التحرك الأمريكي تجاه القارة الافريقية
شهدت الفترة الأخيرة مواقف أمريكية تشير إلى الاتجاه لزيادة التواجد الأمريكي في القارة الافريقية خلال الفترة المقبلة، على رأسها إعلان الرئيس الأمريكي "جو بايدن" في 20 يوليو 2022، أنه سيستضيف القادة الافارقة في واشنطن خلال الفترة 13/15 ديسمبر 2022، لحضور القمة الأمريكية/ الافريقية، بهدف زيادة التعاون بشأن الأولويات العالمية المشتركة، وأشار أيضاً إلى تطلعه للعمل مع الحكومات الأفريقية، والمجتمع المدني، ومجتمعات الشتات في الولايات المتحدة، والقطاع الخاص لمواصلة تعزيز رؤية مشتركة لمستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وإفريقيا.
وفي ذات السياق، أكدت "آليس أولبرايت" رئيسة وكالة هيئة تحدّي الألفية (وكالة تنمية حكومية أمريكية)، على هامش مشاركتها في قمة الأعمال الأمريكية-الأفريقية الـ14 التي عُقدت في المغرب خلال 20/22 يوليو 2022، بأنّ الولايات المتّحدة ستستثمر مليارات الدولارات في أفريقيا بالتعاون مع القطاع الخاص لتنمية القارة اقتصادياً، وذلك من خلال تعزيز التجارة والاستثمارات لخلق فرص عمل، وتحقيق نمو اقتصادي شامل ومستدام في سائر أنحاء القارة.
التعليق:
يأتي الموقف الأمريكي تجاه افريقيا ليتماهى مع ما أقرته مجموعة السبع في قمتها التي عُقدت أواخر شهر يونيو 2022، والتي أعلنت سعيها لحشد 600 مليار دولار حتى عام 2027 لدعم مبادرة "الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار"، والتي تستهدف دعم الدول النامية والفقيرة، كما أن واشنطن تستهدف من تحركها محاولة عرقلة تمدد الدول غير الصديقة -كما تصفها- مثل روسيا والصين وإيران في القارة، آملة أن يشجع ذلك التحرك حلفائها الأوربيين لزيادة تواجدهم في القارة، إضافة إلي محاولة تعظيم الاستفادة من الإمكانات والموارد الطبيعية التي تزخر بها دول القارة خاصة في مجال الطاقة واستخداماتها، لاسيما الطاقة الخضراء.
تستهدف واشنطن تعزيز علاقاتها مع الدول الافريقية على عدة مستويات، منها ما تم ذكره بشأن خلق روابط بين الشتات الافريقي ومجال الأعمال، ويمكن الإشارة إلى أن ذلك الأمر قد يكون له أبعاد داخلية تتعلق بمحاولة تقليص الغضب داخل الجالية الافريقية بالولايات المتحدة نظراً لأعمال العنف التي تعرض لها بعض المواطنين من أصول افريقية مؤخراً، فضلاً عن خلق شبكة علاقات حول العالم قوامها الأعمال والاستثمارات بين الولايات المتحدة ورجال الأعمال الافارقة، وبالتبعية الاستفادة من الروابط بين ذلك الشتات وأصولهم الافريقية.
من المرجح أن تتجه الإدارة الأمريكية لاستنفار العديد من أدواتها الفترة المقبلة لتعزيز علاقاتها مع الدول الافريقية خاصة مع القطاع الخاص، ويدلل على ذلك تأكيد كل من "بايدن" و"اليس اوبرايت" على تلك النقطة في نفس التوقيت، وبالتالي قد يتم التركيز بشكل أكبر على وكالات الإغاثة والتنمية التابعة للحكومة بكافة أنواعها لتحقيق ذلك الهدف، إضافة إلي دفع الشركات الأمريكية لزيادة تواجدها في القارة خاصة في قطاع الصناعة الاستخراجية، وقد يصاحب ذلك تعاون عسكري وأمني لإرساء الأمن والاستقرار في بعض الدول الافريقية، ولذلك لا يستبعد أن يدور محور المحادثات في القمة الأمريكية/ الافريقية ديسمبر 2022 حول الأمن والتنمية، في محاولة لتعزيز المصالح الأمريكية/ الافريقية المشتركة خلال السنوات المقبلة.
