تشهد الفترة الأخيرة بروز مواقف إقليمية متلاحقة حيال التحولات السياسية الجديدة في تونس عقب قرارات الرئيس قيس سعيد - التي جاءت استجابة لمطالبات النخب السياسية والمدنية التونسية - بتجميد عمل البرلمان لمدة ثلاثين يوماً قابلة للتمديد، ورفع الحصانة عن جميع نوابه، واعفاء رئيس الحكومة، وما تلا ذلك من قرارات وتحركات أخرى للأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية تنفيذاً لقرارات الرئيس استجابة للاحتجاجات الشعبية المطالبة بتنحي الحكومة وحل البرلمان من أجل انهاء أزمات البلاد.
وقالت وزارة الخارجية التونسية، إن الرئيس التونسي كلف الوزير عثمان الجرندي، بإجراء اتصالات مع نظرائه في عدد من الدول (مصر والسعودية وتركيا وعدد من الاطراف الغربية (فرنسا وإيطاليا وألمانيا والاتحاد الأوروبي والمفوضية السامية لحقوق الإنسان)، لاستعراض تطورات الأوضاع في تونس.
ردود الأفعال على مستوى دول المغرب العربي
1. لقد تباينت المواقف الليبية حيال التطورات في تونس، فمن جهة أولى صرح القائد العام للجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، في 26/7/2021، بأن ما حدث في تونس انتفاضة شعب ضد الإخوان، ومن ناحية أخرى وصف رئيس المجلس الأعلى للدولة، "خالد المشري" المحسوب على جماعة الاخوان في غرب ليبيا والمنتهيه ولايته، ما حدث في تونس بأنه "انقلاب، يشبه تحركات حفتر في فبراير عام 2014"، ولذلك حاول "عبد الله اللافي" نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي خلال زيارته إلي تونس، محاولة معالجة تلك المواقف المتضاربة حيث أشار إلي أن "الدعم المطلق للمجلس الرئاسي وحكومة الوحدة في ليبيا لقرارات الرئيس التونسي، وبأن تصريحات بعض الشخصيات لا تلزم الدولة الليبية".
2. تعددت التفاعلات الجزائرية مع الأحداث الأخيرة في تونس، وفق ما يلي:
أ. كان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أول مسؤول عربي يناقش التطورات التونسية مع نظيره قيس سعيد عبر اتصالين هاتفيين الأول بادر به الرئيس التونسي في 26/7/2021، والثاني اجراه الرئيس الجزائري في 1/8/2021.
ب. تخصيص وزير الخارجية الجزائر رمطان لعمامرة زيارتين متقاربتين زمنياً إلي تونس نقل خلالهما رسالة شفوية من الرئيس الجزائري لم يكشف عن محتواها، وكانت الأولى بتاريخ 27/7/2021، أما الزيارة الثانية كانت في 1/8/2021 عقب زيارة العمامرة إلي مصر ضمن جولة تتعلق بالاستحقاقات القادمة ومنها القمة العربية، وقد اوضح بيان للرئاسة المصرية 2/8/2021 إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتفق مع العمامرة، على الدعم الكامل للرئيس التونسي، بينما تجنب بيان وزارة الخارجية الجزائرية توضيح ذلك.
ج. تجلى موقف جزائري أكثر وضوحاً حيال المرحلة الراهنة في تونس حينما أعلن الرئيس الجزائري 8/8/2021 خلال لقاءه مع وسائل اعلام محلية جزائرية أن تونس قادرة على حل "أزمتها" بمفردها وأن الجزائر لن تقبل بأن تمارس جهات خارجية ضغوطاً على السلطات التونسية.
د. وعلى الصعيد غير الرسمي، برزت مواقف للأحزاب الاخوانية الجزائرية في مقدمتها حركة مجتمع السلم "حمس" ثالث القوى الحزبية الممثلة في البرلمان الجزائري الجديد حيث وصف قرارات الرئيس سعيد بالانقلاب على الدستور والارادة الشعبية الانتخابية.
3. انحصر موقف المملكة المغربية في زيارة وزير الخارجية ناصر بوريطة إلي تونس، في 27/7/2021 ناقلاً رسالة شفاهية من العاهل المغرب، إلى الرئيس التونسي لتأكيد التضامن وأهمية العلاقات بين البلدين.
4. وفي موريتانيا لم يصدر موقف رسمي حيال تطورات الاوضاع في تونس، لكن أصدر حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (المحسوب على الإخوان ويعتبر أكبر أحزاب المعارضة تمثيلا في البرلمان) بياناً بتاريخ 26 يوليو 2021 استنكر فيه ما يجري في تونس ووصفه بالانقلاب على الديمقراطية وعلى الثورة، ودعا لشعب التونسي إلي الرفض الصارم للانقلاب وكل مخرجاته.
