فشل "الحبيب الجملي" المكلف بتشكيل حكومة تونسية جديدة، في نيل ثقة البرلمان على مقترحه، بتاريخ 10/1/2020، بعدما رفضت غالبية الأحزاب التصويت لصالحها، حيث صوت ضدها 134 نائب مقابل موافقة 72، وتحفظ 3 نواب، وذلك من إجمالي عدد اعضاء البرلمان 217 نائب، وبناء عليه التقي "راشد الغنوشي" رئيس البرلمان بالرئيس "قيس سعيد" لتفعيل الإجراءات الدستورية التي تخول الأخير حق تكليف شخصية أقدر بتشكيل الحكومة الجديدة في غضون 10 أيام بالتشاور مع الأحزاب، ومن ثم أرسل "سعيد" إلي الأحزاب والكتل النيابية والائتلافات دعوة لتقديم مقترحاتهم "مكتوبة" حول الشخصية أو الشخصيات التي يرونها الأقدر لتشكيل الحكومة، مع بيان دواعي هذا الاختيار والمعايير المعتمد عليها، في أجل لا يتجاوز 16/1/2020.
تحركات سياسية وبرلمانية لافتة:
تتعدد تصورات القوى السياسية حول طبيعة الحكومة القادمة (حكومة وحدة وطنية أو إنقاذ وطني أو توافقية ثورية)، حيث تتباري الأحزاب منذ سقوط مقترح "الجملي" في ترتيب مواقفها تجاه انتقال تشكيل الحكومة الجديدة إلي رئيس الجمهورية، وما يتصل بمشاوراتها والتحالفات السياسية الممكنة، ومن بين التحركات اللافتة في هذا الصدد محاولة كتلة المستقبل البرلمانية (9 نواب من أحزاب المحبة السلفي والاتحاد الشعبي الجمهوري ومستقلين) توحيد مواقفها مع كتل برلمانية أخرى (قلب تونس 38 نائب - تحيا تونس 14 نائب - والإصلاح الوطني التي تضم 15 نائب من أحزاب مشروع تونس والأمل والبديل)، وقد أعلن رئيس قلب تونس، نبيل القروي، أنه اتفق مع كتل الإصلاح وتحيا تونس والمستقبل على تقديم مبادرة وطنية خلال الأيام القليلة المقبلة، ورداً على تلك التحركات شرع رئيس البرلمان راشد الغنوشي في محاولات للاتفاق على اسم شخصية مقترحة مع عدد من رؤساء الأحزاب وهو ما بدأ بلقائه بمقر البرلمان يوم 15/1/2020 برئيس حزب قلب تونس نبيل القروي، ولا يبدو أنهما اتفقا على شيء بهذا الخصوص.
مرحلة جديدة وشكوك مستمرة:
يعبر سقوط الحكومة المقترحة من "الحبيب الجملي" بعد انحسار التصويت لصالحها في نواب حركة النهضة وائتلاف الكرامة، عن دخول تونس في مرحلة سياسية جديدة تفرض عدد من التداعيات على أكثر من مستوى ومن أبرزها ما ظهر على المستوى الحزبي، حيث كشف سقوط حكومة الجملي عن هزيمة سياسية ساحقة لحركة النهضة لأنها صاحبة اقتراح تولي "الجملي" قيادة الحكومة، الأمر الذي أدى إلي استقالة عدد من كوادر النهضة (هشام العريض نجل القيادي النهضوي ووزير الداخلية علي العريض، زياد بومخلة) اعتراضاً على ما آلت إلية آليات اتخاذ القرار داخل الحركة والتي أظهرت تفرد راشد الغنوشي بالقرار دخل الحركة مما تسبب في سوء اختيار الجملي لقيادة الحكومة.
كما تبلورت حملة انتقادات واسعة ضد زعيم النهضة " الغنوشي" رئيس البرلمان بسبب سقوط الجملي واستمرار علاقة النهضة مع تركيا وتدخل الأخيرة في السياسة الداخلية التونسية، (عقب ساعات قليلة من فشل "الجملي" المكلف باقتراح من النهضة في نيل ثقة البرلمان، التقى الغنوشي الرئيس التركي في اسطنبول)، وبما أسهم في تصاعد مطالب بسحب الثقة من الغنوشي لاسيما أنه عضو في أحد المؤسسات السيادية المهمة (مجلس الدفاع القومي التونسي).
محددات الخروج من عنق الزجاجة:
يمكن الإشارة إلي أن ثمة عدد من العوامل يمكنها تحديد السيناريوهات المتاحة لتشكيل الحكومة التونسية الجديدة، ويأتي على رأس هذه العوامل ما يلي:
في النهاية تطرح ملامح المشهد التونسي أن يمر خلال الأيام القادمة بتكثيف المشاورات السياسية سواء بين رئيس الجمهورية والأحزاب البرلمانية، وبين هذه الأحزاب وبعضها البعض لاختيار رئيس جديد للوزراء لاسيما مع إدراكها أن الخيار القادم يتمثل دستورياً في فتح الباب أمام رئيس الجمهورية إلي ممارسة صلاحيته الدستورية في حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة، وهو خيار غير مضمون أن تحافظ فيها الأحزاب البرلمانية على ما وصلت إليه، ومن ثم قد تتجه الكتل البرلمانية للأحزاب العلمانية إلي تطوير مواقفها نحو التوحد في كتلة برلمانية واحدة تواجه نفوذ كتلة النهضة - وحلفاءها داخل وخارج تونس- وتأثيرها على البرلمان الحالي وعلى عملية صناعة القرار السياسي في البلاد.