شهدت الزيارة الرسمية التي اجراها الرئيس التونسي "قيس سعيد" إلي مصر في التاسع من إبريل الجاري ولمدة ثلاثة أيام متواصلة، زخماً سياسياً واضحاً في ضوء ما كشفته الزيارة من توجه القيادتين المصرية والتونسية نحو تفعيل اطر التعاون واليات التشاور والتنسيق بين البلدين على كل المستويات سواء في ما يتعلق بالعلاقات الثنائية والقضايا الاقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وهو ما سيساهم في تعزيز التقارب بين الدولتين.
ابرز المواقف الحزبية:
وفيما يتعلق بأهم المواقف التي عبرت عنها القوى الحزبية التونسية تجاه العلاقات المصرية التونسية في ضوء زيارة الرئيس قيس سعيد إلي مصر، ما يلي:
حركة النهضة:
- وجهت حركة النهضة ممثلة في عدد من كبار قياداتها، انتقادات لما شهدته العلاقات المصرية التونسية من تطورات في ضوء زيارة الرئيس قيس سعيد إلي مصر، حيث قال القيادي رفيق عبد السلام أن "الرئيس سعيد سيعود من زيارته بترتيبات أمنية وأجندات استخباراتية لضرب الديمقراطية لا غير"، متهماً الرئيس التونسي بـ "أنه يتحين الفرص لنقل صراعات الحكم التي يخوضها من الداخل إلى الخارج، مثلما فعل مع السفراء الذين جلس معهم .... ليقحمهم في صراعاته السياسية، وهو يبحث عن الاندراج تحت مظلة اقليمية معادية للديمقراطية ولثورات الشعوب.."، في إشارة واضحة لمدى مناهضة حركة النهضة لأية فرص لتعزيز العلاقات التونسية المصرية.
- فيما قال رياض الشعيبي مستشار رئيس حركة النهضة إنه كان على الرئيس سعيد التوجه إلى الجزائر أولاً بدل مصر فيما يتعلق بملف مكافحة الإرهاب، مضيفاً أنه "إذا كان المقصود بالإرهاب هو التوسع في هذا المعنى ليشمل الخصوم السياسيين فأعتقد أن الرئيس قد أخطأ العنوان".
حزب قلب تونس:
- أشار الصادق جبنون المتحدث باسم حزب "قلب تونس"، أن زيارة الرئيس قيس سعيد إلي مصر لا بد أن تتعزز بلقاءات بين حكومتي البلدين – في اشارة إلي أهمية أن تقود الحكومة التونسية برئاسة "هشام المشيشي" المدعومة من قلب تونس وحركة النهضة، مباحثات جديدة مع نظيرتها المصرية حول سبل تطوير العلاقات بين البلدين- لاسيما أن الرئيس التونسي لم يصطحب معه اي عضو من الحكومة خلال زياراته الخارجية الأخيرة لكل من ليبيا ومصر، وقد اشار "جبنون" إلي أن الجهات الرسمية في تونس تسعى لرفع مستوى العلاقات مع مصر على الصعيد الاقتصادي، لكن مع احترام عدم التدخل في الشؤون الداخلية – في اشارة اخرى تعارض اية تدخلات او وساطات خارجية لحلحلة الازمات بين المؤسسات التونسية الحاكمة - وذلك رداً على تلميحات الرئيس سعيد خلال زيارته لمصر حول أزمة الداخل التونسي، حينما اوضح أن "الواقع السياسي والدستوري بتونس مؤلم".
- وجه الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي المحسوب على حركة النهضة، انتقادات للزيارة متهما قيس سعيد بالتنكر للثورة وهو نفس موقف رئيس ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف المتحالف مع حركة النهضة.
