في اعقاب اعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس يوم 14/8/2019 قائمة المقبول ترشحهم للانتخابات الرئاسية المبكرة، طرح وزير الدفاع المستقيل "عبد الكريم الزبيدي" والمرشح للانتخابات الرئاسية على صفحته الرسمية بموقع "الفيسبوك" خمسة نقاط أولية في برنامجه الانتخابي ذات أبعاد سياسية وقانونية يتعهد بتنفيذها في حال نجاحه في السباق الرئاسي إلي قرطاج، ويعتبر الزبيدي أحد ابرز المرشحين الذين أعلنت الهيئة عن قبول اوراق ترشحهم للانتخابات مبدئياً، وعددهم 26 مرشح.
ملامح البرنامج الانتخابي:
ولقد تمثلت النقاط الخمس التي طرحها الزبيدي أولاً تقديم مشروع استفتاء لتعديل الدستور والمنظومة السياسية والانتخابية يكون مرجعه الموازنة بين احترام الحريات وضمان وحدة مؤسسات الدولة وفاعليتها في أجل زمني أقصاه 25 يوليو 2020، وثانياً أهمية الكشف عن الحقيقة بعيداً عن الحسابات السياسية في ملفات الاغتيالات والتسفير والجهاز السري (لحركة النهضة) وضمان التطبيق الصارم للقانون، ثالثاً إعادة فتح سفارة تونس بدمشق "في أجل زمني لا يتجاوز 20 مارس 2020، مع مراعاة المصالح العليا للدولة التونسية والشعبين التونسي والسوري، والنأي بتونس عن المحاور الإقليمية، رابعاً استعادة الأمن الاجتماعي ومقاومة كل مظاهر الفوضى والجريمة ومكافحة الإرهاب، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية، خامساً العمل على تحقيق مصالحة وطنية شاملة سياسية اقتصادية واجتماعية.
يترشح "الزبيدي" وسط زخم في أعداد المرشحين من تيارات سياسية مختلفة، وقد أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن العدد النهائي للمرشحين الرئاسيين وعددهم 26 مرشح في 31 أغسطس 2019، بعدما تلقت الهيئة الاحكام النهائية للمحكمة الادارية فيما يتعلق بالنزاعات القضائية المتعلقة بالعملية الانتخابية والتي كان أبرزها قبول المحكمة استئناف الهيئة ضد حكم المحكمة بقبول طعون أربعة مرشحين كانت الهيئة قد رفضت طلبات ترشحهم للانتخابات الرئاسية المبكرة لعدم استيفاء شروط الترشح ووثائقه المطلوبة.
وبرغم تقدم "الزييدي" للترشح بصفته مستقلاً، إلا أنه يمكن تصنيفه ضمن تيار الوسط، الأمر الذي يسمح له بنيل تأييد حزبي هام من قبل غالبية أحزاب هذا التيار مثل نداء تونس وافاق تونس وغيرهما فضلاً عن فئة العسكريين والأمنيين سواء المتقاعدين أو العاملين الذين يحق لهم وفق القانون الادلاء بأصواتهم في الانتخابات (الرئاسية والتشريعية والمحلية)، وكذا عدد من النقابيين ونشطاء المجتمع المدني مثل ائتلاف "قادرون".
دلالات الطرح المبكر لملامح برنامج الزبيدي:
ويمكننا الإشارة إلي أن طرح الملامح الأولية لبرنامج "الزبيدي" الانتخابي جاء قبل انطلاق الحملة الانتخابية رسمياً والمقررة خلال الفترة من 2 إلي13 سبتمبر 2019، وقبل تعيين الزبيدي لـ "فوزي عبد الرحمن" الوزير السابق والقيادي السابق بحزب افاق تونس مديراً لحملته الانتخابية الرئاسية، ولعل "الزبيدي" استهدف من هذا التعجيل إظهار حرصه على أهمية استعادة هيبة الدولة التونسية بأن يكون استقرار وأمن الدولة على رأس أولوياته الانتخابية والتي سيسعى نحو تحقيقها في حالة فوزه بمنصب رئيس الجمهورية في الانتخابات الرئاسية، وذلك انطلاقاً من خبرته العلمية والعملية كوزير للدفاع - المؤسسة الأكثر احتراماً لدى الشعب التونسي- التي مكنته من الاطلاع على واقع الأوضاع الأمنية وأهم التحديات التي تواجه البلاد منذ قيام ثورة 2010.
فضلاً عن ذلك يغلب على ملامح البرنامج الانتخابي للـ "زبيدي" قضايا السياسة الداخلية مع ارتباطها بقضايا السياسة الخارجية التونسية ومجالات التعاون الدولي، لاسيما ما يتعلق بسبل تطوير مكافحة الإرهاب كأحد آليات استعادة الأمن الاجتماعي، كما تطرق الزبيدي لعدد من القضايا الخارجية التي قد يتوجب التعامل معها لاسيما العلاقات التونسية/ السورية، والعمل على معالجة ما تسبب فيه حكم الترويكا بقيادة النهضة الاخوانية في توتير العلاقات مع النظام السوري لاسيما بعدما سمحت الترويكا وبدعم من أطراف إقليمية بانتقال اعداد كبيرة من المقاتلين التونسيين إلي سوريا والعراق، ومن ثم تعهد الزبيدي بالعمل على إعادة فتح سفارة تونس بدمشق، الأمر الذي يسهم في فتح قنوات اتصال لتبادل المعلومات بين الدولتين التونسية والسورية لاسيما ما يتعلق باستكمال عمليات استعادة المقاتلين التونسيين وأسرهم.
