في نوفمبر 2022، اجتمعت وفود أكثر من 190 دولة وممثلي المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بشؤون البيئة والمناخ في شرم الشيخ لحضور قمة "كوب 27" لتنسيق كيفية معالجة التهديدات المناخية المتعددة التي تواجه كوكب الأرض. وتتضمن هذه التهديدات: ارتفاع مستويات الانبعاثات والفيضانات وموجات الحر الشديدة والجفاف وحرائق الغابات التي أصابت أجزاء مختلفة من العالم. وقد أتاح انعقاد مؤتمر المناخ في مصر للبلدان الأفريقية بحث جميع مخاوفها المتعلقة بالمناخ، مثل مطالب تمويل الخسائر والأضرار للبلدان النامية. وعليه فقد كان القبول النهائي لطلب التمويل، بالإضافة إلى الاستثمارات المناخية مثل مشروع الطاقة الشمسية الذي تبلغ تكلفته 2 مليار دولار في أنغولا وتمويل الطاقة النظيفة بقيمة 500 مليون دولار في مصر، علامة بارزة لأفريقيا في هذا المؤتمر. لا جدال إذن أن يُوصف المؤتمر بأنه "كوب أفريقيا" نظرا لمحورية دور افريقيا في المناقشات والنتائج التي تضمنتها وثيقة شرم الشيخ. ومع ذلك، بالنظر إلى حقائق المناخ المتغيرة في القارة ، هناك حاجة ملحة لزيادة وتنويع محفظة تمويل المناخ.
أفريقيا وتحديات التغير المناخي
أصبحت تأثيرات المناخ محسوسة بشكل متزايد في جميع أنحاء العالم، وأفريقيا هي الطرف المتلقي ، على الرغم من مساهمتها الأقل في ظاهرة الاحتباس الحراري وانبعاثاتها الأقل. إنه لأمر مثير للانتباه أن سبعة من البلدان العشر الأكثر عرضة لتغير المناخ على مستوى العالم تقع في أفريقيا. كما تكلف الكوارث المتعلقة بالمناخ البلدان الأفريقية ما بين 7 مليارات دولار إلى 15 مليار دولار سنويًا ، ويمكن أن ترتفع الخسائر إلى 50 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2030. وفي السياق نفسه ، تحتاج البلدان الأفريقية إلى نحو 124 مليار دولار سنويا للتكيف مع الاضطرابات المناخية في القارة. ومن الناحية الفعلية تحصل الدول الأفريقية اليوم على نحو 28 مليار دولار سنويًا.
وتشير كثير من الدراسات إلى أن المناخ يمكن أن يكون عاملًا مضاعفًا للتهديد، مما يؤدي إلى تفاقم النزاعات الجارية بين الدول وداخلها في المناطق الهشة للمناخ. في شرق إفريقيا، على سبيل المثال، أدى الطقس المتطرف إلى تفاقم الصراع في جنوب السودان والصومال وكينيا. ويشير أحد تقارير مجموعة الأزمات الدولية إلى أن الجفاف في هضبة "لايكيبيا" في شمال وسط كينيا قد أثار أعمال عنف بين الرعاة والمزارعين مما أسفر عن مقتل العشرات في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية عام 2022.كما أدى الجفاف الشديد في الصومال إلى نفوق الماشية ووضع البلاد على حافة المجاعة. وفي إثيوبيا ، أدى الجفاف إلى تفاقم الوضع الإنساني الناتج عن الحرب بين أديس أبابا والتيغراي.
وتمثل غرب أفريقيا صورة نموذجية للإجهاد المناخي وانعدام الأمن ، مما يسلط الضوء على قابلية الدول الهشة للتأثر بتغير المناخ. وفقًا للبنك الدولي، يمكن أن يتدهور 6500 كيلومتر مربع من المناطق الساحلية في غرب إفريقيا بسبب ارتفاع مستويات سطح البحر، كما ازدادت حدة الصراع على الموارد ، وهو ما يتضح من المناوشات حول مناطق الصيد بين السنغال وموريتانيا. ومن جهة اخرى جعلت الأمطار غير المنتظمة الحياة أكثر صعوبة بالنسبة لما يُقدر بنحو 25 مليون من الرعاة في منطقة الساحل، الذين يرتحلون جنوبا خلال موسم الجفاف ، ثم شمالا خلال موسم الأمطار. وبالفعل نزح الملايين في مالي وتوغو والسنغال وساحل العاج من ديارهم . كما اندلع الصراع على الحدود بين بوركينا فاسو ومالي، وفي منطقة "الحزام الأوسط" في نيجيريا.
