نشر المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية "ISPI" تقريراً في 3 أغسطس الماضي، بعنوان "فرنسا وإيطاليا في إفريقيا جنوب الصحراء: التعاون، والتنافس، وإعادة التشكيل"[1]، والذي تناول سياسة كل من فرنسا وإيطاليا في القارة الإفريقية مع التركيز على منطقة جنوب الصحراء.

محددات السياسة الخارجية لإيطاليا وفرنسا تجاه إفريقيا:

ركز التقرير على أهم المحددات التي تحكم سياسة البلدين تجاه إفريقيا، ومنطقة جنوب الصحراء، حيث يبرز الإرث التاريخي والاستعماري كأحد أهم تلك المحددات، فهو يشكل اختباراً للنخب السياسية الحاكمة في البلدين لعلاقة ذلك بالقضايا الانتخابية، ويبدو أن هناك توجهات للعودة إلى الهيمنة الغربية على القارة الإفريقية، وهو ما يظهر جلياً في خطة "ماتي" التي تتبناها رئيسة وزراء إيطاليا "جيورجيا ميلوني"، وهي مشروع الشراكة الرائد الذي تعتزم رئيسة الوزراء تقديمه إلى أقرانها الأفارقة في خريف عام 2023، في قمة إيطالية إفريقية كبرى، ترتبط باسم العالم "إنريكو ماتي"، مؤسس شركة إيني.

وقد سبق أن صدقت فرنسا وإيطاليا في عام 2022 على "معاهدة كويرينال" التي وقعها كل من الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" ورئيس الوزراء الإيطالي آنذاك "ماريو دراجي"، وهي معاهدة تعكس رغبة الدولتين في تعزيز التعاون الثنائي، والتي تتجلى آثارها بوضوح في منطقة الساحل.

وعلى الرغم من مظاهر الرغبة في التعاون الثنائي بين البلدين، إلا أن هناك اختلافات واضحة بينهما في طبيعة الأدوار الدبلوماسية، فالدبلوماسيون الإيطاليون يلعبون دوراً أكثر أهمية حيال السياسة المطلوبة تجاه منطقة جنوب الصحراء، وهو ما يحافظ على التماسك المفقود على المستوى السياسي، والذي يرجع إلى أسباب تتعلق بعدم الاستقرار السياسي نسبياً في الحكومات الإيطالية المتعاقبة وعدم اهتمام النخب السياسية الجديدة بهذه المنطقة. أما على الجانب الفرنسي، فإن السياسة الخارجية يهيمن عليها الرئيس والحكومة، ويلعب الدبلوماسيون الفرنسيون أدواراً ثانوية في تحديد سياسات باريس تجاه الدول الإفريقية.

الهجرة: الهاجس المشترك:

تمثل قضية الهجرة هاجساً مشتركاً لدى البلدين، ومحدداً أساسياً لسياساتهما تجاه المنطقة، حيث سيطر الخطاب الشعبوي والأمني نظراً للمخاوف الاوروبية في هذا الصدد، وتزايد الحديث عن "أوروبا المحصنة"، وأهمية تبني موقف دفاعي تجاه قضية الهجرة، يقوم بالأساس على إنشاء المخيمات، وهو الأمر الذي ترفضه الدول الإفريقية، ومن هذا المنطلق، فإنه يمكن توقع غياب أي سياسات طموحة تجاه الشباب الأفارقة وكذلك غياب استراتيجية أوروبية لبناء شراكة حقيقية مع دول القارة الإفريقية.

اختلاف المقاربات تجاه إفريقيا:

تبرز العديد من أوجه الاختلاف في السياستين الفرنسية والايطالية تجاه القارة الإفريقية، فالنخب السياسية الفرنسية كانت تفضل الاعتماد على البعد العسكري، لكن فك الارتباط العسكري الحالي لفرنسا مع منطقة جنوب الصحراء يتطلب درجة عالية من الحذر، نظراً لعدم مواكبة التحول في الخطاب الفرنسي الرسمي مع الأوضاع على أرض الواقع.

فيما تكتسب إيطاليا صورة أقل إمبريالية، وهو ما انعكس على طبيعة التصورات تجاهها، والتي كانت في مجملها إيجابية، لكن إيطاليا عالقة في إشكالية حقيقية تتمثل في كيفية السعي لتأمين مصالحها في القارة الإفريقية دون الاضطرار إلى دعم النظم غير الديمقراطية، ويبرز هنا الاتحاد الأوروبي كأحد القوى التي يمكن لإيطاليا الاستعانة بها لتحقيق أهدافها.

وتختلف إيطاليا وفرنسا في مدى قوة ونشاط منظمات المجتمع المدني التابعة لهما في منطقة جنوب الصحراء، فالوجود والتأثير الإيطالي أكبر من نظيره الفرنسي، وهو ما يرجع بشكل أساسي إلى الأهمية التي تلعبها المنظمات المختلة – بما في ذلك النقابات العمالية والكنيسة الكاثوليكية – في إيطاليا، وهو ما ينعكس على سياستها تجاه جنوب الصحراء، والمنظمات المحلية العاملة فيها.

ويبرز اختلاف آخر بين باريس وروما، وهو اختلاف ديناميكيات العمل بين الشركات الفرنسية والإيطالية النشطة في إفريقيا، فبالنسبة للشركات الإيطالية، فقد تأثرت سلباً بدخول مشغلين جدد من تركيا والصين والبرازيل، حيث هُمشت أدوار الشركات الايطالية العاملة في مجال البنى التحتية، ولم ينج سوى الشركات العاملة في بناء السدود الكهرومائية الكبرى، كما تغيرت خارطة انتشار الشركات الفرنسية في إفريقيا، والتي تعمل في مجالات بعيدة عن الطاقة، حيث خسرت حصصاً كبيرة في أسواق غرب ووسط إفريقيا لصالح الدول الناشئة وألمانيا، بل وأعادت تموضعها بحيث صارت تهتم بالبلدان الإفريقية التي لا تشترك معها في الإرث الاستعماري.

وفي المجمل، فقد قدم التقرير رؤية نقدية مقارنة للسياسة الخارجية لإيطاليا وفرنسا وذلك تجاه القارة الإفريقية في عمومها مع التركيز على منطقة الساحل والصحراء، وبرغم تأكيده على أهمية خطة القيادة الإيطالية الحالية لبناء شراكات جديدة مع دول القارة إلا أنه لم ينكر أهمية أن تكون هذه الخطة متواكبة مع الخطط الأوروبية، ويمثل ذلك محاولة لتحقيق الاستدامة في المصالح الإيطالية داخل القارة، وتجنب تكرار أخطاء التجربة الفرنسية، والتي شهدت مواطن فشل بالرغم من تنوع الأدوات التي استخدمتها فرنسا واعتمادها على عناصر القوتين الصلبة والناعمة، لمحاولة تأمين مصالحها في تلك المنطقة.

ويمكن القول إن المصالح الاقتصادية ستكون هي المحدد الرئيسي لمستقبل السياسات الأوروبية تجاه إفريقيا، وستجري تسويقها على أنها تأتي بهدف دفع الجهود التنموية داخل القارة، وقد يكتب النجاح لعدد من هذه السياسات، لكن النجاح قد لا يكون حليفاً للسياسات المتعلقة بالهجرة، حيث يُتوقع أن تفشل مختلف هذه السياسات نظراً لعدم التوصل بعد إلى حلول جذرية لهجرة أبناء القارة الإفريقية نحو أوروبا.

 


[1] Roland Marchal, "France and Italy in Sub-Saharan Africa: Cooperation, Rivalries and Reconfigurations", Italian Institute for International Political Studies (ISPI). 3 Aug 2023. Available at: https://www.ispionline.it/en/publication/france-and-italy-in-sub-saharan-africa-cooperation-rivalries-and-reconfigurations-138283

 

الكاتب: 

نشرت مؤسسة جايمس تاون للتحليل والأبحاث الدولية دراسة بعنوان " ماذا تعني عضوية إيران لمنظمة شنغهاي للتعاون بالنسبة للترتيبات الأمنية في آسيا الوسطى؟[1]" حيث ناقشت الدراسة تأثير انضمام إيران لمنظمة شانغهاي للتعاون على دور إيران في المنطقة وذلك من خلال قياس مدى اندماج ايران بالفعل في المنطقة بالإضافة إلى قدرتها على تعظيم الاستفادة من الترتيبات التي ساهمت في انشاءها المنظمة في خدمة أهدافها الأمنية والاقتصادية.[2]

 

أولاً: أهم ما ورد بالدراسة

ركزت الدراسة على عدد من الأفكار يبرز أهمها كما يلي:

أ‌.   تمثل عضوية إيران في منظمة "شانغهاي للتعاون" أول تجربة لها في منظمة ذات طابع أمني وذلك منذ انسحابها من حلف بغداد عام 1979، ولهذا التطور عدد من التبعات في مجالات عديدة من  أبرزها هو مدى تأثيرها على الترتيبات الأمنية في آسيا الوسطى، حيث تعد تلك المنطقة هي محط التركيز الأبرز لمنظمة شانغهاي.

ب‌. بناء على ما سبق فإن عضوية طهران في منظمة شانغهاي سيكون له تأثير مباشر على علاقتها بآسيا الوسطى والترتيبات الأمنية بها.

ج‌.  لا تمتلك إيران حدوداً برية مع دول آسيا الوسطي سوى مع تركمنستان وهي دولة تتبنى الحياد في العادة كسياسة لعلاقاتها الدولية وهي غير عضو في المنظمة، حيث سيمثل ذلك – بحسب الكاتب – عقبة أمام طموح طهران للإندماج مع المنظمة بشكل فعال في آسيا الوسطى، إلا أن الكاتب يشير إلى إمكانية تغير ذلك بسبب تحسن العلاقات بين إيران وتركمنستان بعد حل مشاكل متعلقة بالغاز بين البلدين.

د‌.  في حين تريد طهران لمنظمة شانغهاي أن تكون تجمعاً للقوى المناوئة للغرب أو حتى "حلف وارسو جديد" أو "ناتو شرقي" وذلك من أجل مواجهة نفوذ الولايات المتحدة والغرب بشكل عام، إلا أن الممارسة تفيد بأن العديد من دول آسيا الوسطى خصوصاً كازاخستان وأزباكستان و قرغيزستان تتمتع بتعاون عسكري وأمني مع الناتو والولايات المتحدة، لذا فإنه من غير المتوقع أن تشعل إيران المشاعر العدائية للغرب في آسيا الوسطى.

ه‌.  يتيح انضمام إيران للمنظمة لها المشاركة في واحدة من أهم أفرعها وهي "هيكل مكافحة الإرهاب" الخاصة بالمنظمة، حيث سيوفر هذا الهيكل التعاون الوثيق والمساعدة لطهران في موضوعات أمنية وعسكرية تتعلق بالإرهاب، والتطرف الديني، وتهريب المخدرات والأسلحة بالإضافة إلى التهديدات السيبرانية، وسيسهم ذلك في توحيد تجاوب إيران مع دول آسيا الوسطى مع التهديدات الجديدة النابعة من أفغانستان بعد سيطرة طالبان على الحكم.

ز‌.   ستوفرعضوية إيران في المنظمة فرصة من أجل توسيع صادراتها من الأسلحة بالأخص الطائرات المسيرة إلى دول آسيا الوسطى حيث أصبحت طهران اليوم تمتلك قدرة على تصنيع وتصدير الطائرات المسيرة تعاظمت بعد افتتاح مصنع "ابابيل – 2" في طاجاكستان، حيث تسعى طهران لأن تكون منافساً حقيقياً للدول الأخرى في مجال تصدير المسيرات خاصةً تركيا التي تتوسع في تصدير مسيرات بيرقدار – 2 القتالية.

ثانيًأ: تقييم الدراسة

في إطار تقيم ما سبق، تجدر الإشارة إلى التالي:

أ‌.  يتبنى الكاتب التعريف السوفيتي لماهية آسيا الوسطى، وفقاً لهذا التعريف تتكون آسيا الوسطى حصراً من أوزبكستان، تركمانستان، طاجيكستان وقيرغيزستان وأضيف لهم أوزباكستان لاحقاً، حيث أثر هذا التعريف الضيق على تصور الكاتب لطبيعة العلاقات بين دول آسيا الوسطى وإيران وطبيعة المشاكل الناجمة من هذا السياق الجغرافي المحدد، ويمكن ملاحظة أن اختيار الكاتب لهذا التعريف على حساب تعريفات أخرى مثل تعريف منظمة اليونيسكو والذي يوسع بشكل ملحوظ من دول آسيا الوسطى جاء متسقاً مع رغبته في استثناء دول مثل باكستان وأفغانستان والهند والتي تمثل اضافتها تحدياً لنموذج تحليل الكاتب.

