احتدام التنافس الانتخابي بين الأحزاب المغربية المشاركة في الانتخابات التشريعية والمحلية

تشهد المملكة المغربية استحقاقات وطنية في الثامن من سبتمبر الجاري الوطنية وذلك لاختيار اعضاء الغرفة الأولى للبرلمان (395 عضوا)، واختيار حوالي 31 ألف عضو في مجالس المحافظات والجهات، وقد بدأت الحملة الانتخابية لهذه الاستحقاقات في السادس والعشرين من أغسطس الماضي واستمرت لمدة 13 يوم، وقد ركزت بعض المؤسسات الاعلامية المستقلة الإلكترونية بالمغرب على الحملات الانتخابية إذ خصصت سلسلة حوارات تبث مباشرة مع قادة الأحزاب المشاركة في الانتخابات، على منصاتها بموقع التواصل الاجتماعي لتنال نسب متابعة عالية.

وكان من اللافت تزاحم الأحزاب المشاركة في هذه الاستحقاقات خلال عرض مضامين برامجها الانتخابية، وهو ما اظهر احتداماً بالغاً في مستوى التنافس السياسي والانتخابي بين هذه الأحزاب، والتي بلغ عددها 31 حزب مشارك بـ 1704 قائمة انتخابية، وتشمل قوائم انتخابات الغرفة الأولى للبرلمان (مجلس النواب) 6 آلاف و815 مرشحا، وتشمل قوائم الانتخابات المحلية 157 ألفا و569 تصريحاً بالترشيح.

استحقاقات اليوم الواحد:

يمكن إرجاع أسباب تنظيم الانتخابات المغربية التشريعية والمحلية في يوم واحد في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ المملكة، إلي أولاً الرغبة في تخفيض النفقات لاسيما خلال الحملة الانتخابية، وتبلغ تكلفة تنظيم الانتخابات التشريعية والمحلية لعام 2021 حوالي 1.5 مليار درهم مغربي من خزينة الدولة، وذلك وفق ما اعلنته سابقاً وزارة الاقتصاد والمالية المغربية، وثانياً من أجل تحفيز الهيئة الناخبة على المشاركة في عملية الاقتراع، إذ يصل عدد الأشخاص المدعون للتصويت في هذه الانتخابات ما يقارب 18 مليون فرد، ثالثاً متطلبات مراعاة اعتبارات الوضع الصحي في البلاد لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد.

حيث وضعت السلطات المغربية ممثلة في وزارة الداخلية المغربية المشرفة على إدارة العملية الانتخابية عدد من الإجراءات والتدابير الاحترازية التي يستلزم اتباعها ومنها منع التجمعات الجماهيرية، وذلك للحيلولة دون زيادة عدد الإصابات بين المواطنين، الأمر الذي مثل في حقيقة الأمر قيداً مستجداً على الحملات الانتخابية التي جرت خلال الأيام الماضية، إذ اضطر المرشحون إلي تكثيف اللجوء إلي المنصات الإلكترونية للتغلب على صعوبات تنظيم مؤتمرات انتخابية حضورية وصعوبة توزيع أوراق الدعاية الانتخابية على المواطنين في الشارع، إلا أن ذلك لم يمنع بعض المرشحين من تحدي الإجراءات التي حددتها وزارة الداخلية لمحاولة استقطاب الهيئة الناخبة.

منظومة انتخابية جديدة:

تجرى الانتخابات المغربية هذا العام بعد تعديل النظام الانتخابي بموافقة غرفتي البرلمان والمحكمة الدستورية العليا، ومن بين أهم التغييرات التي تم إدخالها على النظام الانتخابي تعديل كوتة النساء والغاء كوتة الشباب بالغرفة الأولى للبرلمان، - كانت تتكون هذه الغرفة من 325 مقعد فقط قبل تعديل الدستور المغربي، لكن في اعقاب مظاهرات فبراير 2011، تم زيادة عدد المقاعد الي 395 مقعد لتشجيع المزيد من المغاربة تحت سن الأربعين على ممارسة السياسة.