وعلى الصعيد الخليجي:
5. قام وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان بن عبد الله آل سعود، بزيارة إلي تونس، في30/7/2021، عبر خلالها عن دعم بلاده لتونس وقدرتها على تجاوز المرحلة الحالية، حيث تحترم المملكة قرارات الرئيس التونسي وتعُدها أمرا سياديا داخلياً، وقد تجديد ذلك الدعم في بيان مجلس الوزراء السعودي، في 3/8/2021، من اجل تحقيق أمن واستقرار الجمهورية التونسية مواجهة ما يواجهها من تحديات.
6. دعت الخارجية القطرية (26/7/2021) ما أسمته أطراف "الأزمة التونسية" إلي تغليب صوت الحكمة وتجنب التصعيد وأن تنتهج الحوار لتجاوز "الازمة"، وهو ما دعا إليه أيضاً أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في اتصال هاتفي اجراه مع الرئيس التونسي (28/7/2021).
7. استقبلت "لولوة بنت راشد الخاطر" مساعد وزير الخارجية المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية القطرية، في 4/8/2021، مع سامي السعيدي سفير الجمهورية التونسية، بمناسبة انتهاء فترة عمله، دون الاعلان عن مناقشة مستجدات الوضع التونسي.
8. تجنبت قطر التعقيب رسمياً على إغلاق قوات الأمن التونسية مكتب قناة الجزيرة القطرية في تونس، بينما نقلت الصحافة القطرية الانتقادات التي وجهتها منظمتا هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية لإغلاق المكتب، لاسيما مع تأكيد لطفي حجي مدير مكتب الجزيرة بتونس أن الاخلاء تم دون أي إشعار مسبق، وهو سلوك لم تتبعه الشرطة التونسية مع وسائل إعلامية اخرى على حد ما ذكر حجي.
9. أجرى وزير الخارجية الإماراتي، عبدالله بن زايد آل نهيان، في (28/7/2021)، مكالمة هاتفية مع نظيره التونسي، عثمان الجرندي، أكد فيه دعم الإمارات لتونس، فضلاً عن ذلك قام أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي للرئيس الاماراتي، بزيارة إلي تونس بتاريخ (7/8/2021) لنقل رسالة خطية موجهة إلى الرئيس التونسي من الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، حيث أكد على تفهم بلاده القرارات التاريخية للرئيس التونسي وتدعمها، نظراً لأهميتها للحفاظ على الدولة التونسية والاستجابة لإرادة شعبها.
10. أجرى وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف بن راشد الزياني، زيارة إلي تونس في 9/8/2021 محملا برسالة شفوية موجهة إلى الرئيس التونسي من العاهل البحريني حمد بن عيسى آل خليفة، وأفاد بأن البحرين تعتبر ما حدث في تونس أمرا سياديا لا يحق لأي جهة التدخل فيه، وتدعو المجموعة الدولية إلى مواصلة دعم تونس والتضامن معها لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والصحية التي تواجهها.
11. أعلنت وزارة الخارجية الكويتية، تلقي الوزير ناصر الصباح، اتصالا هاتفيا من نظيره التونسي.
12. قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، إن بلاده تأمل في أن تتجاوز تونس "الأوضاع الصعبة" التي تشهدها.
وعلى المستوى الاقليمي:
13. احتلت تطورات الأوضاع التونسية حيزاً هاماً خلال مباحثات وزيري الخارجية سامح شكري، ونظيره الفرنسي جان إيف لودريان، حيث اكدا على تطابق موقفيهما باحترام ارادة الشعب التونسي، فضلاً عن تخصيص وزير الخارجية المصري زيارة إلي تونس بتاريخ 3/8/2021، حيث أكد على الدعم المصري المطلق للإجراءات التاريخية الدستورية التي اتخذها الرئيس التونسي لتحقيق إرادة الشعب وضمان استقرار تونس ورعاية مصالحها.
14. استنكرت تركيا على لسان المتحدث الرسمي باسم خارجيتها ما أسمته تعليق العملية الديموقراطية ووصف اجراءات الرئيس قيس سعيد بأنها تفقد الشرعية الدستورية والدعم الشعبي، ودعت تركيا لإعادة إرساء الديموقراطية التي حصرتها في عودة عمل البرلمان بدعوى أنه يمثل الارادة الشعبية، ورجحت تركيا خروج تونس عن المسار الذي وضعته قرارات الرئيس قيس سعيد، كما دعت الأطراف التونسية إلى التهدئة، واكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لنظيره التونسي على أهمية استمرار عمل البرلمان.
مؤازرة إقليمية ودولية متواصلة:
يمكن القول أن المواقف الاقليمية ساهمت في حقيقة الأمر في دفع مساعي الرئيس التونسي في إدارة المرحلة الحرجة التي تعيشها تونس لاسيما على صعيد جهود مواجهة تفشي الوباء بعد التردي الواضح في الأوضاع المالية والاقتصادية جراء هيمنة النهضة على الحكم، حيث تكشف التطورات استمرار مؤازرة العديد من الدول (مصر- الجزائر- السعودية - الكويت-..، إيطاليا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة، والصين) تونس في مواجهة تفشي وباء كورونا.
