انتفاضة العشائر: الحرب الشاملة ضد حركة الشباب في الصومال

 

من الواضح أن الرئيس حسن شيخ محمود عازم على المضي قدما في تحقيق وعوده الانتخابية المتعلقة بهزيمة حركة الشباب الإرهابية. فقد أعلنت الحكومة الصومالية مؤخرا أنها أجبرت مقاتلي الشباب على الخروج من 30 قرية خلال شهر سبتمبر الماضي، وكان العديد من هذه القرى بمثابة معاقل تقليدية للجماعة المسلحة في منطقة حيران بوسط الصومال. بيد أن الفضل في هذا الانتصار الأخير على الشباب يُنسب لجهود الميليشيات العشائرية المحلية. ولعل التساؤل الذي يطرح نفسه هنا يتعلق بالتوقيت وبأهمية المقاربات الجديدة في محاربة الإرهاب في الصومال ومنطقة القرن الأفريقي؟  إن هذا التحول الميداني لصالح الحكومة الصومالية يعكس أهمية التعاون مع المجتمعات المحلية في القتال ضد حركة الشباب. بيد أن المعضلة الكبرى تتمثل في كيفية المحافظة على نظام مستقر للحوكمة في الأراضي المحررة وحمايتها، كما أن البيئة الأمنية اللامركزية والمتنازع عليها في الصومال تخلق ثغرات للصراعات بين السلطات الفيدرالية وسلطات الولايات والسلطات المحلية - والتي أثبتت حركة الشباب أنها قادرة على استغلالها بشكل كبير. وبالتالي، حتى إذا استمرت تحالفات الحكومة مع الميليشيات المحلية وتوسعت مع المزيد من الانتصارات التكتيكية، فقد يتبين أنها غير قابلة للاستمرار إذا لم يتم استكمالها بتعاون قوي وتحسين الحكم في المناطق التي كانت تحت سيطرة حركة الشباب سابقًا.

انتفاضة العشائر الصومالية

تمكنت القوات الصومالية، منذ 19 سبتمبر 2022، من استعادة السيطرة على بلدة بوكو الاستراتيجية، التي كانت تحت سيطرة الشباب لمدة 13 عامًا وكانت بمثابة مركز لممارسات الابتزاز والإرهاب من قبل الجماعة.  وقد اشتمل الهجوم الحكومي على مساعدة ميليشيات عشيرة هودلي ، خلال الفترة بين يونيو وأغسطس  2022 ، حيث تم طرد مقاتلي الشباب من عشرات القرى في المنطقة. ومن المعروف أن العديد من هذه الميليشيات المحلية قد تصدت لحركة الشباب لسنوات طويلة، لكن التعاون الأمني ​​مع الحكومة الفيدرالية كان محدودا ومتغيرا بحسب أهواء من يجلس في فيلا صوماليا (مقر الرئاسة في مقديشيو).و توجد بالفعل عمليات تعبئة كبرى للقبائل المحلية في وسط الصومال بشكل متزايد ضد حركة الشباب. فقد قامت العديد من عشائر الهوية في وسط وجنوب وسط الصومال بتعبئة الميليشيات المحلية لمحاربة حركة الشباب بعد أن نصب مسلحون كمينًا لقافلة مساعدات إنسانية في 2 سبتمبر 2022. وقد تحاول الحكومة الصومالية أيضًا المصالحة مع الميليشيا الصوفية المعروفة باسم أهل السنة والجماعة من أجل مشاركتها في القتال ضد حركة الشباب.

وصلت قوات الجيش الوطني الصومالي ولاية جالمودوج في 11 سبتمبر الماضي لتدريب ودعم السكان المحليين الذين حملوا السلاح. وبالفعل تم تدريب واختبار مقاتلي العشائر في المعركة، حيث ساعدوا في صد غارة انتحارية كبيرة لحركة الشباب في يونيو 2022. إن تعبئة عشائر أبغال وهبر جدير إلى جانب الهودلي تعني أن أغلبية عشيرة الهوية - وبالتالي وسط الصومال – باتت في حرب مفتوحة مع حركة الشباب.

