مواقف مرشحي الانتخابات الرئاسية التونسية تجاه عدد من قضايا السياسة الخارجية والأمن القومي

تمهيد:

مثلت المناظرات التلفزيونية الانتخابية التي خصصها التلفزيون التونسي بالتنسيق مع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري وأحد مؤسسات المجتمع المدني، أحد أبرز ملامح الدعاية الانتخابية لمرشحي الانتخابات الرئاسية التونسية المبكرة، فللمرة الأولى من نوعها في البلاد يحظى المرشحين بفرصة رسمية لترويج برامجهم وتصوراتهم حول القضايا الداخلية والخارجية، وعرض برامجهم الانتخابية، الأمر الذي يساهم في تحديد خيارات الاقتراع لاختيار رئيس الجمهورية الجديد، حيث شملت المناظرات مجموعات من الأسئلة عن صلاحيات رئيس الدولة وفق ما هو منصوص عليه في الدستور الحالي، فضلاً عن أسئلة أخرى حول البرنامج والوعود الانتخابية للمرشح، بالإضافة إلي رؤيتهم للنظام الساسي الحالي وفرص تغييره.

توزيع المرشحين على المناظرات الرئاسية:

وقد تعايش الشارع التونسي على مدار ثلاثة ايام متوالية (7-9 سبتمبر الجاري) مع ساحة المناظرات الانتخابية، حيث تم بثها على كل القنوات الرسمية والخاصة، حيث تم تقسيم مرشحي الانتخابات الرئاسية بسبب كثرة عددهم (26 مرشح) على ثلاث مجموعات بحيث شارك في المناظرة الأولى كل من (مهدي جمعة رئيس الوزراء السابق ومرشح حزب "البديل"، وعبد الفتاح مورو مرشح "حركة النهضة"، والمنصف المرزوقي الرئيس التونسي السابق ورئيس حزب "تونس الحراك"، وعبير موسي رئيسة حزب الدستوري الحر، محمد عبو رئيس حزب "التيار الديمقراطي، وعبيد البريكي مرشح حزب "تونس إلى الأمام"، وناجي جلول مرشح مستقل، وعمر منصور مرشح مستقل).

بينما شارك في المناظرة الثانية كل من (لطفي المرايحي مرشح حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري، وحمادي الجبالي مستقلاً، ومحسن مرزوق رئيس حزب مشروع تونس، ومحمد نوري مستقلاً، والهاشمي حامدي رئيس حزب تيار المحبة، وحاتم بولبيار مستقلاً، وإلياس الفخفاخ مرشح التكتل الديموقراطي، وعبد الكريم الزبيدي مستقلاً، ومنجي الرحوي رئيس حزب الجبهة الشعبية).

وشارك في المناظرة الثالثة كل من (سلمى اللومي رئيسة حزب الأمل، والصافي سعيد مستقلاً، وسيف الدين مخلوف مستقلاً، وسعيد العايدي رئيس حزب بني وطني، ويوسف الشاهد رئيس حزب قلب تونس، وحمة الهمامي عن ائتلاف الجبهة الشعبية، وقيس سعيد مستقلاً).

بينما تغيب عن المناظرات أثنين من المرشحين وهما أولاً تغيب "نبيل القروي" مرشح حزب قلب تونس لخضوعه للتحقيقات القضائية لكن قبل أنه تابع حملته الانتخابية من داخل السجن عبر فريقه الانتخابي، وفي محاولة لتسهيل مساهمة "القروي" مباشرة في حملته وبناء على طلب فريقه، وافقت هيئة الانتخابات أن تقوم أحد القنوات الخاصة بإجراء حوار مع القروي من داخل السجن إلا أن القضاء رفض التصريح بذلك استناداً لنص قانون السجون.

ثانياً تغيب "سليم الرياحي" نظراً لوجوده خارج البلاد بسبب ملاحقات قضائية، وقد حاول رفع دعوى قضائية مستعجلة أمام المحكمة الإدارية بسبب رفض طلبه - من قبل التلفزيون الوطني وهيئة للانتخابات وهيئة الاتصال السمعي والبصري، بالمشاركة في المناظرة عبر الأقمار الصناعية.