فضلاً عن تطبيق نموذج جديد في توزيع مقاعد مجلس النواب ومقاعد المجالس المحلية على الفائزين، باحتساب عدد المسجلين بالكشوف الانتخابية بدلاً من عدد المصوتين في يوم الاقتراع، وهو نموذج يطبق للمرة الأولى في المملكة، دفعت إليه غالبية الأحزاب الكبيرة والصغيرة من متخلف التيارات السياسية، باستثناء حزب العدالة والتنمية الإسلامي، وتُعرف تلك القاعدة بالقاسم الانتخابي الجديد، وتُجرى انتخابات المجالس المحلية وفق نظامين الأول نظام القوائم في الدوائر التي يزيد عدد سكانها عن 50 ألف نسمة، والثاني نظام الاقتراع الفردي في الدوائر الأقل عدداً.

أبرز المتنافسين:

جاء في صدارة المشهد الانتخابي التنافس بين الأحزاب المغربية التالية:

‌أ.   حزب العدالة والتنمية الإسلامي: لم يركز خلال حملته الانتخابية على ابراز برنامج انتخابي واضح رغم أنه أعلن عنه في 26/7/2021، أي قبل انطلاق الحملة الانتخابية رسمياً بشهر، وقد اعتمدت كبار قيادات الحزب على محاولة استقطاب الناخبين بعدد من الأدوات منها أولاً ادعاء الحزب المظلومية السياسية مراراً وتكراراً وأن بعض خصومه السياسيين مدعومين من جهات عليا ومؤسسات سيادية في الدولة أو يستندون إلي قاعدة اقتصادية ضخمة، علماً بأن حزب العدالة والتنمية يأتي في مقدمة الأطراف السياسية في المعادلة المغربية منذ توليه قيادة الائتلاف الحاكم على مدار ولايتين تشريعيتين (انتخابات 2011، وانتخابات 2016) فضلا عن رئاسته لعدد من المجالس بالمدن المغربية، وذلك بعدما ظل حزب العدالة والتنمية منذ لحظة تأسيسه في عام 1992 حزباً معارضاً فقط، وقد أكد موقف وزارة الداخلية المغربية رداً على مزاعم حزب العدالة والتنمية ان الوزارة تقف على مسافة واحدة من جميع الأحزاب السياسية في البلاد.

ثانياً استخدام كبار قيادات الحزب وعلى رأسهم الأمين العام سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المنتهية ولايته، اللغة الامازيغية في خطابه الدعائي، ثالثاً ادعاء الحزب أنه يراعى مقارنة بأقرانه من الأحزاب السياسية اليات الديموقراطية الداخلية في اختيار مرشحيه للانتخابات، وذلك برغم ما شهده الحزب من أزمات داخلية خلال الأشهر الماضية وصلت للانشقاقات وتجميد العضوية بسبب الخلافات بين قياداته التاريخية وانقسام اعضاء الحزب ما بين تيارين رئيسيين الأول بزعامة عبد الأله بن كيران، والثاني سعد الدين العثماني.

‌ب. حزب التجمع الوطني للأحرار: كان أول حزب يعلن برنامجه الذي تطلب وضعه القيام بزيارات ميدانية لـ 100 مدينة مغربية (لقاءات تحت شعار 100 يوم 100 مدينة)، وقد احتل البعد الامازيغي جانباً هاماً في البرنامج الانتخابي للحزب، حيث دعا إلي انشاء مرفق حكومي به موظفون يتحدثون الأمازيغية من أجل التواصل مع الناطقين بها، مع ضرورة بحث إشكاليات التواصل بالأمازيغية على المستويات المحلية لاسيما بالمؤسسات التعليمية، بجانب وعود اخرى تتعلق بتحسين المنظومة التعليمية.

