موقف حركة النهضة من مشاورات تشكيل الحكومة التونسية الجديدة: خيارات النجاح والفشل

تمهيد:

تنشغل الساحة التونسية في الأيام الأخيرة بمسألة تشكيل حكومة جديدة برئاسة "هشام المشيشي" وزير الداخلية بحكومة تسيير الاعمال، حيث اقترب موعد الإعلان عن التركيبة النهائية للحكومة الجديدة، بحلول يوم 26 اغسطس الجاري، وفي هذا الصدد يبرز أهمية دور عدد من القوى الحزبية ذات التأثير في هذا المشهد لاسيما دور حركة النهضة حيث عقد مجلس شورى الحركة اجتماعاً استثنائياً بتاريخ 8/8/2020، لمناقشة موقفها من مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة، ودراسة امكانية اجراء انتخابات تشريعية مبكرة في البلاد، وهو ما أعلنه عبد الكريم الهاروني" رئيس المجلس، مشيراً إلي أن الحركة تطالب بتشكيل حكومة سياسية تُمثل فيها الأحزاب الرئيسية بالبرلمان وتعكس التوازنات التي افرزتها داخله (تحتل حركة النهضة أعلى عدد من المقاعد داخل البرلمان 54 مقعد من أصل 2017، يليها حزب قلب تونس بـ 27 مقعد بعد سلسلة الاستقالات التي لحقته).

أولاً: ملابسات عقد الاجتماع:

لقد جاء عقد اجتماع مجلس شوري حركة النهضة بصورة استثنائية - وهو أعلى سلطة لاتخاذ القرار داخلها - في ضوء محاولة المكلف بتشكيل الحكومة "هشام المشيشي" جس نبض الحركة تجاه اعتزامه تشكيل حكومة كفاءات مستقلة، حيث خص الحركة دون غيرها من الأحزاب البرلمانية الآخرى بلقاءات منفردة ما بين رسمية وغير رسمية اجتمع خلالها مع أهم قيادات الحركة (زعيم الحركة راشد الغنوشي - ورئيس كتلتها البرلمانية نور الدين البحيري - والمتحدث الرسمي باسم الحركة عماد الخميري...)، قبل أن يعلن "المشيشي" رسمياً خلال مؤتمر صحفي عقده بتاريخ 10/8/2020 نيته تشكيل حكومة كفاءات مستقلة فيما اسماه "حكومة انجاز اقتصادي واجتماعي"، وذلك بهدف تجنب السلبيات التي قد ترتبها التجاذبات السياسية والصراعات الحزبية داخل الحكومة القادمة، وهو ما أعاد التأكيد عليه خلال الجولات الرسمية لمشاوراته مع الأحزاب الآخرى - كل حسب ترتيب احزابهم في نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة - والقوى السياسية ورؤساء المؤسسات القضائية وعدد من الخبراء الاقتصاديين ورؤساء النقابات الإعلامية والعمالية.

ثانياً: الدوافع التي قادت لعقد الاجتماع:

يكشف عقد الاجتماع الاستثنائي لمجلس شورى حركة النهضة عن مجموعة من الدوافع التي تسعى الحركة لتحقيقها من وراء هذا التحرك أبرزها التالي:

‌أ.        توضيح موقف الحركة من تشكيل الحكومة المقبلة أمام الرأي العام التونسي، وإستعدادها للمشاركة فيها في محاولة استباقية للضغط على "هشام المشيشي" لضمان تمثيل يتوافق مع مكانتها كحزب سياسي حاصل على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية في الانتخابات التشريعية التي اجريت في أكتوبر من عام 2019.

‌ب.   إظهار احترام حركة النهضة آليات العمل الديموقراطي داخل مؤسساتها باعتبارها حزب سياسي يؤمن بالعمل المؤسسي، وإعمال مبدأ الديموقراطية الداخلية التي من شأنها إثبات عدم تفرد زعيم الحركة "راشد الغنوشي" بصناعة القرار، والإستفادة من ذلك فى تجنب حدوث انشقاقات جديدة تهدد تماسكها الداخلي، أو تحسباً لخيار قد تضطر فيه الحركة وأحزاب أخرى لقبول تمرير تشكيلة الحكومة الجديدة دون أن يُمثل فيها أي حزب سياسي سواء النهضة وقلب تونس أو أية احزاب برلمانية أخرى.

‌ج.    إشغال عناصر الحركة بأولوية النظر في المشاركة في الحكومة المقبلة، ما يتطلب أهمية إرجاء معالجة بعض الازمات الداخلية، ومنها البت في مسألة مازالت تثير الجدل والخلافات داخل الحركة وهو موعد عقد المؤتمر العام رقم (11) للحركة - المؤجل - نظراً لأهمية هذا المؤتمر (سيبحث المؤتمر احتمالات تعديل القانون الداخلي للحركة بما يسمح بالتمديد لزعيم الحركة ومؤسسها "راشد الغنوشي" والبقاء في منصب رئيس الحركة لولاية ثالثة، وهو سلوك يتناقض بشدة مع ما تروجه الحركة من تمسك بقيم التداول الديموقراطي).

‌د.       تلويح الحركة بخيار حل البرلمان الذي بدأ يدعو إليه عدد من التيارات والأحزاب الليبرالية واليسارية والعمالية، وذلك للحيلولة دون تجدد الأزمات السياسية في البلاد بسبب اتساع الخلافات بين الأحزاب داخل البرلمان الحالي، ومن ثم تروج الحركة أنها تدرس كيفية الاستعداد للانتخابات المبكرة بما يضمن لها الحفاظ على نفوذها داخل مؤسسات الدولة خاصة البرلمان الذي تستهدف الحركة أن يظل مركزا لصناعة القرار داخل النظام الحاكم.

ثالثاً: احتمالات النجاح والفشل:

وفي إطار ما سبق، فمن غير المستبعد إتجاه نواب حركة النهضة وعدد من نواب حزب قلب تونس وائتلاف الكرامة بجانب عدد من المستقلين داخل البرلمان، للتراجع عن موقفهم الرامى لضرورة الحكومة أن تكون المقبلة سياسية وذات تمثيل حزبي واسع، ومن ثم قد تُبدي هذه القوى قدر من المرونة فى هذا الصدد، الأمر الذي سيتيح إمكانية نجاح "المشيشي" في الحصول على ثقة البرلمان، خاصة حال نجاحه فى اقناع رؤساء الأحزاب البرلمانية بأن دورها مازال مهماً في هذه المرحلة رغم أنه سيشكل حكومة مستقلة عن الانتماءات الحزبية، وأن يتوافق مع تلك القوى علي البرنامج الحكومي الذي سيحدد ابرز ملامح السياسات العامة خلال المرحلة القادمة.

تعليقات القراء