دعا الممثل الخاص للأمين العام، ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا “عبد الله باتيلي” إلى جمع قادة المؤسسات الرئيسية في البلاد على “طاولة خماسية” لمناقشة الخطوات المقبلة للعملية الانتخابية، بهدف التوصل إلى تسوية سياسية حول القضايا مثار الخلاف السياسي والمرتبطة بتنفيذ العملية الانتخابية، وذلك بين الأطراف الرئيسية في ليبيا، هم: القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير “خليفة حفتر”، ورئيس المجلس الرئاسي “محمد المنفي”، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية “عبد الحميد الدبيبة”، ورئيس مجلس النواب “عقيلة صالح”، ورئيس المجلس الأعلى للدولة “محمد تكالة”.
وقد أثار تحديد أطراف الحوار ردود فعل متباينة من قبل الجهات المحلية، وكشف عن مجموعة من التحديات التي يتعين معالجتها لضمان اكتمال مقاعد الطاولة الخماسية، ونجاح أحدث محاولات الوساطة الرامية إلى تحقيق اختراق سياسي بين الفرقاء الليبيين في ظل الجمود القائم منذ تعذر إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي كانت مقررة في نهاية عام 2021، وعودة الانقسام الحكومي إلى ليبيا.
مبررات الطاولة الخماسية:
استند باتيلي في دعوته لعقد الاجتماع الخماسي الذي سيخصص لمناقشة الخطوات المقبلة لتنفيذ لعملية الانتخابية، إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2702) الصادر في 30 أكتوبر 2023، والذي حدد الإطار العام للمفاوضات الليبية المرتقبة حول بندين رئيسيين هما:
- التركيز على معالجة نقاط الخلاف القائمة بالقوانين الانتخابية التي أعدتها اللجنة المشتركة بين مجلسي النواب والدولة في (6+6) وأصدرها مجلس النواب في 4 أكتوبر الماضي بما يجعلها قابلة للتطبيق.
- الحصول على ضمانات من الأطراف الرئيسية لتهيئة بيئة مواتية لإجراء الانتخابات من خلال مساعدتهم على الوصول إلى تسوية سياسية حول القضايا التي تعيق تنفيذ العملية الانتخابية.
ولتحقيق هذا الهدف، التزم باتيلي في دعوته بإشراك المؤسسات الرئيسية المعنية بمعالجة الانسداد السياسي، وفق ما ينص عليه الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات عام 2015، و”خارطة الطريق للمرحلة التمهيدية للحل الشامل”، التي أقرها ملتقى الحوار السياسي الليبي في نوفمبر 2020، بالإضافة إلى قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بليبيا.
مواقف الأطراف الليبية:
غلبت التحفظات أو الموافقات المشروطة على مواقف الأطراف الليبية بشكلٍ عام تجاه دعوة باتيلي الجديدة للحوار، سواء من قبل الأطراف الخمسة الرئيسية أو التنظيمات السياسية الأخرى، بما فيها الأحزاب والتجمعات والتكتلات السياسية والاجتماعية، ويكمن هذا التباين في مواقف تلك الأطراف في عدة اعتبارات رئيسية يتمثل أبرزها في النقاط التالية:
- التطلعات المتضاربة للأطراف الليبية تجاه جدول أعمال الوساطة الأممية، حيث ترغب بعض هذه التنظيمات أن يدفع باتيلي نحو إجراء الانتخابات، ويسعى البعض الآخر إلى صياغة ترتيبات سياسية جديدة تشمل إعادة تشكيل السلطة التنفيذية.
- إصرار جميع الأطراف الليبية على المشاركة في المفاوضات السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، وهو ما يمكن فهمه من إعلان هذه الأطراف عن شروط مسبقة قبل الجلوس على طاولة الحوار وتبرير رفضها للحوار المرتقب كونه مقتصرًا على الأطراف التي يحملونها مسئولية الانسداد السياسي الراهن.
- الضغط على البعثة الأممية من أجل توجيه أو ضمان عدم ابتعاد عمليتها عن الإطار الذي يأمل كل طرف أن تصل إليها نتيجة المفاوضات المرتقبة، مثلما حدث إبان مفاوضات القاعدة الدستورية في عام 2022، التي رفض مجلس النواب المشاركة في اجتماعاتها التي كانت مقررة في تونس برعاية البعثة الأممية، وقبل أن يتراجع عن موقفه ويشارك في تلك المفاوضات التي عقدت في القاهرة بعد أن ضمن عدم خروج نتائجها عن التعديل الدستوري الثاني عشر الذي أقره مجلس النواب.
