تتجه العلاقات داخل الحكومة الإسرائيلية، وتحديدًا بين رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو”، وبين وزير المالية “بتسلئيل سموتريتش” ووزير الأمن القومي “ايتمار بن غفير” إلى مزيد من التجاذبات والخلافات الطارئة، والتي ظهرت في سلسلة من الانتقادات المباشرة لنتنياهو واتهامه بتقويض الائتلاف الحاكم، ومسعاه لتشكيل ائتلاف جديد بالشراكة مع زعيم المعارضة “بيني جانتس”.
خطة نتنياهو:
يمكن النظر إلى الخلافات بشأن الاتصال مع المعارضة الاسرائيلية، وزعيمها جانتس لتشكيل حكومة جديدة تضم كتل غير يمينية على أنها إشارة مهمة إلى احتمالات خروج بعض الأحزاب اليمينية الممثلة للأزمات الراهنة، والتي سبق أن حذرت الولايات المتحدة من أنها ستؤدي إلى عزلة كاملة، وقطيعة العالم لإسرائيل. ومن ثم، فإن نتنياهو قد يُقدم على طرح صفقة مُحكمة تتعلق بتجميد خطة الإصلاح القضائي، والاتجاه لبناء شراكة جديدة تستهدف حل الكثير من الصعوبات التي يواجهها، منها: وقف الاحتجاجات، وإعادة الدفء للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية، والتفرغ لعلاج مشكلات اسرائيل الاقتصادية جراء استمرار الاحتجاجات، والخروج من دائرة الفراغ التي تعمل مكونات الائتلاف الراهن على إدخاله فيها باستمرار، وتتسبب له بإحراج دولي.
وفيما يتعلق بتعامله مع الائتلاف، فإن نتنياهو سيكون أمامه خياران محددان، الأول، وهو المضي قدمًا في تصويب المسار مدفوعًا بالعديد من المبررات الداخلية والخارجية، وذلك ترتيب خياراته وأوراقه داخل الحكومة وخارجها، وإمساكه بأوراق اللعبة كافة، بما يمكنه من إخراج الوزيرين سموتريتش وبن غفير من المعادلة السياسية. وينصرف الخيار الثاني إلى التفاهم مع سموتريتش وبن غفير لكي تهدأ الأمور، ولو تدريجيًا، من أجل إعادة ترميم العلاقات مع واشنطن، والتجاوب مع دعاوي الحوار الوطني، وخفض احتمالات المواجهة مع الرأي العام الإسرائيلي والفلسطينيين على حدٍ سواء.
رؤية مغايرة:
قد يعمل الوزيران سموتريتش وبن غفير – تماشيًا مع ما يجري في معسكر نتنياهو ليكود – إما إلى استباق تلك التحركات، والخروج من الحكومة وإسقاطها، بحيث لا يستطيع تشكيل حكومة أخرى، وإما التماهي مع التحركات الجارية، أو الاستمرار في الحكومة مع محاولة كسب مزيد من التأييد داخل مكونات الائتلاف بهدف وقف أي خطوات قد يُقدم عليها نتنياهو، سواء مع المعارضة ورموزها، أو مع السلطة الفلسطينية، وكذلك في توجهاته الإقليمية أو تجاه واشنطن، ويعني ذلك عمليًا أنهما قد يتجها في نهاية المطاف لعقد صفقات توافقية من أجل الاستمرار في الحكومة وعدم تفككها، وهو أمر يضعه نتنياهو ضمن تقييماته، لخبرته الطويلة والممتدة في الحكم.
سيناريوهات مستقبلية:
بالرغم من التفاهمات المحتملة، إلا أنه ستظل هناك جملة من التباينات في عدة ملفات، أهمها ملف التعامل مع السلطة الفلسطينية، والتي وافقت الحكومة الإسرائيلية مؤخرًا على دعمها بالأسلحة الجديدة والمعدات الأمريكية، وشملت منظومة من الأسلحة الخاصة بالمراقبة والتتبع، حيث مثل هذا الأمر نقطة خلاف كبيرة بين نتنياهو ومكونات الائتلاف، والتي ترى أن نتنياهو والليكود قدما تنازلات كبيرة مؤثرة في أمن إسرائيل القومي، خاصةً مع تصاعد أعمال المواجهات في الضفة، وعدم استقرار الأوضاع مع قطاع غزة، فيما يرى نتنياهو أن تقديم معدات وأسلحة للسلطة سيعزز علاقاته مع الإدارة الأمريكية، ويُظهره بأنه متجاوب مع مطالبها في تقوية أركان السلطة الفلسطينية، وكذا دفع الأخيرة نحو استئناف الاتصالات الأمنية بصورة كاملة.
وختامًا، يمكن القول إن مستقبل الحكومة الاسرائيلية سيبقى على المحك، بصرف النظر عما سيُطرح من مواقف وخيارات، أو مع استمرار التصعيد أو اللجوء للتهدئة، وسيرتبط هذا المستقبل بالخيارات الصعبة التي قد يُقدم عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، باعتباره الموجه الرئيسي لما سيجري لكن ستبقي مكونات الائتلاف – بصرف النظر عن موقفها بالاستمرار، أو الخروج الاضطراري من الائتلاف في المديين القصير أو المتوسط – قادرة على الاحتفاظ بثقلها السياسي داخل المجتمع الإسرائيلي، وقد تنتهج هذ الأخرى سياسات ومواقف مضادة، قد تؤدي في نهاية المطاف إلى توكيد عدم الاستقرار الداخلي، وهو ما سيكون له انعكاسات على تصاعد الاحتجاجات بصورة شاملة، مما قد يؤدي لحالة من الشلل السياسي والاقتصادي في إسرائيل.