تنظيم حركة النهضة التونسية مسيرة احتجاجية بالعاصمة

نظمت حركة النهضة مسيرة احتجاجية في العاصمة التونسية يوم 27/2/2021، حشدت لها المئات من أنصارها من مختلف المحافظات، تحت شعارات مختلفة منها "الثبات والدفاع عن مؤسسات الدولة"، وقد تزامن خروج مسيرة النهضة مع خروج مسيرة أخرى لحزب العمال اليساري المعارض يتقدمها رئيس الحزب "حمة الهمامي"، وتحت شعارات مناهضة لكل من النهضة والأحزاب الموروثة من النظام السابق، الأمر الذي رفع مستوى المخاوف من وقوع صدامات في الشارع التونسي.

جاء تنظيم حركة النهضة لتلك المسيرة بعد تأكيد كبار قيادات الحركة بأنها ترفض استقالة حكومة "هشام المشيشي" أو سحب الثقة منها، بالإضافة إلي ذلك خرجت سلسلة من التلويحات التي روجتها هذه القيادات في وسائل الاعلام باحتمالية نزول مؤيديها إلي الشارع بهدف حماية البرلمان والدستور والحكومة، مع إمكانية استدعاء عناصرها "قوات مدنية" لمساعدة القوات الأمنية في ضبط الشارع والدفاع عن الممتلكات العامة والخاصة.

أجواء ما قبل تحرك المسيرة:

لقد كشفت دعوة حركة النهضة إلي تنظيم مسيرتها الحاشدة داخل العاصمة التونسية، عن مجموعة من التطورات الهامة التي سبقت التاريخ الفعلي لتحريك المسيرة، حيث برز اهتمام دولي بمجريات الأحداث في تونس، قبيل تحريك مسيرة النهضة بأيام قليلة، وهو ما يكشف قلق عدد من القوى الدولية من مآلات عدم الاستقرار السياسي التونسي على الأمن الإقليمي، ولعل أهم ملامح ذلك الاهتمام فيما يلي:

  1. لقاء القائد العام للجيش الأمريكي في أوروبا وأفريقيا "كريستوفر كافولي" ونائبه "أندرو روهلينغ" خلال زيارتهما إلي تونس، مع مسئولي وزارة الداخلية وعلى رأسهم هشام المشيشي الذي يجمع بين رئاسة الحكومة والداخلية (26/2/2021) لبحث التعاون الأمني بين البلدين، مع بحث إمكانية نقل تبعية المخابرات التونسية من الداخلية إلي الرئاسة التونسية.
  2. عقد القائد العام للجيش الأمريكي في أوروبا وأفريقيا ونائبه قبيل وصولهما إلي تونس مؤتمراً صحفياً عن بعد، أكدا خلاله عن اهمية دور تونس كشريك في مكافحة الإرهاب، وأحد أهم الحلفاء من خارج الناتو، وأنها محط اهتمام الافريكوم التي تستعد لتنظيم مناورات الأسد الافريقي هذا العام بمشاركة تونس وعدد أخر من الشركاء بالمنطقة بعد الغائها العام الماضي بسبب جائحة كورونا، كما وجها رسالة أخرى هامة تفيد أن القوات الأمريكية في إفريقيا ملتزمة بالعمل مع شركائها لاسيما في حال وقوع طارئ يستوجب التدخل.
  3. لقائه الرئيس التونسي بسفراء دول الاتحاد الأوروبي المعتمدين بتونس في 23/2/2021، لبحث عدد من القضايا التي يمكن لدول الاتحاد الأوروبي أن تساهم في مساعدة تونس على تحقيقها، وجاء اللقاء من أجل توصيل عدد من الرسائل ذات الصلة بالأزمة الراهنة في تونس، وكان مفاداها أن عدم الاستقرار السياسي لا علاقة له بعدم الاستقرار الحكومي، وأن تونس قادرة على أن تكون ديمقراطية بعيدًا عن الحسابات الضيقة على أن تكون تعزز أهمية دور المرأة التونسية في مختلف المجالات، وكذلك الدور الهام للمجتمع المدني ، لأنه المحرك الحقيقي للحياة السياسية اليوم، فضلاً عن دور الشباب في إنجاح مسار الثورة.
  4. وفي ذات اليوم (23/2/2021) التقى السفير الأمريكي بتونس مع رئيس البرلمان راشد الغنوشي لبحث أولويات إدارة الرئيس الأمريكي الجديد والدعم الأمريكي لتونس، بالإضافة إلي ذلك التقي الغنوشي مع سفير الاتحاد الأوروبي بتونس.
  5. نفذ الغنوشي وعدد أخر من نواب الحركة مؤخراً عدد من اللقاءات مع صحف أجنبية وعربية لرؤيتهم لكيفية المحافظة على عن نجاح التجربة الديموقراطية التونسية (صحيفة Usa today الأمريكية - قناة العالم الفضائية الايرانية-..).
  6. لقاء هشام المشيشي في مقر الحكومة مع عدد من السفراء الأجانب المعتمدين لدى تونس (الولايات المتحدة الأمريكية، وتركيا، وفرنسا، وبريطانيا) فضلاً عن عقده محادثات منفصلة مع عدد من ممثلي النقابات التونسية لبحث سبل حلحلة الأزمة الراهنة، ومنهم نقيب المحامين، ورئيس نقابة الصحفيين، ورئيس الاتحاد الصناعة والتجارة، وذلك بعد تصاعد دعوات إحياء دور الرباعي الوطني لرعاية حوار يؤسس لمصالحة وطنية بين المؤسسات الحاكمة، فضلاً عن دعوات اخرى لتشكيل هيئة تحكيم للفصل في الأزمة الراهنة بسبب غياب المحكمة الدستورية العليا، وعدم اختصاص أياً من المحكمة الادارية والهيئة المؤقتة لمراقبة دستورية القوانين.