وبالإضافة إلى المواقف المتباينة للتنظيمات السياسية الليبية تجاه دعوة باتيلي، لم يُحدد المشير خليفة حفتر ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة موقفهما من المشاركة حتى الآن، بينما أبدى كل من رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح موافقة مشروطة للمشاركة على النحو التالي:
- محمد المنفي: أبلغ باتيلي خلال لقائهما في 4 ديسمبر برغبته في المشاركة كطرف محايد بين عقيلة صالح وخلفة حفتر من جهة، وبين تكالة والدبيبة من جهة أخرى، وذلك في إطار التزام المجلس الرئاسي “باستراتيجية التوفيق بين الأطراف الليبية عبر سياسات الحياد الإيجابي”، وأكد دعمه للمشاركة الفعالة في الحوار بشكل موسع لخلق أكبر توافق، وتعزيز الاستقرار ومنع عودة الاستقطاب السياسي الحاد.
- عبد الحميد الدبيبة: رحب في كلمة وجهها إلى الليبيين في 28 نوفمبر، بالمشاركة في الاجتماع مشترطًا أن يركز على تعزيز الثقة بين الأطراف المشاركة، ودعم مسار الانتخابات عبر التوافق على إطار دستوري وقانوني عادل لا يُقصي أحد من المشاركة في العملية السياسية والانتخابات، وعدم الدخول في مراحل انتقالية جديدة.
- عقيلة صالح: أبدى في 28 نوفمبر استعداده للمشاركة بشرط أن يضع باتيلي على جدول أعمال الطاولة الخماسية تشكيل حكومة جديدة كبند رئيسي، وإقصاء الدبيبة من المشاركة أو توجيه الدعوة لرئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة “أسامة حماد”.
التحضيرات الأممية:
بالرغم من أن ردود الفعل على دعوة باتيلي تبررها رغبة أطرافها في المشاركة كأطراف رئيسية وتعزيز مواقفها السياسية قبل المفاوضات المرتقبة، إلا أن باتيلي قد حاول احتواء المعارضين للاجتماع المرتقب عبر إجراءين عمليين هما:
- الأول: عقد اجتماع تحضيري لممثلي المنفي والدبيبة وحفتر وعقيلة وتكالة للتباحث بشأن موعد اجتماع لهؤلاء القادة ومكان انعقاده وجدول أعماله، وتحديد المسائل العالقة التي يتوجب حلها لتمكين المفوضية الوطنية العليا للانتخابات من الشروع في تنفيذ قانوني الانتخابات الصادرين عن مجلس النواب، وذلك بهدف تقريب وجهات النظر بين القادة الخمسة قبل الاجتماع الرئيسي الذي سيُحدد بناء على ما سيتوصل إليه اجتماع ممثليهم التمهيدي الذي سيعقد برعاية البعثة الأممية.
- الثاني: تنظيم اجتماع موازي يضم الأحزاب السياسية، والأطراف العسكرية والأمنية الفاعلة، والشيوخ والأعيان، والمكونات الثقافية واللغوية، والأكاديميين وممثلي الشباب والنساء والمجتمع المدني، لتقديم مقترحاتهم حول كيفية تسوية المسائل الخلافية العالقة والتمهيد لإجراء الانتخابات بحيث يتسنى للقادة الخمسة أخذها بعين الاعتبار أثناء مفاوضاتهم.
التحديات الميدانية:
قد يُسهم الاجتماعان التحضيري والموازي، في احتواء المعارضين وتقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية المتطلعة للمشاركة في المفاوضات السياسية، إلا أن ثمة تحديات ميدانية لا تزال يتعين التعامل معها، ويتمثل أبرزها في التالي:
- استمرار الانقسام الدولي بشأن الوضع السياسي في ليبيا، والذي يضعف كثيرًا الوساطة الأممية ويحد من فاعلياتها.
- تضارب أهداف الأطراف الليبية والجهات الأجنبية من الوساطة الأممية، حيث تتطلع أغلب الأطراف الليبية إلى إعادة تشكيل السلطة التنفيذية، في حين يتمسك المجتمع الدولي وخاصةً الولايات المتحدة بتوجيه المفاوضات لتنفيذ العملية الانتخابية.
- عدم امتلاك البعثة الأممية لأي تصورات أو بدائل محدثة لعمليتها في ليبيا، التي تستند إلى قرارات مجلس الأمن والاتفاق السياسي الليبي وخارطة طريق المرحلة التمهيدية للحل الشامل، وهي وثائق وأطر سياسية تجاوزتها الأحداث السياسية في ليبيا وباتت بحاجة إلى التحديث.
وختامًا، فإنه من المبكر الحكم على مدى قدرة الطاولة الخماسية على كسر الجمود السياسي في ظل اختلاف رغبات الأطراف الليبية الخمسة الرئيسية والمجتمع الدولي حول الترتيبات السياسية القادمة، لكن فكرة الحوار وجمع هؤلاء القادة على طاولة مشتركة من شأنها أن تفضي إلى بلورة أفكار جديدة قد تُسهم في إضفاء الزخم على العملية السياسية مرة أخرى، بما يمكن من تطوير آليات التفاوض بين مختلف الفاعلين، وكذا تطوير مواقف مرنة حيال المنافسين، بما ينعكس إيجابيًا على العملية السياسية برمتها.