دور الصوفية المسلحة

من المرجح أن الرئيس حسن شيخ محمود سوف يحاول جاهدا إصلاح ما أفسده سلفه فرماجو من خلال حشد قوات إضافية وإقناع الميليشيا الصوفية التابعة لتنظيم أهل السنة والجماعة بالانضمام إلى القتال في وسط الصومال. لقد أفضت سياسات الرئيس السابق محمود عبد الله محمود   فرماجو إلى تفاقم التوترات بين حكومة ولاية جالمودوج و تنظيم أهل السنة والجماعة الصوفي في عام 2020 عندما زُعم أنه- أي الرئيس- زور انتخابات الولاية لتنصيب حليف سياسي له. دمر الجدل فعليًا اتفاقية تقاسم السلطة لعام 2017 وقوض السلطة السياسية للحركة الصوفية مما أدى إلى وقوع اشتباكات مسلحة بين مقاتليها وقوات الأمن الفيدرالية وقوات الولاية  في أكتوبر 2021. انسحبت ميليشيات أهل السنة والجماعة في النهاية إلى شمال منطقة جالجدود في أكتوبر 2021 وظلت  متحصنة هناك.

وقد أبدت الحركة الصوفية المسلحة والرئيس محمود استعدادهما للتفاوض منذ تولى محمود منصبه في مايو 2022. وقالت قيادة أهل السنة والجماعة في أوائل يونيو 2022 أنهم يتوقعون أن يحاول محمود التوسط بين الميليشيا وإدارة ولاية جالمودوج. وبحسب ما ورد كان الرئيس محمود يناقش مع حكومته في أواخر أغسطس 2022 أفضل السبل للتفاوض بين الحركة الصوفية ومسؤولي ولاية جالمودوج. ومن المعروف أن الميليشيات الصوفية كانت واحدة من أكثر القوى فعالية في محاربة حركة الشباب في وسط الصومال منذ صعود حركة الشباب في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. إن خبرة الصوفية المسلحة ومواردها ودعمها المحلي من شأنه أن يعزز الهجوم الشامل ضد حركة الشباب.

أهمية انتفاضة العشائر

يمكن القول أن انتفاضة العشائر الصومالية ضد حركة الشباب وتحقيق التنسيق الأمني مع قوات الحكومة الصومالية والقوات الأفريقية سوف تؤثر على طبيعة ونتائج المقاربة الأمنية الخاصة بمحاربة الإرهاب في المنطقة. ومن ذلك:

1)   ستعمل المشاركة المستمرة لميليشيات الهوية على تحسين الجدوى طويلة المدى للهجوم الشامل. لقد تعثرت عمليات التعبئة السابقة للمليشيات المحلية في عامي 2019 و 2020 بعد معارك عنيفة متفرقة مع حركة الشباب. أما اليوم فقد تجاوزت تعبئة 2022 بالفعل إلى حد كبير الحالات السابقة من حيث اشتباكات الميليشيات مع حركة الشباب وعدد العمليات المشتركة بين الميليشيات المحلية وقوات الحكومة الصومالية.  يعني ذلك أن انخراط الميليشيات المحلية بفعالية سوف يزيد من احتمالية بقاء القوات المناوئة لحركة الشباب لحماية القرى التي تم تطهيرها وحرمان الشباب من حرية الحركة والموارد والضرائب التي كانوا يحصلونها من هذه المناطق.

2)   سوف يكون بمقدور ميليشيات القوات الخاصة الصومالية استهداف مناطق سيطرة حركة الشباب في وسط الصومال. فقد أثبتت الميليشيات قدرتها على تأمين وتطهير بعض القرى في مناطق دعم حركة الشباب السابقة بمساعدة قوات الأمن الصومالية طوال فترة الهجوم. ويمكن للجيش الوطني الصومالي وقوات الولاية وميليشيات عشائر الهوية مواصلة هذه العمليات في المناطق ذات الأولوية الأقل لحركة الشباب بينما تمارس القوات الخاصة مزيدًا من الضغط على المناطق التي تديرها حركة الشباب ، والتي ستخصص المجموعة المزيد من الموارد لحمايتها.  

3)   الانتفاضات العشائرية في وسط الصومال يمكن أن تمكن الحكومة الفيدرالية من تخصيص المزيد من الموارد لاستهداف معاقل الشباب في جنوب الصومال. وقد طلب الرئيس محمود من الشعب الصومالي الاستعداد "لحرب شاملة" على حركة الشباب بعد أن حاولت الجماعة التمدد داخليا وإقليميا. فقد هاجمت الأراضي الأثيوبية لأول مرة في يوليو 2022. كما حاولت المجموعة الإرهابية أيضًا تعطيل الانتخابات في المناطق الصومالية في شمال شرق كينيا في أغسطس عن طريق تخويف لمواطنين الكينيين ومهاجمة مراكز الاقتراع وعمليات نقل الصناديق.  وتهاجم حركة الشباب بانتظام قواعد الاتحاد الأفريقي الكينية والأوغندية داخل جنوب الصومال كجزء من جهودها لطرد القوات الأجنبية.   وتتواصل هذه الحملات جنبًا إلى جنب مع التفجيرات الانتحارية والغارات في جميع أنحاء الصومال والتي تهدف إلى ترهيب وشل حركة السلطات الصومالية وقوات الأمن.