ردود الافعال:

فرض تنظيم مسيرة حركة النهضة مجموعة من ردود الأفعال الرسمية وغير الرسمية التي نشير إلي اهم مواقفها إلي رد رئيس الجمهورية على تحركات النهضة بتوجيهه عدد من الرسائل أهمها ما يلي:

  1. أنه لن يقبل بالمقايضة على سيادة البلاد ولن يتحرك وفقا لحسابات الحركة وترتيباتها التي تعبر عن الإفلاس السياسي، وهو بذلك يؤكد ما تداول بشأن ضخ حركة النهضة تمويلات ضخمة من أجل إنجاح تنظيم هذه المسيرة وتيسير انتقال انصارها في رحلات منظمة نحو العاصمة.
  2. عمد الرئيس إلي تفقد موقع مشروع المدينة الطبية بولاية القيروان والتأكيد على انه ممول من قبل دول عربية - قطر الداعمة للإخوان- وتحت اشراف وزارة الدفاع، وهو بذلك يُعلي من أهمية دور الجيش التونسي في عمليات التنمية ويعزز من شعبيتهما.

وفي المقابل دفاع رئيس الحكومة عن حركة النهضة مشيراً أن حرية التعبير ضمنت تنظيم الحركة لمسيرتها، مع توجيهه رسالة إلي فئة الشباب التونسي الباحث عن عمل، حيث اشار إلي برنامج الحكومة في تأهيل شباب الخريجين عبر انشاء 10 مراكز[1]، وجاء ذلك خلال زيارة المشيشي في نفس يوم تحريك مسيرة حركة النهضة لأحد مراكز تدريب خريجي الجامعات[2]، كما التقي المشيشي في ذات اليوم سفراء مجموعة الـ G7 الصناعية[3]، لبحث برنامج الحكومة للإصلاح الاقتصادي والاصلاحات الهيكلية وسط الأزمة الراهنة وعدم تمكن الوزراء الجدد من اداء اليمين.

وعلى الصعيد المجتمعي، اكدت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين تعرض العديد من الصحفيين والمصورين الصحفيين التونسيين والأجانب إلى الاعتداء بالعنف المادي واللفظي من قبل لجنة تنظيم مسيرة النهضة، بغرض منعهم من أداء مهامهم الصحفية، كما كشفت عن اعتزامها رفع دعوى قضائية ضد هذه الممارسات، فضلاً عن إعدادها تقريراً بذلك تعلن عنه في اليوم العالمي لحرية الصحافة.

