افتتاحية العدد/
د. أحمد الشربيني
يُصدر المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط العدد (93) من دورية "أوراق الشرق الأوسط" في ضوء مجموعة من التطورات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة العربية والإقليم والعالم، حيث لا يزال إقليم الشرق الأوسط يشهد حالة من عدم الاستقرار بسبب استمرار الصراعات والأزمات في العديد من الدول، والعجز عن التوصل إلى حلول حقيقية يمكن أن تُغير من مسار تلك الأوضاع.
فعلى صعيد المنطقة العربية، وفي ظل تأزم الأوضاع السياسية والأمنية في السودان منذ إجراءات 25 أكتوبر الماضي، ظهرت بعض المؤشرات الدالة على محاولة بعض دول الجوار الإقليمي مع السودان، وخاصة إريتريا وتشاد للتأثير في الداخل السوداني الذي أصبح يتسم بقدر من السيولة السياسية والأمنية التي توفر بيئة مناسبة لقيام هذه الدول بلعب دور مؤثر في الأزمة السياسية الحالية، وقد ظهر ذلك بوضوح في محاولة إريتريا استغلال أزمة شرق السودان لتعزيز نفوذها داخل السودان، وأيضاً ظهر تأثير دولة تشاد على الأوضاع الأمنية غير المستقرة في إقليم دارفور.
أما الملف الفلسطيني الاسرائيلي، تشهد اسرائيل حالة من السيولة الانتخابية، حيث تعد الانتخابات البرلمانية القادمة هي الخامسة في غضون 4 سنوات، يتزامن ذلك مع حالة من التقلب والتغيير في الخريطة الحزبية الاسرائيلية، حيث لم يعد التقسيم التقليدي بين اليمين واليسار هو السائد، بل امتد الأمر إلى تقسيمات داخل اليمين ما بين يمين ديني، ويمين علماني وصهيونية دينية، وهو ما يصعب من محاولات التنبؤ بمستقبل الحكومة وبالتالي السياسات القادمة.
و على صعيد التطورات بالقارة الأفريقية ، فقد تزايد الاهتمام الروسي بقارة افريقيا خلال السنوات الماضية، وهو الأمر الذي من المتوقع أن يستمر ويتزايد في ظل الاوضاع الدولية الحالية، والتنافس الروسي الغربي المرتبط بالحرب الاوكرانية، حيث تسعى روسيا للامساك بعدد من أوراق الضغط التي يمكن أن تقايض بها القوى الغربية مثل الإرهاب والهجرة غير النظامية فضلًا عن حرصها على أن تكون مركزًا استراتيجيًّا للنفط والغاز الأفريقي بشكل يجعلها تتحكم في حركة التجارة النفطية لأوروبا أو على الأقل تعطيل وصول الأوروبيين إلى الغاز الأفريقي. يرتبط ذلك أيضاً بمساعي موسكو خلال الفترة الأخيرة إلى خلق تحالف جيوسياسي يضم عددًا من الحلفاء في المنطقة بحيث يربط بين منطقتي القرن الأفريقي والساحل والصحراء الاستراتيجيتين في معظم السياسات الدولية. وذلك من خلال توطيد العلاقات الروسية مع أفريقيا الوسطى ومالي في الساحل مرورًا بالسودان ووصولًا إلى إريتريا وإثيوبيا في شرق القارة.
ومن جانب اخر تشهد العلاقات السودانية الأثيوبية حالة من التذبذب والتأرجح ما بين التعاون والصراع، حيث شهدت الفترة الأخيرة تصاعداً لحالة التوتر في العلاقات بين الدولتين؛ وذلك على إثر اندلاع اشتباكات عسكرية محدودة في منطقة الفشقة السودانية الواقعة على الحدود المشتركة مع الجانب الأثيوبي، والذي تزامن مع قتل الجيش الأثيوبي 7 من عناصر الجيش السوداني، وهو ما دفع الخرطوم لاتخاذ موقف رافض لهذا الحادث واتخذت الخرطوم إجراءات متنوعة شملت التصعيد الدبلوماسي والعسكري لإثبات قدرتها على تأكيد سيادتها على كامل أراضيها والحفاظ على الأمن القومي للبلاد، ورغم التصعيد العسكري بين الخرطوم وأديس أبابا، إلا أن الدولتين اتجهتا بعد ذلك إلى تهدئة التوتر المتصاعد والتأكيد على عدم الرغبة في توسيع نطاق المواجهات العسكرية والاتجاه لحل الخلافات بالطرق الدبلوماسية.
في نفس السياق، تشهد منطقة البحر الاحمر حالة من التنافس الشديد بين بعض القوى الاقليمية والدولية على دوائر الهيمنة والنفوذ، وانعكس هذا التنافس بشكل مباشر على التواجد العسكري في المنطقة، تزامن ذلك مع بروز تهديدات مختلفة تتجاوز التهديدات التقليدية مثل القرصنة ونشاطات الجريمة المنظمة، بالاضافة إلى احتمالات عودة تهديدات الجماعات الارهابية بالمنطقة في ظل ما تعانيه بعض دول المنطقة من مشكلات داخلية، وهي امور تلقي بظلالها على الأمن القومي المصري، والمصالح المصرية العليا.
أما على الصعيد الاقتصادي، يواجه التعاون الاقتصادي البيني الافريقي العديد من التحديات على رأسها الربط بين الدول، لاسيما وأن ضعف الربط الطرقي يعرقل انسياب التجارة عبر الحدود، والذي بدوره يقوّض إقامة منطقة التجارة الحرة القارية الافريقية، وقد تناولت العديد من الدراسات والتقارير ذلك الموضوع نظراً لأهميته ودوره في تعزيز اقتصادات الدول الافريقية.