ب‌. تمتلك إيران علاقات أمنية وعسكرية متميزة مع كل من الصين وروسيا وعقدت مع كلا البلدين عدد من المناورات العسكرية أبرزها مناورات الحزام الأمني والتي عقدت في 2019 و2022 و2023 لذا فإن ادعاء الكاتب بأن منظمة شانغهاي ستؤدي إلى زيادة التعاون العسكري بين إيران وروسيا على نحو جديد من خلال المناورات المشتركة معهما وبقية دول آسيا الوسطى غير دقيق إذ أن هذا التعاون متواجد منذ فترة سابقة على انضمام طهران لمنظمة التعاون.

ج‌.  أخفق الكاتب في توضيح كيفية تأثير انضمام إيران إلى منظمة شانغهاي للتعاون على قدرتها على توسيع صادراتها من السلاح خاصة المسيرات في آسيا الوسطى، خاصةً في ضوء منافسة من المسيرات الصينية (طراز وينج لونج) والتركية (طراز بيرقدار).




[1]  Vali Kaleji, What Will Iran’s SCO Membership Mean for Security Arrangements in Central Asia?, The Jamestown Foundation For Global Research and Analysis, 12 July 2023, Available at: https://jamestown.org/program/what-will-irans-sco-membership-mean-for-security-arrangements-in-central-asia/

[2]أعد الدراسة "فالي كاليجي" وهو باحث متخصص في الدراسات الإقليمية ودراسات آسيا الوسطى والدراسات القوقازية، وينشر العديد من المقالات التحليلية حول القضايا الأوروبية - الآسيوية في مؤسسة جيمس تاون ومعهد آسيا الوسطى والقوقاز التابع لمجلس السياسة الخارجية الأمريكي.

 

مقدمة

نشر مركز "مجموعة الأزمات الدولية" تقريراً في 12 مايو 2023 بعنوان "الحفاظ على العلاقات مع الأنظمة الإنتقالية في باماكو وواجادوجو"[1]، وتتركز الفكرة الرئيسية للتقرير في كيفية تعامل الدول الأوروبية مع التغيرات السياسية والأمنية في دولتي مالي وبوركينافاسو اللتان واجهتا تمرداً جهادياً واضطرابات سياسية خلال الفترة الأخيرة، خاصة وأن هاتين الدولتين تواجهان حالة من عدم الاستقرار السياسي وعدم اليقين بشأن عمليات الإنتقال إلى الحكم المدني، وكل ذلك يمثل عقبات أمام تعزيز التعاون بين دول الاتحاد الأوروبي وهاتين الدولتين.

أولًا: تقييم الوضع الأمني والسياسي

قيم التقرير الوضع الأمني والسياسي في كل من بوركينا فاسو ومالي، حيث أبرز مجموعة من الاضطرابات الأمنية والسياسية على النحو التالي:-

-  تعاني دولتي مالي وبوركينافاسو من الإضطرابات السياسية والأمنية ولا تستطيع الحكومات الإنتقالية في هاتين الدولتين تحقيق الاستقرار المطلوب، ويواجهها في ذلك عدة عقبات، من أهمها تصاعد أنشطة التنظيمات الإرهابية خلال الفترة الأخيرة التي شهدت تزايد أعداد الهجمات الإرهابية ضد المدنيين في شمل ووسط مالي وأيضاً في بوركينافاسو، هذا إلى جانب التشكيك في سماح المؤسسات العسكرية بانتقال السلطة للمدنيين، بالإضافة إلى تغير التحالفات الإستراتيجية وزيادة العنف ضد المدنيين من قبل القوات الحكومية والتنظيمات الإرهابية.

-  منذ تولي المؤسستين العسكريتين الحكم في كل من مالي وبوركينافاسو، تحاول السلطات الإنتقالية هناك كسب التأييد الشعبي وذلك عبر تبني خطاب سياسي يقوم على تعظيم الدور الذي تلعبه المؤسسة العسكرية لتحقيق الاستقرار الداخلي، وتبني سياسة خارجية ترفض استمرار النفوذ الفرنسي هناك وهو ما تمثل في طرد القوات الفرنسية بصفتها قوة استعمارية يرفضها شعبي الدولتين، وفي نفس الوقت إتاحة المجال لمجموعة "فاجنر" الروسية لتصبح شريكاً أمنياً جديداً لحكومتي الدولتين.

ثانياً: التحديات الأمنية والسياسية لدولة مالي

رصد التقرير أبرز التحديات التي يمكن أن توثر على مستقبل الأوضاع السياسية والأمنية  في مالي ومن أبرزها :

-  نجح النظام الإنتقالي في مالي بعد الإنقلاب العسكري على السلطة في 2021، في توحيد المؤسسة الأمنية ونجح النظام القائم في تعزيز شعبيته على المستوى الداخلي، إلا أنه يقوم بقمع المعارضة له، وخاصة فيما يتعلق بالإنتهاكات التي ارتكبتها القوات المالية والروسية ضد المدنيين هناك.

-  تتزايد المخاوف في مالي تجاه وجود بعض المؤشرات الدالة على اتجاه السلطات الحالية للبقاء في السلطة، من خلال إقصاء الطبقة السياسية وإحكام السيطرة على المشهد السياسي في البلاد، وأيضاً فيما يتعلق بتنفيذ اتفاق السلام لعام 2015 الموقع بين الحكومة والجماعات الإنفصالية، وتداعيات ذلك على الأوضاع الأمنية غير المستقرة في شمال البلاد، في ظل استمرار تصاعد أنشطة التنظيمات الإرهابية (داعش) هناك.

- يتبنى النظام الإنتقالي الحالي في مالي سياسة خارجية تقوم على تعزيز العلاقات الإستراتيجية مع روسيا بعد طرد فرنسا، ويرى النظام القائم أن روسيا تعد شريكاً هاماً لتعزيز بقائه على رأس السلطة، وفي المقابل تتسم العلاقات المالية مع دول الجوار (كوت ديفوار – النيجر) بالتوتر وعدم الاستقرار حيث تم تعليق عضوية مالي في "إيكواس".

ثالثاً: التحديات الأمنية والسياسية لدولة بوركينا فاسو

فيما يتعلق ببوركينا فاسو، فقد أشار التقرير أيضاً إلى جملة من التحديات الأمنية والسياسية، أهمها الآتي:

-  تصاعد الإنقسامات داخل المؤسسة العسكرية بما ينذر بإمكانية وقوع إنقلابات على السلطة في أي وقت.

-  تزايد الانتقادات الداخلية والخارجية للنهج الإستبدادي الذي يتبعه "تراوري" في الحكم واتساع حملة الإعتقالات للمعارضين والنشطاء المدنيين.

- اعتماد "تراوري" على دعم هش من داخل المؤسسة العسكرية في البلاد، إلا أنها منقسمة، وهو ما قد يؤتي بنتائج عكسية، خاصة فيما يتعلق بقدرة السلطات الأمنية على مواجهة الأنشطة المتصاعدة للتنظيمات الإرهابية، حيث زادت عمليات استهداف المدنيين خلال الفترة الأخيرة بشكل كبير.

- توتر العلاقات الخارجية وخاصة عقب قطع العلاقات مع فرنسا في ديسمبر 2022، وفي المقابل تعزيز العلاقات مع كل من تركيا وروسيا.

رابعاً: مقترحات التقرير لتعزيز العلاقات الاوربية بالدولتين

طرح التقرير بعض المقترحات الخاصة بتعزيز العلاقات الأوروبية مع دولتي مالي وبوركينافاسو، ومن أهمها ما يلي:

- الحفاظ على الحوار حول العودة إلى الحكم المدني مع السلطات في كل من مالي وبوركينافاسو، مع تقليل الخلافات العامة، لا سيما بشأن خيارات الشراكات الدبلوماسية والأمنية، لأن هذه تشكل خطراً كبيراً لرد فعل عنيف ومن غير المرجح أن تغير سلوك السلطات الإنتقالية في هاتين الدولتين.

- التركيز على إبقاء القنوات العسكرية مفتوحة مع مالي، وطرح مبادرات لحماية المدنيين في بوركينا فاسو، وفي نفس الوقت مواصلة الضغط على الحكومات الإنتقالية لإستكشاف فرص التعاون، مع إجراء مع منظمات المجتمع المدني في كل من الدولتين وأيضاً مع الأحزاب السياسية المعارضة.

- تقديم الدعم لمنظمات المجتمع المدني الفاعلة في دولتين مالي وبوركينافاسو وخاصة مع النشطاء والنساء والشباب، والعمل على تطوير برامج مساعدتهم وتوفير الحماية لهم.

خاتمة:

في ضوء ما ورد بالتقرير من أفكار،  يمكن الإشارة إلى ما يلي:-

- تتشابه الأوضاع السياسية والأمنية في كل من مالي وبوركينافاسو في الوقت الحالي إلى حد كبير، وخاصة فيما يتعلق بهشاشة الأنظمة السياسية القائمة في مرحلة ما بعد الإنقلابات العسكرية على السلطة في كل من الدولتين، وما يواجههما من مخاطر أمنية متصاعدة بسبب استمرار التنظيمات الإرهابية في أنشطتها داخل هاتين الدولتين، وانتقال أثر ذلك على كافة دول منطقة الساحل والصحراء.

- من الواضح أن روسيا قد نجحت في تعزيز نفوذها ووجودها داخل مالي وبوركينافاسو، وهو ما يظهر بوضوح في أنشطة "فاغنر" العسكرية، وهو ما يخصم من النفوذ الأمريكي والأوروبي في منطقة الساحل والصحراء بصفة خاصة، وفي القارة الأفريقية بصفة عامة.

- في ضوء هذا التقرير من المرجح أن تشهد الفترة القادمة انخراطاً أكبر من قبل دول الإتحاد الأوروبي في كل من مالي وبوركينافاسو انطلاقاً من تقديم المساعدات للمدنيين، وذلك في محاولة لإستعادة بعض النفوذ المتراجع بشدة لصالح الجانب الروسي.

 

مقدمة

نشر "المجلس الأطلسي" في 4 إبريل 2023 مقال تحليلي بعنوان " التأثير الإقليمي المتزايد للصين على الدول الغربية "[1]، تناول ركائز العلاقات بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي المتمثلة في قطاع الطاقة بشكل رئيسي، مع التركيز على أهمية إمدادات الطاقة لاقتصادات الطرفين، وتم الإشارة إلي ملامح تزايد الدورين السياسي والأمني للصين في دول الخليج، وتأثير تراجع الدور الأمريكي بالمنطقة في زيادة دور الصين في المقابل، وخلص المقال إلي ضرورة التأقلم الغربي مع الدور الصيني المتزايد في دول الخليج، مع تقديم بعض التوصيات لصانعي القرار في الدول الغربية لكيفية التعامل مع ذلك الدور.

أولًا: مظاهر نمو التأثير الاقليمي الصيني

تتمثل أهم بنود تنامي العلاقات بين الطرفين في قطاع الطاقة، ودعم ذلك تزايد واردات الصين من الطاقة من 145 مليون طن في 2006 إلى 508 مليون طن في 2022، نظراً لتزايد حجم اقتصادها بنحو 550% خلال تلك الفترة، وفي هذا الإطار استوردت الصين من دول الخليج في عام 2022 نحو 210 مليون طن من موارد الطاقة، أي ضعف ما تم استيراده من تلك الدول في 2014، ويوضح الشكل التالي تطور صادرات النفط الخام الخليجي للصين خلال الفترة 2006/2022، أخذاً في الإعتبار أن 41% من اجمالي النفط الخام الذي استوردته الصين من الخارج جاء من دول الخليج.

أهمية صادرات الطاقة للصين لدول الخليج: تساهم صادرات الطاقة الخليجية للصين بجزء مهم في الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج، فعلى سبيل المثال تشكل صادرات الطاقة السعودية للصين نحو 8% من الناتج المحلي الإجمالي السعودي، ويوضح الشكل التالي تطور مساهمة صادرات الطاقة للصين في الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج خلال الفترة 2006/2022.

