مقدمة:
أصدر رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي في 21 سبتمبر 2019، أمرا ديوانيا جديدا يتعلق بإعادة هيكلة قوات "الحشد الشعبي" بعد نحو ثلاثة أشهر من إصداره امرا مماثلا في الثاني من شهر يوليو الماضي يقضي بإنهاء جميع المظاهر المسلحة خارج نطاق الدولة والمؤسسة العسكرية الرسمية ممثلة بالجيش، وأمهل المرسوم الفصائل غير المرتبطة بالحشد شهراً للتحول إلى العمل السياسي أو مواجهة الملاحقة.
أولاً: قراءة في اهم بنود المرسوم الجديد:
علي الرغم مما تمر به الدولة العراقية من أزمات وتحديات خاصة مع ارتفاع وتيرة التوتر الأمريكي الإيراني الا ان رئاسة الوزراء العراقية اولت موضوع الحشد الشعبي أهمية كبيرة علي مدار الشهور الماضية، ومن هنا تجدر الإشارة الي اهم ما جاء في المرسوم الجديد، وذلك من خلال استعراض النقاط التالية:
ثانياً: الأسباب والدوافع:
تتعدد الأسباب والدوافع وراء اتخاذ رئيس الوزراء لعراقي الامري الديواني سابق الذكر، وهو ما يمكن ايجازه في النقاط التالية:
وعلي صعيد اخر، وفيما يتعلق بمواقف القوي السياسية العراقية المختلفة، اختلفت ردود أفعال معظم القوي السياسية العراقية حول قرار رئيس الوزراء العراقي الأخير حسب مدي الاتفاق او الاختلاف مع رئيس الحشد ونائبه، حيث ساند زعيم حركة بدر هادي العامري، رئيس الحشد فالح الفياض وهو ما يمثل تحولاً سياسياً وعسكرياً لمصلحة الاخير ويضمن شيئاً من التوازن في القوى، بين رئيس هيئة الحشد، المدعوم من الحكومة العراقية وقواتها العسكرية النظامية، وبين نائبه الذي يحظى بدعم الحرس الثوري الإيراني، وفي المقابل التف حول النائب المهندس، عدد من فصائل الحشد التي تعتبر الولي الفقيه الايراني، على خامنئي، مرجعها الديني والسياسي الأعلى، وأبرزها عصائب الحق بقيادة قيس الخزعلي، وكتائب النجباء، برئاسة أكرم الكعبي، وسرايا خرسان بزعامة علي الياسري، وكتائب الإمام علي التي يقودها شبل الزيدي، وكتائب سيد الشهداء برئاسة أبي آلاء الولائي، وكتائب حزب الله بقيادة المهندس نفسه، إضافة إلى عشرات المليشيات المنضوية للحشد.
ثالثاً: دلالات وابعاد:
سعي رئيس الوزراء العراقي من خلال اصدار هذا المرسوم الي إبعاد بلاده عن الصراع الأمريكي-الخليجي-الإيراني وبخاصة بعد تقاريرٍ تحدثت عن أن الطائرات المسيرة التي استهدفت محطات أرامكو لضخ النِّفط في وسط السعودية انطلقت من الأراضي العراقية، فضلا عن القضاء التام على جميع الميليشيات وحصر حمل السلاح على الدولة دون غيرها، وأيضًا التخلص من الأذرع المسلحة للأحزاب السياسية في البلاد.
كما يعد القرار الأخير سابق الذكر بمثابة محاولة من رئاسة الوزراء العراقية لحماية فصائل الحشد المختلفة من أي هجمات مرتقبة للولايات المتحدة الأمريكية على إيران ومن الغارات الجوية التي تستهدف مقرات ومخازن هذه الفصائل بين الحين والآخر، والتي كان اخر قيام طائرة مجهولة بقصف أحد المعسكرات التابعة لكتائب حزب الله العراقي في منطقة الرطبة أقصى غرب العراق، علاوة علي فقدان الثقة داخل أوساط الحشد الشعبي، سواء على مستوى العلاقة بين الفصائل والدولة، أو بين الفصائل مع بعضها، خاصة مع الإشارة الي أن بعض الفصائل موالية لإيران وهو ما تدركه الحكومة من إمكانية أن تتسبب لها بمشاكل مع الجانب الأميركي.
إذن، تشير مجمل التطورات داخل الحشد الشعبي وصولا الي المرسوم الديواني الأخير الي وجود توجه بتقييد نفوذ أبو مهدي المهندس داخل الحشد خاصة في الفترة القادمة.
رابعاً: احتمالات مستقبلية:
من المتوقع ان تعمل غالبية فصائل الحشد الشعبي على الامتثال للأمر الديواني سالف الذكر، مع الاشارة الي إمكانية سعي العديد منهم للالتفاف على الامر، من اجل الحفاظ على المكاسب التي حصلوا عليها منذ تأسيس الحشد من ناحية، ومن المستبعد ان يقبل أبو مهدي المهندس منصب نائب السر العام للحشد نظرا لعدم وجود صلاحيات محددة وواضحة لهذا المنصب، بما يشير الي تراجع نفوذه داخل الحشد من ناحية اخري
كما سيطرح القرار الأخير العديد من التساؤلات حول مصير القطاعات الاقتصادية والاستثمارات التي يمتلكها الحشد الشعبي وشركات البناء والتشييد التي تستحوذ على الحصة الأكبر من هذا القطاع الحيوي في بغداد وغيرها، على الرغم من ان القرار أكد على إغلاق المكاتب الاقتصادية الا انه لم يتحدث عن مصير الأصول والأموال التي يمتلكها الحشد الشعبي.
واخيراً وليس اخراً، ستكون الفترة القادمة مرحلة اختبار حقيقي لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي ليس فقط في تطبيق هذا القرار، ولكن في كشف الثغرات ومعالجتها لضمان دفع العراق بعيدًا عن المحاصصات الطائفية والجهوية وتشكيل الدولة الوطنية الشاملة والوقوف بحزم في وجه الضغوطات الخارجية والداخلية والمحاولات التي قد تستغل هذا القرار وتوجهه نحو أهدافٍ تعيد العراق مجددًا لدائرة الانفلات الأمني والصراع الطائفي.