أبرز التطورات والتوجهات الاقتصادية (خلال الفترة 16 - 30 يونيو 2022)

اتجاه المستثمرين لتجنب المخاطر في عام 2022  

كشفت العديد من المؤشرات عن اتجاه المستثمرين لمزيد من التحوط والابتعاد عن المخاطر في سوق المال العالمي الفترة المقبلة، وتحديداً في النصف الثاني من عام 2022، ومن شواهد ذلك ما يلي:

-  تراجع مؤشر MSCI العالمي (مؤشر يقيس أداء الأسهم في 23 دولة من الدول المتقدمة)، خلال النصف الأول من عام 2022 بنحو 20%، بينما حقق مؤشر "ستاندردز اند بورز 500" (مؤشر يعبر عن أداء سوق الأسهم الأمريكية) تراجعاً بنسبة 20.6% خلال نفس الفترة، ليحقق أسوأ تراجع نصف سنوي له منذ عام 1970.

-  كشف "بنك أوف أميركا" إن نحو 5.8 مليار دولار خرجت من صناديق الأسهم العالمية في الأسبوع المنتهي في 29 يونيو 2022، وكذا خرج نحو 16.8 مليار دولار من صناديق الأسهم العالمية خلال الأسبوع المنتهي في 22 يونيو الماضي.

تعليق:

تعكس البيانات السابقة عدم ثقة المستثمرين في أداء السوق العالمي خلال الأشهر المقبلة، بسبب الركود المحتمل والمخاطر الجيوسياسية، وذلك في ضوء التحركات الأمريكية/ الغربية الرامية لحصار روسيا والصين، مع الأخذ في الاعتبار استمرار حالة عدم اليقين من نمط انتشار متحورات فيروس "كوفيد-19" وتداعياتها على الاقتصاد العالمي، ويُوضع في الاعتبار أيضاً أن هناك حركات بيع متزايدة للتخلص من أدوات الدخل الثابت بسبب صعوبة التكهن بالعوائد المالية الناتجة عن الاتجاه العالمي لتشديد السياسات النقدية عبر رفع أسعار الفائدة، وفي المقابل يتجه العديد من المستثمرين للجوء إلي الملاذات الأمنة المتمثلة في شراء بعض المعادن مثل الذهب، وكذا العملات التي تأتي على رأسها الدولار الأمريكي.

من المرجح أن تنعكس حالة الارتباك التي يشهدها سوق المال العالمي بشكل مباشر على سوق الاقتراض العالمي، وسيكون المتضرر الأكبر الدول والشركات المقترضة من تلك السوق، حيث يرجح أن ينكمش سوق الدين بشكل يصعب من الحصول على قروض جديدة إلا بأسعار فائدة مرتفعة، وذلك في ضوء تراجع دور الأسهم في عملية التمويل بسبب سحب المستثمرين لأموالهم في إطار سياسة التحوط التي بات يتبناها العديد منهم، ويزيد من وطأة ذلك الأمر التوقعات بتراجع التنصيف الائتماني للعديد من الدول، وكذا تعثر العديد من الدول عن سداد ديونها في أجالها، مما يضاعف العبء على الاقتصاد العالمي الذي في طور مرحلة التعافي.

يُثار التخوف من أن تتمدد حالة عدم الاستقرار التي يتعرض لها سوق المال العالمي إلى قطاعات الإنتاج الحقيقية مثل الصناعة والزراعة، حيث ان ضعف التمويل قد يصعب من استمرار عمل عدد من الشركات، وما سينتج عن ذلك من تداعيات اقتصادية واجتماعية، الأمر الذي سيدفع الحكومات لإعادة دعم تلك القطاعات مرة أخرى، وهو ما يعني مزيد من التضخم وتزايد الأعباء على الموازنات العامة، وبالتبعية الدخول في دائرة جديدة من الاستدانة.

يُرى أهمية القيام بتحركات متسقة وجادة من قبل المجتمع الدولي لتدارك دخول الاقتصاد العالمي في دائرة مفرغة تؤدي لإنهاكه، على أن تتضمن تلك التحركات اتخاذ تدابير سريعة لاحتواء تنامي الخلافات السياسية بين الشرق (ممثلة في روسيا والصين) والغرب، ومواجهة التحديات الصحية والاقتصادية التي تنعكس بشكل مباشر على السوق العالمي، والبدء في صياغة نمط جديد من العلاقات الدولية يضمن انسياب التبادل التجاري لكافة السلع بدون قيود، مع تحديث أطر التعاون الثنائي والجماعي القائمة بشكل يسهم في تحفيز الاقتصاد العالمي لتجاوز حالة عدم الاستقرار الحالية.