يؤخذ في الاعتبار أن تلك المؤشرات لا تعكس حقيقة مساهمة الصين في دعم اقتصادات دول الخليج، فعلى سبيل المثال يشكل قطاعي النفط والغاز في سلطنة عمان نحو 72% من عائدات حكومتها، وتصدر السلطنة 90% من اجمالي صادراتها من النفط للصين، وبالتالي يتواجد النفوذ الصيني بشكل ملحوظ في عمان.

تراجع اعتماد الولايات المتحدة على واردات النفط الخليجي: يرجع ذلك لزيادة الإنتاج المحلي من النفط في الولايات المتحدة، وأدى ذلك في النهاية إلى تراجع اهتمام واشنطن بالمنطقة، ويوضح الشكل التالي تراجع اعتماد الولايات المتحدة على نفط الخليج في مقابل تزايد الاعتماد الصيني عليه خلال الفترة 2006/2022.

 تستهدف الصين من ذلك الدور ضمان إمدادات النفط والغاز من المنطقة، وفي نفس الوقت تقويض النفوذ الغربي وخاصة الأمريكي في دول الخليج، وفي هذا الإطار يتزايد الدور السياسي والاقتصادي لبكين في المنطقة خاصة بعد إطلاق الرئيس الصيني مبادرة الأمن العالمي (في فبراير 2023)، وكان من أبرز تحركات بكين في هذا الصدد الوساطة لتقليص التوتر بين إيران والسعودية، فضلاً عن انضمام السعودية إلى منظمة شنغهاي للتعاون بصفة "شريك حوار"، في دلالة على تزايد علاقات التعاون الأمني بين دول الخليج والصين، لاسيما بعد بيع بكين طائرات "درون" عسكرية للسعودية والامارات، وصدور تقارير في عام 2021 أشارت إلى سعي الصين لبناء قاعدة عسكرية سرية في ميناء خليفة بالامارات، وهو ما تم تجميده بعد جهود دبلوماسية من إدارة "جو بايدن".

ثانياً: توصيات لصانعي السياسات في الدول الغربية:

 يجب على الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها التكيف بشكل عملي مع النفوذ الإقليمي المتزايد للصين، وذلك من خلال التالي:

  • إدراك أن الصين حقيقة واقعة بالنسبة للمنطقة. ستبقى الصين، أكبر مستورد للنفط والغاز في العالم، عالقة مع دول مجلس التعاون الخليجي، وغالباً ما ستكون المصالح الغربية ومصالح الصين في المنطقة في حالة شد وجذب، لكن كلا الجانبين لهما مصلحة في الحفاظ على تدفقات مستقرة للطاقة، ويجب على الغرب إدارة موارده الإقليمية المحدودة بعناية، ومعارضة المبادرات الصينية عند الضرورة مع تجنب النزاعات غير الضرورية.
  • الحفاظ على وحدة الهدف الغربي في المنطقة. تواجه الديمقراطيات الدستورية الغربية تحديات هائلة ومعقدة ولكنها تشكل بسهولة أقوى كتلة سياسية واقتصادية وعسكرية في العالم، في حين أن لكل اقتصاد غربي مصالح غير متجانسة في الشرق الأوسط، يجب أن تتحدث هذه الديمقراطيات بصوت واحد كلما أمكن ذلك، لاسيما في القضايا ذات الأولوية.
  •  الاستفادة من سقطات الصين. أثار فشل سياسة "صفر كورونا" وعدم القدرة على نشر لقاحات فعالة تساؤلات حول قدرتها على تنفيذ أجندة سياستها الخارجية الطموحة بكفاءة، علاوة على ذلك، إذا توقف نمو الاقتصاد الصيني، فإن رواية "الصعود الحتمي" لبكين يمكن أن يُعاد النظر فيه، مما يؤدي بمجلس التعاون الخليجي إلى إعادة تقييم فائدة تعميق العلاقات مع الصين.
  •  تقديم بدائل للخليج خاصة في مجال التكنولوجيا. تنشط علاقات الصين بدول مجلس التعاون الخليجي خاصة في قطاع الاتصالات، مما يزيد من خطر أن تغلف بكين دول مجلس التعاون الخليجي بغطاء مراقبة، وبالتالي يجب على الغرب ضمان تزويد دول الخليج ببدائل تكنولوجية موثوقة، ليس فقط في الجيل الخامس 5G، ولكن أيضاً في مجالات الطاقة المتجددة وغير ذلك، كما أنه يجب على الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة ، التفكير في إجراء مفاوضات بشأن اتفاقيات التجارة الحرة مع دول مجلس التعاون الخليجي، والتي ستكون بمثابة نموذج جيد لمساعدة دول الخليج في بناء القدرات الناجحة لتعزيز مصالحها على التفاوض لاحقًا مع دول أخرى منها الصين.
  • توسيع التعاون بشكل خلاق مع الشركاء الإقليميين الرئيسيين. وذلك من خلال تشجيع التحول من الفحم إلى الغاز في جنوب وجنوب شرق آسيا، وتحفيز الاستثمار في سلاسل التوريد الغربية، وتوسيع التعاون في مجال التعليم والتدريب.
  • إجراء حوار مع دول الخليج والاستماع إلى مخاوفها بعناية. تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بمصالح وأولويات اقتصادية وأمنية فريدة، ويشتكي الفاعلون الإقليميون من تجاهل الاتفاق النووي الإيراني لمصالحهم، مما قلص ثقتهم في الولايات المتحدة كشريك موثوق، وأعطى دول الخليج الانطباع بأن مصالحها لم تُؤخذ في الاعتبار، وفي ذات السياق لا يزال الشعور المستمر بالتهميش أو التجاهل مصدر قلق كبير للعديد من دول الخليج، فيجب على الغرب الاستماع بعناية إلى مخاوف دول مجلس التعاون الخليجي والتشاور معها بشأن عمليات صنع القرارات المتعلقة بأمن المنطقة.

خاتمة:

في إطار ما ورد بالمقال من نقاط ورؤى، تجدر الإشارة إلى التالي:

‌أ.  يطرح التقرير إشكالية استمرار عدم قدرة الغرب على احتواء تنامي النفوذ الصيني في الدول الخليجية، وبالرغم من أن هناك تراجع في زيادة الدور الغربي في المنطقة، إلا أن الأزمة الروسية/ الأوكرانية طرحت الجدل بشأن ضرورة العودة مرة أخرى وبشكل كبير، لاسيما وأن إمدادات الطاقة من دول المنطقة لها دور مهم في استقرار الاقتصادات الغربية، وليس من المتوقع أن يتراجع دور دول الخليج بذات الشأن في ضوء تحركاتها المكثفة لتصبح موّرد عالمي للطاقة المتجددة خلال السنوات المقبلة، ودلل على ذلك تسارع السعودية والامارات خلال الفترة الماضية ونجاحهم في تصدير امونيا زرقاء وامونيا منخفضة الكربون إلي عدة دول (المانيا، اليابان، كوريا الجنوبية).

‌ب.  من المتوقع أن يركز الغرب خلال السنوات المقبلة على تطوير ودعم قطاع الاتصالات في دول المنطقة الخليجية، تحسباً من أن يسفر الاعتماد على التكنولوجيا الصينية في ذلك المجال عن التجسس ورصد اتصالات تلك الدول خاصة مع دول الغرب، أخذاً في الاعتبار أنه بالفعل حظرت دول الغرب التكنولوجيا الصينية على أراضيها، وبالتالي لا يستبعد أن تتخذ الدول الغربية كافة السبل الممكنة، لوقف عمل شبكات الاتصال  5Gالصينية في العديد من دول الخليج، خاصة وأنه هناك مصالح غربية خليجية مستقبلية، على رأسها دعم الدول الغربية لقطاع الطاقة المتجددة  في دول الخليج، وفي نفس الوقت استيراد الفائض من ذلك النوع من الطاقة، كذا تعظيم الاستفادة من احتياطات المعادن اللازمة لاستخدامات الطاقة المتجددة التي تمتلكها دول الخليج.

 

 

 

مقدمة:

نشر "المعهد الملكي للخدمات المتحدة" البريطاني في 12 يناير 2023 مقال تحليلي بعنوان "الشرق الأوسط في عام 2023: خمسة مجالات يجب التركيز عليها في المملكة المتحدة وأوروبا"[1]، تناول فيه ملامح علاقة الشرق الأوسط بالدول الأوروبية في الوقت الراهن، وأبرز الملفات التي على دول أوروبا التركيز عليها، وكيفية زيادة الدور الأوروبي بتلك الملفات وتوظيفها لضمان عدم تأثر مصالحها المباشرة في الشرق الأوسط. 

أولاً: ماذا تضمن المقال

تضمن المقال عدداً من الأفكار الرئيسية، أبرزها ما يلي:

- إعادة النظر في تراجع الاهتمام بالشرق الأوسط: تراجعت مكانة الشرق الأوسط في قائمة أولويات المملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، لأن صانعو السياسة في لندن وبرلين وباريس ودول أخرى انصب تركيزهم على حرب روسيا ضد أوكرانيا، بينما كانوا يحاولون الحفاظ على تركيز طويل الأمد على الصين والمحيط الهندي والمحيط الهادئ، بينما لجأوا إلى منتجي النفط والغاز في الشرق الأوسط للتخفيف من أزمة الطاقة في أوروبا ، لكنهم لم يضطروا للتعامل مع أي من الأزمات الكبرى في المنطقة ، مما يطرح أهمية تفكير الحكومات الأوروبية بجدية مرة أخرى في كيفية التعامل مع الجوار الجنوبي للقارة.

-  تطورات الشرق الأوسط في عام 2022: ركزت الممالك الخليجية على الأمور الاقتصادية بدلاً من الخلافات السياسية، مستفيدة من ارتفاع أسعار النفط والغاز، كما ساد جو تصالحي بين تركيا والعديد من القوى الإقليمية الأخرى، بما في ذلك السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، حتى التوترات بين إيران والأنظمة الملكية الخليجية بدت وكأنها تنحسر، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الجهود الواعية لتحقيق درجة من الانفراج من جميع الأطراف، ولكن أيضًا لأن طهران كانت مشغولة بشكل متزايد بالاحتجاجات في الداخل، وفي المقابل لم يتم تسوية أي من النزاعات الكبرى في المنطقة التي تؤدي لعدم استقرارها.

- أهمية الشرق الأوسط بالنسبة لأوروبا: في حين أن الولايات المتحدة قد تكون قادرة على تقليص مرتبة الشرق الأوسط في قائمة أولوياتها لأنها تركز على مواجهة روسيا والتنافس مع الصين، فإن أوروبا لا تتمتع بهذا الرفاهية، نظرًا لكونها الجوار الجنوبي لأوروبا، فإن الصراع وعدم الاستقرار في المنطقة سيؤثران دائماً على مصالح الدول الأوروبية على الفور.

- خمس ملفات مهمة بالشرق الأوسط في عام 2023: هناك ما لا يقل عن خمس مجموعات من القضايا التي ينبغي أن تعطي صانعي السياسة في لندن وعواصم أوروبية أخرى سببًا للتركيز على الشرق الأوسط، وهي على النحو التالي:

 1) تصاعد الاهتمام بدور الطاقة في السياسة: أن استيراد وتصدير النفط ليست عملية تجارية فحسب، بل يجب أن تُفهم على أنها تعهدات استراتيجية بطبيعتها ولا يمكن فصلها عن الاعتبارات السياسية والأمنية، وفي هذا السياق يُشار إلى التالي:

  • ان اعتماد أوروبا على نفط وغاز الدول الخليجية أمر معقد على غرار الاعتماد الأوروبي على مصادر الطاقة الروسية، نظراً لأن دول الخليج تنظر للدول الآسيوية بأنهم عملاء أهم من نظرائهم الأوروبيين، كما أن التحركات الأمريكية/ الأوروبية للضغط على روسيا سيؤثر على سعر الطاقة الأحفورية في العالم، وهو ما سيضر نفوذ وإيرادات الدول الخليجية.
  •  ترتبط إمدادات الطاقة من دول شمال افريقيا بالعديد من التعقيدات، مثل تقويض صادرات ليبيا النفطية بسبب حالة عدم الاستقرار.
  • صعوبة تعظيم الاستفادة من موارد منطقة شرق بحر المتوسط بسبب حالة التوتر بين دول المنطقة، خاصة النزاع بين تركيا وقبرص واليونان، كذا النزاع الإسرائيلي / اللبناني.

