تدخل المواجهة غير المباشرة إعلاميًا وسياسيًا بين إسرائيل وحزب الله مساحة من المناورة السياسية والاستراتيجية، خاصةً مع ما يجري من توتر على طول منطقة الحدود، وفي ظل إطلاق تصريحات حول ما يجري ودخول الوسطاء سواء الفرنسي أو الأمريكي على الخط، ومحاولة التهدئة في ظل مناكفات عامة يُطلقها كل طرف.
ومؤخرًا عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” عدة جلسات ومشاورات أمنية وتقييم للوضع فيما يتعلق بالساحة الشمالية بمشاركة العديد من الشخصيات والقادة في المخابرات والجيش الإسرائيليين، وبينما تمت الدعوة إلى الرد عسكريًا على حزب الله بشكل محسوب لعدم انجرار الأمور إلى حرب، فقد دعت أصوات أخرى لوساطة طرف ثالث من أجل رسم الحدود البرية بين البلدين، بعد أن تم رسم الحدود البحرية العام الماضي بوساطة أمريكية.
طبيعة السياق الراهن:
تصاعد التوتر على الحدود الجنوبية للبنان والتخوف من تصعيد عسكري بين حزب الله وإسرائيل، على خلفية بناء الأخيرة سياجًا شائكًا وجدارًا إسمنتيًا حول بلدة الغجر جنوب شرقي لبنان، فيما نصب حزب الله خيمتين عسكريتين في منطقة مزارع شبعا المحتلة كرد فعل فيما يبدو على الخطوة الإسرائيلية في الغجر، يُضاف إلى ذلك قيام حزب الله بإجراء مناورة تكتيكية في منطقة “عرمتى” بجنوب لبنان والتي أخذت حيزًا من الاهتمام اللبناني، ويسود جانبي الحدود بين لبنان واسرائيل حالة من الترقب والحذر للأسبوع الثاني على التوالي في ظل الاستنفار المتبادل بين حزب الله والقوات الإسرائيلية، وهذا ما بدا واضحًا مؤخرًا على طول الخط الحدودي في القطاع الشرقي من جنوب لبنان انطلاقًا من محور “تلة العباد” مقابل “حولا” وحتى مثلث “الوزاني سهل مرجعيون” المحاذي لمستعمرة “المطلة” مرورًا بتلال “العديسة” و”بوابة فاطمة”.
وعلى الجانب الإسرائيلي، فإنه يكاد يتفق المستويين السياسي والاستراتيجي في إسرائيل بضرورة تجنب حالة المواجهة العسكرية الراهنة مع حزب الله، والتركيز على ضرورة استمرار عدم المواجهة في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي، والتخوف من الدخول في مواجهة مفتوحة مع الحزب، وغياب أي مقاربة للتوافق، حيث مازال حزب الله اللاعب المركزي الرئيسي في المواجهة الراهنة مع إسرائيل، وليس حركتي الجهاد الإسلامي أو حماس، ووفقًا للمصادر العسكرية الإسرائيلية فإن حزب الله ما زال يتسلح ويملك قدرات صاروخية كبيرة، وأنه قادر على استهداف إسرائيل بالعشرات من الصواريخ يوميًا ، وهو ما قد يدفع لإعادة النظر فيما يجري من أطروحات في إطار المواجهة المحتملة خاصة، وأن كل الفرص قد تكون مهيأة نظريًا في إطار ما يجري، وأن على إسرائيل أن تتأهب لما هو قادم من سيناريوهات حقيقية وممكنة تدفع بضرورة التعامل الرشيد، وعدم الذهاب إلى مواجهة قد تخسر فيها إسرائيل الكثير من ثوابتها في التعامل.
كما تبرز إشكالية أخرى أمام إسرائيل، تتعلق بالرغبة في تحييد جبهة لبنان لبعض الوقت، وعدم تصعيدها، وذلك لجملة من الاعتبارات المتعلقة ليس بموقف الداخل فقط،، وإنما أيضًا مرتبطة بخيارات متدرجة للحكومة الإسرائيلية التي تركز على التهدئة العامة في الوقت الراهن تجاه السلطة بل وقطاع غزة، وطرح حلول لتسكين حالة التأزم تجاه الجانب الفلسطيني في القطاع والضفة، وهو ما سيكون عنوان للمرحلة الراهنة للتركيز مع جبهة لبنان لمواجهة مخاطر حزب الله بالأساس، وليس أي تهديد أخر، وتدفع الحكومة الإسرائيلية نحو مقاربة سياسية واقتصادية وليست عسكرية متعلقة بتوجه حكومي بارز يقوده رئيس الوزراء “نتنياهو” شخصيًا برغم حالة الاعتراض والتحفظ من قبل بعض الوزراء.
تهدئة ووساطة:
تسعى فرنسا للدخول على خط التفاوض بين إسرائيل وحزب الله، لوقف الاشتباكات المحتملة، وتأتي مبادرة باريس في وقت فشلت فيه جميع الحلول التي طرحتها فرنسا للأزمات اللبنانية، غير أنها تأتي لحماية مصالحها الاقتصادية، لا سيما في ظل تولي شركة “توتال” التنقيب عن الغاز في البلوكات اللبنانية، وطرح بعض المراقبين تساؤلات عن مدى نجاح هذه التدخلات الفرنسية، خاصة أن حزب الله يقف على أرض صلبة.
وهناك تحركان من قبل قيادة “يونيفيل” والسفيرة الأمريكية لدى لبنان “دوروثي شيا” سعيًا لنزع فتيل احتمال تفجير الوضع في المنطقة التي تشهد استقرارًا منذ التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.
ضوابط حاكمة:
هناك قناعة إسرائيلية عامة بأن التكلفة والعائد، قد لا تعمل في إطار مصالح إسرائيل ليس فقط في المدى القصير بل والطويل الأجل، وأن ما يهم إسرائيل في الوقت الراهن ليس فقط توقف حالة الاحتجاجات فقط بل والانطلاق إلى تحقيق الاستقرار السياسي، ومنع المزيد من التجاذبات داخل الجيش، ووقف تمدد حالة التظاهرات إلى كل إسرائيل.
ومن الواضح أن الأزمة بين حزب الله وإسرائيل ليست فقط أزمة حدود أو خيام، أو نقاط متابعة، وإنما الأمر متعلق بما هو قادم من أطر مقترحة لرسم مصالح البلدين في ظل عدم وجود مقاربة لبنانية كاملة حول ما يجري قد تخص لبنان الدولة، وليس حزب الله كفصيل سياسي له اليد الطولى فيما يجري في منطقة الحدود مع إسرائيل.