حيث يتواصل ارسال مساعدات طبية هامة وملايين الجرعات الممنوحة إلي تونس، وهو ما ساعد الرئيس التونسي في إعطاء أوامره إلي الإدارات الصحية العسكرية والمدنية للشروع في حملة تطعيم وطنية مفتوحة ومكثفة، بلغ عدد الملقحين في يوم واحد (8/8/2021) 551.008 مواطن، وهو ما مثل نجاحاً هاماً للدولة التونسية في مواجهة الجائحة بمساعدة القوى الإقليمية والدولية، وهو ما سيدفع بدوره نحو تعزيز شعبية الرئيس قيس سعيد ويكشف عن تخاذل حكومة هشام المشيشي المُقال في إدارة جهود مواجهة الوباء خاصة في ظل انشغال القوى الحزبية داخل البرلمان الحاكم وخارجه بالصراعات السياسية على حساب القضايا الحيوية في البلاد بما أدى لتعطيل مسار العمل داخل مؤسسات الدولة التونسية واجهزتها.
خلاصات:
وهكذا أظهرت غالبية مواقف القوى الإقليمية -مدعومة بمواقف غربية بارزة - مناصرة واضحة للخطوات التي يتخذها الرئيس التونسي لإعادة الأمن والاستقرار للدولة التونسية وإنهاء هيمنة حركة النهضة على مؤسسات الحكم في تونس، وهكذا تتكامل قرارات الرئيس التونسي مع ما اتخذته عدد من النظم العربية تجاه جماعة الإخوان المسلمين المتورطة في اعمال ارهابية، لاسيما أن النهضة تدور حولها شبهات التورط في جرائم اغتيالات سياسية قديمة وحديثة، ولذا الحقت قرارات سعيد تضرراً بالغاً بالمستقبل السياسي والاجتماعي لحركة النهضة الأمر الذي يضرب من جديد مشاريع التمكين السياسي للإخوان المسلمين في المنطقة ويؤكد على أن غايتهم كانت بلوغ مقاليد الحكم بدول المنطقة وهو ما أدى لتراجع شعبيتهم.
ويحتمل أن يكون للتطورات السياسية في تونس تداعياتها على الاحزاب الإسلامية في المملكة المغربية التي تقترب من إجراء الاستحقاقات التشريعية المقررة في سبتمبر القادم، وهو ما بدى يتكشف في ترجيح رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني امين عام حزب العدالة والتنمية قائد الائتلاف الحكومي، بتاريخ 3/8/2021 إمكانية تأجيل الانتخابات التشريعية بسبب تزايد عدد الإصابات المسجلة بفيروس كورونا المستجد رغم أن هذا الأمر لم يناقش داخل الحكومة، علماً بأن ذلك يستلزم قرار ملكي وفق نص الدستور، فضلاً عما اظهرته انتخابات الغرف المهنية المغربية التي جرت قبل يومين من تراجع في تمثيل حزب العدالة والتنمية ، حيث حصل على 49 مقعداً فقط، من إجمالي 2230 مقعداً في مختلف الغرف المهنية.
وتجدر ملاحظة أن الجزائر حاولت لعب دور الوسيط حيال المعطيات التونسية الجديدة التي فجرتها قرارات الحالة الاستثنائية، وذلك في إطار استراتيجية الجزائر في المنافسة الإقليمية برغم ما انتهى إليه موقف الجزائر بعد حراك دبلوماسي فاعل في الأيام القليلة الماضية، إلي التأكيد على عدم تدخل الجزائر في الشئون الداخلية التونسية بناء على معطيات قدمها إليه الرئيس التونسي لنظيره الجزائري، وهو ما يكشف عن اقتناع الجزائر بصواب رؤية الرئيس التونسي في التغيير السياسي.
ولذلك تكشف السياسية الخارجية الجزائرية ان تعتاد على الحياد باستثناء ما يمس قضايا الأمن القومي الجزائري بمعنى كيفية المساهمة الجزائرية في تحقيق الاستقرار في ليبيا وتونس وغيرهما من الدول التي تتشارك معها في الحدود السياسية، إذ تحرص الجزائر على ضمان ألا يتوسع نشاط تنظيم القاعدة وداعش في شمال افريقيا والساحل والصحراء.
وفي الرأي أن تبقى المواقف التركية والقطرية أكثر المواقف الإقليمية الداعمة لجماعة الاخوان المسلمين التي قد يبدو أنها تتبع استراتيجية التهدئة على المدى المنظور، لكنها تعي تماماً أن تركيا وقطر سيحافظا على دعمهما للجماعة ولو في الحدود الدنيا، برغم ما شهدته الأشهر الأخيرة من تقارب تركي وقطري مع بعض دول الإقليم.