 2)  الملف الإيراني: في بداية عام 2023 يجب على المملكة المتحدة وشركائها الأوروبيين مواجهة مجموعة من الأسئلة الصعبة للغاية فيما يتعلق بإيران:  

  •  هل يمكن احتواء البرنامج النووي الإيراني في ظل عدم وجود اتفاقية دولية قابلة للتنفيذ والاستمرار؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فكيف سينعكس ذلك على الأمن والاستقرار بشكل عام في المنطقة؟
  •  ما الذي يمكن فعله لمواجهة العلاقات الإيرانية الروسية المزدهرة؟ وذلك في ضوء استمرار نقل تكنولوجيا الطائرات بدون طيار والصواريخ الإيرانية إلى الدول المعادية والجهات الفاعلة غير الحكومية في الشرق الأوسط وخارجه؟
  •  ما هي أفضل طريقة للرد على حملة القمع المستمرة التي يشنها النظام الإيراني على الاحتجاجات التي تتضارب مع نوع المثل والقيم التي يدعي الغرب أنها حيوية؟

 3)  حكومة إسرائيل اليمينية المتشددة: يُثار التخوف من أن يتجدد العنف بين إسرائيل والفلسطينيين في 2023، وذلك في ضوء ممارسات الحكومة الإسرائيلية الجديدة، والتي بدأت ولايتها بإثارة أزمة نتيجة زيارة وزير الأمن القومي الإسرائيلي "إيتمار بن غفير" إلى باحة المسجد الأقصى، مع التذكرة بان الانتفاضة الثانية بدأت بعدما قام "ارييل شارون" المرشح لرئاسة الوزراء آنذاك، بزيارة مماثلة، وفي هذا السياق لا يمكن استبعاد المزيد من التصعيد في الأشهر المقبلة في كل من الضفة الغربية وغزة ، خاصة إذا تابع بن غفير وأعضاء آخرون في حكومة نتنياهو نهجهم المتشدد المناهض للعرب، ويُوضع في الاعتبار أن حلفاء نتانياهو في الداخل الإسرائيلي وممارساتهم قد تقوّض ابرام اتفاقات سلام مع دول عربية جديدة على غرار اتفاقات "ابراهام".

 4)  الانتخابات التركية: سيواجه الرئيس التركي وحزب العدالة والتنمية أكبر تحدي منذ تولي السلطة الحكم منذ عقدين، وذلك بإجراء انتخابات في وقت تشهد تركيا تراجع اقتصادي، أخذاً في الاعتبار ان الاقتصاد كان أحدى الأسباب الرئيسية التي زادت من شعبية اردوغان وحزبه، وفي السنوات الأخيرة لجأت حكومة أردوغان إلى سلوك استبدادي أكثر من أي وقت مضى لتعزيز السيطرة، وفي هذا الإطار يُعتقد قلة من المراقبين أن أردوغان سيتقاعد بهدوء إذا خسر الانتخابات، وهناك بالفعل الكثير من الدلائل على أنه قد يكون مستعداً للتضحية بما تبقى من ديمقراطية تركيا للبقاء في قصره الرئاسي.

 5)  استمرار الصراعات طويلة الأمد: لا يمكن للحكومات الأوروبية أن تتجاهل الصراعات الثلاثة طويلة الأمد في المنطقة (سوريا- ليبيا- اليمن)، والتي كان ربما عام 2022 عامًا هادئًا نسبيًا في تلك الملفات، على الأقل من حيث مدى تأثيرها المباشر على المصالح الأوروبية، لكن لا توجد ضمانات على أنها ستبقى على هذا النحو في عام 2023، نتيجة تزايد موجات الهجرة غير الشرعية للدول الأوروبية، وانتشار الإرهاب، إضافة إلي ذلك هناك ملفات اخرى مرشحة للانفجار، مثل الانهيار الاقتصادي المحتمل في لبنان، وتزايد الازمات السياسية والاقتصادية في العراق، وتراجع الديمقراطية بشكل ملحوظ في تونس.

توصيات لصانعي القرار الأوروبيين: يجب أن يفكر صانعو السياسة الأوروبية في مجموعات القضايا الموضحة في هذه المقال -على الأقل- من أجل الاستعداد في حالة اندلاع أزمة كبيرة في وقت ما خلال العام الجاري، لأن الديناميكيات التي يمكن أن تؤدي إلى اندلاع أعمال عنف كبيرة، أو إطلاق كارثة إنسانية على أعتاب أوروبا، أو تعميق مخاوف أمن الطاقة في القارة، باتت واضحة بما فيه الكفاية بالفعل، وبالتالي قد يؤدي التعامل معها بطريقة استباقية إلى تسهيل التعامل الأوروبي مع الأحداث غير المتوقعة في المنطقة، وفي هذا السياق يقترح على الحكومات الأوروبية القيام  بالتالي:

1) دعم صفقات الطاقة -سواء التي أبرمها السياسيون أو الشركات الخاصة- بنهج استراتيجي للمنطقة يدمج الأنشطة التجارية مع الدبلوماسية والمشاركة الفعالة في مجال الدفاع والأمن.

2) تطوير نهج جديد للتعامل مع إيران، وذلك من خلال إلغاء السياسة القديمة التي تقضي بأن يتم حل الملف النووي أولاً ومن بعدها يتم إعادة العلاقات في المقام الثاني.

3) الاستعداد لاحتمال أن يتحول أردوغان إلى اتخاذ مواقف خارجية بها مغامرة لتعزيز مكانته في الداخل، ولعل أبرز الملفات التي قد تشهد ذلك شمال سوريا، وشرق البحر الأبيض المتوسط، وليبيا، مما يؤرق واضعي السياسات في لندن وأوروبا، وفي ذات السياق قد يوظف أردوغان ملف عضوية السويد وفنلندا في الناتو لنفس الهدف.

ثانياً: قراءة لما ورد بالمقال

في إطار تناول ما ورد بالمقال، يمكن ملاحظة وجود ميل اوروبي اكبر لدعم جهودة الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط،  فمن الواضح ان أوروبا تعلمت من درس عدم الاستقرار في المناطق التي تعتمد على استيراد الطاقة منها، لأنه يضر أمن طاقتها، وبالتالي يلفت المقال إلي أهمية إعطاء الدول الأوروبية أولوية لدعم استقرار منطقة الشرق الأوسط، وبما يضمن تدفقات النفط والغاز التي باتت تعتمد عليها بشكل كبير بدون عقبات، وتجنب تكرار نموذج الحرب الروسية/ الأوكرانية، مما يلفت إلى احتمالية تزايد الدور الأوروبي بشكل مستقل بدون الولايات المتحدة في بعض ملفات المنطقة، وهو ما قد يمثل في نفس الوقت ضغط على تواجد روسيا وتركيا وإيران في بعض تلك الملفات.

 

مقدمة

نشر البنك الدولي تقرير " الآفاق الاقتصادية العالمية"[1] في ۷ يونيو ۲۰۲۲، الذي يقيم الظروف الاقتصادية العالمية الحالية في ظل تأثيرات الجائحة والغزو الروسي لأوكرانيا، مع التركيز بشكل خاص على كيفية تأثير التضخم المصحوب بالركود على الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية.

يناقش التقرير الأوضاع الاقتصادية العالمية ويعيد تقييم بعض توقعاته للنمو العالمي، فقد ركز التقرير على خمس نقاط أساسية، السياق العالمي للأزمة، التطورات الأخيرة والتوقعات الخاصة بالاقتصادات الرئيسية، التطورات والتوقعات الخاصة بالأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، التوقعات والمخاطر العالمية، وتحديات السياسة. ثم ينتقل لتقييم انعكاسات الأزمة على المناطق المختلفة، ومنها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

السياق العالمي للأزمة

يؤدي غزو روسيا لأوكرانيا إلى تفاقم التباطؤ الاقتصادي العالمي بسبب تفاقم الضغوط في سلاسل التوريد العالمية، وارتفاع أسعار العديد من السلع، الذي ساهم ذلك في زيادة التضخم وتشديد الأوضاع المالية العالمية.

‌أ.  بالنسبة الى التجارة العالمية، خفض البنك الدولي توقعاته لنمو التجارة العالمية لعام ۲۰۲۲ من ٥،٨% في توقعاته السابقة في يناير الى ٤% في توقعاته في يونيو، بسبب استمرار تأثر سلاسل التوريد بالوباء، بالإضافة إلى ذلك، أدى الغزو الروسي لأوكرانيا وتداعياته إلى اضطرابات شديدة أدت إلى تضخيم الاختناقات الموجودة مسبقًا.

‌ب. بالنسبة الى أسواق السلع الأساسية، ارتفعت أسعار السلع الأساسية في النصف الأول من عام ۲۰۲۲، مما يعكس جزئيًا آثار الغزو الروسي لأوكرانيا، وفي أعقاب الارتفاع الواسع النطاق الذي بدأ في منتصف عام ۲۰۲۰. من المتوقع أن ترتفع أسعار الطاقة بنسبة ٥۲% في عام ۲۰۲۲، وأن ترتفع أسعار المنتجات الزراعية بنسبة ١٨% وأسعار الأسمدة بنسبة ۷۰% تقريبًا في عام ۲۰۲۲، كما سترتفع أسعار المعادن نسبة ١۲% في عام ۲۰۲۲، ومن المتوقع أن تنخفض أسعار هذه المنتجات في عام ۲۰۲۳ مع ارتفاع الإنتاج في أماكن أخرى، ولكنها ستبقى أعلى من التوقعات السابقة.

‌ج. ارتفع المتوسط ​​العالمي للتضخم العام في مؤشر أسعار المستهلكين إلى ۷،٨% على أساس سنوي في أبريل ۲۰۲۲، وبلغ معدل التضخم الإجمالي في الأسواق الناشئة والبلدان النامية أكثر من ٩،٤%، وهو أعلى مستوى منذ عام ۲۰۰٨. ومن المتوقع أن يظل تضخم أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية في خانة العشرات هذا العام في معظم الأسواق الناشئة والبلدان النامية.

‌د.  أدى ارتفاع التضخم إلى توقعات بتشديد السياسة النقدية بشكل أسرع في جميع أنحاء العالم، كما أدى الغزو إلى ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي مقابل عملات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية، والذي تسبب في زيادة تكلفة خدمة الخصوم المقومة بالدولار على مستوى العالم.

الاقتصادات الرئيسية

حيث تباطأ النمو في الاقتصادات المتقدمة خلال النصف الأول من عام ۲۰۲۲، بسبب الحرب في أوكرانيا، وعودة انتشار كورونا في مطلع العام، واستمرار اضطرابات سلسلة التوريد، وانخفاض الدعم المالي، وتشديد الأوضاع المالية.

الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية

تعمل تداعيات الحرب على تضخيم العوائق الموجودة مسبقًا من الاضطرابات المستمرة لفيروس كورونا، والاختناقات المستمرة في سلسلة التوريد، والانسحاب المستمر لدعم سياسة الاقتصاد الكلي، مما أدى الى خفض توقعات نمو الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية من ٤،٦% الى ۳،٤% في عام ۲۰۲۲.

التوقعات والمخاطر العالمية

خفض البنك الدولي توقعاته للنمو العالمي في عام ۲۰۲۲ من ٤،١% في توقعاته السابقة الى ۲،٩% نتيجة الركود العميق في روسيا وأوكرانيا والتداعيات العالمية السلبية للحرب، كما خفض توقعاته لعام ۲۰۲۳ من ۳،۲% الى ۳% حيث من المتوقع استمرار العديد من الآثار منها ارتفاع أسعار السلع الأساسية والتشديد النقدي.

تحديات السياسة

اهتم التقرير بعرض تحديات السياسة ووضع بعض التوصيات التي يجب اتباعها لتعدي الأزمة، مثل:

‌أ.  تجنُب السياسات الحمائية التي يمكن أن تزيد من تضخم ارتفاع الأسعار وتقلبها.

‌ب.  تنسيق جهود عالمية لتخفيف عبء الديون لمساعدة بلدان الأسواق الناشئة والبلدان النامية.

‌ج.  يتعين على بلدان الأسواق الناشئة والبلدان النامية أن توازن بعناية بين الحاجة إلى ضمان الاستدامة المالية والحاجة إلى تخفيف الآثار السلبية للحرب.

‌د.  الإغاثة المالية الموجهة لحماية الأسر الضعيفة من ارتفاع أسعار السلع الأساسية.

‌ه.  تجنب فرض قيود سعرية على المنتجات لمحاربة التضخم، بل يجب تحسين شبكات الأمان الاجتماعي، وتنويع مصادر الغذاء، وتعزيز الكفاءة في إنتاج الأغذية وتجارتها.