دوافع حركة النهضة:

ثمة مجموعة من الدوافع قادت حركة النهضة لتنظيم مسيرتها الأخيرة، ولعل اهمها ما يلي:

  1. محاولة لحشد التأييد الشعبي ضد شعبية الرئيس قيس سعيد والأحزاب الصاعدة كالحزب الدستوري الحر، فضلاً عن محاولة ضخ دماء جديدة لصالح شعبية الحركة، حيث تستهدف الحركة من استقطاب المئات إلي داخل العاصمة محاولة اثبات أن شعبيتها في الشارع لم تتراجع، وهي بذلك ايضاً ترد علي استطلاعات الرأي التي تصدر بصورة شهرية مؤكدة باستمرار على تراجع نوايا الناخبين في الادلاء بأصواتهم للحركة في اية انتخابات قادمة، وذلك بعد موجات الاستقالات والانشقاقات داخل صفوف الحركة فضلاً عما كشفته من مساوئ خلال فترة توليها الحكم في البلاد منذ قيام الثورة.
  2. محاولة إظهار أن الحركة تسعي لتحقيق الاستقرار المؤسسي والديموقراطية في البلاد من خلال رفع شعارات لدعم بقاء حكومة "هشام المشيشي"، والبرلمان برئاسة راشد الغنوشي، وهي محاولة لإبراز أن القوى السياسية والحزبية الداعية لإسقاط هاتين المؤسستين تسعي لإحداث الفوضى والسيطرة على السلطة عبر الانقلاب على "الشرعية الانتخابية" وفق ما جاء في نتائج الانتخابات الأخيرة (2019).
  3. الحيلولة دون أن يضغط الرئيس التونسي على رئيس الحكومة من أجل أن يقدم الأخير استقالته، وقد أكد زعيم حركة النهضة بأن استقالة الحكومة امر غير وارد، ومن ثم أرسل إلي رئيس الجمهورية رسالة يحثه فيها على عقد حوار ينهي الخلاف بين ثلاثتهم.

وسيترتب على تحركات حركة النهضة الميدانية الأخيرة وما جاء خلالها من ممارسات وتصريحات أن يؤدي إلي دفع العلاقة بين قطبي السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية- ورئيس الحكومة)، نحو مزيد من التوتر بهدف تأكيد أن البرلمان يمثل السلطة الأنجع في قيادة منظومة الحكم الراهنة، حيث مازال رئيس الحكومة مدعوماً من حركة النهضة بقيادة رئيس البرلمان وزعيمها راشد الغنوشي، وحلفائه، في مواجهة رئيس الجمهورية الذي عطل التعديل الوزاري الأخير ورفض أن يؤدي الوزراء أمامه اليمين الدستورية، فضلاً عن ذلك من الممكن أن تؤدي تحركات الحركة الأخيرة لمزيد من الاحتقان في الشارع في ضوء عمليات (الحشد والحشد المضاد) في ظل التنافس السياسي والصراع على الصلاحيات بين مؤسسات الدولة، الأمر الذي قد يسفر عنه حالة من الفوضى الأمنية التي قد يعقبها اتجاه رئيس الدولة إلي حل البرلمان والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة، وذلك في ظل غياب الجهة العليا الحكم بين السلطات (المحكمة الدستورية)، أو أن يتخذ قراراً بتعليق العمل بالدستور وهو ما سيقابله رفض كبير من القوى السياسية سواء الداعمة للحكومة او المعارضة لها.

 

 


[1] - يشترك في تأسيسها القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني، وبدعم من الاتحاد الأوروبي والوكالة الفرنسية للتنمية.

[2] - كان المشيشي مرفوقاً خلال الزيارة بوزير تكنولوجيات الاتصال، والأمين العام لاتحاد الشغل، ورئيس بعثة الاتحاد الأوروبي بتونس، وسفير فرنسا بتونس.

[3] - وهي كل الولايات المتحدة، وألمانيا وفرنسا، وبريطانيا، واليابان، وإيطاليا، وكندا، وكان ذلك بحضور سفير الاتحاد الاوروبي بتونس، ووزير الاقتصاد والمالية التونسي.

 

تعليقات القراء