يُثير استمرار الصراع المسلح القائم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ شهر أبريل الماضي، العديد من التساؤلات حول مستقبل الأوضاع السياسية والعسكرية في السودان، فلا تزال المواجهات العسكرية قائمة بين الطرفين، ويحاول كل منهما تغيير موازين القوى على الأرض لتعزيز موقفه التفاوضي، في مرحلة لاحقة، خاصةً في ضوء عدد من التطورات مؤخرًا، من بينها فشل الجولة الأخيرة من مفاوضات جدة في التوصل إلى نتائج إيجابية، والإعلان عن تعليقها لأجل غير مسمى، فضلًا عن إعلان مجلس الأمن الدولي إنهاء عمل البعثة الأممية “يونيتامس” في السودان، وهو ما يشير إلى أن الأزمة السودانية تتجه نحو مزيد من التعقيد.
تعثر المسار السياسي:
لم تنجح الجولة الأخيرة من مفاوضات “جدة” في إعادة طرفي الصراع السوداني نحو مسار التسوية السياسية، ويرجع ذلك إلى تمسك الطرفين ببعض الشروط اللازمة للتسوية، حيث تعذر التفاهم بينهما حول إجراءات بناء الثقة وإنهاء المظاهر العسكرية في المدن السودانية، فمن جانب، يتمسك الجيش السوداني بضرورة إخراج قوات الدعم السريع من المناطق السكنية في المدن التي دخلتها، خاصةً في الخرطوم وأم درمان، وتجميعها في معسكرات، مع اعتبار هذه الشروط مطالب شعبية لا يمكن التخلي عنها.
وفي المقابل، ترفض قوات الدعم السريع هذه المطالب، وتصر على عدم التفريط فيما حققته من بعض المكاسب الميدانية في مواجهة الجيش السوداني، والتي تعتبرها دليلًا على ما تروج له من تفوق عسكري، وعلى الرغم من ذلك، تتبنى قوات الدعم السريع خطابًا سياسيًا تحاول من خلاله التأكيد على موقفها الداعم للتسوية السياسية، واستعدادها للتفاوض من أجل تسليم السلطة للقوى السياسية المدنية، وتوجه اتهامات للجيش بعرقلة عملية الانتقال السلمي للسلطة.
تفاعل إقليمي:
أثار تعثر الجولة الأخيرة من مفاوضات جدة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تفاعلًا إقليميًا، تركز معظمه على دعوة طرفي الصراع لوقف إطلاق النار، وضرورة التوصل لتسوية سياسية شاملة، وحماية المدنيين، وظهر ذلك بشكل واضح في البيان الختامي للاجتماع السابع لمجلس التنسيق القطري السعودي الذي أنهى أعماله في الدوحة في 6 ديسمبر 2023، برئاسة أمير قطر الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني” وولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، حيث دعا البيان طرفي الصراع لضرورة الالتزام باتفاق “جدة” الموقع في 11 مايو الماضي بشأن وقف إطلاق النار، وتنفيذ الترتيبات الإنسانية في إطار القانون الدولي الإنسان، وذلك بهدف إنهاء الصراع القائم وعودة الحوار السياسي بين جميع الأطراف.
عقوبات أمريكية:
عقب الإعلان عن تعليق محادثات جدة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، سارعت بعض القوى الدولية المنخرطة في الشأن السوداني، إلى دعوة طرفي الصراع للالتزام بالمسار السياسي ووقف إطلاق النار، وهو ما ظهر في الموقف الأمريكي الذي عبر عنه وزير الخارجية “أنتوني بلينكن”، والذي توعد بفرض واشنطن عقوبات على معرقلي عملية التسوية السياسية، وجدير بالذكر أن وزارة الخارجية الأمريكية قد سبق لها إعداد تقرير خلُص إلى أن قوات الدعم السريع قد ارتكبت جرائم حرب داخل السودان، خاصةً في دارفور التي شهدت جرائم ضد الإنسانية وتطهير عرقي، كما سبق لواشنطن فرض عقوبات ضد الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إلا أن ذلك لم يدفع طرفي الصراع نحو الاستجابة للضغوط الأمريكية والدولية الخاصة بوقف إطلاق النار، بل زادت حدته، وهو ما يشير إلى عدم فاعلية هذه العقوبات.
متغيرات مهمة:
تزامن تعثر المسار السياسي الخاص بمحاولات التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السودانية، مع عدد من المتغيرات السياسية والاقتصادية والعسكرية المهمة، أبرزها: تصاعد دور الأحزاب والقوى السياسية المدنية داخل السودان، وعلى رأسها المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، وبعض الشخصيات السياسية المهمة مثل رئيس الوزراء المستقيل “عبد الله حمدوك”، حيث عبرت هذه الأطراف عن رفضها لاستمرار الصراع بين الجيش والدعم السريع.
كما يتزامن ذلك مع تراجع القدرة على تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين، وتقليل الأعباء المفروضة عليهم، خاصةً أن خسائر الاقتصاد السوداني قد بلغت نحو 100 مليار دولار، وارتفع معدل التضخم السنوي ليصل إلى حوالي 300% وذلك نتيجة لارتفاع أسعار المواد الأساسية، مثل الخبز والسكر والزيت والدقيق، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف المواصلات والإيجارات. وقد حاول الفريق “عبد الفتاح البرهان” اتخاذ إجراءات تصحيحية لتحسين أداء الحكومة السودانية، حيث أجرى عددا من التعديلات الوزارية.
وعلى الصعيد العسكري، فقد اتسعت جبهات القتال بين الجيش والدعم السريع، وامتدت إلى العديد من الولايات السودانية، دون قدرة أي من طرفي الصراع على الحسم العسكري، وهو ما يُرجح إطالة أمد الصراع وزيادة تعقيد الأزمة.
وختامًا، يمكن القول بأن المعطيات الراهنة لا تُرجح حدوث استقرار في المستقبل القريب، خاصةً مع استمرار الصراع القائم بين الجيش والدعم السريع، وفشل مفاوضات التسوية السياسية للأزمة، بالإضافة إلى تعقد الوضع السياسي داخل السودان، وقد تستغل بعض رموز النظام السابق هذا السياق المعقد من أجل تأمين عودتها إلى المشهد السياسي مرة أخرى، مستغلين انقسام القوى السياسية المدنية المتصدرة للمشهد السياسي الحالي في السودان.