مستجدات العملية السياسية والانتخابية في لبنان

من المقرر أن يعقد البرلمان اللبناني جلسة لانتخاب رئيس جمهورية جديد للبلاد في 2 سبتمبر المقبل بعدما فشل البرلمان في انتخابه لعدم اكتمال نصاب ثلثي عدد النواب وهو (86 من أصل 128) للمرة العاشرة على التوالي، والتي توقعت الأوساط المطلعة ألا تسفر عن أي جديد، إذا استمر الجمود السياسي للأزمة السياسية، وهو ما سيتكرر مرة أخرى خلال الجلسة القادمة.

وفي حقيقة الأمر، يواجه لبنان اليوم مأزقاً خطيراً في مسار العمل السياسي العام نتيجة لغياب رئيس للجمهورية وما يواجه كل من مجلس الوزراء والمجلس النيابي من صعوبات تعترض قيامهما بمهامهما الدستورية كاملة، وبالتالي إذا لم يحصل اختراق حقيقي في مسار العملية السياسية اللبنانية، فإن الأزمة السياسية في لبنان مرشحة للتصعيد، وفيما يلي نناقش أوجه المستجدات في المشهد السياسي والانتخابي اللبناني، ومواقف القوى اللبنانية الرئيسية بشأنها، ثم السيناريوهات المتوقعة في هذا الصدد.

أولاً : فيما يتعلق بالمستجدات علي صعيد العمل النيابي، تدور مناقشة حول مدى ترجيح الاحتمالين التاليين:

أ‌.        التمديد للبرلمان الحالي الممدد له منذ عام ونصف، باقتراح من الحكومة أو من عدد من نواب البرلمان في سبتمبر المقبل أي قبل شهرين من انتهاء الولاية الممدد لها حتى نوفمبر القادم، ويتوقع أن تصل مدة التمديد الثانية لقرابة عامين أو لثلاث ليصبح معها موعد الانتخابات النيابية في مايو 2017، وهو ما قد يثير إشكالية حول شرعية البرلمان في رأي البعض، حيث أن التمديد يحتاج إلى دورة برلمانية عادية، وإحالة من رئيس الجمهورية الشاغر منصبه الآن، أو مجلس الوزراء بكامل أعضائه الـ 24 وزيراً، وهو ما يصعب تحقيقه الآن، ويُرجح أن يلجأ رئيس البرلمان نبيه بري إلي قاعدة الظروف القاهرة، التي من خلالها يمكنه إيجاد أكثر من طريقة للتمديد.

ب‌.   إجراء انتخابات نيابية لتشكيل برلمان جديد، واستمرار تأجيل انتخابات رئاسة الجمهورية حتى إتمام ذلك رغم أن الفرص مازالت سانحة لانتخاب رئيس جمهورية في عهد البرلمان الحالي شريطة اتفاق الفرقاء اللبنانيين وقبل نهاية أغسطس موعد إعلان تحديد تاريخ إجراء الانتخابات النيابية والدعوة إليها كمخرج أخير للأزمة.

ثانياً: وفيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية فإن مستجداتها تشير إلى ما يلي:

‌أ.        أن توازن القوى الموجود في لبنان حالياً وارتباطه بالتوازنات الإقليمية في المنطقة لا يسمح بفوز أي من المرشحين للمنصب الرئاسي (ميشال عون: المرشح الغير رسمي لقوى 8 آذار، وسمير جعجع: المرشح الرسمي لقوى 14 آذار، هنري الحلو: المرشح الرسمي لكتلة اللقاء الديموقراطي البرلمانية).

‌ب.   وجود توجه للترويج لمرشح رئاسي جديد من خارج الاستقطابات السياسية الحالية، حيث أبدى وليد جنبلاط استعداده سحب ترشيح هنري الحلو، إذا أقدم الآخرون على سحب ترشيحاتهم، لتسهيل التوصل إلى تسوية تنهي حالة الفراغ الرئاسي.

