مبادرة الاتحاد العام للشغل لتنظيم حوار وطني تونسي

الخميس, ديسمبر 24, 2020

تمهيد

رغم مرور عشرة أعوام على قيام ثورة تونس التي أسقطت نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، إلا أن الأزمات على الساحة التونسية مازالت تتوالى وتتعدد أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وفي سبيل مواجهة ذلك تقدمت أكبر الهيئات النقابية والعمالية في الدولة وهو الاتحاد العام للشغل بتصور للخروج من دائرة الأزمات التي تعتري البلاد.

وقد أطلق الاتحاد العام للشغل تصوره بعد سلسلة من اللقاءات التي جمعت أمينه العام "سمير الطبوبي" مع رئيس الجمهورية "قيس سعيد"، في نهاية نوفمبر الماضي تحت اسم "مبادرة الخروج من الأزمة في اتجاه خيارات وطنية جديدة"، وفي هذا الصدد تأتي الورقة بعنوان "مبادرة الحوار الوطني في تونس" مستهدفة مناقشة مضمون المبادرة التي قدمها اتحاد الشغل لتنظيم حوار وطني تحت إشراف رئاسة الجمهورية وفرص نجاحه في معالجة الوضع الراهن بالبلاد، وفي سبيل ذلك سيتم تقسيم الورقة إلي عدد من المحاور التالية.

 

أولاً: اسباب طرح مبادرة الحوار الوطني:

بدأت قيادات الاتحاد العام للشغل تكشف في الأوساط الإعلامية منذ 24/10/2020 عن استعداد الاتحاد لطرح مبادرة وطنية شاملة أعدها نخبة من الخبراء المختصين في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، على أن يقدم تفاصيلها لاحقاً إلى رئيس الجمهورية للإشراف على الحوار حولها، بعيداً عن تجاذبات الأحزاب السياسية، حيث لقيت هذه المبادرة ترحيباً من قبل رئيس الدولة، وهو ما تأكد مرة أخرى بعد لقاء نور الدين الطبوبي رئيس الاتحاد العام للشغل برئيس الجمهورية في 19 نوفمبر 2020، حيث ألمح إلى أن الرئيس قبل ضمنياً بأن يشرف ويرعى المبادرة، التي تأخر الإعلان عن تفاصيلها إلي يوم 30 نوفمبر 2020 بعدما التقي الطبوبي مجدداً بالرئيس  لبحث القضايا الآنية - ومنها الاحتجاجات- في عدد من مناطق الجمهورية في 30/11/2020، حيث كشف الطبوبي أن الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد تتطلب من الاتحاد تقديم مبادرات إلى جانب بقية القوى السياسية والمدنية، مؤكداً على قدرة رئاسة الجمهورية، باعتبارها بعيدة عن التجاذبات، على لم شمل البلاد، ومحاولة اقناع الجميع بتبجيل المصلحة الوطنية على المصالح الفئوية الضيقة[1].

وقد مهدت مجموعة من المعطيات على الساحة التونسية لإعادة الاتحاد العام للشغل تنشيط دوره بتقديم مبادرة إلي رئيس الجمهورية لتنظيم حوار وطني، في ضوء تراجع المؤشرات السياسية الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والصحية ، ويمكن اظهار أهم هذه المعطيات من واقع التتبع لتطورات الأحداث الأخيرة.

فعلى المستوى الميداني، بات الوضع في تونس يُنذر بانفجار اجتماعي جديد، حيث سجلت التحركات الاحتجاجية في الشارع التونسي خلال شهر اكتوبر 2020 على سبيل المثال لا الحصر، ارتفاعاً بنسبة 16%، حيث رصد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عدد (871) تحركاً احتجاجياً مقابل (751) تحركاً احتجاجياً خلال شهر سبتمبر 2020، وكانت اغلب تلك التحركات الاحتجاجية عشوائية تنزع نحو العنف، وتركزت أماكن تواجدها أمام المقرات السيادية والإدارية والمؤسسات التعليمية والصناعية وعدد من مواقع الإنتاج كشركة فسفات قفصة، ومحطات ضخ المياه قرب السدود، وحقول الطاقة النفطية، وغيرها من منابع الثروات الطبيعية. [2]

