أبدت فرنسا وألمانيا - كلاً على حده - أنهما بصدد دعم تونس فيما تمر به من مرحلة انتقالية، فمن جهة أولى كشفت الرئاسة الفرنسية في 22 يناير الجاري أن الرئيس ايمانويل ماكرون أكد خلال اتصال هاتفي مع نظيره التونسي قيس سعيد، على استعداد فرنسا الدائم لدعم تونس في تنفيذ الإصلاحات وتنفيذ مرحلة انتقالية "جامعة"، ومن ناحية ثانية أعلنت سفارة ألمانيا بتونس في 21 من نفس الشهر أن السفير بيتر بروغل أكد خلال محادثة مع وزيرة المالية سهام بوغديري، على "دفع قرض بـ 100 مليون أورو في الأيام المقبلة كتعبير عن وقوف ألمانيا إلى جانب تونس في الأوقات الصعبة".
ولقد جاءت التطورات السابق الإشارة إليها متواكبة مع الآتي:
على صعيد التعاون الدولي:
- منح الوكالة الفرنسية للتنمية عبر ذراعها في تمويل القطاع الخاص شركة "بروباركو" الفرنسية، ضمان ARIZ بقيمة 5 ملايين يورو في يوم 18 يناير الجاري إلى تونس، وذلك في إطار مبادرة "اختيار الصمود في إفريقيا" المدعومة من الحكومة الفرنسية، وهو ما سيساهم في تحقيق ما يلي:
- تسهيل الوصول إلى التمويل للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التونسية لتي تعاني من نقص الخدمات، ولا سيما في القطاعات التالية: السياحة والتموين، والحرف اليدوية، والتعليم، والصحة، والزراعة، وتجارة التجزئة، والخدمات.
- تقاسم المخاطر في تونس كجزء من نمو محفظتها من القروض إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة في سياق الأزمة الوبائية الراهنة.
- المساعدة في تحقيق بعض الأهداف الإنمائية للألفية ومنها زيادة الدخل في المناطق الحضرية والريفية، والعمل اللائق والنمو الاقتصادي، والحد من عدم المساواة.
- أطلقت أمانة المنتدى العالمي - ومقرها مركز منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للسياسة الضريبية وإدارتها في باريس - وسويسرا في 21 يناير الجاري، مشروعاً تجريبياً لمساعدة تونس في تنفيذ معيار التبادل التلقائي لمعلومات الحسابات المالية لمكافحة التهرب في المسائل الضريبية (AEOI) والمقرر بدء تنفيذه فعلياً في عام 2024، وتجدر الاشارة أن يمول الاتحاد الأوروبي الدعم الذي تقدمه أمانة المنتدى العالمي إلى تونس.
وعلى الصعيد الداخلي التونسي:
- مواصلة المؤسسات الرسمية التونسية إدارة المرحلة الانتقالية على مختلفة الأصعدة التنفيذية والقضائية وذلك لإثبات جدية خارطة الطريق التي أعلن عنها الرئيس التونسي في ديسمبر الماضي لإدارة المرحلة السياسية الانتقالية ولمدة عام والتي تشمل بالأخص تحديد موعد لإجراء استفتاء على دستور جديد للبلاد في يوليو القادم، وموعد لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في ديسمبر هذا العام.
- توجيه الرئيس التونسي اجهزة الدولة بطرح جملة من الترتيبات للنقاش المجتمعي داخل تونس مؤخراً وذلك لتأكيد عدم انفراد الرئيس التونسي بقيادة المرحلة تنفيذياً وتشريعياً، وسعيه لإشراك القوى المجتمعية في عملية الانتقال الديمقوراطي، ما يلي:
- دعوة رئاسة الحكومة التونسية للمؤسسات المواطنة للمشاركة الفعلية في بلورة البرنامج الاقتصادي والاجتماعي للفترة القادمة والإصلاحات الهيكلية والشاملة لإعادة تنشيط الاقتصاد وخاصة في مجال مناخ الاستثمار.
