قامت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني يوم السبت، 28 يناير الجاري، بزيارة إلى طرابلس ، على رأس وفد رفيع المستوى ضم وزيري الخارجية والداخلية إلى جانب رئيس شركة «إيني» للطاقة وعدد من المسؤولين الإيطاليين، أجرت خلالها مباحثات مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي حول العلاقات الثنائية والتعاون في ملفات الطاقة والهجرة والأمن، توجت بتوقيع اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجالي الطاقة والهجرة، ضمن المساعي الرامية لتعزيز الدور الإيطالي في ليبيا ومنطقة المتوسط.
أولاً: سياق الزيارة
كانت زيارة ميلوني إلى طرابلس، هي الثانية بعد الجزائر التي زارتها قبل أسبوع، وذلك ضمن جولة خارجية أوسع تعتزم القيام بها إلى دول شمال أفريقيا وجنوب الصحراء ستركز خلالها على ثلاث ملفات الهجرة والطاقة والأمن وهي قضايا استراتيجية لإيطاليا وأوروبا بشكل عام. وتسعى رئيسة الوزراء الإيطالية من خلال تلك الجولات إلى:
- التوصل إلى اتفاقات بشأن إدارة تدفقات الهجرة القادمة من الجنوب إلى الشمال، ضمن «خطة ماتي» في إشارة إلى مؤسس مجموعة «إيني» للطاقة، إنريكو ماتي الذي كسر هيمنة شركات الطاقة الغربية السبع الكبرى على القطاع النفطي في بلدان جنوب المتوسط.
- تعزيز إمدادات الطاقة الواردة إلى إيطاليا من أفريقيا خاصة الجزائر وليبيا، لاسيما في ظل وجود خطوط إمداد مباشرة بين البلدان الثلاثة ممثلمة في خطي «غرين ستريم» من ليبيا و«ترانسميد» من الجزائر اللذان تطمح إيطاليا إلى توسعة قدرتهما على النقل تمهيدًا للاستفادة منهما مستقبلًا في حال تمكنت من الوصول إلى اتفاقات بشأن نقل الإمدادات من أفريقيا جنوب الصحراء إلى أوروبا ضمن مساعيها لتكون مركزا إقليميا للطاقة في أوروبا وفق ما صرح به وزير الخارجية أنطونيو تاياني.
- خلق شراكات إيطالية أوروبية مع دول شمال أفريقيا وجنوب الصحراء، ضمن تحرك أوروبي أوسع يستهدف «كبح جماح نفوذ روسيا والصين، الذي ازداد بشكل كبير مع وجود عناصر واضحة مزعزعة للاستقرار»، وفق تعبير ميلوني للصحافة الإيطالية قبل أسابيع.
- التأكيد على ريادة إيطاليا في طرابلس و«سد الفراغ» بسبب عودة الانقسام الحكومي إلى ليبيا لتجنب إشغاله من طرف قوى أخرى منافسة، بحسب ما صرح وزير الخارجية أنطونيو تاياني قبل يومين من زيارة طرابلس.
ثانيًا: نتائج زيارة ميلوني إلى طرابلس
توجت زيارة ميلوني إلى طرابلس، بتوقيع اتفاقية ومذكرة تفاهم جديدتين في مجال الطاقة والهجرة، تأمل الحكومة الإيطالية أن تسهمان في تعزيز مصالحها الاقتصادية ونفوذها في طرابلس الغرب، وهما:
- اتفاقية مدتها 25 عاما لتطوير حقلي غاز في المياه الليبية شمال غرب طرابلس وهما «استراكشن A، واستراكشن B» لإنتاج 850 مليون قدم مكعب باستثمارات قدرها 8 مليار دولار، وقعه كل من رئيس شركة «إيني» كلاوديو ديسكالزي مع رئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة.
- مذكرة تفاهم وقعها وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني ووزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، لتسليم 5 زوارق دورية ممولة من الاتحاد الأوروبي لخفر السواحل الليبي للمساعدة في إدارة تدفقات الهجرة، وذلك رغم انتقادات المنظمات الإنسانية للتعاون الإيطالي مع الجانب الليبي بشأن إعادة المهاجرين.
وقد أكد وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تايني بعد التوقيع على اتفاقية الطاقة ومذكرة التفاهم بشأن الهجرة، على أن هذه العملية تأتي في إطار «اتفاقية الصداقة الليبية – الإيطالية» الموقعة بين البلدين في العام 2008، كما استبق وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتيدوزي الزيارة، بالإعلان عن أن إيطاليا تعمل مع الاتحاد الأوروبي من أجل الإعداد لمهمة خاصة في ليبيا بشأن الهجرة، دون أن يوضح ماهية البعثة المرتقبة التي يتوقع أن تكون معززة بعناصر أمن أوروبية للمساعدة في إدارة التدفقات خاصة بالمناطق الجنوبية من ليبيا التي تشهد نشاطا أوروبيًا وأميركيا لافتًا هذه الأيام، في ظل تزايد الانتقادات الحقوقية لعمليات إعادة المهاجرين من البحر المتوسط إلى ليبيا.
أما الجانب السياسي، فقد اقتصر على تأكيدها لرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي على دعم إيطاليا لجهود الأمم المتحدة الرامية إلى إجراء الانتخابات في ليبيا قبل نهاية العام 2023، وإشارتها في مؤتمر صحفي مشترك مع الدبيبة إلى «تأثيرات خارجية تعمل على زعزعة الوضع في ليبيا»، وتشديدها على أن ليبيا «شريك استراتيجي مطلق لإيطاليا»، وهو ما حمل عدة رسائل أهمها الآتي:
- تأكيد قدرتها للإيطاليين على تطوير إدارتها للتعامل مع المستجدات الدولية، سيما وأنها عرفت بمواقف متشددة حيال قضية الهجرة وصلت إلى حد المطالبة بفرض «حصار بحري» على ليبيا لمنع تدفقات الهجرة عندما كانت عضوة في البرلمان عن حزب «إخوة إيطاليا» اليميني.
- التأكيد على أن المصالح الإيطالية في طرابلس لاتزال تمثل الأولوية الاستراتيجية لحكومة ميلوني رغم الخلافات والاعتبارات السياسية والأمنية التي أربكت عمل الحكومات السابقة.