أعلن مسؤول قضائي تونسي في يوم 20/12/2020 أن السلطات عثرت على جثة شخص يدعى "عقبة بن عبد الدايم ذيبي" البالغ من العمر 32 عام مقطوعة الرأس، وذلك في منطقة "السلاطينية" بولاية القصرين (غرب البلاد)، وتداولت وسائل اعلام محلية تونسية أن الضحية يعمل في رعي وتربية الأغنام، بينما لم يعلن بعد اي تنظيم ارهابي تبنيه العملية الارهابية.
ولقد اظهرت بعض المعطيات المتوافرة حول العملية الارهابية أن الراعي الضحية كان برفقة شخصين اخرين، حينما اجهزت عليهم مجموعة من العناصر الإرهابية ووقع تكبيل مرافقيه، ثم قامت تلك العناصر بتعذيب الراعي قبل الاقدام على ذبحه امام مرأى ومسمع من مرافقيه اللذين تم إطلاق سراحهما لاحقا.
في اعقاب ذلك الحادث الإرهابي، وخلال اجتماع المجلس الأعلى للجيوش، أوضح الرئيس التونسي "قيس سعيد" أن تونس تشهد تواتراً في الأحداث التي اعتبر أن "بعضها طبيعي، والبعض الآخر مقصود.. وتم الترتيب لها بهدف إرباك مؤسسات الدولة، لكنه نوه بأن القوات المسلحة العسكرية والأمنية على أهبة الاستعداد للتصدي لكل محاولات الإرباك، إضافة إلى العمليات الإرهابية".
ردود الأفعال:
وفيما يتعلق بردود الافعال الداخلية على الحادث الارهابي الأخير، فقد أعرب كل من الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والنقابة التونسية للفلاحين عن إدانتهم واستنكارهم البالغ للعملية الإرهابية بمنطقة السلاطنيّة، وجددت هذه الهيئات دعوتها إلى انشاء فرقة للأمن الفلاحي وضرورة تمكين الفلاحين من بنادق صيد أو وسيلة دفاع يمكن أن تضمن سلامتهم، فضلاً عن ذلك نددت رئاسة البرلمان التونسي في بيان لها، باستهداف المواطنين إثر العملية الأخيرة معتبراً الاعتداءات المتكررة على تخوم "جبل السلوم" عملاً جبانًا يهدف لزعزعة الاستقرار والأمن.
وطالب أحد الأحزاب السياسية (حزب المسار) الحكومة بإتخاذ اللازم لحماية السكان في المناطق الجبلية والحدودية التي تتعرض للتهديدات الارهابية بتكثيف التواجد الامني والعسكري والنهوض بالأوضاع الاجتماعية والمعيشية لسكان المنطقة وضبط استراتيجية وطنية لتخفيف المنابع المالية والفكرية والاعلامية للتنظيمات الارهابية خاصة أن الخطاب السياسي والاعلامي السائد حالياً في بعض المؤسسات لاسيما تحت قبة البرلمان يشجع على تبيض الارهاب (في اشارة إلي خطاب بعض نواب التيار الاسلامي داخل البرلمان التونسي الحالي).
دلالات الحادث:
يمكننا الإشارة إلي أن العملية الإرهابية الأخيرة جاءت بعد قرابة ثلاثة اشهر من العملية الارهابية التي تبناها تنظيم داعش في سبتمبر الماضي، حينما قُتل أحد عنصري شرطة في دورية أمنية للحرس الوطني- في هجوم إرهابي بالدهس والطعن- في مدينة "سوسة" الساحلية (شرق البلاد) وتمكن المهاجمين من الاستيلاء على سيارة الدورية وأسلحتها، فيما لاحقتهم قوة أمنية واسفر ذلك عن تصفية ثلاثة منهم، وجاء الهجوم بُعيد زيارة قام بها وزير الداخلية المنحدر من منطقة "سوسة" التقي فيها اعضاء المجلس الجهوي ولجنة مجابهة الكوارث، وكأن الهجوم يستهدف توصيل رسالة مفادها أن الجماعات الارهابية لم يخفت نشاطها بعد.
ويدلل موقع حدوث العملية الإرهابية وهي منطقة "السلاطنية" المحاذية لجبل "السلوم" داخل المنطقة العسكرية المغلقة، وتتبع معتمدية "حاسي الفريد" بولاية القصرين قرب الحدود التونسية / الجزائرية، حيثما تخوض القوات التونسية في هذه الولاية وغيرها من الولايات الشمالية الغربية التونسية وعلى طول غابات وجبال الشريط الحدودي مع الجزائر، عمليات أمنية وعسكرية ضد العناصر الإرهابية (خاصة التابعين لكتيبة عقبة بن نافع التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وتنظيم جند الخلافة الموالي لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش")، ولذا فهي منطقة عمليات امنية متوالية مع تواصل التحديات الأمنية والإرهابية بهذه المنطقة.
كما وتكشف نوعية العملية الإرهابية - وهي عبارة عن عملية ذبح مع قطع الرأس مستهدفة راعي اغنام- أنها نمط سبق أن تبناه تنظيم داعش في عمليات اخرى ومنها عملية شهدتها نفس المنطقة في شهر فبراير من العام 2019، كما شهدت منطقة اخرى عملية مماثلة تماما في نوفمبر من العام 2015، حيث يُعذي تنظيم داعش - متبني العمليتين - اسباب ذلك إلي أن الضحية كانت تعمل على نقل المعلومات "تجسس" للأجهزة الأمنية التونسية، ومن ثم فإن العملية الأخيرة في "السلاطينية" من المُرجح أنها تستهدف إرهاب السكان المقيمين في هذه المنطقة، وذلك بغرض بث الرعب بين السكان لاسيما الذين تتطلب طبيعة اعمالهم التنقل قرب الجبال مثل الرعاة، وهو ما ظهر من معطيات العملية حيث اكتفت العناصر الإرهابية بقتل الضحية فقط وترك مرافقيه حتى ينشروا ما شاهدوه من عنف، والترويج بأن العناصر الأرهابية قتلت الراعي بعد اتهامه بنقل معلومات عن تحركاتهم إلى الوحدات الأمنية.
وفي النهاية يمكن القول أن من شأن تطورات العمليات الإرهابية الأخيرة في تونس أن تتعزز قوة التيارات الحداثية التقدمية المناهضة للتيار الاسلامي المحافظ، حيث يتهم الأخير بأنه من يحفز عبر الخطاب السياسي والاعلامي انتشار الارهاب في البلاد، وكذا ستكثف الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في تونس والجزائر من تنسيقهما المشترك في تتبع حركة العناصر الإرهابية على طول الشريط الحدودي الجبلي للبلدين في الفترة القادمة مع تشديد اجراءات المراقبة على الحدود بينهما البحرية والبرية لمحاولة غلق أي منافذ للدعم اللوجستي أو التسلل لعناصر التنظيمات الارهابية خاصة أن من بينهم من يحمل الجنسية الجزائرية.