جاءت خريطة الاحتجاجات في تونس من حيث التوزيع الفئوي ما بين احتجاجات للعاطلين عن العمل بنسبة 30%، واحتجاجات عمالية بنسبة 20%، ومواطنين بنسبة 13%، واحتجاجات عمال "الحضائر" بنسبة 9%، فضلاً عن احتجاجات أخرى في قطاعات القضاء والصحة والتعليم والكهرباء والغاز، بينما توزعت الخريطة المكانية للاحتجاجات لتتركز اعلاها في مناطق الوسط الغربي ثم الجنوب الغربي ثم الشمال الشرقي ثم الوسط الشرقي ثم الجنوب الشرقي، وفي النهاية الشمال الغربي.[3]

اكد الاتحاد العام للشغل على أن تردي المؤشرات الاقتصادية التونسية لاسيما مع تعاظم النفقات العامة للدولة على حساب تراجع نفقات التنمية، والترقيم السيادي السلبي (وفقاً لما نشره البنك المركزي التونسي خلال الفترة 2019-2020)، والعجز التجاري (11%) والتضخم (8%) والبطالة (20%)، يصعب علي الدولة الدخول إلى السوق المالية العالمية لتعبئة الموارد المالية لموازنة العام 2021، اضافة إلي أن نسبة النمو للسنوات العشر الأخيرة كلها سالبة مقارنة بسنة 2010، خاصة مع تفشي الفساد والاحتكار والتهريب واستفحال ظاهرة التهرب الضريبي والاجتماعي وتنامي الاقتصاد الموازي على حساب الاقتصاد المنظم.

ويؤكد اتحاد الشغل في مبادرته للحوار الوطني أن تونس تعيش على وقع أزمة خطيرة وغير مسبوقة ساهمت فيها عوامل أخرى منها ما يلي:

  1. أن النظام السياسي بعد الثورة أفضى إلى مشهد شديد التعقيد والتنازع على مستوى الصلاحيات والأدوار وأدى إلى شلل أجهزة الدولة وهو تمثيل واضح لأزمة الحكم.
  2. مساهمة التشتت الحزبي والتنافر الملحوظ بين أطراف الحكم وعدم شفافية تمويل الجمعيات والأحزاب في ارتفاع منسوب التوتر بين النخبة وبين مؤسسات الدولة، وتنامي الصراعات "العبثية والعنيفة" تحت قبة البرلمان، وأصبح المزاج الشعبي سلبيًا ويسوده فقدان الثقة في السياسي.
  3. عجز الحكومات المتعاقبة عن تجسيد الاستحقاقات الاجتماعية والاقتصادية للثورة ولم يضمن العقد الاجتماعي أكبر قدر من الإجماع بين مختلف الشركاء الاجتماعيين، وهو ما أنتج تصاعداً في الحركات الشعبوية العنيفة وبروز النعرات المناطقية والفئوية والتفكك الواضح للنسيج الاجتماعي التونسي والتنافر العدائي داخل نخبه فضلاً عن تنامي خطاب العنف والكراهية واستشراء الفساد وتغول أصحاب النفوذ وتفشي مظاهر العنف والإرهاب، وازداد ضعف الدولة داخلياً وخارجياً.

كما تزامن ذلك مع مجموعة من المؤشرات على محاولة السلطات التونسية التعجيل ببحث سبل مواجهة الأوضاع المتردية، ولعل أبرز التحركات الأخيرة في هذا الصدد يتمثل أهمها في الاتي:

