احتدام المعارك الانتخابية في تونس

تشهد الساحة التونسية عدد من المستجدات مع اقتراب إجراء الانتخابات التشريعية الأحد القادم الموافق السادس من أكتوبر الجاري، وتحديد تاريخ إجراء الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في الثالث عشر من الشهر ذاته، وجاء على رأس تلك المستجدات رفض المحكمة الإدارية فى حكم نهائى جميع الطعون المستأنفة على النتائج الأولية الرسمية من الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية المبكرة، والمقدمة من قبل 5 مرشحين خسروا في هذا الجولة، وبالتالي يكون التنافس الانتخابي قد حُسم لصالح كل من "قيس سعيد" و"نبيل القروى" لخوض الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.

فضلاً عن ذلك، رفضت المحكمة الاستئنافية بالعاصمة التونسية في جلستها الاستثنائية المنعقدة في يوم 1 أكتوبر إطلاق سراحه ولو بشكل مؤقت ليشارك في حملته الانتخابية بصورة مباشرة تمكنه من التفاعل مع الناخبين والانصار.

بينما عقد "راشد الغنوشي" زعيم ​حركة النهضة ​​ مؤتمر صحفي يوم 27/9/2019 بمقر الحركة في العاصمة تونس فى إطار حملته الإنتخابية، دعا فيه إلى عدم التصويت في ​الانتخابات التشريعية​ المقبلة لصالح من اسماها "أحزاب الثورة المضادة" أو القوائم المستقلة"، معتبراً أن ذلك تصويتاً لـ "الفوضى والمجهول"، ولفت إلى أن النهضة هي القوى السياسية الوحيدة التي يمكنها أن تُحدث "انسجاماً" على مستوى السلطة التنفيذية مع المرشح الأوفر حظاً للرئاسة - من وجهة نظرها- ​"قيس سعيد".

خطورة وضع المرشح "نبيل القروي" على شرعية العملية الانتخابية:

لقد أظهر استمرار احتجاز "القروي" أزمة في مسار العملية الانتخابية الخاصة بانتخابات الرئاسية المبكرة، ويمكن إرجاع أهم أسباب خطورة وضع المرشح "نبيل القروي" إلى ما يلي:

  1. عدم صدور حكم نهائي يحدد ما إذا كان القروي مداناً فعلياً أم لا، لاسيما مع اصدار وزارة العدل التونسية بياناً أكدت فيه على سلامة الإجراءات القانونية المتخذة ضد القروي وأخيه منذ صدور قرار منعهما من السفر وتجميد أموالهما إلي صدور قرار بإيداعهما بالسجن على ذمة قضية "غسل أموال وتهرب ضريبي".
  2. تزايد تعقيدات الوضع أمام الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وهيئة الاتصال السمعي والبصري "الهايكا" من أجل إعمال مبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين للانتخابات الرئاسية، حيث ترى الهيئة العليا للانتخابات أن "القروى" لا يزال يعتبر مرشحاً لانتخابات الرئاسة، ما لم يصدر ضده حكم قضائي نهائي، علماً بأن الهيئة دعت إلي تمكين "القروي" من القيام بحملته الانتخابية إلا ان هذا القرار يقع خارج سلطتها.
  3. تعطل النظر في طلبات الافراج عن القروي - ما بين الرفض أو التأجيل- تسبب في إعلانه أنه سيطعن في نتائج الانتخابات بكل الوسائل إذا تواصل احتجازه.

تخوفات حركة النهضة من رهانات المرحلة:

وفيما يتعلق بتصريحات "الغنوشي" الأخيرة، والتي حدد فيها أن حركة النهضة إذا فازت في الانتخابات التشريعية ستتحالف مع الـ "قوى الثورية والملتزمة بمحاربة الفساد، دون أي حزب تحوم حوله شبهة الفساد"، وهو ما يُفسر بأنه يشير إلى حزب "قلب تونس" برئاسة "نبيل القروي" المشتبه في تورطه في قضاي فساد مالي، فقد ابرزت هذه التصريحات ما يلي:

