مستقبل الهدنة الإنسانية في إقليم تيجراي

أعلنت إثيوبيا في 24 مارس 2022 هدنة إنسانية دائمة في إقليم تيجراي، استجابة للأوضاع الإنسانية المتردية في شمال البلاد. وهو ما قد يمثل تمهيدًا لتسوية الصراع الإثيوبي، وما يصاحبه من تعزيز للاستقرار الداخلي وانعكاساته على أمن منطقة القرن الأفريقي ككل.

أولا: المشهد الراهن

يمكن الإشارة إلى السياق العام لتطور الأوضاع الإنسانية في إثيوبيا على النحو التالي:

1- تواجه الحكومة الإثيوبية اتهامات من جانب عدد من القوى الدولية الفاعلة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وبعض المنظمات الدولية، بسبب استمرار فرض الحصار على إقليم تيجراي منذ انسحاب القوات الإثيوبية من العاصمة ميكيلي في 30 يونيو 2021، وبالرغم من تراجع قوات دفاع تيجراي عن القتال في مناطق الصراع في أواخر ديسمبر 2021.  في الوقت الذي تُلقي فيه حكومة أديس أبابا باللوم على جبهة تحرير تيجراي لعرقلة وصول المساعدات الإنسانية للإقليم من خلال توغلها في إقليمي عفر وأمهرة.

2- أعلن برنامج الغذاء العالمي في يناير 2022 أن هناك نحو 83% من سكان إقليم تيجراي يعانون انعدام الأمن الغذائي، ويعاني نحو مليوني شخص من نقص شديد في الطعام. كما يحتاج نحو تسعة ملايين شخص في إقليم تيجراي والمناطق المجاورة التي تضررت جراء الصراع إلى المزيد من المساعدات الإنسانية.

3- اشترطت الحكومة الإثيوبية انسحاب قوات دفاع تيجراي من المناطق التي تسيطر عليها في إقليمي أمهرة وعفر لتفعيل الهدنة الإنسانية، فيما اشترطت جبهة تحرير تيجراي وصول المساعدات إلى الإقليم للموافقة على تفعيل الهدنة.

4- جاء الإعلان عن الهدنة عقب زيارة ديفيد ساترفيلد، مبعوث واشنطن الخاص إلى القرن الأفريقي لإثيوبيا.

ويمكن الإشارة إلى الموقف من الهدنة الإنسانية على النحو التالي:

1- رحبت حكومة إقليم تيجراي بإعلان الهدنة الإنسانية، وتعهدت بالالتزام بتنفيذ وقف إطلاق النار ووقف الأعمال القتالية. وشددت على فتح الممرات لوصول المساعدات الإنسانية ورفع كامل القيود المفروضة على الخدمات العامة في الإقليم.

2- جاء الموقفان الإقليمي والدولي مؤيدًا لإجراءات الحكومة الإثيوبية بشأن تنفيذ الهدنة الإنسانية في شمال البلاد، حيث رحبت الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا والهيئة الحكومية للتنمية (إيجاد) والسودان بإعلان الهدنة وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون أي عرقلة.

ثانيا: الأسباب والتداعيات

تشير أبرز الأسباب التي دفعت الحكومة الإثيوبية لإعلان الهدنة الإنسانية إلى ما يلي:

1- تأكيد آبي أحمد انتصاره في الحرب على إقليم تيجراي، وإحكامه السيطرة على مجريات الوضع في شمال البلاد.

2- محاولة تأليب الرأي العام في إقليم تيجراي ضد جبهة تحرير تيجراي لمساعدته في خفض شعبيتها داخليًّا تمهيدًا للتخلص منها خلال الفترة المقبلة لإقصائها من المشهد السياسي الإثيوبي.

3- محاولة تخفيض حدة تدهور الأوضاع الإنسانية في شمال البلاد، وبالتالي تخفيف حدة الانتقادات الدولية لأديس أبابا بسبب سوء الأوضاع الإنسانية.  

4- تصاعد الضغوط الأمريكية خاصة بعد زيارة المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي لأديس أبابا، وسعي نظام آبي أحمد إلى تجنب فرض العقوبات الأمريكية خاصة أن هناك مسودة قانون أمريكي يجيز فرض عقوبات محددة الهدف في إثيوبيا، وتحد من المساعدات التي تقدمها المؤسسات الدولية والهيئات الإنمائية الأمريكية.

5- محاولة آبي أحمد كسب المزيد من الشعبية في الداخل الإثيوبي، خاصة بعد إعادة انتخابه زعيمًا لحزب الازدهار الحاكم.

6- الترويج لآبي أحمد على المستوى الدولي باعتباره راعي للسلام في إثيوبيا والمنطقة، بهدف تخفيف حدة الانتقادات الدولية ضده.

7- تفاقم الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها إثيوبيا بسبب حرب تيجراي.

8- التمهيد لاتخاذ إجراءات في الداخل الإثيوبي خلال الفترة المقبلة مثل إجراء الحوار الوطني الإثيوبي بمشاركة الأطراف والقوى السياسية في البلاد.

ويمكن الإشارة إلى أبرز التداعيات المحتملة لقرار إثيوبيا بإعلان الهدنة الإنسانية مع تيجراي وذلك على النحو التالي:

1- احتمالات التوصل إلى قرار وقف إطلاق النار بشكل دائم في شمال البلاد.

2- قد يتوجه آبي أحمد نحو تحديد موعد الحوار الوطني الشامل في البلاد، رغبة في تعزيز الاستقرار والأمن الداخلي في البلاد وانعكاساته على تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، وهو ما ينعكس بدوره على تقوية شعبيته في الداخل الإثيوبي.

3- احتمال تصاعد الغضب في صفوف حلفاء آبي أحمد والمؤيدين له لا سيما أمهرة والقوات الإريترية خلال الحرب الإثيوبية على تيجراي مثل جبهة تحرير أمهرة.

وبناء على ما سبق، يمكن ترجيح الآتي:

1- ربما تتجدد المعارك مجددًا بين قوات دفاع تيجراي والقوات الحكومية بما يعني اختراق الهدنة الإنسانية.

2- رفض حلفاء آبي أحمد لقراره بشأن الهدنة الإنسانية، واحتمالية استمرار المواجهات العسكرية بين قوميتي تيجراي وأمهرة بسبب المناطق المتنازع عليها 2017.

3- محاولة آبي أحمد إقصاء جبهة تحرير تيجراي من المشهد السياسي قبل دعوته للحوار الوطني الشامل في بلاده.

4- إطلاق الحوار الوطني الشامل في إثيوبيا خلال الشهور المقبلة.

 

تعليقات القراء