  1. طلب رئيس الحكومة من رئيس الجمهورية في 27 نوفمبر الماضي أن يعقد اجتماعاً عاجلاً لمجلس الأمن القومي بعد تتالي الاحتجاجات في عدد من الولايات وتوقف مواقع انتاج، إلا أن الطلب لم يبت فيه لأسباب غير معلنة، وفي اعقاب ذلك تم توجيه بعض الإذاعات العمومية التونسية لطرح مسألة تدخل الجيش في إطار الحلول الممكن اتباعها للخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد.
  2. توجيه عدد من نواب البرلمان اسئلة لوزير الدفاع إبراهيم برتاجي، حول إمكانية تدخل الجيش في الاحتجاجات المتواصلة بالبلاد، وقد اوضح لهم الوزير أن مهمة الجيش الأولى هي الدفاع عن البلاد وأمنها، مشيراً إلى أن حفظ النظام العام والاحتجاجات من مسؤوليات قوات الأمن، لكن ذلك لا يمنع الجيش من مد يد المساعدة حال اقتضى الأمر ذلك.
  3. كشف وزيري الدفاع والداخلية التونسيين تحت قبة البرلمان عن معلومات أمنية هامة، حيث كشف وزير الدفاع عن عزل عناصر من المؤسسة العسكرية قامت بالتخابر مع جهات أخرى بشأن الإرهاب، كما كشف وزير الداخلية عن تورط مسؤولين في التخابر مع إرهابيين ومهربين، وهو ما يمثل أول اعتراف رسمي بما كانت تصرح به قوى المعارضة على مدار سنوات، ولكن دون تأكيد من قبل المسؤولين الحكوميين.

وعلى مستوى رئاسة الجمهورية، كثف الرئيس جهوده للاطلاع على حقائق الأمور حول أزمات البلاد، عقدت لقاءات هامة مع رؤساء الهيئات الوطنية، بجانب عقد اكثر من لقاء مع رئيس الاتحاد العام للشغل في الفترة الأخيرة، وذلك للوقوف على اهم الاشكاليات الراهنة وسبل معالجتها، ومن بين أهم هذه اللقاءات ما يلي:

  1. لقاء الرئيس مع "توفيق بودربالة" رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، والذي قدم للرئيس تقرير بتقييم اوضاع حقوق الإنسان والحريات الأساسية عن الاعوام 2016 و2017 و2018 و2019، كما تضمن عدداً من المقترحات التي من شأنها أن تساهم في تعزيز منظومة حقوق الإنسان والحريات العامة.[4]
  2. لقاء الرئيس مع كل من رئيس جمعية القضاة التونسيين، ورئيسة نقابة القضاة التونسيين، ورئيسة جمعية القاضيات التونسيات، ورئيسة اتحاد قضاة محكمة المحاسبات،[5] وخلال هذا اللقاء وجه الرئيس التونسي بضرورة البت في بعض القضايا التي تنظر أمام القضاء منذ سنوات، واتخاذ اللازم بشأن من ثبت في تقرير محكمة المحاسبات الخاص بالانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2019 انه تجاوز قانون الانتخابات.
  3. لقاءات الرئيس مع رئيس الحكومة هشام مشيشي، في ظل التحركات الاحتجاجية في عدد من المناطق، حيث وجه الرئيس بتطبيق القانون على كل من يسعى إلى قطع الطرق والحيلولة دون وصول المواد الغذائية والأساسية للمواطنين[6].
  4. لقاء الرئيس مع اللجنة المكلفة باسترجاع الأموال المنهوبة الموجودة بالخارج[7]، وتوجيهه بضرورة وضع تصور لإجراءات جديدة للعمل القضائي والديبلوماسي من أجل استرجاع هذه الأموال، وأهمية دورية عقد اجتماعات اللجنة مع ضم خبراء وفنيين من مختلف الاختصاصات اليها[8].

ثانياً: مضمون مبادرة الحوار الوطني:

انطلقت مبادرة الاتحاد العام للشغل امام الرأي العام وعلى الفاعلين السياسيين لتكون مبادرة وطنية شاملة لا تقتصر على مطالبات تخص حقوق العمال لتوسيع وترسيخ العدالة الاجتماعية، بل لتشمل مختلف القضايا المتأزمة في البلاد وعلى كافة مستوياتها، وقد شدد الأمين العام للاتحاد، إثر لقائه برئيس الجمهورية، على أهمية ترتيب الأولويات، وضرورة التضامن من أجل معالجة الأوضاع الراهنة.