‌ج.  حزب الأصالة والمعاصرة المعارض: تخللت حملته الانتخابية انتقادات واضحة لاستخدام المال السياسي لبعض الأحزاب المشاركة في الانتخابات، حيث ذكر عبد اللطيف وهبي الأمين العام للحزب ما اسماها "الامبراطوريات المالية الخطرة على السياسة" في اشارة ضمنية إلي التجمع الوطني للأحرار برئاسة رجل الاعمال عزيز اخنوش وزير الزراعة والصيد البحري في الحكومة، وفي ذات الوقت اعلن وهبي أن حزبه نفتح على جميع الأحزاب السياسية ولا مانع له في التحالف مع حزب العدالة والتنمية الاسلامي، وقد حاول حزب الأصالة اظهار دوره في الغاء حصة الشباب بالبرلمان المنتهية مدته، بدعوى أنها كانت حكراً على ابناء المركز، ومن ثم دفع نحو تعويض مقاعد الشباب بمقاعد للنساء.

‌د.   حزب الاستقلال (ثاني أكبر أحزاب المعارضة وسبق أن تحالف مع جميع الأحزاب): طرح برنامجه الانتخابي قبل بعد أقل من 24 ساعة على انطلاق الحملة الانتخابية في البلاد، وقد تعهد فيه بتقليص الفوارق الاجتماعية وبحماية وتوسيع الطبقة الوسطى التي اهملتها السياسات العامة، واللافت أن الحزب يركز على مركزية قضية الصحراء الغربية بدعوى مساهمته في مفاوضات تسوية هذه القضية، من خلال رؤساء الجهات.

‌ه.   حزب التقدم والاشتراكية - يساري معارض-: اهتم بالدفاع عن قرار انسحابه من حكومة العثماني بعدما تعمقت الأزمة بين اعضائها (العدالة والتنمية من جهة، وبقية الاحزاب من جهة آخرى)، والمفارقة هنا أن الحزب دافع عن تحالفه السياسي مع حزب العدالة والتنمية بعد انتخابات 2011، بينما انتقد ممارسات حزب الاصالة والمعاصرة فضلاً عن انتقاده استعمال الأموال خلال الحملة الانتخابية الأخيرة بهدف التأثير على الهيئة الناخبة، وهو ما اسماه بظاهرة "الوزراء الأقوياء" دون أن يشير صراحة الي حزب بعينه.

‌و.   حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية: من الاحزاب التاريخية المهمة حيث قاد حكومة التناوب بقيادة عبد الرحمن اليوسفي، ثم شارك في عدد أخر من الحكومات المغربية، ودع الحزب خلال الحملة الانتخابية الأخيرة إلي تعزيز أدوار الدولة الاجتماعية، وقد اوضح الأمين العام للحزب أن تحالفاته في أعقاب الانتخابات المقبلة ستكون مع الليبراليين.

‌ز.  تحالف فيدرالية اليسار: ركز على مطالب سياسية ليست محلها الحملة الانتخابية، وأهمها أن يتم التسجيل في الاقتراع ببطاقة الهوية الشخصية، وإشراف لجنة مستقلة على الانتخابات، بدلاً من وزارة الداخلية، وإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي لاسيما معتقلو حراك الريف.

ملاحظات هامة:

يمكن القول إذاً أن التنافس الانتخابي في المغرب يتركز بين عدد محدود من الاحزاب لاسيما حزبي العدالة والتنمية ذي التوجهات الإسلامية، وحزب الأصالة والمعاصرة في مواجهة حزب التجمع الوطني للأحرار، حيث ابدى العدالة والتنمية والاصالة والمعاصرة نوعاً من التقارب البرجماتي في الفترة الماضية رغم سنوات العداء الأيديولوجي بينهما، علماً بأن القاسم المشترك بين الأحزاب المغربية الكبرى هذه أنها اطلقت حملات انتخابية مبكرة ربما قبل ثلاثة سنوات مضت، مع فروق بسيطة بينهم على مستوى الانفاق ومساحة الانتشار واستغلال المناصب الرسمية وهو ما ينطبق هنا على حزبي العدالة والتنمية، والتجمع الوطني للأحرار المشاركان في الحكومة إذ لم يفصل كلاهما بين متطلبات العمل الحكومي والعمل الحزبي.