أبرز مواقف المرشحين الرئاسيين:

وفيما يتعلق بمواقف المرشحين للانتخابات الرئاسية التونسية المبكرة -المقررة منتصف الشهر الجاري- تجاه قضايا السياسة الخارجية، من واقع ما كشفه إجمالي فعاليات الدعاية الانتخابية التي امتدت خلال الفترة (2-13 سبتمبر الجاري) بما فيها المناظرات والحوارات الصحفية والاعلامية التي أداها مرشحي الانتخابات الرئاسية بجانب زياراتهم الميدانية في الولايات التونسية المختلفة، يمكننا القول أن ثمة اتفاق بين مرشحي التيار الإسلامي سواء الحزبيين (مورو والهاشمي) أو المستقلين (بولبيار والجبالي ومخلوف) وبعض مرشحي تيار يسار الوسط مثل (عبو، والمرزوقي الذين سبق لهم التحالف مع الإسلاميين بعد الثورة) على عدد من المسائل ومنها رفض تعديل الدستور الحالي، مقترحين في سبيل تجنب تكرار تجارب التوتر في العلاقات بين رأسي السلطة التنفيذية التي لطالما اتسمت بها حكومات ما بعد ثورة الياسمين، وذلك في ضوء رؤية بعضهم - محمد عبو - سبب الأزمات السياسية في تونس النخب السياسية الحالية وليس خللاً في نوعية النظام السياسي.

كما يرفض الإسلاميون المبادرة التي سبق أن طرحها الرئيس الراحل "السبسي" الخاصة بالمساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، حيث اقترح بولبيار على سبيل المثال إرجاع الحسم في هذه المسألة إلي إجراء استفتاء شعبي عليها، بينما أكد مورو التزامه بتنفيذ قرار البرلمان إذا ما صادق على مشروع قانون منظم لهذا المبادرة، لكنه في الوقت ذاته اعتبر هذه القضية "خرقا للإجماع الوطني"، ومن ثم رأى أنه لا يجب التعامل معها بالقوانين وإنما بدرجة الوعي، الأمر الذي يشير إلي احتمالات تدشين حركة النهضة لحملة شعبية بعد انتهاء موسم الاستحقاقات الانتخابات (الرئاسية والتشريعية) للعمل ضد هذه المبادرة.

ويرى الإسلاميون ضرورة أن تركز تونس في علاقاتها الاقتصادية على دول جوارها في المغاربي والأفريقي، مع رفض سياسة المحاور الإقليمية لاسيما تجاه أزمات المنطقة العربية، مع رفض إعادة العلاقات السورية/ التونسية، حيث ايد "الجبالي" و"بولبيار" أن تقوم تونس بزيادة الاندماج الاقتصادي مع الجزائر لتشكيل قوة داخل السوق الإفريقية، وذلك في انتظار التقارب مع كل من ليبيا والمغرب، فضلاً عن ذلك يفضل الإسلاميون زيادة التعاون الأمني مع الجزائر، وقد تلاقى ذلك المقترح مع اقتراح أخر للهاشمي بأن تتفاوض تونس مع الجزائر وليبيا لضمان تنقل مواطنيهم بالمناطق الحدودية من خلال اظهار بطاقة الهوية فقط، بينما تجنب "الجبالي" الرد على مسألة إعادة العلاقات مع سوريا محيلاً ذلك إلي ضرورة أن يناقش داخل مجلس الأمن القومي التونسي.

وقد شكك بعض الإسلاميين المرشحين في الانتخابات في إمكانيات المؤسسات العليا المستقلة (والدستورية) التونسية الحالية في القيام بمهام مراقبة قضايا الفساد المالي والسياسي والحزبي والإداري، في ظل الإمكانيات الراهنة.