  1. مدى تخوف الحركة من تبعات المرحلة الراهنة لأنها بمثابة مرحلة مصيرية يترتب عليها على مستقبل الحركة السياسي، حيث تتخوف الحركة من احتمالات أن تحصد القوائم الانتخابية المستقلة عدد كبير من المقاعد في برلمان 2019 - حيث ترشحت حوالي 1592 قائمة انتخابية موزعة ما بين 695 قائمة حزبية و707 قائمة مستقلة و190 ائتلافية - وهو ما قد يفوت على الحركة إمكانية تمتعها بأكبر كتلة برلمانية تهيئ لها المشاركة في تشكيل الحكومة القادمة.
  2. محاولة تقديم حركة النهضة باعتبارها القوى التي يمكنها تحقيق التوافق السياسي في مرحلة ما بعد انتهاء الانتخابات، حيث روج الغنوشي أن ثمة صدام محتمل داخل السلطة في حال وصول كل من "قيس سعيد" إلي رأس السلطة التنفيذية كرئيس للجمهورية، وحزب "قلب تونس" للأغلبية البرلمانية، ومن ثم دعا إلى التصويت لصالح النهضة في الانتخابات التشريعية حتى تنال الأغلبية البرلمانية وتتفادي البلاد تبعات ذلك الصدام.
  3. مهاجمة الغنوشي القوائم المستقلة المرشحة في الانتخابات التشريعية، يكشف عن تراجع الحركة عن دعم القوائم المستقلة إرتباطاً بتجربة الحركة في الانتخابات المحلية الأخيرة (مايو 2018) التى مكنتها من التغلب على منافسيها السياسيين آنذاك لاسيما حزب نداء تونس، لتمرير مشروعها السياسي في المحليات - من خلال عقد تحالفات سرية مع القوائم المستقلة التى حصلت على أكبر نسبة من المقاعد 32.9% ، وحصلت النهضة على 29.6%، ثم نداء تونس حصل على 22.7%- مما مكنها من حصد نفوذ كبير في المجالس المحلية الجديدة، وهو ما انعكس سلباً على إدارة هذه المجالس وتسبب في حدوث استقالات جماعية في عدد منها بسبب انفراد رؤساء هذه المجالس وغالبهم اعضاء في النهضة بالقرارات، مما ترتب عليه حل هذه المجالس وإجراء انتخابات جزئية لتشكيل مجالس جديدة.
  4. اقتناع الغنوشي بأن حفنة الأحزاب السياسية التي تتهيأ بعد أيام قليلة للتقدم للانتخابات التشريعية، باتت غير مرغوبة في الشارع التونسي حيث حصد مرشحو هذه القوى سقوطاً مدوياً في جولة الانتخابات الرئاسية الأولى بما فيها مرشح الحركة "عبد الفتاح مورو"، مشيراً إلى أن نتائج هذه الجولة أظهرت رفض الناخبين للقوى التقليدية التي هيمنت على المشهد السياسي- بمعنى فشل منظومة الحكم بعد عام 2011 ورغبته في تبرئة الحركة من فشل هذه المنظومة رغم أن الحركة جزء منها- ولذا حرص الغنوشي في تصريحاته الأخيرة أنه سعى منذ عام 2014 نحو اتباع "سياسة التوافق" مع الرئيس الراحل "السبسي" مؤسس حزب "نداء تونس" الذي نال رئاسة البرلمان ورئاسة الجمهورية انذاك.

ومن ثم تسعى الحركة الآن لتأكيد اصطفافها إلي جوار المرشح "قيس سعيد" الذي تبارت القوى اليمينية والشعبوية في اعلان دعمها له بعد إعلان حصوله على أعلى الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، والبحث عن وسائل جديدة لإعادة جذب ثقة الناخبين للتصويت لصالح مرشحيها في الانتخابات التشريعية و"قيس سعيد" في الانتخابات الرئاسية لأنه المرشح المتوافق إلي حد كبير مع تصوراتها.

ويتوقع أن تتكرر ظاهرة تشتت أصوات الناخبين في الانتخابات التشريعية القادمة، مثلما حدث في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية التي تنافس فيها 26 مرشح، حيث يتنافس في الانتخابات التشريعية عدد كبير من القوائم (الائتلافية- الحزبية- المستقلة)، الأمر الذي يشير إلي صعوبة أن يتمكن أي حزب أو ائتلاف سياسي واحد من الحصول وحده على الأغلبية البرلمانية، ومن ثم سيلجأ الفائزون إلي عقد تحالفات داخل البرلمان لتشكيل حكومة ائتلافية، مع إمكانية أن تحوذ القوائم المستقلة على أغلبية المقاعد، مع عدم إستبعاد احتمال أخر بأن يتمكن حزب "قلب تونس" من تكوين أكبر كتلة برلمانية تسهل عليه التحالف مع بعض الأحزاب والقوى الوسطية وعدد من المستقلين للتحكم في عملية منح الثقة البرلمانية للحكومة الجديدة.

 

تعليقات القراء