ومن الملاحظ أيضاً أن رغبة الزبيدي في تعديل الدستور تلاقت مع رغبة سابقة أطلقها الرئيس السابق "قايد السبسي"، من أجل تغيير نظام الحكم من "برلماني معدل" إلي "رئاسي" وبما يمنح مزيد من الصلاحيات لرئيس الجمهورية ليصبح على رأس السلطة التنفيذية مع تقليص صلاحيات رئيس الحكومة، في ضوء ما شهدته البلاد من أزمات بين الرئاسة والحكومات المتعاقبة (مهدي جمعة- الحبيب الصيد- يوسف الشاهد)، بيد أن مبادرة الزبيدي لتعديل الدستور في حال فوزه بالرئاسة يتطلب موافقة ثلث اعضاء البرلمان ومن ثم يتطلب أن يسانده تحالف واسع من الكتل الليبرالية واليسارية في مواجهة كتلة النهضة التي تعارض تعديل الدستور حفاظاً على سلطة البرلمان في منح الثقة البرلمانية للحكومات.
بالإضافة إلي ذلك، يحاول الزبيدي استثمار قضايا الاغتيالات السياسية والتنظيم السري لحركة النهضة في إذكاء روح الرفض الشعبي لخصومه السياسيين من قيادات النهضة المرشحة للانتخابات الرئاسية (عبد الفتاح مورو نائب رئيس الحركة أو الإسلاميين المحسوبين على الحركة كحمادي الجبالي أو سيف الدين مخلوف أو حاتم بولبيار)، الأمر الذي يساهم أيضاً في طمأنة المحيط الإقليمي المتخوف من تداعيات هيمنة الإخوان على منظومة الحكم في تونس.
ردود الأفعال السياسية:
اثارت تعهدات "الزبيدي" السابق الإشارة إليها ردود أفعال سياسية ونخبوية، حيث أعلن حزب "افاق تونس" تجديد دعمه للزبيدي، ووصف الحزب تعهدات الزبيدي بأنها تبشر ببرنامج انتخابي طموح يأخذ بعين الاعتبار كافة الأضرار التي لحقت بصورة تونس في السنوات الأخيرة، ومن ثم دعا الحزب إلي الالتفاف حول المرشح الأكثر تمسكا بأمن تونس، فضلاً عن ذلك يحظى الزبيدي بدعم حزب نداء تونس لاسيما بعدما اعلن رئيسه "حافظ السبسي" أن الزبيدي كان سيكون اختيار السبسي للرئاسة.
وعلى النقيض، فقد حاولت بعض المنصات الإعلامية ترويج إمكانية سحب "الزبيدي" ترشحه لصالح "مهدي جمعة" رئيس حزب البديل، فضلاً عن محاولات ترويج أن "الزبيدي" لا يتمتع بالمهارات الخطابية والتواصلية التي تؤهله لتولي منصب الرئاسة، وقد أعلن الزبيدي أنه يتعرض لحملة "ممنهجة" لتشويه صورته أمام الناخبين من قبل جهات نافذة في السلطة، وهو ما تزامن مع تأجيل المجلس الوزاري البت إجرائياً في مسألة طلب الزبيدي الاستقالة من منصبه كوزير للدفاع حتى ينأ بنفسه عن أية اتهامات باستغلال منصبه الرسمي في حملته الانتخابية وبما يسهم في مزيد من التأييد السياسي والشعبي له بغرض الوصول إلي منصب رئيس الجمهورية، ولعل تأجيل انعقاد المجلس الوزاري وقع لخلاف بين الرئيس المؤقت/ محمد الناصر ورئيس الحكومة "يوسف الشاهد" الذي اصر في البداية على التمسك بمنصبه ثم اقدم بعد ذلك على تفويض صلاحياته مؤقتاً في رئاسة الحكومة للوزير "كمال مرجان" للتفرغ للحملة الانتخابية، رغم أن الدستور والقانون الانتخابي في تونس لا يفرضان على أي مسؤول في الحكم الاستقالة عند إعلانه الترشح للانتخابات سواء كانت رئاسية أو تشريعية.
مخاوف قائمة:
ومن المنتظر أن تشهد الساحة الانتخابية التونسية خلال الأيام القليلة القادمة تصاعداً في حدة المنافسة بين الزبيدي وخصومه السياسيين الذين يتمتعون بثقل اجتماعي لاسيما رئيس الحكومة "يوسف الشاهد" و"عبد الفتاح مورو" مرشح حركة النهضة ومهدي جمعة رئيس الحكومة الأسبق، في الوقت الذي تتعالى فيه أصوات داعية إلي أن يتوافق المرشحون الرئاسيون - حوالي 8 مرشحين- من التيار الوسطي الحداثي على مرشح أو مرشحين بحد أقصى في مواجهة مرشح حصري لحركة النهضة، ومن ثم تسود تخوفات في الأوساط التونسية من تشتيت أصوات الناخبين - 8 مليون ناخب مسجل- بين اكثر من مرشح وسطي، وهو ما يُرجح ظهوره بقوة في الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية منتصف سبتمبر الجاري.