ملاحظات هامة:
وفي إطار تقييم المواقف السابقة، يمكننا الإشارة إلي عدد من الملاحظات الهامة منها أن حركة النهضة تصدرت المشهد المناهض لسبل تطوير العلاقات المصرية التونسية وهو ما يمكن ارجاعه إلي ما يلي:
- استيعاب حركة النهضة ما قد يفرضه تطوير العلاقات التونسية المصرية من تداعيات سياسية على مستقبل الحركة في الداخل التونسي وعلاقات الحركة مع فروع الاخوان المسلمين بالمنطقة لاسيما في ليبيا، كما تأتي الزيارة ايضاً تلبية لدعوة قدمها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو ما شكل صدمة واضحة لمشروع تمكين الاخوان المسلمين سياسياً في المنطقة عامة، وهو ما تخشى حركة النهضة أن يتكرر نفس السيناريو في تونس.
- احتمالية أن تشهد الفترة القادمة تنسيقاً اكبر في مواقف مصر وتونس تجاه مشروعات إعادة الإعمار في ليبيا ومحاولة خفض الاستقطابات السياسية عن السلطة الليبية الجديدة بما يمكنها من اداء دورها في ادارة المرحلة الانتقالية وخروج كافة القوى الأجنبية والمرتزقة، وتجدر الاشارة أن زيارة الرئيس التونسي الي مصر جاءت بعد أقل من شهر من قيامه بزيارة رسمية هي الأولى له إلي ليبيا، مرفوقاً بوزير الخارجية عثمان الجرندي وعدد من أعضاء ديوان الرئاسة، وقد بحث خلالها تطوير العلاقات التونسية الليبية.
- أن يساهم اتفاق القيادتين التونسية والمصرية حيال اهمية كل من تعزيز مفهوم الدولة الوطنية وتعزيز التعاون بين البلدين في مجال مكافحة الارهاب ومطالبة المجتمع الدولي بتبني مقاربة شاملة للتصدي لهذه الظاهرة وكذلك من خلال مواجهة كافة التنظيمات دون استثناء وتقويض قدراتها على استقطاب أو تجنيد عناصر جديدة وتجفيف منابع تمويلها، يساهم في تفعيل الجهود التونسية الداخلية الساعية نحو كشف تورط حركة النهضة في نشر الفكر المتطرف في الداخل التونسي.
- زيادة شعبية الرئيس قيس سعيد حيث تؤكد الزيارة على عودة الدينامية للدبلوماسية الرسمية التونسية ومحاولة لتنشيط الدور الاقليمي التونسي من جديد حيث تمثل الزيارة اعادة انفتاح تونس على محيطها العربي والأفريقي والدولي، وتطبيقاً لمسئولية تونس الاقليمية في تمثيل المجموعة العربية في مجلس السلم والأمن الدوليين خلال هذه الفترة، وهو ما يمثل نقطة قوة لمؤسسة الرئاسة التونسية التي تسعى تحجيم نفوذ حركة النهضة، ولذا دخلت الرئاسة التونسية منذ اشهر في صراعات على الصلاحيات الدستورية مع رئاسة البرلمان (راشد الغنوشي) ورئاسة الحكومة المدعومة من حركة النهضة والساعيتان لتهميش دور رئيس الجمهورية في المشهد السياسي التونسي.
أما موقف حزب قلب تونس المتحالف مع حركة النهضة، كان اقل حده، حيث انشغل بتقييم وضعه ومحاولة حل أزمته الداخلية لاسيما بعد استقالة بعض قياداته نتيجة تحالفه مع حركة النهضة، فضلاً عن الصراع الذي تفجر داخل حزب قلب تونس حول القيادة منذ إيداع رئيسه "نبيل القروي" في السجن، وقد أكد رئيس كتلة قلب تونس "أسامة الخليفي" حينما صرح (11/4/2021) بأن حزبه يمر بمخاض عميق وفي ضوء توقعاته بعدم حدوث تقدم حيال ما تمر به البلاد في الفترة الراهنة، قرر الحزب القيام بمراجعات داخلية وعدم طرح موضوع استقالة أحد اهم قياداته "عياض اللومي" في الإعلام لمحاولة تطويق الأزمة عبر الحوار الداخلي.