تطرح المبادرة على المستوى السياسي أن يشمل الحوار ما يلي:

  1. تعديل قوانين الأحزاب والجمعيات لتحسين مراقبة مصادر التمويل ومدى انسجام أهدافها وممارساتها مع الدستور، وكذلك تعديل قانون الانتخابات، بما يقطع الطريق أمام المال السياسي الفاسد والجمعيات المشبوهة والتوظيف الإعلامي والتدخل الخارجي الذي أثبتت تقارير محكمة المحاسبات تبعاته على تغيير نتائج الانتخابات وعلى شفافيتها ونزاهتها.
  2. تحييد وإصلاح الجهاز القضائي، واستكمال إحداث المحكمة الدستورية بعيدًا عن المحاصصة الحزبية، مع تقييم أداء الهيئات الدستورية الراهنة وضمان عدم تداخل الأدوار والصلاحيات مع مؤسسات الدولة الأخرى.
  3. تقييم تجربة الحكم المحلي وتعديل قانون المحليات بما يضمن الدستور ووحدة الدولة.

أما فيما يتعلق بالنظام السياسي، لم ينكر الاتحاد العام للشغل في مبادرته أن النظام السياسي التونسي في حاجة للتقييم لكنه من الضروري الانطلاق في حوار مجتمعي يتواصل خارج الحوار المقترح حالياً ولا يتقيد بسقفه الزمني ويمكن أن تكون مخرجاته لاحقة تؤدي إلى التفكير في تعديل النظام السياسي أو تغييره.

أما على المستوى الاقتصادي، فقد اقترحت المبادرة وضع نموذج تنموي جديد في البلاد، تشمل بعض ابعاده اصلاح أوضاع المؤسسات العامة، وتنويع سبل تعبئة الموارد المالية واعتماد آليات ذات بعد اجتماعي وبيئي ومستدام وفي مقدمتها اصلاح النظام الضريبي، وتعزيز تطبيق نظام الاقتصاد الاجتماعي التضامني.

إشراف رئاسة الجمهورية:

يقترح الاتحاد العام للشغل على رئيس الجمهورية الاشراف على مبادرة الحوار الوطني وإرساء هيئة حكماء - وسطاء تتكون من من كافة الاختصاصات من شخصيات مستقلة تعمل تحت إشراف رئاسة الجمهورية ايضاً، وتتولى الهيئة التي لا يمكن لأعضائها وفق نص المبادرة بأي حال من الأحوال تولي مناصب سياسية أو الترشح للانتخابات المقبلة، إدارة الحوار، وتلخيص كافة التصورات والمقترحات العملية القابلة للتطبيق والصادرة عن مختلف الأطراف المعنية في كل المجالات في شكل رؤية واضحة وأهدافاً دقيقة ومحددة في الزمن بعد إنجاز، كما تتولى عقد اجتماع موسع للتوافق النهائي والمصادقة على الرؤية وإعداد استراتيجية تواصل واتصال، ووضع الأسس الأولية لصياغة عقد مجتمعي جديد يحدد الحقوق والواجبات لكل الأطراف ولكل المواطنات والمواطنين.

رؤية الاتحاد لكيفية إدارة الحوار لمستقبل الشأن العام:

من خلال مطالعة نص المبادرة التي قدمها الاتحاد العام للشغل تبين أنه استهلها بشروط محددة المعالم والتي تمثلت في النص علي أن مبادرته مفتوحة على كل القوى الوطنية التي "تؤمن بالدولة المدنية الديمقراطية الاجتماعية" وتنبذ العنف وترفض الإرهاب وتدافع عن السيادة الوطنية، وهو ما يلوح بأن المبادرة لا تقبل بمشاركة القوى السياسية التي تدافع عن الارهاب ومنها ائتلاف الكرامة - وهو من الكتل السياسية المتهمة بالتطرف والموالية لحركة النهضة- الذي يشارك بعض عناصره في الدفاع عن منتمين في قضايا ارهابية داخل تونس، فضلاً عن ذلك تم اقصاء حزب قلب تونس من الحوار المرتقب، حيث يشترط الاتحاد عدم مشاركة الأحزاب التي هاجمته خلال الفترة الماضية، وانتقدت تدخله في المشهد السياسي، كما يشترط الرئيس التونسي عدم مشاركة قلب تونس في الحوار بسبب اتهامه بالتهرب الضريبي وغسيل الأموال، وذلك وفق تصريح نادية عكاشة مديرة ديوان رئيس الجمهورية في جلسة الاستماع بالبرلمان التونسي.[9]