قد يصعب على أي حزب بالبرلمان المغربي أن يفوز بأكثر من مقعد واحد لكل دائرة انتخابية في ضوء نمط الاقتراع التمثيلي النسبي وقاعدة احتساب الأصوات وتوزيع المقاعد على اللوائح الفائزة بالبرلمان (قسمة عدد الناخبين المقيدين في الدائرة الانتخابية، على عدد المقاعد المخصصة لها، وتوزع المقاعد الباقية وفق قاعدة أكبر البواقي)، فضلاً عما اثبتته التجارب الانتخابية المغربية على مدار السنوات الماضية أنه لم يفز أي حزب بأغلبية مقاعد البرلمان.

يُرجح إذاً ألا يتجاوز أي حزب مشارك في الانتخابات التشريعية الراهنة ما بين 80  إلي 100 مقعد في البرلمان القادم، وهو ما يُرجح معه أن يفقد حزب العدالة والتنمية، عدد كبير من مقاعده بالبرلمان مقارنة بعدد مقاعده الـ (125) في اخر انتخابات لعام 2016، ويمكن ارجاع ذلك إلي التراجع الفعلي لشعبية حزب العدالة والتنمية في ضوء ما اظهرته الانتخابات المهنية الأخيرة (6 أغسطس 2021) من تراجع بالغ حيث حصل على 49 مقعد فقط من أصل 2230 مقعداً في مختلف الغرف المهنية بالمملكة (التجارة والصناعة والخدمات، والصيد البحري، والفلاحة والصناعة التقليدية)، ليحل الحزب في المرتبة الثامنة بين الاحزاب الفائزة، وخسر بذلك 147 مقعداً مقارنة بانتخابات عام 2015 المهنية، وهو ما سيساهم في اضعاف فرص العدالة والتنمية في التمثيل داخل الغرفة الثانية للبرلمان المغربي الجديد (مجلس المستشارين الذي يتكون من 120 عضواً، منهم 20 يختارهم المنتخبون بالغرف المهنية)، فضلاً عن ضعف نتائج العدالة والتنمية في انتخابات ممثلي المأجورين (يختارون 8 أعضاء بمجلس المستشارين) التي جرت في يونيو الماضي.

ويتوقع أن يتكون الائتلاف الحكومي الجديد الذي سيتشكل في ضوء نتائج هذه الانتخابات، من احزاب ذات توجهات سياسية مختلفة، وقد يكون حزب العدالة والتنمية أحد مكونات هذا الائتلاف، دون أن يكون قائداً له، الأمر الذي سيمثل المتغير الرئيسي في المعادلة السياسية الجديدة في المملكة المغربية، انسجاماً مع تراجع نفوذ التيار الاخواني في المنطقة.

ومن المرجح أيضاً أن يحقق حزب التجمع الوطني للأحرار نتائج متقدمة في الانتخابات التشريعية لهذا العام، لاسيما أن الحزب تصدر نتائج انتخابات الغرف المهنية الأخيرة بفوزه بـ 638 مقعداً أي بنسبة 28,61 % من مجموع المقاعد، وبذلك تمكن من زيادة تمثيله بعد أن كان له 326 مقعد في الانتخابات المهنية الماضية، كما سيكون للأحزاب المغربية الصغيرة حظاً اوفر في الانتخابات البرلمانية هذا العام مقارنة بالسنوات الماضية، وذلك بفضل النظام الانتخابي الجديد الذي شهد تعديل قاعدة توزيع الاصوات وإلغاء العتبة الانتخابية بهدف تعزيز التعددية السياسية. (العتبة الانتخابية هي الحد الأدنى من الأصوات المطلوبة للفوز بمقعد، والتي كانت محددة سابقاً بـ 3%).

تعليقات القراء