‌و. تعزيز مرونة سلاسل القيمة العالمية، وخفض تكلفة التجارة، وتسهيل تدفق رأس المال.

‌ز. الاستثمار في التعليم بشكل أكبر.

منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

‌أ. التأثير على المنطقة متباين بشكل ملحوظ. من ناحية، يستفيد مصدرو النفط من ارتفاع أسعار الطاقة التي يقابلها جزئيًا ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتكاليف الاقتراض، حتى بالنسبة لكبار مستوردي القمح، فارتفع انتاج دول الخليج من النفط بنسبة ۲۰% عن مستويات انتاجها قبل الجائحة، بينما رفعت باقي الدول المصدرة للنفط انتاجها بحوالي ٦% عن العام الماضي. 

‌ب.  ومن ناحية أخرى، يواجه مستوردو النفط مزيدًا من العوائق للنمو، فواجهت مصر تراجع في معدلات النمو بداية ۲۰۲۲ بعد طفرة في النصف الأول من السنة المالية. بينما تراجع النمو في المغرب بسبب تراجع الانتاج الزراعي نتيجة الجفاف، كما واجهت تونس عوائق كثيرة أمام النمو منها البطالة، و ارتفاع حالة عدم اليقين بشأن السياسات ، وضعف تنفيذ الإصلاح.

‌ج.   ارتفع معدلات التضخم في المنطقة لتتخطى متوسط ​​التضخم في العقد السابق للوباء في معظم الاقتصادات. بين مستوردي النفط، بلغ متوسط ​​تضخم أسعار المستهلكين ۷،۷% في أبريل ۲۰۲۲، ولكن مع تباين كبير بين الدول. تعتمد مصر على واردات الغذاء بشكل كبير، فمع انخفاض قيمة الجنيه ارتفع معدل التضخم السنوي لمعدل أعلى من ١۰%. بين مصدري النفط، بلغ متوسط ​​التضخم الاستهلاكي ٤،۷%، أي أكثر من ضعف متوسطه على المدى الطويل.

‌د.  أدت الحرب أيضا الى ارتفاع أسعار المواد الغذائية ونقصها حيث بلغ متوسط ​​واردات الحبوب، بما فيها القمح، من روسيا وأوكرانيا ٤۰% من واردات المنطقة من الحبوب خلال الفترة من ۲۰١۷ الى ۲۰١٩، تأثرت مصر، لبنان، وتونس بشكل أساسي.

‌ه.  رفع البنك الدولي توقعاته للنمو في المنطقة من ٤،٤% في توقعاته السابقة الى ٥،٩% في التوقعات الحالية، يرجع ذلك بشكل أساسي الى بارتفاع عائدات النفط، ومدعوماً بالإصلاحات الهيكلية في بعض الاقتصادات منها مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وتراجع عام في الآثار السلبية للوباء. ومن المتوقع أن تنخفض الفجوة بين انتاج المنطقة الحالي مقارنة بقبل الجائحة بنسبة ٥۰% في ۲۰۲۳، ويتراجع النمو خلال ۲۰۲٤ الى ۳،۲%.

‌و. بالنسبة للبلاد المصدرة للنفط من المتوقع أن يصل معدل النمو الى ٥،٦% في ۲۰۲۲ و أن يتراجع في ۲۰۲۳ دون متوسط فترة ۲۰۰۰-۲۰١٩، على مستوى الدول:

  • بالنسبة للمملكة السعودية، متوقع أن يصل النمو الى ۷% في ۲۰۲۲ بسبب زيادة انتاج النفط وانتعاش القطاع غير النفطي، ويتراجع النمو الى ۳،٨% في ۲۰۲۳.
  •  تستفيد الامارات من ارتفاع أسعار النفط في الأجل القصير، بينما على المدى المتوسط يدعم إصلاحات تعميق أسواق رأس المال، وزيادة مرونة سوق العمل، والابتكار التكنولوجي النمو.
  •   من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الايراني بنسبة ۳،۷% في ۲۰۲۲، و لكن من المتوقع أن يتباطأ النمو بعد ذلك بسبب المشاكل الهيكلية في الاقتصاد.
  •   اليمن متوقع أن تشهد معدلات نمو ايجابية لأول مرة بعد سنتين من الانكماش مستفيدة من زيادة تدفقات التحويلات الى الداخل.

‌ز.  أما بالنسبة للدول المستوردة للنفط، من المتوقع أن ينخفض معدل النمو من ٤،٦% حسب التوقعات السابقة الى ٤،١% في ۲۰۲۲، ومن النتوقع أن يصل الى ٤،٤% في ۲۰۲۳. على مستوى الدول:

  •  تم رفع معدلات النمو لمصر من ٥،٥% الى ٦،١% نتيجة الأداء القوي للاقتصاد خلال النصف الأول من العام المالي۲۰۲١/۲۰۲۲. و لكن تم خفض توقعات النمو للعام المالي۲۰۲۲/۲۰۲۳ من ٥،٥% حسب التوقعات السابقة الى ٤،٨%، حيث يؤدي ارتفاع تضخم الغذاء والطاقة إلى إبطاء نمو الدخل وزيادة تكاليف المدخلات بشكل أساسي. سيظل النمو في مصر مدعومًا من قبل قطاع استخراج الغاز حيث يستفيد من ارتفاع الأسعار، والتحويلات من دول مجلس التعاون الخليجي، ومن خلال الإصلاح المستمر.
  •  بسبب تداعيات الصراع في إثيوبيا، تم خفض توقعات النمو في جيبوتي من ٤،۳% الى %۳،۳ لسنة ۲۰۲۲.
  •    في المغرب ، من المتوقع أن يتباطأ النمو بشكل كبير إلى ١،١% في عام ۲۰۲۲، حيث يفوق استمرار ظروف الجفاف وتأثير الحرب في أوكرانيا الانتعاش المتوقع لقطاع الخدمات.

‌ح.  بالنسبة للدعم المالي، لدى مصدري النفط مساحة توفير الإغاثة للأسر التي تعاني من ارتفاع معدلات التضخم من خلال تحسين شبكات الأمان الاجتماعي وتوفير تدابير الدعم المؤقتة المستهدفة. بينما يحتاج مستوردو النفط الذين يواجهون ضغوطاً مالية متزايدة إلى تسريع الضبط المالي حيث يسهم دعم الغذاء والوقود في تدهور الموازين المالية. كما من المتوقع أن تواصل سلطات السياسة النقدية دورة التشديد وأن ترفع أسعار الفائدة.

‌ط.  تواجه المنطقة بعض المخاطر التي من شأنها أن تشدد تأثير الأزمة، منها:

  •  زيادة أسعار الطاقة تؤثر بشكل متفاوت على المنطقة، فبالنسبة لمستوردي النفط، يمكن أن تؤدي الزيادات الإضافية في أسعار النفط إلى زيادة التضخم وخفض النمو وزيادة الفقر والحد من الإنفاق الاجتماعي من قبل الحكومات وزيادة عجز الحساب الجاري. أما بالنسبة لمصدري النفط، قد يؤدي استمرار ارتفاع أسعار النفط إلى تحسين أرصدة المالية العامة والحساب الجاري وتحفيز زيادة الإنتاج.
  •   زيادة أسعار السلع الغذائية من شأنها التأثير على الأمن الغذائي، مما قد يؤدي الى اضطرابات اجتماعية وسياسية.
  •  بالنسبة للدعم، يضع دعم الطاقة والغذاء ضغط على الحكومة والذي من شأنه رفع العجز وزيادة معدلات الفقر.
  • مع التشديد المالي العالمي لمواجهة التضخم، تواجه الدول تحديات كثيرة أمام الاستدانة وارتفاع تكلفة الدين والذي يزيد الضغوطات خاصة أمام الدول ذات نسب ديون حكومية مرتفعة، مثل مصر.
  •  تجدد تفشي جائحة كورونا قد يستلزم وضع قيود على الحركة خاصة مع انخفاض معدلات التطعيم في معظم دول المنطقة.    

الخاتمة

الوضع الحالي نتاج تراكم الأزمات بداية بجائحة كورونا التي لم يتعافى الاقتصاد منها حتى واجه الغزو الروسي لأوكرانيا. الأزمة الحالية لها جوانب عديدة ومتشعبة، وستمتد آثارها لفترة ليست بقصيرة وعلى مدى واسع تشعر به كل الدول، لذلك يستلزم خطوات وطنية ودولية وتعاون متعدد الأطراف حتى تتمكن الدول تخطي الأزمة بأقل خسائر على المدة الطويل.   

 


[1]Global Economic Prospects”, World Bank, 7 June 2022. Available https://www.worldbank.org/en/publication/global-economic-prospects

 

نشرت مجموعة "مجموعة الاستجابة للأزمات العالمية بشأن الغذاء والطاقة والتمويل" تقرير في 8 يونيو 2022 حول التأثير العالمي للحرب في أوكرانيا على الغذاء والطاقة والتمويل، وحمل عنوان "مليارات الأشخاص يعاون من أكبر أزمة تكلفة معيشية منذ جيل"[1]، وقد تم إنشاء المجموعة في مارس الماضي لمساعدة الأمانة العامة للأمم المتحدة لتنسيق الاستجابة العالمية لتأثيرات الحرب في أوكرانيا على الغذاء والطاقة ونظم التمويل العالمية.

أولاً: مضمون التقرير: تناول التقرير خمسة افكار رئيسية هي كالتالي:

1-   طبيعة الأزمة المعيشية عالمياً:

أشار التقرير إلي أن  التقييم الحقيقي هو أنها عبارة عن حلقة مفرغة من ارتفاع التكاليف والأسعار، تضعف الدخل الحقيقي والقدرة الشرائية للأفراد، وسيكون هناك تخوفاً من ترجمة أزمة تكلفة المعيشة إلى عدم استقرار اجتماعي وسياسي، ومن أبرز مؤشرات الأزمة ما يلي:

  •  ارتفاع مؤشر أسعار الغذاء بنسبة 20.8% مقارنة بالعام الماضي.
  • حدوث تقلبات في أسعار الطاقة، وتوقع ارتفاع أسعارها على المدى الطويل في حالة استمرار الحرب، وأن تبلغ الزيادات نحو 50% في عام 2022 مقارنة بعام 2021.
  • ارتفاع أسعار الأسمدة الى ضعف متوسط الأسعار خلال الفترة 2000 – 2020.
  •  ارتفاع تكلفة النقل البحري إلى ثلاثة أضعاف بالمقارنة مع التكلفة قبل جائحة كورونا، ويرجع ذلك الارتفاع إلى آثار الجائحة، والتأثير السلبي على البنية التحتية للنقل البحري، خاصة في أوكرانيا بشبب ظروف الحرب، وارتفاع أسعار الوقود. 
  •  انخفاض قيمة العملة في الدول النامية، وبالتالي انخفاض قدرتها على الاقتراض بسبب ارتفاع الفائدة وتراجع ثقة المستثمرين، فبعد أول 100 يوم من الحرب، انخفضت عملات 142 دولة نامية بنسبة 2.8% كمتوسط، وذلك بالمقارنة بالدولار الأمريكي، كما ارتفع عائد السندات بنسبة 77 نقطة أساس.

2-    تراجع قدرة الأفراد والدول على التكيف مع أزمة المعيشة:

 يأتي هذا التراجع  في ظل تأثيرات جائحة كورونا والتغيرات المناخية، وأشار التقرير في هذا الإطار لما يلي:

  •  ارتفاع معدلات الفقر المدقع بنحو 77 مليون فرد عن معدلات عام 2019، وأن 3 من أصل 5 عمال في الدول النامية لديهم دخل حقيقي أقل من المعدل قبل الجائحة، كما أن هناك 58 مليون فرد في إفريقيا يواجهون خطر الوقوع تحت خط الفقر، بالإضافة إلى مواجهة الكثيرين في إفريقيا وآسيا أزمة فقر الطاقة.
  • انخفاض توقعات النمو الاقتصادي العالمي بواقع 1% لسنة 2022، أي أنه قد تراجع من 3.6% إلى 2.6%.
  •  أن حوالي 60% من البلدان الأكثر فقراً إما أنها تواجه أزمة ديون، أو أنها بصدد مواجهتها، وقد ارتفعت نسب الدين للناتج القومي في الدول النامية من 55.7% في عام 2019 إلى 65.1% في عام 2021، ومن المتوقع احتياج هذه الدول إلى 311 مليار دولار لخدمة الدين الخارجي في عام 2022.
  •  تعاني الدول النامية من فجوة في تمويل سياسات الحماية الاجتماعية بنحو 1.2 تريليون دولار سنوياً، كما يعاني العالم من فجوة بنحو 4.3 تريليون دولار سنوياً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ويتكلف الاقتصاد العالمي 520 مليار دولار سنوياً بسبب الكوارث المناخية، وتتحمل الدول النامية معظم هذه التكلفة.