ثالثاً: موقف المؤسسات والنخب من المبادرة:

المواقف الرسمية:

جدد الرئيس التونسي عقب إطلاق اتحاد الشغل مبادرة الحوار، موقفه حيال شروط الحوار، موضحاً أنه لا مجال للحوار مع الفاسدين ولا مجال أيضا للحوار بالشكل الذي عرفته تونس في السنوات الماضية، بل يجب أن يتم في إطار تصور جديد قائم على الاستجابة لمطالب الشعب الحقيقية، وبعيداً عن أي حسابات سياسية ضيقة، ومن ثم عمد الرئيس إلي التأكيد على مواجهة الذين يحاولون تفكيك الدولة، واكد ايضاً على أهمية ضمان ارتباط نجاح مسار العدالة الانتقالية على جميع المستويات.[10]

حاول الرئيس التونسي توصيل رسالة محددة حول مبادرة اتحاد الشغل خلال لقاء له في 5 ديسمبر 2020، مع كل من رئيس البرلمان راشد الغنوشي ورئيس الحكومة هشام المشيشي، مفاداها أن موقفه ثابت وأنه سيقصي بعض القوى السياسية من جلسات الحوار في حال تنفيذها[11]، وذلك في إشارة منه إلي حزب "قلب تونس"، فيما يواصل الرئيس جهوده لتوفير ضمانات كفيلة بنجاح الحوار والقبول بمقرراته.[12] ويأتي موقف الرئيس ضد قلب تونس في إطار قضايا الفساد التي يتورط فيها رئيس قلب تونس نبيل القروي، والتي شغلت الرأي العام ليس خاصة ابان فترة احتجاز "القروي" المرشح الرئاسي في الانتخابات الرئاسية السابقة (اكتوبر 2019).

وفيما يتعلق بموقف البرلمان، فقد أكد رئيسه راشد الغنوشي، دعمه كل المبادرات شريطة أن تدعم نهج التوافق والتشاركية في إطار تغليب المصلحة الوطنية واحترام شرعية مؤسسات الحكم، مشدداً على استعداد المجلس للقيام بدوره التشريعي والرقابي.

المواقف المؤيدة: جاءت اولى الأطراف المرحبة بمبادرة الاتحاد العام للشغل حزب مشروع تونس، والتيار الديمقراطي، وحركة الشعب، وكتلة الإصلاح الوطني إلى جانب أطراف سياسية أخرى ممثلة في البرلمان.

المواقف المعارضة: برزت أهم المواقف المعارضة لمبادرة اتحاد الشغل في موقف الحزب الدستوري الحر، حيث قالت زعيمته عبير موسي، إن حزبها غير معني بحوار قد تشارك فيه حركة النهضة.

المواقف المحايدة: حرصت حركة النهضة على عدم ابداء موقف واضح سواء بالمعارضة أو التأييد لمبادرة اتحاد الشغل، فالحركة تخشى أن تعزل سياسياً ولذلك فهي واقعة بين خيارين مريرين إما التشبث بضرورة مشاركة حليفها قلب تونس وائتلاف الكرامة في الحوار وهو ما سيقابله رفض من رئيس الجمهورية واتحاد الشغل، أو أن تقبل الحركة الذهاب للحوار دون حليفيها وهو ما سيرفع من احتمالات أن تتعرض الحركة لضغوط أثناء الحوار للقبول بخيارات لم تكن تقبلها مثل أن تقبل بتشكيل الحكومة القادمة من تكنوقراط بعيداً عن المحاصصة الحزبية، وعامة تتجنب الحركة كل دعوات الحوار الوطني منذ سنوات، خشية تكرار تبعات تجربة الحوار في عام 2013، ومن ثم يستهدف راشد الغنوشي رئيس الحركة ورئيس البرلمان أن يكون البرلمان الجهة المختصة بكل المبادرات الرامية لإنقاذ البلاد بدعوى أن البرلمان منتخب من الشعب ويمثل كافة الأطياف السياسية، وطالبت النهضة بإبعاد الرئاسة التونسية عن التجاذبات السياسية، حيث طالب عبد الكريم الهاروني، رئيس مجلس شورى الحركة، بـعدم جعل رئيس الجمهورية طرفاً في الخلافات بين الأحزاب السياسية والكتل البرلمانية.