 دعم منظمة التجارة العالمية لأمن الغذاء العالمي

عقدت منظمة التجارة العالمية اجتماعها الـ12 لوزراء تجارة الدول الأعضاء (164 دولة) في الفترة 12-16 يونيو 2022، حيث تم الاتفاق على رزمة تدابير تتعلق بشكل أساسي بدعم أمن الغذاء العالمي، وذلك من خلال التركيز على التالي:

-  الالتزام باتخاذ خطوات ملموسة لتسهيل التجارة وتحسين أداء ومرونة الأسواق العالمية للأغذية والزراعة على المدى الطويل، على أن يتم إعطاء اعتبار خاص لاحتياجات وظروف البلدان النامية، مع إعادة التأكيد على أهمية عدم فرض حظر أو قيود على الصادرات بطريقة لا تتفق مع قواعد منظمة التجارة العالمية ذات الصلة.

-  أي تدابير طارئة يتم إدخالها لدعم الأمن الغذائي يجب أن تكون مؤقتة ومستهدفة؛ مع الوضع في الاعتبار تأثيرها المحتمل على الأعضاء الآخرين، بما في ذلك البلدان النامية، لاسيما الأقل نمواً والبلدان المستوردة الصافية للأغذية.

-  التعاون بهدف ضمان تعزيز الإنتاجية والإنتاج والتجارة، والتأكيد على أهمية تقديم المساعدة التقنية والمالية للبلدان الأقل نمواً والبلدان النامية المستوردة الصافية للأغذية.

- مساعدة البلدان المانحة وتشجيعها على بذل الجهود لتوفير الغذاء للفقراء، والبلدان المعرضة للخطر، بما في ذلك من خلال برنامج الأغذية العالمي، وتشجّيع الأعضاء الذي لديهم مخزون فائض من الغذاء على إتاحته في الأسواق الدولية، وبما يتوافق مع قواعد منظمة التجارة العالمية.

تعليق:

يأتي الاجتماع في إطار جهود المجتمع الدولي لتجنب حدوث حالة من عدم الاستقرار والاضطرابات في العديد من الدول التي تعاني من ارتفاع في أسعار الغذاء الحالية، خاصة وأن هناك توقعات باستمرار ارتفاع الأسعار خلال الفترة المقبلة بسبب عودة تفشي متحورات جديدة لأوميكرون، وكذا استمرار تعطل سلاسل الامداد العالمية، في ظل موجة عالمية من الركود التضخمي، مع الاتجاه لتشديد العقوبات على روسيا التي قد تقوم في المقابل بتشديد الخناق على تصدير الحبوب من أوكرانيا، في إطار زيادة الضغوط المتبادلة بين روسيا والغرب، مما سيكون له انعكاس سلبي على السوق العالمي والتبادل التجاري.

بالرغم مما سبق، إلا أنه تلاحظ من البيان الصادر من الاجتماع سالف الذكر عدم تضمنه قرارات ملزمة أو تفاصيل توضح كيفية التعامل مع أزمة الغذاء الحالية، واكتفى بذكر أطر عامة، وفي ذات السياق تظهر الصياغة أنها أقرب إلى توصيات من كونها قواعد حاكمة يجب وضعها في الاعتبار، بما يقلص من فعالية الاجتماع والبيان الصادر عنه، ولكن في ذات الوقت من المقرر أن يتم إنشاء لجنة تعني بذات التفاصيل، وهو أمر لا يمكن الاعتماد عليه نظراً لحجم التباينات في المصالح بين الدول الأعضاء، والتي قد تؤدي لخلق صيغ مماثلة لقرارات المنظمة لا تسفر عن تحركات جماعية مؤثرة.

يُرى أن الجهود المتناثرة للمجتمع الدولي، فيما يتعلق بتخصيص مساعدات مالية من كذا تجمع إقليمي ودولي لتعزيز أمن الغذاء العالمي، يتطلب حشدها في كيان واحد، مثل استحداث صندوق لدعم أمن الغذاء العالمي، على أن يكون ذلك الصندوق كيان مستقل بذاته ولا يتبع أي منظمة دولية، ويكون صندوق دائم لدعم الدول في الحالات الطارئة والكوارث الطبيعية والأزمات الاقتصادية والصحية وغيرها، وأن تشارك فيه جميع الدول ليس من خلال التمويل فحسب، بل من خلال حصص من الغذاء -إن توفر لها، وذلك لإعادة توزيع تلك الحصص على الدول التي تعاني من نقص منها، وبالتالي ذلك الصندوق قد يكون بمثابة صندوق تكافلي عالمي في مجال الغذاء، بما يسهم في تقليص حدة الأزمة الحالية أو على أقل تقدير الحؤول دون تفاقمها.

 

تعليقات القراء