3-  تأثير الحرب الأوكرانية على الفقر والدخل والحصول على الطاقة: وقد تمثلت أبرز أوجه التأثير فيما يلي:

  • انخفاض الدخل الحقيقي للأسر بمتوسط 1.5% من بداية الحرب، آخذاً في الاعتبار الزيادة في أسعار القمح والذرة فقط دون باقي المنتجات، وقد بلغ معدل الانخفاض في مصر 3.54%.
  •  تحمل الفئات الأشد فقراً آثار زيادة الأسعار، حيث أن الغذاء وحده يتكلف 50% من دخلهم في الدول النامية، بالإضافة إلى ذلك، تواجه الطبقات القريبة من خط الفقر خطر أن تصبح تحت هذا الخط نتيجة الأزمة.
  •  توقع أن يصبح 95 مليون شخص في فقر مدقع في عام 2022، حيث يقع 10 مليون شخص تحت خط الفقر المدقع مع كل 1% زيادة في أسعار الغذاء.
  • ارتفاع عدد الأفراد الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد، من 135 مليون قبل الجائحة الى 276 مليون في بداية عام 2022، ومن المتوقع ارتفاعه إلى 323 مليون فرد في نهاية عام 2022.
  • أن ‌تعامل الأفراد مع الأزمة على أساس يومي إنما يعني تحويل ما يمكن أن يكون أزمة قصيرة الأمد إلى أزمة طويلة الأمد مع عواقب كبيرة على معدلات الفقر وتوزيع الدخل والتنمية، حيث بدأ الأفراد في التقليل من مشترياتهم من الغذاء، والتقليل أيضاً من تلقيهم للرعاية الصحية، وبدأوا في زيادة اقتراضهم بفوائد عالية.

4-  أزمة الأسمدة والقيود التجارية: وذلك على النحو التالي:

  •  ارتفاع أسعار الأسمدة بما يفوق ارتفاع أسعار المواد الغذائية، مما يعني أن لم يعد بإمكان المزارعين تحمل تكلفة استخدام الأسمدة في المحاصيل، ولا يمكنهم زيادة الإنتاج لتلبية الطلب العالمي، أضف إلى ذلك تزايد القيود على عملية تصدير الأسمدة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة عام 2023.
  • تواجه إفريقيا حاجة ملحة إلى الأسمدة، لكنها تفتقر إلى الإمدادات اللازمة، كما أن الحاجة إلى الإمدادات عبر البلدان النامية للمواسم القادمة تستدعي المراقبة عن كثب، خاصةً فيما يتعلق بمحاصيل الأرز في آسيا.
  •  تستغرق مصانع الأسمدة الجديدة من 2 إلى 5 سنوات حتى تصبح جاهزة للعمل، مما يعني أن موردي الأسمدة غير قادرين على الاستجابة بسرعة لارتفاع مستويات الطلب العالمي على الأسمدة، لذلك فإنه بدون اتخاذ الإجراءات المناسبة في أطر متعددة الأطراف، خاصة فيما يتعلق بخفض القيود التجارية، فإن أسعار المواد الغذائية قد تستمر في الارتفاع.

5-     تأثير الأزمة على دول العالم:

 بالنظر إلى منطقة الشرق الأوسط، فقد أكد التقرير على الآتي:

  • تأثر الشرق الأوسط بشكل سلبي في قطاع الطاقة على الرغم من أن هناك العديد من مصدري الطاقة في المنطقة.
  •  واجهت دول المنطقة صعوبة في الحصول على التمويل الدولي، حيث ارتفعت تكلفة الاقتراض بنسبة 19.1% منذ بداية عام 2022، وارتفع الدين العام من 66.6% إلى 74.5% من الناتج المحلي الإجمالي، خلال الفترة 2019 – 2021، ومن المتوقع أن تخصص دول المنطقة 28.1% من الإيرادات لخدمة الدين الخارجي في عام 2022.
  •  من المتوقع زيادة معدلات الفقر المدقع في المنطقة بمقدار 2.8 مليون شخص في عام 2022.
  •   أن دول الشام والمغرب العربي هم الأكثر تأثراً بأزمات الطاقة والتمويل.

ثانياً: توصيات التقرير:

انتهى التقرير إلى التوصيات التالية:

‌أ-  العمل على تخفيف الآثار الحالية للأزمة، من خلال استقرار الأسواق العالمية من حيث التقلب وعدم الثقة، خاصة في أسعار الغذاء وتكلفة الديون، مع ضرورة إعادة دمج الانتاج الغذائي الأوكراني وانتاج الغذاء والأسمدة الروسية في السوق العالمي، ويمكن تخفيف هذه الآثار من خلال:

  • الاستمرار في إطلاق مخزونات الغذاء والطاقة الاستراتيجية في الأسواق، والسيطرة على التخزين وسلوكيات المضاربة الأخرى.
  •  تجنب القيود التجارية غير الضرورية. 
  •   زيادة الإنتاج المحلي للسلع الغذائية المختلفة وتنويع مصادر الأغذية المستوردة
  • العمل على توافر الأسمدة وقدرة المزارعين على الوصول إليها.
  • توسيع نطاق استثمارات الطاقة المتجددة.

‌ب-  تعزيز قدرة الدول على التكيف واتاحة السيولة اللازمة لبرامج الحماية الاجتماعية التي تستهدف الفئات الفقيرة، ويجب أن تكون سياسات الحماية الاجتماعية هادفة ومحددة زمنياً، ومتسقة مع أهداف التنمية المستدامة، ويجب الاهتمام باحتياجات الغذاء والطاقة للفئات الضعيفة.

‌ج- توفير حزم تمويلية سريعة من خلال مؤسسات التمويل الدولية، مع ضمان توجيههم للموارد الصحيحة وبفوائد منخفضة.

‌د-  اتباع نهج منظم للديون المتعددة الأطراف وإعادة الهيكلة والإغاثة التي تشمل البلدان الضعيفة، لضمان حلول طويلة الأجل للتحديات الحالية من خلال حذف الدين أو تأجيل مواعيد الاستحقاقات.

ثالثا: التعليق:

يؤكد التقرير على عالمية الأزمة، حيث لا تقتصر أزمات الغذاء والطاقة والتمويل على منطقة واحدة، لكن كل منطقة ستتأثر بشكل مختلف عن الأخرى، ففي الوقت الذي تواجه فيه معظم دول منطقة إفريقيا جنوب الصحراء ما وصفه التقرير بأنه "عاصفة كاملة" من الأزمات، فإن دول شرق أوروبا ووسط آسيا تتعرض لأزمات في قطاعي الطاقة والتمويل بسبب أهمية مصادر الطاقة والتحويلات المالية الروسية بالنسبة لهذه الدول، والتي يُتوقع انخفاضها بنسبة 20%.

 


[1] “Global impact of the war in Ukraine: Billions of people face the greatest cost-of-living crisis in a generation”, UN Global Crisis Response Group on Food, Energy and Finance, Brief No.2. 8 June 2022. Available https://unsdg.un.org/sites/default/files/2022-06/GCRG_2nd-Brief_Jun8_2022_FINAL.pdf

 

نشرت بعض المراكز البحثية إصدارات متنوعة خلال عام 2022، والتي تناولت جوانباً مختلفة لتزايد الدور الصيني في منطقة الشرق الأوسط، ويحلل هذا التقرير الاتجاهات العامة للإصدارات المشار إليها، وذلك في إطار التنافس الأمريكي الصيني في الشرق الأوسط، وتداعيات الأزمة الأوكرانية على هذا التنافس، وتقييم العلاقات الصينية مع الدول الخليجية وإيران وإسرائيل. يركز هذا الجزء على العلاقات الصينية مع كل من ايران واسرائيل. 

‌أولاً: العلاقات الصينية الايرانية

يحكم العلاقات الصينية الإيرانية مجموعة من المبادئ المشتركة، أبرزها عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى، والاعتراض على فرض العقوبات كوسيلة للضغط على الدول، وعلى الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي، فيما تنظر الصين لإيران باعتبارها جزءاً من منطقة بالغة الأهمية بالنسبة للصين، أي المنطقة الخليجية، بسبب الطاقة، ومشروعات البنية التحتية التي تقوم الصين بإنشائها، كما تدير بكين علاقتها على أساس الموازنة، حيث تحتفظ بعلاقات عمل جيدة مع طهران والرياض على حد سواء[1].

في مارس 2021 أعلنت الصين وإيران عن شراكة اقتصادية شاملة ، ويأتي ذلك تتويجاً لتعزيز العلاقات بين الجانبين في السنوات الأخيرة، حيث بلغ حجم التجارة بينهما نحو 20 مليار دولار سنوياً، فمنذ عام 1995، كانت إيران تصدر للصين بما قيمته 9 مليار دولار، في حين تستورد من الصين نحو 9 – 13 مليار دولار، وتعد بكين مزود رئيسي لطهران فيما يتعلق بالسلع الكهربائية والسمعية والبصرية والكيميائية والصناعية، في حين تعد طهران واحدة من أكبر موردي النفط للصين، وقد بلغت واردات النفط من إيران قبل العقوبات الأمريكية نحو 6٪ من إجمالي الواردات الصينية، كما تظهر بيانات غير رسمية أنه خلال فترة العقوبات، كانت الصين أكبر مشتر للنفط الإيراني[2].

‌ بلغت القيمة الإجمالية للاستثمارات الصينية في إيران نحو 26.5 مليار دولار خلال الفترة (2005 – 2021)، ومن المتوقع أن ترتفع وتيرة الاستثمارات الصينية في إيران وفقاً لاتفاق الشراكة، إلا أن هناك عقبات رئيسية أمام تحقيق قفزات في الاستثمارات الصينية هناك، لعل من أبرزها استمرار العقوبات على طهران، واستمرار الإدراك بأهمية وأولوية الاستثمار في دول خليجية أخرى، مثل السعودية والإمارات، خاصةً مع انخفاض عامل المخاطرة مقارنة بإيران[3].

‌فيما يتعلق بسياسة الموازنة الصينية بين الخليج وإيران، فمن أبرز مؤشرات هذه السياسة هو التزامن بين زيارة وزراء خارجية السعودية والكويت وعمان والبحرين والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي في يناير 2022 وبين زيارة وزير الخارجية الإيراني لبكين، وهي زيارات كانت تستهدف بالأساس تعزيز العلاقات البينية.

‌في هذا الاطار، تحاول بكين استغلال تراجع ثقة الخليج في واشنطن وتدهور العلاقات بين الأخيرة وبين طهران من أجل تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، فمن ناحية الخليج، تقوم الصين بإمدادهم بالتكنولوجيات المتطورة خاصة 5G، ولا تزال مستورد للنفط والغاز الخليجي، في الوقت الذي قللت فيه واشنطن من اعتمادها على النفط الخليجي لتلبية احتياجاتها.

‌من ناحية إيران، فإن الصين أصبحت مهمة لطهران من منظور اقتصادي، وصرحت بشكل متكرر، أنه إذا لم ترفع عنها العقوبات الاقتصادية، فستركز على تعزيز الروابط الاقتصادية مع الصين، ويمكن لبكين الاستفادة من علاقاتها الجيدة مع إيران والدول الخليجية من أجل لعب دور مستقبلاً في تحسين الروابط بين الجانبين[4].

‌ بشأن البرنامج النووي الإيراني، فإن بكين تبدو غير مهتمة بوصول إيران إلى العتبة النووية، لأنه لا يعد تهديداً لها كما هو الحال بالنسبة للغرب (وإن كانت بكين لا تفضل امتلاك طهران لأسلحة نووية)، كما أنها غير متحمسة لإنجاز الاتفاق النووي، أو تحسين العلاقة بين إيران والغرب، لأن ذلك سيقلل الاعتماد الإيراني عليها، وسيحرمها من التيسيرات التي تمنحها لها طهران فيما يتعلق باستيراد النفط، والتي ترتبط بظروف العقوبات.

‌على الجانب الآخر، فإن الصين لا ترغب في تأزم العلاقات بين إيران وبين الولايات المتحدة وإسرائيل، خشية اندلاع صراع عسكري، بما يؤثر سلبياً على نشاطها الاقتصادي الواسع النطاق في المنطقة، كما سيؤدي فرض عقوبات أكثر شدة على طهران، إلى تقويض عمل الشركات الصينية إيران بشكل عام[5].