منطقة الشرق الأوسط وافريقيا مركز عالمي لتصدير الطاقة الخضراء
أطلقت شركتي "سيمنز" للطاقة و"رولاند بيرجر" العالمية للاستشارات في 28 يوليو 2022، مؤشر جاهزية تحول قطاع الطاقة في الشرق الأوسط وأفريقيا، والذي أكد على أنه بالرغم من أن المنطقة حققت 26% في المؤشر (يتم التقييم من 0 إلي 100%)، إلا انها في وضع جيد يمّكنها من أن تصبح مورداً رئيسياً للطاقة المستدامة في المستقبل للأسواق العالمية، ولكنها ستتطلب قواعد تنظيمية، واستثمارات كبيرة، وزيادة كبيرة في التعاون لتحقيق إمكاناتها، ولفت التقرير إلي أن الشرق الأوسط يمكن لعب دور رئيسي في معالجة الأولويات الجديدة لانتقال الطاقة في أوروبا، من خلال تصدير الهيدروجين الأخضر، وغيره من المشاريع الضخمة المحتملة التي تركز على نقل الطاقة المستدامة عبر القارات.
التعليق:
يكشف المؤشر، بالإضافة إلى العديد من التقارير والدراسات الصادرة من العديد من الجهات الأجنبية في الفترة الأخيرة، أن هناك تركيز على منطقة الشرق الأوسط وقارة افريقيا كمركزين للطاقة، سواء المستدامة أو التقليدية، ويُشار في هذا الصدد إلي ان العديد من تلك التقارير تصف الشرق الأوسط وافريقيا كمنطقة واحدة، وذلك بدلاً من العديد من التصنيفات سابقاً التي كانت تصنف قارة افريقيا كمنطقة وأخرى تصنف الشرق الأوسط وشمال افريقيا كمنطقة، بما يلفت إلي أن القارة الافريقية والشرق الأوسط عند تناول موضوع الطاقة المستدامة مستقبلا ستصبح كيان واحد، وبالتبعية قد يصاحب ذلك تغير في السياسات الخارجية للدول تجاه تلك المنطقة الزاخرة بمصادر الطاقة بكافة أنواعها، خاصة وأن دول المنطقة تحتوي على المعادن اللازمة في صناعة الطاقة الخضراء.
تتوفر لمنطقة الشرق الأوسط وافريقيا فرص واعدة للتحول من الطاقة التقليدية إلى الطاقة الخضراء، وذلك من خلال الاتفاق مع الشركات الغربية التي تريد استغلال مصادر الطاقة الخضراء، مثل انتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر لأوروبا، على توفير التكنولوجيا اللازمة لاستفادة دول المنطقة من ذلك النوع من الطاقة بهدف تقليص الانبعاثات الكربونية في أنظمة الطاقة الحالية، وبالتالي يُرى أن تتضمن الاتفاقات الجديدة تقسيم ما يتم إنتاجه إلي حصة للشركة الأجنبية وحصة للدولة، وذلك على غرار العديد من الاتفاقات في مجالي النفط والغاز في بعض الدول، ويُشار إلي أهمية الطاقة الخضراء للمنطقة مستقبلاً، وذلك في مواجهة التلوث البيئي المحتمل زيادته نتيجة النمو السكاني المطرد، وعدم وجود بنى تحتية متقدمة تسهم في توفير الطلب على الطاقة، وكذا الخيارات المحدودة لتمويل الحلول المستدامة في كافة المجالات.