وعلى خلاف ما سبق، أظهرت الدعاية الانتخابية تقارباً واضحاً في البرامج الانتخابية لمرشحي تيارات الوسط - سواء الحزبيين أو المستقلين- خاصة ما يتعلق بضرورة تفعيل أبعاد الدبلوماسية الاقتصادية التونسية لكن بهدف تنويع الشركاء من داخل القارة الأفريقية أو خارجها لاسيما تطوير أطر الشراكة الاستراتيجية مع دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي يساهم في تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي التونسي بجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية وتقليص معدلات البطالة والجرائم الاجتماعية والارهابية، كما بدا قدر من التماسك في برامج مرشحي الوسط وهو ما يمكن إرجاعه إلي انعكاسات خبرة عملهم الرسمي داخل مؤسسات الدولة التونسية وإدراكهم لحجم التوازنات الدولية المؤثرة في صناعة القرار.

فضلاً عن اهمية إعادة العلاقات التونسية/ السورية - بفتح سفارتي البلدين - خدمة لمصالح العائلات التونسية هناك ولفك العزلة على الشعب السوري ورفع التنسيق الأمني بين البلدين، بالإضافة إلي اتفاق مرشحي غالبية تيارات الوسط الحداثية على ضرورة تعديل الدستور التونسي الحالي بهدف إنهاء تشتت السلطات ومراكز القوى والمؤسسات العليا للدولة التونسية، وضرورة تعديل قوانين الانتخابات التونسية وذلك بهدف منع ما عُرف بالسياحة الحزبية والبرلمانية، وتعديل مسألة العتبة والتمثيلية في البرلمان، وذلك بغرض المساهمة بقدر ما في تحقيق الاستقرار السياسي، كما يرى الوسطيون اهمية دور عدد من الوزرات الحيوية وعلى رأسها وزارة السياحة التونسية في ضخ موارد حيوية لخزينة الدولة التونسية.

تباين الرؤى حيال الأمن القومي:

من اللافت أيضاً، أنه في الوقت الذي اتفق فيه المرشحون الرئاسيون بتوجهاتهم السياسية المتنوعة، على ضرورة حياد السياسة الخارجية التونسية عن المحاور الإقليمية، وإمكانية أن تعتمد تونس على آلية الوساطة للمساهمة في حلحلة الأزمات في دول الجوار مثل محاولة جمع الأطراف الليبية والجزائرية، لكنهم اختلفوا في تحديد ماهية الأمن القومي التونسي وأبعاده ومتطلباته - في إطار صلاحيات رئيس الجمهورية- بحيث تفاوتت مواقف المرشحين ما بين الحاجة إلي إستحداث مؤسسات جديدة ذات صلة بالأمن القومي، منها اقتراح تأسيس وكالة استخبارات يشرف عليها مجلس الأمن القومي التونسي، أو بناء منظومة للدفاع الوطني لتحقيق الأمن الشامل، أو إنشاء وكالة وطنية للاستعلامات تحت اشراف مجلس الأمن القومي، أو انشاء "جيش إعلامي وسلامة معلوماتية"، وإنشاء لجنة لتشجير كل الخط الحدودي مع الجزائر وليبيا لمقاومة التصحر، وقطع الطريق أمام المهربين والإرهابيين، رغم أن تونس تذخر بنطاق غابي كبير على حدودها لاسيما مع الجزائر، لكنه يعاني من قصور في أداء الإدارة العامة للغابات فضلاً عن بعض التحديات التي تواجه العناصر الأمنية في ملاحقة الإرهابيين.

بينما اقترح أخرون ضرورة تعيين عسكري على رأس وزارة الدفاع، أو محاربة الفساد وغسل الأموال عبر تغيير الأوراق المالية أو تعديل بعض القوانين ذات الصلة بمسألة الأمن القومي مثل قانون الطوارئ الذي بدأ يفقد رمزيته بسبب تمديده المستمر، أو استعمال الطاقة النووية المدنية أحد الحلول الممكنة لتجاوز المخاطر التي تتهدد الأمن المائي.

كما اشار بعض المرشحين إلي رفع إمكانيات المؤسستين العسكرية والأمنية، حيث طرح مرشحون اسلاميون إمكانية تقليص عدد الوزارات وإلغاء البعض منها، على غرار وزارة السياحة، بهدف توفير الامكانيات اللازمة لصالح هاتين المؤسستين، بينما أشار الزبيدي على سبيل المثال إلي أن الأمن القومي يشمل كل المخاطر التي تهدد البلاد داخلياً وخارجياً، ويستلزم رفع جاهزية وقدرات المؤسستين لمواجهة التحديات.