‌ج.    وجود طرح أخر قدمه ميشال عون يدعو إلى انتخاب رئيس جمهورية جديد على مرحلتين، الأولى طائفية محصورة بالمسيحيين تتم فيها التصفية على مرشحين أثنين للرئاسة، يدخلان سباق المرحلة الثانية على المستوى الوطني، لكن هذا بدوره يستوجب تعديلات دستورية وتشريعية قد تغير جذرياً من طبيعة النظام السياسي في البلاد، وإعادته إلى مرحلة ما قبل الطائف، وتغيير طرح فكرة المناصفة الفعلية بين المسيحيين والمسلمين، من خلال انتخاب كل طائفة لنوابها في البرلمان، وهو ما قد يطرح اختلافات لبنانية واسعة.

ثالثاً: مواقف القوى اللبنانية الرئيسية:

1.    يشير تيار المستقبل إلى ما يلي:

‌أ.        أولوية إجراء الانتخابات الرئاسية ومن ثم إجراء الانتخابات النيابية احتراماً للمسارات الدستورية ولتجنيب لبنان مرحلة الفراغ الكلي، رغم أنه قد يُجبر على القبول بالتمديد للبرلمان ما لم تحصل تسويات مرحلية كبرى للملفات الشائكة على أن يتم التمديد المرتقب لفترة عام واحد فقط أي حتى مايو 2015.

‌ب.   استعداد التيار لاحتمال الموافقة على بديل التمديد للمجلس من خلال دعم الحريري لمجلس الوزراء، وخصوصاً وزارة الداخلية والبلديات وبالتعاون مع كل الوزارات المختصة، للعمل على اتخاذ الإجراءات الضرورية واللوجستية لضمان إجراء الانتخابات النيابية بموعدها، كتشكيل هيئة الإشراف على الحملة الانتخابية قبل 8 أغسطس 2014 ودعوة الهيئات الناخبة ضمن المهل القانونية (كان مقرراً لها قبل 18 أغسطس 2014)، وإجراء الانتخابات النيابية في موعدها في 20 نوفمبر المقبل.

2.    موقف حزب الله وتكتل التغيير والإصلاح:

يرفض كل من حزب الله وتكتل التغيير والإصلاح (ميشال عون) التمديد للمجلس النيابي الحالي مهما كانت الأسباب الموجبة وبغض النظر عن الوضع الأمني، إلا أنه يرى في حال عدم التوصل إلى إقرار قانون انتخابي جديد (يسعى أن يكون القانون الأرثوذكسي)، حينها يمكن القبول بإجراء الانتخابات النيابية وفق القانون المعمول به وهو قانون الستين، علماً بأن حزب الله غير مستعد الآن للتحضير للانتخابات النيابية لأن نتائجها لن تحقق انقلاباً في ميزان القوى في البرلمان ولن تغير الثقل المسيحي في البرلمان مثلما يأمل حليفه عون لاسيما إذا تمت الانتخابات وفق قانون الستين حيث ترفضه قوى 8 آذار.

سيناريوهات تطور المشهد السياسي والانتخابي في لبنان:

السيناريو الأول:

‌أ.        أن يحدث توافق سياسي على التمديد للمجلس النيابي وهو الأقرب وفق كثير من التقديرات كنقطة ارتكاز وتلاقي بين الأطراف اللبنانية كافة للانطلاق منها نحو تسوية باقي الملفات لاسيما مجموعة التشريعات التي تتطلبها إدارة المرحلة الحرجة التي تعيشها لبنان بسبب التوترات الإقليمية وتداعياتها علي لبنان ودول الجوار، كما أن التمديد للمجلس يجعل الحكومة الحالية مستمرة في عملها وممارسة صلاحياتها الدستورية ولأنها حاصلة علي الثقة من المجلس ذاته.

السيناريو الثاني:

‌أ.        أن يستمر الجمود السياسي في البلاد وعدم الوفاء بالاستحقاقات الدستورية الواجبة (انتخابات الرئاسة والبرلمان) لتدخل البلاد في فراغ مؤسسي شامل يفتح الطريق أمام الترويج لضرورات إعادة النظر في طبيعة إشكاليات وأزمات الحياة السياسية وضرورة إنهاءها عبر تغيير النظام السياسي اللبناني من خلال مؤتمر وطني تأسيسي جديد، ولكن هذا السيناريو لا تتوافر له حالياً البيئة المناسبة داخلياً وإقليمياً ودولياً.

 

الكلمات الدالة:

تعليقات القراء