- اقتراح إحداث صندوق لدعم الإعلام الخاص إضافة إلى دعم ما يعرف بالإعلام "الجمعياتي" التابع لمؤسسات المجتمع المدني التي تمكنت من تقنين أوضاعها، لاسيما التي برزت بعد سقوط نظام بن علي، ونجحت في الحصول على رخص بث رسمية لعدد من الاذاعات في بعض المدن التونسية.
الدلالات السياسية:
يكشف اعلان فرنسا والمانيا - كلاً على حده - عن دعمها للمرحلة الانتقالية التي يقودها الرئيس التونسي قيس سعيد، عن عدد من الدلالات السياسية، وذلك على النحو التالي:
- أهمية ما أبدته فرنسا وألمانيا - كلاً على حده - من دعم للمرحلة الانتقالية في تونس حالياُ، إذ تتولى الأولى "فرنسا" الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي خلال الستة أشهر من العام الجاري، وثانياً تتولي فيه المانيا رئاسة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى هذا العام، والتي وجهت عدة ملاحظات خلال الفترة الماضية حيال مسار الاحداث السياسية والاقتصادية والأمنية في تونس في اعقاب قرارات 25 يوليو.
- إظهار الجانب الألماني الثقة في خارطة الطريق التي أعلنها الرئيس التونسي لإدارة العملية السياسية في البلاد في ديسمبر 2021، شريطة الالتزام بما جاء فيها من أجل عودة النظام الدستوري للبلاد، ولعل الموقف الإيجابي الذي اتخذته المانيا مؤخراً - بأنه ستفي خلال الأيام القادمة بالاتفاق المتعاقد عليه مع تونس منذ عام 2020 ، وهو قرض بقيمة 100 مليون يورو وذلك لمساعدة تونس في تحقيق الاصلاح المالي والمصرفي.
- تنسجم التوجهات الفرنسية والألمانية الأخيرة مع بحث الرئيس التونسي عن فرص أكبر لتوطيد المسار الذي اتخذه لتحقيق الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي في تونس، وذلك عبر البوابة الفرنسية والألمانية الرسمية، آملاً ألا تتجاوب القوى الأوروبية عامةً مع إدعاءات قوى سياسية اسلامية وبعض الاحزاب اليسارية أو حتى الليبرالية التي اصطدمت مع الرئاسة التونسية في الفترة الأخيرة، انتهاك الرئيس التونسي للدستور والقانون بقرارات التصحيح.
- إدراك فرنسا لطبيعة المبررات التي قادت القيادة التونسية لاتخاذ خطوات تصحيحية بدأت في 25 من يوليو الماضي، وهكذا تؤكد باريس علانية وعبر اعلى قيادة سياسية فيها وهو الرئيس ايمانويل ماكرون على دعم تونس لها خاصة في المجالين السياسي والاقتصادي خلال المرحلة الانتقالية، فضلا عن التزام فرنسا بالتنمية، وذلك برغم انتقاد أقلام فرنسية (لوزيكو) عدم اتخاذ الخارجية الفرنسية اجراء جاد حيال ما اثير حول الحريات تعرض مراسل صحفي فرنسي بتونس للعنف خلال تغطية احتجاجات الذكرى الحادية عشر للثورة.
وهكذا يتبين أن التطورات الأخيرة على صعيد العلاقات التونسية الأوروبية - الفرنسية والالمانية - تكشف عن مساندة لجهود الرئيس التونسي في استعادة الاستقرار السياسي في البلاد وتجاوز التحديات الاقتصادية والاجتماعية وهو ما سيساعد في الحفاظ على مصالح القوى الأوروبية داخل تونس لاسيما على صعيد الاستثمار والتبادل التجاري، بيد أن القوى السياسية المعارضة للرئيس تعمد عبر منصات موالية لها داخل تونس وخارجها إلي تصوير المواقف الأوروبية بأنها تعبر عن ضغوط سياسية ومالية غربية ضد المسار التصحيح الجاري في البلاد.