وعود براقة وصعوبة تطبيق:

لقد كشفت فترة الدعاية الانتخابية عن عدم جدية بعض الوعود الانتخابية وصعوبة تطبيقها خاصة مع تعارض بعضها مع طبيعة المزاج العام المستقر في تونس منذ حكم بورقيبة، لاسيما القضايا المتعلقة بمدنية الدولة، حيث تمسك على سبيل المثال المرشح "الحامدي" بالهوية الإسلامية، وطالب بإضافة نص جديد للدستور يكون بموجبه الاسلام مصدر التشريع، ومنع الحكومة والبرلمان من تقديم قوانين متعارضة مع أحكام الإسلام، بينما رأي غالبية المرشحين بأن إثارة هذه القضايا قد تؤدي إلي إحداث انقسام مجتمعي، فيما تعهد محسن مرزوق بإصدار قانون للحريات الفردية لحماية حقوق وحريات ذوي الاحتياجات والمتقاعدين ودرء التمييز.

كما ظهرت تباينات في مواقف المرشحين حول العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، حيث أعرب "الزبيدي" من جهة عن استعداده للعمل مع كل الأطراف بما فيها الإسلاميون شريطة أن يحترموا نمط حياة التونسيين، في حين اشترط المرزوقي لعودة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي أن يعتذر من الشعب التونسي ورد 20 مليار دينار إلي خزينة الدولة التونسية.

وفي هذا السياق، تكشف تطورات الساحة التونسية عن صعوبة التكهن بنتائج الانتخابات الرئاسية في تونس ومن ثم تظل كافة السيناريوهات مطروحة وذلك في ضوء ما شهدته حملات الدعاية الانتخابية من زخم وتداعياته على توجيه مسارات الاقتراع الشعبي، وذلك لعدة أسباب منها أولاً انتقاد بعض المرشحين لبعضهم البعض باستغلال مناصبهم في تعزيز فرص نجاهم في تلك الانتخابات، وهو ما قد يكون لها تأثير على الناخبين لأن بعضها يمس نزاهة جهاز القضاء وبعض وسائل الاعلام، ثانياً اعلان "الزبيدي" دوره في حماية الدولة من الانقلابات خلال فترة إصابة "السبسي" بأزمة صحية، وذلك في إشارة إلي تحركات مشبوهة لبعض النواب داخل البرلمان لمحاولة القفز على السلطة بالدعوة لعقد جلسة طارئة في غياب رئيس البرلمان "محمد الناصر" بهدف إعلان فراغ منصب رئيس الجمهورية "مؤقتاً" وتولية "الشاهد" رئاسة البلاد، ومورو رئاسة البرلمان، في ظل غياب المحكمة الدستورية العليا التي من شأنها تقرير حالات الفراغ في ذلك المنصب.

ثالثاُ وضوح حجم الضغوط السياسية إزاء عدد من المرشحين الأمر الذي عكسه عملية توقيف القروي - قبل أيام من انطلاق الدعاية الانتخابية- بتهم سبق أن روجت لها بعض الجهات منذ أعوام، فضلاً عن رفض القضاء الإفراج عن القروي أو السماح له بإجراء لقاءات إعلامية من داخل محبسه باعتباره موقوفا على ذمة التحقيقات، إلي جانب منع "سليم الرياحي من المشاركة في المناظرات الانتخابية من خارج البلاد، ومن ثم جاءت بعض الانتقادات الدولية لآليات ضمان تكافؤ الفرص بين المرشحين في الانتخابات الرئاسية.

وفي النهاية يمكننا الإشارة إلي أن ما جاء في برامج المرشحين الذين طالبوا بعودة العلاقات التونسية السورية فإنها لم تتطرق لمدى إمكانية أن يطلب أحدهم في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية المطالبة بعودة مقعد سوريا داخل جامعة الدول العربية مستقبلاً، وذلك في ضوء إدراك هؤلاء المرشحين طبيعة الظروف الدولية والإقليمية المحيطة وتجنباً لأية اتهامات قد توجه إلي تونس بمحاولة التقرب من إيران.

تعليقات القراء