" وبالنسبة للشعب الإثيوبي قضية "تنمية" وقد مثل هذا الخطاب مقاربة هادفة لاحتواء الحساسيات المتراكمة لدى الرأي العام الإثيوبي إزاء مصر مما سيكون له أثراً إيجابياً على مجمل علاقات البلدين رغم أن ذلك يتطلب متابعة دائمة من مؤسسات الدولة بعد أن فتحت خطوة السيد الرئيس الباب أمام إمكانية إحتواء الخلافات من خلال التعاون المشترك، وليس تحقيق مصالح جانب على حساب آخر.
وفي إطار تحرك مصر تجاه "الشرق" كانت العلاقات المصرية مع روسيا والصين واليابان والهند حيث عبرت مجمل اللقاءات الرسمية وزيارات الوفود الآسيوية لمصر عن الاستمرار في سياسة تنويع الخيارات الخارجية تحقيقا للمصلحة الوطنية المصرية دون الاعتماد على حليف بعينه، مع التأكيد في نفس الوقت على أن الشراكة المصرية الأمريكية ستستمر ولا يمكن تفكيكها وانها تتضمن مجالات عديدة وأن مصر لا تستبدل حليفاً بآخر،وقد وقعت الدولة المصرية اتفاقيات للحصول على صفقات سلاح لتطوير إمكانيات "الجيش المصري" من فرنسا وروسيا في خطوة تؤكد قدرة مصر على التحرك والحصول على أفضل فرص لتدعيم قواتها المسلحة في ظل مراوغة أمريكية لدعم مصر سياسياً واستراتيجياً، والمؤكد أن مصر تجاوزت مرحلة حرجة في علاقاتها الخارجية وقد حسمت الدول المترددة حيادها حيث تم توجيه الدعوة للقيادة السياسية لزيارات أوروبية ومنها ألمانيا كما بدأت دوائر عديدة في الكونجرس وبعض اللجان المتخصصة والمتابعة لتطورات الوضع المصري في نقل رسائل إيجابية عن مصر والتأكيد على دور مصر المحوري والاستراتيجي في الشرق الأوسط.
ومن المؤكد أن الأزمات الدولية والإقليمية تلقى بتبعاتها على وضع العالم العربي ودوله المركزية بالأساس لهذا كان حرص مصر أن تطرح ومن داخل النظام الإقليمي العربي الدعوة لتشكيل قوة عربية مشتركة للتدخل في الأزمات عند الضرورة، وقد تمت الموافقة على الطرح المصري خلال القمة العربية الأخيرة بشرم الشيخ، ومن المقرر أن يجتمع رؤساء الأركان للدول العربية تمهيداً لتشكيل هذه القوة وتحديد مهامها وأولوياتها واستراتيجية الحركة الخاصة بها وتشتمل هذه الخطوة -في حال نجاحها- أحد أهم خطوات إحياء النظام الإقليمي العربي ليواجه تحديات النظام الشرق أوسطى والذى يسعى إلى تقويض دعائم النظام العربي وإحلاله بنظام إقليمي تدخله أطراف إقليمية أخرى على حساب الواقع العربي الراهن.
مجمل القول إن الدولة المصرية وقيادتها السياسية –رغم حجم التحديات الداخلية والخارجية– استطاعت اجتياز فترة حرجة من تاريخ الدولة بفضل التحركات المتوازنة داخلياً وخارجياً للتعامل بجدية مع القضايا الداخلية وتوسيع إطار الحركة في الدوائر المختلفة للسياسة الخارجية خاصة العربية والإفريقية.