رابعاً: مستقبل مبادرة الحوار الوطني:

ثمة سيناريوهين محتملين لمستقبل مبادرة الحوار الوطني التي طرحها الاتحاد العام للشغل في تونس، وهما ما يلي:

  • سيناريو النجاح:

ويرتبط احتمال نجاح مبادرة اتحاد الشغل لإقامة حوار وطني بتوافر مجموعة من العوامل ابرازها الآتي:

  1. ‌في حال توافقت غالبية القوى السياسية على توحيد مواقفها بجانب الرئيس التونسي والاتحاد العام للشغل في مواجهة حركة النهضة وحليفيها، ويدعم هذا العامل أن المبادرة ترتكز على مرجعية الشرعية الانتخابية، في محاولة لطمأنه القوى السياسية بإظهار أن الاتحاد لا يرغب في تغيير النظام السياسي، رغم أن الحوار قد يسفر عن تغيير المعادلة إذا تكتلت القوى داخل البرلمان الحالي ضد النهضة وحليفيها، وذلك في حال قبول الطعون المحتملة على نتائج الانتخابات التشريعية وذلك تجسيداً لما جاء في التقرير الصادر عن محكمة المحاسبات من اتهامات للنهضة وقلب تونس بتلقي أموال أجنبية وتجاوز سقف الانفاق الانتخابي، الأمر الذي يعزز فرص خروج نوابهما من البرلمان، كما قد يفرض الحوار توافق القوى على تشكيل حكومة كفاءات مستقلة تماماً ، والموافقة على حزمة القوانين المطلوبة لمرحلة ما بعد الحوار (قوانين الانتخابات وقانون للمصالحة الاقتصادية..).
  2. استثمار الدور التاريخي لاتحاد الشغل واستقلاليته عن التجاذبات السياسية من أجل التعبئة لإقناع الجماهير التونسية بوجاهة مبادرته، حيث قام بتكثيف خطاباته وتحركاته الداخلية والخارجية بالتعاون مع المجتمع المدني ضد المؤسسات التي يرى أنها تسببت في مزيد من الأزمات في البلاد، حيث وجه سهامه بقوة إلي البرلمان برئاسة الغنوشي، كما دعا الاتحاد الرئيس إلى تسريع التجاوب مع مبادرته.
  • سيناريو الفشل:

يتوقع في إطار هذا السيناريو أن تفشل مبادرة الاتحاد انطلاقًا من انتقادات وجهت اليها إنها تخاطب قوى بعينها دون اخرى، بالإضافة إلى وجود مبادرات أخرى مطروحة في الاوساط التونسية - وصل عددها إلي ثمان مبادرات - وهو ما قد يشكل عقبة أمام تحقيق التوافق بينها من أجل اعادة الاستقرار، لاسيما في ظل استمرار توتر العلاقات بين المؤسسات الحاكمة وتواصل الخلافات حول الخيارات السياسية المناسبة.

 

 


[1] - وخلال هذا اللقاء أكد الرئيس على ضرورة تسير المرافق العمومية بشكل طبيعي، مشدداً على أن هناك من يسعى إلى تعطيل سيرها لإثارة الفوضى - دون أن يشير الرئيس صراحة إلي هذه الجهات.

[2] - وهو منظمة مستقلة غير حكومية تقوم بالدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية داخل تونس وخارجها، ولدى المنتدى مقر رئيسي بالعاصمة تونس وفروع تعمل مع الشركاء المحليين في مدن اخرى بالبلاد.