كوب 27 والدور الأفريقي في دبلوماسية المناخ
يمثل نجاح مؤتمر شرم الشيخ نقطة تحول فارقة في التاريخ باعتباره مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ الذي تم الاتفاق فيه على صندوق الخسائر والأضرار. إذ بعد عقود من الضغط، يعد هذا القرار انتصارًا بالغ الأهمية للبلدان النامية- ومنها الأفريقية- المعرضة للتأثر بالمناخ. ويمتد حضور إفريقيا ومشاركتها في النقاش العالمي حول قضايا البيئة والمناخ إلى عدة عقود. فقد مثل مؤتمر ستوكهولم لعام 1972 أول جهد لتقويم التأثير البشري العالمي على البيئة. وقبل اعتماد إطار الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ في عام 1992 ، كانت هناك سلسلة من المناقشات المتعلقة بتغير المناخ ، والتي شاركت فيها أفريقيا. وبالفعل قام الاتحاد الأفريقي بدور رئيسي في ضمان اتخاذ أفريقيا موقفًا موحدًا في المفاوضات العالمية والآليات المتطورة. كان أحد التطورات الرئيسية هو إنشاء وحدة تغير المناخ والتصحر في الاتحاد الأفريقي ، وقد ارتبط هذا التطور بعدة قرارات اتخذها رؤساء الدول والحكومات للتصدي لتحدي تغير المناخ. وعلى سبيل المثال تم إدخال مجموعة المفاوضين الأفارقة في عمليات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ ، ومدخلات لجان العلم والتكنولوجيا ذات الصلة وعمل لجنة رؤساء الدول والحكومات الأفريقيين بشأن تغير المناخ والمؤتمر الوزاري الأفريقي المعني بتغير المناخ جميعها في إطار عمل متماسك للاتحاد الأفريقي. وبعد أن قدر رؤساء الدول والحكومات الأفارقة خطورة تحدي تغير المناخ الذي يتكشف في القارة ، اتخذوا عددًا من القرارات الحاسمة لمساعدة الدول الأعضاء على التعامل بفعالية وكفاءة وإنصاف مع المخاطر التي يشكلها تغير المناخ.
مصادر الطاقة المتجددة وتحديات التمويل.
في قمة الصناعة المالية الأفريقية (أفيس) التي عقدت في "لومي" ، بدولة "توغو" ، أواخر نوفمبر الماضي ،أجرى محافظو البنوك الأفريقية حوارًا حول ما يمكن أن تفعله المؤسسات المالية الأفريقية لتعزيز تمويل المناخ بعد قمة "كوب 27 " حيث كان تمويل الطاقة المتجددة في صميم هذه المناقشة ، مما زاد من ضرورة تبني التوجه الصحيح لتمويل الانتقال نحو الطاقة النظيفة في إفريقيا. وتظهر الدراسات العلمية
إن إفريقيا لديها أدنى معدلات الوصول إلى الطاقة على مستوى العالم. أكثر من 640 مليون أفريقي لا يحصلون على الطاقة ، وهو ما يعني أن نسبة 40% فقط من الأفارقة يتمتعون بالحصول على الكهرباء. ومع ذلك ينبغي لسد هذه الفجوة ، جعل مصادر الطاقة هذه متجددة.ومن المثير للاهتمام أن إفريقيا غنية بموارد الطاقة المتجددة. قدر الباحثون الإمكانات التقنية للطاقة الشمسية الكهروضوئية للقارة عند 7900 جيجاوات ، مما يشير إلى أن إفريقيا تمتلك بعضًا من أكبر الإمكانات لتوليد الطاقة الشمسية. بالإضافة إلى ذلك ، فإن السيليكون النحاسي والليثيوم والمعادن الأرضية النادرة الأخرى التي تعتبر بالغة الأهمية للأجهزة التكنولوجية ومستقبل أنظمة الطاقة العالمية وفيرة في القارة. على سبيل المثال تعد جمهورية الكونغو الديمقراطية مصدرًا مهمًا للكوبالت - وهو معدن أساسي لبطاريات الليثيوم أيون المستخدمة في السيارات الكهربائية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف الذكية. كما تمتلك العديد من البلدان الأفريقية أيضًا بعضًا من أكبر احتياطيات النفط والغاز الطبيعي في العالم. وعليه من المرجح أن التحول من الوقود الأحفوري إلى نظام الطاقة المتجددة يمكن أن يؤدي إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.4٪ ، وزيادة الوظائف على مستوى الاقتصاد بنسبة 3.5٪ ، وزيادة مؤشر الرفاهية بنسبة 25.4٪ خلال الفترة من عام 2020 إلى عام 2050. وعلى الرغم من هذه الإمكانات في إفريقيا ، لا يزال التمويل يمثل مشكلة كبرى. وتشمل أسباب ذلك الافتقار إلى السياسات الوطنية التي تشجع اعتماد الطاقة الخضراء ، والافتقار إلى إطار تمويل مستدام واضح ، وعدم كفاية المعرفة الفنية ، من بين أمور أخرى.
