شارك ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” ضمن زعماء نحو 30 دولة في قمة العشرين التي عُقدت في الهند في 9 سبتمبر الجاري، وقد بدأ ولي العهد السعودي بعد انتهاء مشاركته في القمة زيارة رسمية إلى الهند في 11 سبتمبر الجاري. هذا النشاط السعودي هو جزء من مشروع أكبر تسعى الرياض من خلاله لضمان تحركها السلس بين القوى الكبرى، وتوكيد دورها ومصالحها على المستويين الإقليمي والدولي.
تنامي العلاقات:
تضمنت زيارة ولي العهد السعودي للهند عدداً من المظاهر التي تعكس الرغبة السعودية الهندية المشتركة في تعزيز علاقتهما الثنائية، حيث انعقد منتدى الاستثمار الهندي السعودي والذي شهد توقيع 53 اتفاقية ومذكرة تفاهم في العديد من القطاعات، أبرزها التجارة والاستثمار والسياحة والصناعة والطاقة والاتصالات، كما أُعلن عن افتتاح مكتباً لصندوق الاستثمارات العامة السعودي في الهند لتسهيل حركة الاستثمار المشتركة.
فيما أكد الجانبان على اهتمامهما بتنفيذ مشروع الممر الاقتصادي، والذي سيربط موانئ الشرق الأوسط بأوروبا والهند، ويشمل مشروعات سكك حديدية، وعملية ربط الموانئ البحرية بين أوروبا والشرق الأوسط وآسيا، وخطوط لنقل الكهرباء والطاقة النظيفة، وكابلات نقل البيانات، وقد وقع البلدان مذكرة التفاهم[1] الخاصة به في 9 سبتمبر على هامش قمة العشرين، إلى جانب الولايات المتحدة والإمارات وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي.
وبالنظر إلى طبيعة العلاقات الثنائية، نجد أن السعودية تستضيف نحو 2.3 مليون هندي يشكلون ما نسبته 7% من إجمالي عدد المقيمين في السعودية، وينشطون في العديد من المجالات، الإدارة والفنية والتقنية والأكاديمية والطبية، وهم مصدر رئيسي للتحويلات الأجنبية في الهند، وتتمثل أبرز مظاهر تنامي العلاقات السعودية الهندية مؤخراً في وصول حجم التبادل التجاري بينها إلى نحو 52.4 مليار دولار عام 2022، بواقع 41.9 مليار دولار صادرات سعودية إلى الهند، و10.5 مليار دولار صادرات هندية للسعودية، كما تعتبر الهند ثاني أكبر شريك تجاري للسعودية بينما تعد السعودية رابع أكبر شريك تجاري للهند، كما تراجعت واردات الهند من النفط الروسي في أغسطس الماضي لتبلغ 1.35 مليون برميل يومياً، وهو أدنى مستوى في سبعة أشهر، في مقابل ارتفاع واردات النفط من السعودية إلى 825 ألف برميل يومياً في أغسطس الماضي، وهو أعلى مستوى في عدة أشهر.
يُضاف إلى ذلك تزايد وتيرة الزيارات رفيعة المستوى من كلا الجانبين، من أبرزها زيارة وزير الخارجية الهندي “إس جايشانكار” إلى السعودية في سبتمبر 2022، وتعزيز الهند من تعاونها الدفاعي مع السعودية، وهو ما شمل التعاون في التدريبات والندوات البحرية.
تحوط سعودي:
تأتي الخطوات السعودية (تعزيز علاقتها مع الهند، وانضمام الرياض لمجموعة البريكس والممر الاقتصادي الجديد) جزءاً أساسياً من استراتيجية التحوط السعودية بين القوى الكبرى، ونشير في هذا الإطار للنقاط التالية:
- تعد السعودية جزءًا من الممر الاقتصادي الذي تدفع واشنطن نحو تنفيذه على أرض الواقع (لاحتواء النفوذ الصيني المتنامي في الشرق الأوسط وتقويض مبادرة الحزام والطريق)، وفي نفس الوقت فهي تتمتع بعلاقات جيدة مع باقي القوى الكبرى، أعضاء مجموعة البريكس، مثل روسيا، وكذلك الصين التي تهتم الرياض بأن تكون عنصراً مهماً في مبادرة الحزام والطريق، ويعني ما سبق أن السعودية تستثمر في بناء شبكة علاقات وثيقة مع مختلف القوى الكبرى دون أن تنحاز لإحداها على حساب الأخرى.