 بشأن الموقف الإيراني من طريق الحرير الصيني، فإن طهران تنظر له بشكل إيجابي، حيث ستزيد من العلاقات بينها وبين بكين، وستستفيد من مشروعات المبادرة الصينية، خاصةً أن السياق الحالي للعلاقات بين البلدين، ينظمه اتفاق الشراكة، والذي يتضمن قيام الصين باستثمارات تبلغ نحو 400 مليار دولار، منها 280 مليار دولار سيتم تخصيصها لمشروعات النفط والغاز، و120 مليار دولار في قطاع النقل، وهو ما يعني أن إيران ستصبح مركزاً أساسياً في مسار المبادرة، على الجانب الآخر، ستستفيد بكين من الوضع المميز لطهران لدى دمشق وبيروت من أجل تعزيز التواجد الصيني في البحر الأبيض المتوسط[6].

 إن التقييم الواقعي للعلاقات الإيرانية الصينية بأنها علاقات مهمة للجانبين، لكنها ليست العلاقات الأهم في السياسة الخارجية الصينية، فأقصى ما تمثله طهران بالنسبة لبكين هو أنها تمثل فرصة لموازنة النفوذ الأمريكي، وبالتالي يمكن أن تنخفض وتيرة التعاون حال بناء تفاهمات بين بكين وواشنطن، لكن إذا ما استمر التنافس الصيني الأمريكي، فإن الصين قد تقوم بعسكرة مشروعات مبادرة الحزام، وستزداد أهمية إيران بالنسبة للصين، ومن المرجح أن يصبح التعاون العسكري بين طهران وبكين عنصراً رئيسياً في المنافسة مع واشنطن على المدى الطويل[7].

ثانياً: العلاقات الصينية الإسرائيلية:

‌ تستهدف الصين أن تصبح قوة تكنولوجية واقتصادية رئيسية، خاصةً في عشر قطاعات رئيسية، التي ترغب بكين أن تكون رائدة فيها عالمياً، مثل تكنولوجيا المعلومات، وشبكات الجيل الخامس، والمركبات الكهربائية، والطاقة الخضراء وغيرها، وتستخدم الصين لبلوغ تلك الأهداف أدوات سرية وتدير أنشطة تجسس متنوعة، وتجمع بين الشراكات المدنية وأنشطة الاستخبارات من أجل جمع المعلومات، وباستخدام الهيئات الحكومية والحزبية والأكاديمية وكذلك الأفراد، ويتم تنفيذ هذه السياسات الصينية في عدد كبير من دول العالم بما فيها إسرائيل.

‌تنظر الصين إلى إسرائيل باعتبارها قوة تكنولوجية رائدة، لامتلاكها قدرات متقدمة في المجالات السيبرانية والطبية والزراعية وغيرها، لذا فإنه من المحتمل أن تعمل الاستخبارات الصينية على ممارسة أنشطة تجسس في إسرائيل، ولا يمكن استبعاد تعرض الوزارات الحكومية والصناعات الدفاعية والشركات المدنية في إسرائيل لأنشطة التجسس صينية، ومن المحتمل أن ينصب التركيز الصيني على المؤسسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، سواء في حد ذاتها، أو بالنظر إلى علاقاتها الوثيقة مع نظرائها في الولايات المتحدة، وهو ما يعني التجسس على أنظمة الأسلحة الرئيسية في إسرائيل، والتي تم تطويرها بالتعاون مع الولايات المتحدة، كما يرجح أن تمتد عمليات التجسس إلى القطاع المدني، وخاصة الأكاديمي، وذلك بهدف سرقة الأفكار والمعرفة بشكل عام.

‌ بالرغم من وجود حوادث تجسس صينية على إسرائيل، إلا أن الأخيرة امتنعت عن توجيه الاتهام رسمياً إلى بكين، إذ أن تقييم العلاقة بين الجانبين أنهما ليسا أعداء، وهناك اهتمام بالعلاقات الاقتصادية بين الجانبين[8]، وتنظر تل أبيب إلى زيادة الانخراط الاقتصادي الصيني في المنطقة باعتباره فرصة محتملة للتعاون بين الشركات الإسرائيلية والصينية في مجموعة متنوعة من المشروعات الإقليمية[9].

هذا وقد شهدت الفترة الماضية نموا في النفوذ الصين في إسرائيل، حيث تستثمر الشركات الحكومية الصينية في قطاع التكنولوجيا، ولعل أهم مشروع صيني في إسرائيل هو تطوير ميناء حيفا من قبل مجموعة شنغهاي الدولية للموانئ، التي فازت بالمناقصة في عام 2015 وبدأت العمل في عام 2018، ويعد حيفا أكثر موانئ إسرائيل ازدحاماً، وهو قاعدة لأسطولها البحري الرئيسي، بما في ذلك الغواصات التي قد تحمل رؤوس نووية[10].

‌في هذا السياق، فإن سعي تل أبيب للحفاظ على مستوى علاقتها مع الصين دفع واشنطن نحو ممارسة ضغوطاً متزايدة من أجل الحد من هذه العلاقات، وتعرض مسئولون إسرائيليون لحملة عامة أمريكية من أجل هذه الأمر، وبالرغم من ذلك، فإن إسرائيل مهتمة بتطوير علاقتها مع بكين، خاصةً في المجالات التي تفتقر إلى تقنيتها المتقدمة، كما أن إسرائيل لم تستجب للضغط الأمريكي بانضمامها إلى الحملات ضد أوضاع حقوق الإنسان في الصين. قد تبدو إسرائيل حالياً قادرة على الموازنة في علاقتها بين القوتين، إلا أنه مع اشتداد حدة المنافسة بين الصين والولايات المتحدة، فسيكون من الصعب على إسرائيل الحفاظ على سياسة الموازنة[11].

الخاتمة :
 
نستخلص من عرض الاتجاهات السابقة ما يلي:

‌أ- استمرار الاهتمام الصيني بالشرق الأوسط، خاصةً المنطقة الخليجية، لاعتبارات الطاقة والثروة والفرص الاقتصادية والاستثمارية، ومن المرجح أن يصبح الخليج أول ساحة معلنة للتنافس الأمريكي الصيني، بالنظر إلى السوابق التي تؤكد ذلك، من حيث الخطط الصينية لتعزيز حضورها العسكري في الخليج.

‌ب- يتوقف مدى استفادة الصين من مبادرة الحزام والطريق، ونجاحها في اختراق المجتمعات الاقتصادية في الشرق الأوسط على قدرتها على الاستمرار في الموازنة بين المصالح المتضادة، خاصةً بين الإمارات والسعودية، التي يرجح أن تستمر حالة التنافس بينهما للوصول إلى (أو الاحتفاظ بـــ) وضع رائد كمركز إقليمي للشحن والنقل اللوجيستي.

‌ج- تعد إسرائيل أقرب دول المنطقة استعداداً للتضحية (خفض مستوى) بعلاقتها مع الصين مع اشتداد المنافسة بين الأخيرة وبين الولايات المتحدة، حيث تظل واشنطن الضامن الأهم للأمن الإسرائيلي مهما تعددت شراكات تل أبيب الأمنية إقليمياً أو دولياً.

 


[1] The Institute for National Security Studies: https://www.inss.org.il/publication/china-russia-jcpoa/

[5] The Institute for National Security Studies: https://www.inss.org.il/publication/china-russia-jcpoa/

[7] German Institute for International and Security Affairs: https://www.swp-berlin.org/en/publication/chinas-path-to-geopolitics#hd-d22821e1852

[8] The Institute for National Security Studies: https://www.inss.org.il/publication/china-espionage/

[9] The Institute for National Security Studies: https://www.inss.org.il/publication/china-ukraine-russia/

 

نشرت بعض المراكز البحثية إصدارات متنوعة خلال عام 2022، والتي تناولت جوانباً مختلفة لتزايد الدور الصيني في منطقة الشرق الأوسط، ويحلل هذا التقرير الاتجاهات العامة للإصدارات المشار إليها، وذلك في إطار التنافس الأمريكي الصيني في الشرق الأوسط، وتداعيات الأزمة الأوكرانية على هذا التنافس، وتقييم العلاقات الصينية مع الدول الخليجية وإيران وإسرائيل. يركز هذا الجزء على العلاقات الصينية الخليجية. 

شهدت العلاقات الصينية الخليجية تطوراً ملحوظاً، خاصةً منذ عام 2014، حيث أطلقت الصين ودول الخليج العديد من المبادرات لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية، لاسيما مبادرة الحزام والطريق، والانخراط الصيني في مشروعات التنمية الوطنية، مثل رؤية السعودية 2030، كما صمدت العلاقات الصينية الخليجية في مواجهة الأزمات الاقتصادية والسياسية في المنطقة والعالم، مثل انهيار أسعار النفط عام 2014 والأزمة الخليجية عام 2017، ولم تؤثر بشكل كبير على العلاقات الاقتصادية، وكذا في مواجهة حالة التنافس الأمريكي الصيني، فالخليج وإن كان ينظر للولايات المتحدة باعتبارها أقرب حليف أمني لها، إلا أن الدول الخليجية قد اعتمدت على سياسة بناء علاقة متوازنة مع كل من القوتين، أخذاً في الاعتبار أن الصين تعد الشريك التجاري الرئيسي للخليج[1].

يكتسب ملف الطاقة أهمية جوهرية في العلاقات الصينية الخليجية، وبالرغم من كبر حجم صادرات النفط الخليجية إلى الصين، إلا أن الأولى تعتمد على سياسة تنويع الشركاء التجاريين (المستهلكين) لصادراتهم النفطية، مثل اليابان والهند (ستنمو احتياجات نيودلهي من الطاقة مستقبلاً، بما سيزيد من نمو الطلب على الطاقة خلال العقدين المقبلين)، ومن أبرز مؤشرات العلاقات في مجال الطاقة بين الخليج والصين ما يلي:

- تعد السعودية أكبر مورد للنفط إلى الصين عام 2021، واستحوذت على ما نسبته 17% من إجمالي واردات بكين النفطية.

-  تعد قطر أكبر مورد للغاز الطبيعي إلى الصين، وأبرم الجانبان في نهاية عام 2021 عدة صفقات طويلة الأجل لتوريد الغاز الطبيعي القطري، فيما أبرمت قطر اتفاقاً مع الصين بقيمة تتجاوز 760 مليون دولار، من أجل إمداد الدوحة بناقلات الغاز الصينية، وذلك للمرة الأولى.

-  تعد الصين سوقاً مركزياً لصادرات النفط العمانية والإماراتية والكويتية.

تعمل صناديق الثروة السيادية الخليجية على تعزيز الروابط مع الصين والخليج، وسعت هذه الصناديق إلى تخصيص المزيد من الاستثمارات تجاه الاقتصادات الآسيوية، بما في ذلك الصين، خلال السنوات الأخيرة، فمثلاً أنشأت شركة مبادلة الإماراتية صندوق استثمار مشترك مع الجانب الصيني بقيمة 10 مليار دولار عام 2015. على الجانب الآخر، يعكس حجم الاستثمارات الصينية المباشرة في الاقتصاديات الخليجية (خلال الفترة 2005 – 2021) عن أمرين رئيسيين:

  الأول: تزايد حجم هذه الاستثمارات لتبلغ نحو 107 مليار دولار.

  الثاني: ارتباط حجم الاستثمارات الصينية مع حجم اقتصاد الدول الخليجية، حيث بلغت الاستثمارات نحو 43.5 مليار دولار في السعودية، و36 مليار دولار في الإمارات، فيما كانت البحرين الأقل من حجم الاستثمارات الصينية بقيمة 1.42 مليار دولار.

من المرجح أن تلعب الصين دوراً مهماً في تنمية القطاعات الاقتصادية غير النفطية في الخليج، مثل السياحة، والاتصالات، ومصادر الطاقة المتجددة، وبناء المدن الذكية، والذكاء الاصطناعي، لكن الخطط الصينية تقابلها العديد من العقبات، مثل تراجع السياحة الصينية للخليج بسبب جائحة كورونا، والضغوط الأمريكية لتقييد انتشار التقنيات التكنولوجية الصينية، واهتمام صناديق الثروة السيادية الخليجية بتخصيص حصة أكبر من رأس مالها الاستثماري تجاه الغرب، وبشكل أكبر من الصين.

