التحركات الإيطالية الأخيرة تجاه شمال افريقيا
شهدت الفترة الأخيرة تحركات مكثفة من إيطاليا تجاه دول شمال افريقيا، وذلك على النحو التالي:
ليبيا: أعلن الرئيس التنفيذي لشركة "إيني" الإيطالية في 28 يناير 2023 عن توقيع صفقة غاز كبيرة مع ليبيا، بقيمة 8 مليار دولار، تهدف إلى تعزيز إمدادات الطاقة إلى أوروبا (يشمل ذلك إنتاج الغاز وتطوير الطاقة الشمسية وإتاحة صادرات الكهرباء إلى إيطاليا)، وذلك على هامش زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية "جورجيا ميلوني" إلى طرابلس.
الجزائر: زارت رئيسة الوزراء الإيطالية الجزائر خلال الفترة 22/23 يناير 2023، حيث تم الاتفاق على إطلاق الدراسات الخاصة بإنشاء أنبوب جديد يمكن من خلاله نقل الغاز والهيدروجين الجزائريين إلى إيطاليا.
التعليق:
تسعى إيطاليا لضمان إمداداتها من الطاقة بعد تراجع اعتمادها على روسيا، وهو ما كشفه تصريح لرئيس وزراء إيطاليا السابق في يونيو 2022، والذي كشف انخفاض اعتماد إيطاليا على روسيا لاستيراد الغاز إلى 25٪ في 2022 من 40٪ في 2021، وذلك في ضوء تحركات روسية تستهدف تصدير غازها لدول آسيوية بدلاً من الدول الأوروبية التي تمارس ضغوط على موسكو عبر تقليص استيراد الغاز منها، وذلك بتوجيه من الاتحاد الأوروبي لوقف استقبال امدادات الطاقة من موسكو.
تريد إيطاليا اغتنام الفرصة لتصبح قناة محورية لإمدادات الغاز إلى أوروبا في السنوات المقبلة، حيث يستعد المشغلون المحليون لتدفقات أعلى في عام 2023 ويخططون لتطوير البنية التحتية لدعم الصادرات، وهو ما أكدته "مارتا بوتشي" المدير العام لاتحاد تجارة الغاز في ايطاليا (في يناير 2023) بأن بلادها ستكون مركزاً للغاز في السوق الأوروبية.
في ذات السياق، يُذكر أن تحركات إيطاليا تجاه دول شمال أفريقيا خلال الفترة الأخيرة لم تنصب على توريد الغاز الطبيعي فحسب، بل شملت اتفاقات بشان استيراد الكهرباء، ودلل على ذلك التوصل في ديسمبر 2022 لاتفاق مع الاتحاد الأوروبي للحصول على تمويل قدره 307 مليون يورو لمد خط للكهرباء بين تونس وإيطاليا تحت البحر تكلفته الاجمالية نحو 850 مليون يورو، كما أشارت بعض المصادر الاعلامية إلي ان وزارة الكهرباء المصرية تلقت عرضاً من إيطاليا لتنفيذ مشروع مشترك للربط الكهربائي بين البلدين باستثمارات تصل إلى 2.8 مليار دولار.
تعزيز التعاون الروسي مع الدول الإسلامية
نشرت منصة الإنترنت الرسمية للمعلومات القانونية لروسيا مرسوم رئاسي تم توقيعه في 17 يناير 2023، ينص على عقد المنتدى الاقتصادي الدولي "روسيا - العالم الإسلامي" السنوي (في نسخته الرابعة عشر) في مدينة "قازان" الروسية، على أن يُعقد في الفترة ما بين 18-19 مايو 2023، ويستهدف المنتدى بشكل عام تعزيز الروابط التجارية والاقتصادية والعلمية والتقنية والاجتماعية والثقافية بين روسيا ودول منظمة التعاون الإسلامي.
التعليق:
إن التطورات العالمية التي تشهدها روسيا والعالم الإسلامي، ستكون عامل محفز على تعميق التعاون بين الطرفين خلال منتدى عام 2023، وهو ما يأتي في السياقات التالية:
مواجهة روسيا محاولات عزلها إقليمياً ودولياً: استهدفت العقوبات الغربية بشكل أساسي إضعاف الاقتصاد الروسي عبر تقويض تجارتها الخارجية، وهو ما دلل عليه تراجعها بشكل ملموس في عام 2022 وفق صندوق النقد والبنك الدوليين، حيث تراجع إجمالي حجم صادرات روسيا بنسبة تتراوح ما بين 12 و16% في عام 2022 مقارنة بعام 2021، كما تراجعت إجمالي وارداتها بنسبة تتراوح ما بين 14 و21% خلال فترة المقارنة، في هذا الإطار تتحرك موسكو لتدارك استمرار تراجع حجم تجارتها الخارجية خلال السنوات المقبلة، ولعل زيادة التجارة مع دول العالم الإسلامي قد يسهم في الحد من ذلك التراجع العام الجاري والأعوام المقبلة، لاسيما وأن التجارة مع دول العالم الإسلامي تشكل نحو 13.6% في المتوسط من اجمالي تجارة روسيا الخارجية.
طرح أدوات جديدة لتسوية المعاملات المالية: تكثّف موسكو جهودها لتعزيز التعامل بالعملات المحلية في التجارة البينية مع العديد من الدول، وذلك للالتفاف على العقوبات الغربية التي تستهدف معاملات روسيا بالدولار الأمريكي، وفي هذا السياق قد يشكل منتدى التعاون الروسي الإسلامي فرصة للترويج لآلية تسوية المعاملات التجارية بالعملات المحلية، والتي من خلالها قد يتم تعميق العلاقات مع العديد من الدول الإسلامية، ولعل التركيز الأكبر سينصب على ما تسميه موسكو تجارة "الحلال" مع تلك الدول، وبما يضفي بعد جديد في علاقات التعاون الروسية مع الدول النامية بشكل عام.
تعزيز التعاون في مجال الطاقة: تسعى موسكو لتعزيز تعاونها مع العديد من الدول الإسلامية في قطاع الطاقة، وبما يضمن إيجاد أسواق جديدة ومستدامة لإمدادات الطاقة الروسية بعد التحركات الغربية لتقليص ووقف الاعتماد عليها، ويدلل على ذلك إعادة إحياء مشروع بناء خط أنابيب الغاز "السيل الباكستاني" الذي يربط منشآت الطاقة بين جنوب باكستان وشمالها، ويوفر منفذ للغاز الروسي عبر البحر لداخل الأراضي الباكستانية، وفي ذات السياق قد تشهد الفترة المقبلة تحركات لشركات الطاقة الروسية للاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز في العديد من الدول الإسلامية.