1- تبني السندات الخضراء
إحدى الطرق العديدة التي ترتبط بالحلول الأفريقية لجذب تمويل الطاقة المستدامة إلى القارة هي إصدار السندات الخضراء. هناك حاجة إلى فهم وإدراك كافيين لفرص السندات الخضراء التي أصبحت واحدة من الأدوات المستخدمة في تمويل الطاقة المتجددة ، ولاتزال أفريقيا بعيدة عن هذا في السوق. على سبيل المثال خلال الفترة بين عامي 2014 و 2020 ، تلقت إفريقيا نسبة ضئيلة تبلغ 2 % فقط من سوق السندات الخضراء التي تبلغ قيمتها تريليون دولار والتي صدرت على مستوى العالم. وهذا الشكل من التمويل مهم لأنه يشكل رابطًا حاسمًا بين مقدمي رأس المال ومشاريع الطاقة المتجددة ، وكلها مطلوبة في إفريقيا من أجل التنمية المستدامة. ومع ذلك يقوم بنك التنمية الأفريقي في إصدار السندات الخضراء كما حدث في مصر بالنسبة لثلاثة مشاريع في محطة بنبان للطاقة الشمسية وهي الكازار 1 ، ودلتا الكازار ، وشابورجي، واستلزم كل منها تصميم وبناء وتشغيل مشروع للطاقة الشمسية الكهروضوئية بقدرة 50 ميجاوات.
2- استكشاف سوق الكربون
سوق الكربون هو نموذج تمويل مبتكر آخر يوفر لأفريقيا فرصة مهمة لإطلاق المليارات لتلبية احتياجات تمويل المناخ لاقتصاداتها والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. لقد أصبح السوق كبيرًا جدًا على مستوى العالم لدرجة أن قيمته ارتفعت بنسبة 164 في المائة في عام 2021 إلى مستوى قياسي بلغ 760 مليار يورو. ومع ذلك ، فإن السوق العالمية لا تركز على أفريقيا على الرغم من الموارد التي في حوزتها. قد يكون التحول إلى البيئة الخضراء مكلفًا ، ويمكن لأفريقيا تمويله من خلال سوق الكربون. يجب أن يتبنى الأفارقة الحلول القائمة على الطبيعة. إذ تتمتع إفريقيا بوجود الغابات والمحيطات ، وهما يحتجزان الكربون. لذلك يتعين على الأفارقة الولوج إلى سوق الكربون. ومن اللافت أن مؤتمر "كوب "27 في مصر قد أطلق مبادرة أسواق الكربون الأفريقية التي تهدف إلى دعم نمو إنتاج ائتمان الكربون وخلق فرص عمل في إفريقيا. تطمح المبادرة لطرح 300 مليون من ائتمانيات الكربون سنويًا بحلول عام 2030 و 1.5 مليار ائتمان سنويًا بحلول عام 2050، وتحقيق 6 مليارات من العائدات بحلول عام 2030 وأكثر من 120 مليارًا بحلول عام 2050. علاوة على ذلك، سيتم إنشاء أكثر من 110 ملايين فرصة عمل من خلال المبادرة بحلول عام 2050.
وختاما ، فإن مؤتمر" كوب 27 " ارتبط بلحظة تاريخية فارقة حيث تسود حالة من الضيق العالمي بسبب الجائحة الصحية و الحرب في أوكرانيا والسيناريوهات الجيوسياسية الأخرى ذات الصلة مثل التوترات حول العلاقات الصينية الأمريكية ، والتحولات في أمريكا اللاتينية ، والتي يمكن أن تشكل مستقبل التعددية في مفاوضات ودبلوماسية المناخ. وقد أكدت وثيقة شرم الشيخ أنه نظرًا لأن القارة الأفريقية هي من بين أكثر المناطق عرضة لتأثيرات تغير المناخ، فإن الدعم طويل الأجل والمستقر والمعزز لزيادة التكيف والمرونة في مواجهة المناخ أمر مهم للغاية. وفي المجمل فإن أفريقيا ينبغي أن تكون جزءا من الحل لتنفيذ وثيقة شرم الشيخ (كوب 27) انطلاقا من أربع أولويات هي: التكيف والتخفيف والتمويل وتعزيز عملية التفاوض في دبلوماسية المناخ.