- يعبر الممر الاقتصادي الجديد عن رغبة سعودية في التخلي عن اعتمادها على سلاسل الإمداد والطرق التجارية والسلع التي تسيطر عليها الصين، وبالتالي فإن السعودية لا ترغب في استبدال الصين بالولايات المتحدة، ولكن خلق مساحات للمناورة والحركة بين القوى الكبرى.
- يمنح موقع السعودية الجغرافي والجيوسياسي ميزة كبرى، حيث أنها تتوسط طرق الربط التي سيدشنها الممر الاقتصادي الجديد، وسيجعلها على تماس واتصال مباشر مع القوى الأوروبية.
ارتدادات إقليمية:
تستهدف التحركات السعودية تعزيز وضعيتها ومصالحها على المستوى الإقليمي، وذلك كما يلي:
- ترغب السعودية في بناء هيكل مصالح متعدد الأطراف، أي البحث عن بدائل أمنية متسقة، وتعد الهند مرشحاً منطقياً لهذا الأمر، حيث يمكن دمجها في البنية الأمنية الإقليمية خاصةً أن لها استثمارات ومصالح مباشرة في المنطقة الخليجية، وتهتم بضمان سلاسل التوريد وتدفقات النفط، وهو ما يتطلب منها أن تكون حاضرة في المنطقة وحريصة على استقرارها الأمني، ويحدث ذلك على الرغم من تحسن العلاقات السعودية الإيرانية، أي أن السعودية لا تريد أن تترك مجالاً للخطأ.
- برزت فكرة مشروع الممر الاقتصادي خلال المناقشات داخل تحالف “I2U2″، والذي يضم الولايات المتحدة والإمارات والهند وإسرائيل، وبالرغم من أن السعودية ليست عضو التحالف، إلا أن انضمامها للممر الاقتصادي سيمكنها من تحقيق مصالحها الاقتصادية والانخراط في المشروعات الإقليمية التي ستساعدها في تحقيق رؤيتها 2030، كما سيكون مدخلاً مناسباً للانخراط في مشروعات مشتركة مع إسرائيل وذلك بصرف النظر عن التقدم المحرز في عملية التطبيع على المستوى الرسمي.
- إحراز موقع متقدم في تنافسها مع القوى الإقليمية، فالهند لديها 600 شركة في السعودية فقط، في حين توجد الاستثمارات والشركات الهندية بكثافة في الإمارات، حيث يوجد في إمارة دبي وحدها 83 ألف شركة هندية، كما ترغب السعودية الاستفادة من التكنولوجيا الهندية سواء فيما يتعلق بإقامة مشروعات حديثة مثل إنشاء مشروعات نفطية صديقة للبيئة على الساحل الغربي السعودي بقيمة تقدر بنحو 44 مليار دولار، أو إقامة تعاون مع المؤسسات التعليمية التكنولوجية الرائدة في الهند، مثل “المعهد الهندي للعلوم”.
وإجمالاً، فقد عززت السعودية من تحركاتها الخارجية الهادفة إلى تأمين مصالحها ومساحات حركتها في القضايا الإقليمية والدولية، واستطاعت بالفعل انتزاع مكاسب من القوى الكبرى المختلفة، بيد أن استمرار النجاح السعودي في هذا الإطار يرتبط بالضرورة بإحراز تقدم في الملفات المأزومة في جوارها الإقليمي، يأتي في مقدمتها التهدئة مع الخصوم التقليديين، وتقويض التهديدات القادمة من الجنوب حيث الحوثيين في اليمن، وهو الأمر الذي يبدو أن الرياض قد شرعت فيه بالفعل.
[1] للمزيد حول المذكرة، انظر موقع وزارة الخارجية الأمريكية: “مستند حقائق: قادة العالم يطلقون ممرا اقتصاديا بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا”، 9 سبتمبر 2023. متاح على https://cutt.us/Iy38e