من جانب اخر، فعلى الرغم من وجود إدراك خليجي بعدم جدوى مبادرة الحزام والطريق بالنسبة للاقتصاديات الخليجية، في مقابل وجود اهتمام أكبر بتطوير شراكات ثنائية جديدة مع الدول التي تمتلك اقتصاديات أصغر، مثل إسرائيل[2]، إلا أن حالة التنافس الاقتصادي بين السعودية والإمارات قد انعكست على سياسات الدولتين تجاه المبادرة الصينية، ونشير في هذا الإطار لما يلي:

-  تنظر السعودية والإمارات إلى النقل البحري والخدمات اللوجستية باعتبارها عنصراً أساسياً لتنويع اقتصادها، ويحاول الجانبان اكتساب وضعاً رائداً في هذا المجال.

-  تحاول السعودية الاستفادة من كونها الدولة الوحيدة التي لها منفذ ساحلي إلى كل من الخليج العربي والبحر الأحمر، وقد اتخذت المملكة مجموعة من الخطوات لتعزيز مكانتها في سلاسل التوريد العالمية، وذلك في إطار رؤية 2030، ومن أبرز هذه الخطوات التخطيط لتحويل ميناء الملك عبد العزيز بالدمام إلى مركزاً للحاويات العملاقة، وإنشاء ميناء لوجستي في ميناء جدة الإسلامي، وتطوير منافذ جديدة على البحر الأحمر.

-  تعد الإمارات الشريك الاقتصادي الأساسي للصين في الخليج، ويعد ميناءي دبي وخليفة من الموانئ المركزية الإقليمية للتجارة الخارجية الصينية، ويمر نحو ثلثي الصادرات الصينية إلى أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا عبر الموانئ الإماراتية.

- يبلغ حجم حركة الحاويات في الموانئ الإماراتية ضعف الحجم في الموانئ السعودية، ومن غير المرجح أن تتخلى الإمارات عن هيمنتها، إلا أن استمرار في المنافسة، سيؤدي إلى تضاؤل ميزة الإمارات، من حيث القدرات وحصص السوق والاستثمارات الدولية والعلاقات التجارية.

- تتوافق الأهداف الإماراتية والسعودية مع الطموحات الصينية، خاصةً أن الأخيرة قد عززت من تواجدها الاقتصادي في الخليج والبحر الأحمر والقرن الأفريقي، ومن المرجح أن تتزايد حاجة أبو ظبي والرياض إلى التكنولوجيا الصينية من أجل خفض التكاليف التشغيلية وتسهيل وتسريع عمليات التسليم، إلا أن حالة التنافس بين السعودية والإمارات ستفرض على بكين إدارة مصالحها للوصول إلى وضع مربح للأطراف الثلاثة[3].

 


[1] Gulf International Forum: https://gulfif.org/china-in-the-gulf-deep-pockets-and-deepening-ties/

[2] Arab Gulf States Institute in Washington: https://agsiw.org/growing-china-gulf-economic-relations-have-limits/

[3] Middle East Institute: https://www.mei.edu/publications/new-normal-saudi-uae-relations-tying-china

 

 نشرت بعض المراكز البحثية إصدارات متنوعة خلال عام 2022، والتي تناولت جوانباً مختلفة لتزايد الدور الصيني في منطقة الشرق الأوسط، ويحلل هذا التقرير الاتجاهات العامة للإصدارات المشار إليها، وذلك في إطار التنافس الأمريكي الصيني في الشرق الأوسط، وتداعيات الأزمة الأوكرانية على هذا التنافس، وتقييم العلاقات الصينية مع الدول الخليجية وإيران وإسرائيل. يركز هذا الجزء على انعكاسات الحرب الروسية الاوكرانية على التنافس الصيني الامريكي في الشرق الاوسط. 
أولاً: انعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية على التنافس الصيني الامريكي في الشرق الاوسط

,وفقاً لدراسة منشورة بمركز "راند"، تشكل الصين تهديداً أكبر من روسيا فيما يتعلق بالمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، وذلك على المدى الطويل، لأن بكين أكبر من حيث حجم الاقتصاد وعدد السكان، ولديها خطط لتعزيز قدراتها في جميع المجالات العسكرية، وهي قادرة على منافسة الولايات المتحدة في أكثر من منطقة في العالم، أي أن المنافسة ليست مقتصرة على المحيطين الهندي والهادئ، وتهتم الصين بالإبقاء علىعلاقة عمل جيدة مع جميع دول الشرق الأوسط، بغض النظر عن النزاعات داخل المنطقة، وبالرغم من أن روسيا أكثر نشاطًاً من الصين في المجال العسكري في الشرق الأوسط، إلا أن بكين تواصل تعزيز علاقتها الاقتصادية، وتلتزم الحذر بشأن انخراطها في الترتيبات الأمنية الإقليمية[1].

حققت الصين نجاحات كبيرة في الشرق الأوسط، خصماً من الرصيد الأمريكي، وقد شهدت السنوات الماضية توقيع الصين لخمس شراكات استراتيجية شاملة مع أبرز القوى الإقليمية، وهي: مصر والسعودية والإمارات والجزائر وإيران، وعلى الرغم من ذلك، فإن أغلب دول المنطقة غير مرحبة بسياسة الانسحاب الأمريكي، ولا تنظر للصين على أنها بديل للولايات المتحدة، بل كدولة يمكن استخدامها كوسيلة للتحوط، مما يمنح دول المنطقة نفوذاً إضافياً[2].

كانت الاستراتيجية الصينية في السنوات السابقة تقوم على انتقاد السياسة الأمريكية في المنطقة مع عدم تحدي الهيمنة الأمريكية بشكل علني، والاستثمار بدلاً من ذلك في تعزيز العلاقات الاقتصادية، لكن الفترة الأخيرة قد شهدت تراجعاً صينياً عن سياستها المرنة، في مقابل تعزيز حضورها وتحديها لواشنطن، ومن أبرز مؤشرات ذلك سعي بكين لإنشاء بنية تحتية عسكرية في الإمارات، فضلاً عن مساعدة السعودية في تطوير نظام للصواريخ الباليستية[3].

أظهر رد الفعل الصيني على هجمات الحوثيين على الإمارات أنه بمرور الوقت، تكتسب بكين المزيد من الثقة في تحدي الولايات المتحدة، خاصة في منطقة الخليج، ففي الوقت الذي أدانت فيه الموجة الأولى من الهجمات، صمتت بكين عن الموجة الثانية التي استهدفت منشأة عسكرية يستخدمها الجيش الأمريكي، أي أن الصين صارت أكثر انتقائية في ردود فعلها تجاه التطورات في الخليج، وفقاً لتصورها حول تأثير هذه التطورات على المصالح الأمريكية[4].

على الجانب الآخر، فإن أكثر السيناريوهات المقلقة بالنسبة لواشنطن أن يحدث تطوراً لأحد الأشكال الجديد من التعاون بين الصين ودول المنطقة، يجمع بين التقنيات الإسرائيلية والتمويل الإماراتي والسعودي والبنية التحتية الصينية، الأمر الذي سيشكل خطورة بالغة على المصالح الأمريكية في المنطقة ككل، أخذاً في الاعتبار أن بكين تحاول تعزيز تعاونها العسكري مع دول الشرق الأوسط، حيث زادت من مبيعات أسلحتها لدول المنطقة، وبالرغم من انخفاض حجم الأسلحة الصينية مقارنة بمزودي الأسلحة التقليديين، إلا أنه من المرجح أن تستغل الصين التحولات الإقليمية الجارية، وسط تحرك واشنطن نحو تقليل مشاركتها واشتباكها مع القضايا الإقليمية، لتوسيع مبيعاتها من الأسلحة، خاصة إلى الدول الخليجية[5].

تأسيساً على ما سبق، فإن واشنطن ستكون مضطرة إلى تكييف سياساتها بحيث تحافظ على حلفائها وشركائها في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في الشرق الأوسط، حيث ستسعى واشنطن إلى إنشاء أحلاف وبناء شراكات جديدة، ولن تقتصر على مبدأ الحفاظ على الشركات القديمة فحسب[6].

فيما يتعلق بانعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية على التنافس الأمريكي الصيني في الشرق الأوسط، نشير لما يلي:

-  تراقب الصين بشكل وثيق تداعيات الأزمة الأوكرانية، وهناك رأيان متناقضان بشأن تأثير الأزمة على الانخراط الصيني في المنطقة، وذلك على النحو التالي:

‌أ. الأول: خرجت بكين من الأزمة الأوكرانية بعدة استخلاصات، أبرزها أنه لا يمكن الاعتماد على روسيا أو فلاديمير بوتين، فهما مسئولان عن اللحظة الراهنة من الأزمة، كما أظهر الغرب صلابة وقوة أكثر مما كان يُعتقد، ويعني ذلك كله أن فكرة بناء محور صيني روسي ضد الولايات المتحدة لم تعد جذابة للغاية بالنسبة لبكين[7].

‌ب. الثاني: أنه بالرغم من ابتعاد بكين الهادئ عن موسكو بسبب الأزمة الأوكرانية، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة حل الشراكة الاستراتيجية الصينية الروسية، لسبب بسيط، وهو أنه حتى روسيا التي تضررت بشدة يمكن أن تكون مصدر قوة للصين في الوقوف ضد الغرب[8]، كما أن السياسة الحالية للإدارة الأمريكية ستدفع الصين وروسيا إلى تشكيل تحالف دفاعي وأمني، وهو ما يعد أسوأ سيناريو يمكن أن تتعرض له الولايات المتحدة[9].

  • يجمع الرأيان السابقان على أن بكين ليست مستعدة للتخلي عن الشرق الأوسط لصالح واشنطن، فالصين لديها نموذج جذاب، بل إن بعض دول الشرق الأوسط تعتبر الصين بديلاً (ولو جزئياً) عن الولايات المتحدة، على اعتبار أن الأخيرة توجه انتقادات دورية بشأن قضايا حقوق الإنسان، كما أن اهتمام بكين بالمنطقة في تزايد بسبب مشروعات الحزام والطريق، والتي سيكون لها أصداءاً تنموية في العديد من دول الشرق الأوسط، خاصة القوى الإقليمية التي لم تمتثل للمطالبات الأمريكية بالحد من الاستثمارات الصينية، لاسيما في تكنولوجيا 5G[10].
  • كشفت الأزمة الأوكرانية عن التراجع الكبير لدور واشنطن في الشرق الأوسط، ويعكس سلوك دول المنطقة وردود أفعالها تجاه الأزمة أن الفراغ الذي تركته واشنطن قد تم ملئه جزئياً من قبل موسكو وبكين، ومن المرجح أن يعود الاهتمام الأمريكي بالمنطقة مرة أخرى، لكن تلك العودة ستشمل تغييراً في السياسة الأمريكية، بحيث سيتم تخفيف الضغوط على حلفائها في المنطقة، وهو ما سيمتد إلى الملفات التي مثلت إشكالية في العلاقات الأمريكية بحلفائها في الشرق الأوسط، مثل التخلي عن الضغط على السعودية والإمارات لإنهاء الحرب في اليمن[11].
  •  تدرك واشنطن أن حلفائها في المنطقة لم يعودوا في وضع يسمح لها بإعطائهم الأوامر، وبالرغم من ذلك، فإن هؤلاء الحلفاء ليسوا على استعداد للتخلي عن الضمانات الأمنية الأمريكية، أخذاً في الاعتبار تآكل الثقة في موثوقية هذه الضمانات[12].
  •  ستتزامن عودة واشنطن للمنطقة مع بذل جهود لتقويض التعاون الإسرائيلي الصيني في المجالات التي تثير مخاوف لدى واشنطن، خاصةً أن تزايد الوجود العسكري الصيني في المنطقة، والتعاون العسكري المحتمل بين الصين ودول محددة في الإقليم سيشكل مخاطراً لتل أبيب، لاسيما إذا ما ارتبط ببناء منشآت لتصنيع التقنيات العسكرية المتقدمة، وسيتحتم حينها على إسرائيل أن تختار بعناية بالغة المجالات التي سترغب في تعزيز التعاون مع الصين فيها، واستبعاد المجالات التي قد تسبب إشكالية في علاقتها مع واشنطن[13].

 


[7] The Institute for National Security Studies: https://www.inss.org.il/publication/china-ukraine-russia/

[10] The Institute for National Security Studies: https://www.inss.org.il/publication/china-ukraine-russia/

[13] The Institute for National Security Studies: https://www.inss.org.il/publication/china-ukraine-russia/

 

Pages