[3] - تمثل الأوضاع الاحتجاجية في منطقة "رمادة" بولاية "تطاوين" جنوب تونس وعلى مقربة من الحدود الليبية / التونسية أحد أخطر الاحتجاجات في البلاد، وذلك لما تشمله من أحداث عنف واشتباكات بين القوات الأمنية والعسكرية وعدد من السكان ومنها المواجهات التي حدثت إثر واقعة مقتل شاب برصاص الجيش، بعد أن اقتحم المنطقة العازلة بـ "ذهيبة" على الحدود التونسية الليبية، ويتزامن ذلك مع ازدهار أنشطة اقتصاديات التهريب والتجارة الموازية، وهو ما يدلل على فتور العلاقة بين المواطن والمؤسسات الأمنية والعسكرية، يضاف إلي ما سبق، أن اعتصام "الكامور" الذي اغلق مواقع انتاج الطاقة بولاية "تطاوين" في الضغط على الحكومة التونسية من أجل توقيع اتفاق في السادس من نوفمبر الماضي يقضى بتوفير أكثر من 1500 فرصة عمل، نجح في فتح المجال لتوسيع ضغط الاحتجاجات في مناطق أخرى على الحكومة للمطالبة بحقوق التوظيف والتنمية، وهو ما دفع رئيس الحكومة لإظهار أنه سيتجاوب مع هذه المطالب بإجراء مفاوضات مستقبلية.

[4] - جرى اللقاء في 27 نوفمبر 2020.

[5] - جرى اللقاء في 26 نوفمبر 2020.

[6] - جرى اللقاء في 25 نوفمبر 2020.

[7] - تتكون اللجنة من 7 أعضاء يترأسهم وزير الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج أو من ينوبه، أما بقية الأعضاء، فهم على التوالي، الوزيرة مديرة الديوان الرئاسي أو من ينوبها، ووزير العدل أو من ينوبه، ووزير الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار أو من ينوبه، ووزيرة أملاك الدولة والشؤون العقارية أو من ينوبها، ومحافظ البنك المركزي أو من ينوبه، والمكلف العام بنزاعات الدولة أو من ينوبه، انظر: الرائد الرسمي للجمهورية التونسية، العدد 108، 27 أكتوبر 2020، صفحـة 2697.

[8] - جرى اللقاء في 25 نوفمبر 2020.

[9] - ومن بين هؤلاء المدافعين سيف الدين مخلوف رئيس وكتلة ائتلاف الكرامة الذي اعترف بانه كان محاميا لأحد الإرهابيين اللذين فجرا نفسيهما قرب السفارة الأميركية في العاصمة التونسية في مارس 2020، وكتب مخلوف في صفحته على موقع فيسبوك "نعم أنا محامي أحد الشابين الذين فجرا نفسيهما هذا اليوم، وقد كان نزيلا بسجن المرناڤية بعد أن حوكم بالسجن مدة ثلاث سنوات.. لا من أجل حمل السلاح ولا من أجل التفجير ولا من أجل الصعود للشعانبي .. بل من أجل تدوينة على فيسبوك"، كما يوصف مخلوف في الساحة التونسية بأنه محامي الإرهابيين المقرب من حركة النهضة، حيث اختص لسنوات في الدفاع عن المتشددين في القضايا الإرهابية وكذلك دفاعه عن المسؤولين في قضية اغتصاب اطفال في المدرسة القرانية بالرقاب من محافظة سيدي بوزيد، فضلاً عن ذلك استغل رئيس مخلوف، حضور وزير التعليم العالي احد جلسات البرلمان التونسي، ليدافع عن حق القيادي بأنصار الشريعة الذي صنفته السلطات التونسية تنظيما إرهابيا منذ عام 2013، سيف الدين الرايس، في متابعة دراسته الجامعية بجامعة القيروان للحصول على شهادة الدكتوراه، واعتقلته قوات الأمن في 2014 ووجهت له اتهامات تتصل بقضايا إرهابية من بينها الانضمام إلى تنظيم إرهابي والدعوة إلى ارتكاب جرائم إرهابية.

[10]- الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية التونسية على الفيس بوك، 2/12/2020، متاح على الرابط التالي: https://www.facebook.com/Presidence.tn/

[11] - بيان رئاسة الجمهورية التونسية، 5/12/2020.

[12] - ومن بين تلك الجهود تباحثه مع الرئيسة السابقة لهيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين حول تطور مسار العدالة الانتقالية في البلاد منذ الثورة.

 

تعليقات القراء