سيناريوهات مستقبلية

استنادا إلى الخبرة السابقة وتغير السياقات المحلية والإقليمية ، يمكن الحديث عن ثلاثة سيناريوهات مستقبلية ترسم معالم الحرب الشاملة ضد حركة الشباب الإرهابية في الصومال ، على النحو التالي:

أولا نهج الترقب والانتظار

من المرجح أن تقبل حركة الشباب خسائر وسط الصومال على المدى القصير. ستعتمد هزيمة الشباب في وسط الصومال على المدى الطويل على قدرة السلطات الصومالية المحلية والفدرالية على تحقيق تحسينات ملموسة ومستدامة في الحكم والأمن. لم تقم حركة الشباب بصد الهجوم الشامل، بل انسحبت دون إراقة دماء من عدة قرى مع تقدم قوات الأمن الصومالية. وقد توقفت هجمات حركة الشباب على قوات الأمن في وسط الصومال إلى حد كبير طوال أغسطس 2022. وفي نفس الوقت زاد التنظيم الإرهابي من الغارات المحدودة وهجمات العبوات الناسفة في سبتمبر، لكن لم يكن أي من الهجمات معقدًا من حيث الحجم أو التنفيذ. سوف تحاول حركة الشباب تقليص خسائرها وتعزيز مواردها الحالية. قد تسمح هذه الاستراتيجية غير المواجهة لها أيضًا بإعادة ترسيخ نفسها في وسط الصومال في المستقبل إذا أخفقت الحكومة الصومالية في إصلاح العلاقات مع عشائر الهوية من خلال تقديم حوكمة فعالة، بما في ذلك الاستجابة للجفاف المستمر.

ثانيا : نهج الهدوء الذي يسبق العاصفة

يمكن أن تدخل حركة الشباب في فترة هدوء  تعزز خلاله قواتها استعدادًا لهجوم واسع النطاق. غالبًا ما تقوم حركة الشباب بوقف عملياتها أو التهدئة قبل الهجمات الكبيرة. لم ترد أنباء عن وقوع هجمات في منطقة باكول في جنوب غرب الصومال لمدة شهرين قبل هجومها على إثيوبيا  في يوليو الماضي، على سبيل المثال.  

ثالثا نهج الاختراق والترهيب

يمكن لحركة الشباب استخدام قواتها المحدودة في وسط الصومال لترهيب أو إضعاف معنويات قوات العشائر من خلال مهاجمة أهداف أكثر ضعفا وهشاشة. على سبيل المثال حاولت حركة الشباب اغتيال حاكم منطقة حيران مرتين  منذ يونيو 2022. ويمكن أن تبدأ حركة الشباب أيضًا في استهداف قادة الميليشيات العشائرية كما فعلت في عامي 2018 و2020   وأواخر سبتمبر الماضي أو قد تضاعف الهجمات الانتقامية على المدنيين. ولكن ذلك قد يخاطر باستدعاء رد فعل عنيف أكبر من عشائر الهوية التي تم تعبئتها في الحرب الشاملة ضد الشباب.

خاتمة

من الواضح أن الصومال في ظل قيادة الرئيس حسن شيخ محمود يتبنى مقاربة جديدة لمحاربة الإرهاب تعتمد على السياسي والعسكري في آن واحد. لقد أثبتت التجارب أن المقاربات العسكرية وحدها لا تُجدي نفعا في اجتثاث جذور الإرهاب. وعليه فقد تبنى الرئيس محمود سياسة جديدة تعتمد على توظيف الميليشيات المحلية والعشائرية للمساعدة في القضاء على حركة الشباب وطردها من المناطق التي احتلتها وسط الصومال. وفي خطوة إضافية تم تعيين مختار أبو منصور، أحد زعماء الشباب المنشقين، وزيرا للشؤون الدينية، وهو ما يعني إمكانية التفاوض وقبول العائدين من الشباب أو المتعاطفين معها. يقول الرئيس محمود "توصلنا إلى استراتيجية جديدة تقوم على شيئين - جبهة الحرب الأيديولوجية وقطع شريان الحياة الاقتصادية لحركة الشباب". فهل تؤدي تلك الاستراتيجية الهجين إلى قطع دابر الشباب واستئصال جذور الإرهاب من الصومال؟ 

تعليقات القراء