Search

انعكاسات محدودة: العلاقات التركية الأوروبية في ضوء الحرب على غزة

15/12/2023

تحكم العلاقات التركية الأوروبية جملة من الملامح المتباينة والمسارات المتوازية، وذلك في ضوء الموقف الأوروبي الداعم لإسرائيل في حربها على غزة، في مقابل سياسة تركيا المساندة للقضية الفلسطينية، وهو ما يمكن أن يؤثر على مستقبل انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما أكده مقرر البرلمان الأوروبي حول تركيا “ناتشو سانشيز أمور” في السابع من ديسمبر الجاري بأن لهجة أنقرة الحادة في المسائل الخارجية هي من العقبات الرئيسية أمام تحسن علاقاتها مع بروكسل.

خلافات حادة:

شهدت العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي منعطفًا حادًا في ضوء تأزم محاولات انضمام تركيا إلى الاتحاد، والتي وصلت مفاوضات الانضمام إلى طريق مسدود في عام 2018، وتعليق الحوار مع أنقرة، هذا وقد فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على تركيا في منتصف عام 2019، لقيامها بالتنقيب عن الغاز في المياه القبرصية، كما أوضح تقرير نُشر مؤخرًا تقريرًا عن الجانب الأوروبي أوضح فيه أن معدل التوافق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية قد بلغ 10% فقط في عام 2023.

ويمكن القول إن هذه النسبة المنخفضة ترجع بالأساس إلى المخاوف الأوروبية من تراجع القدرة التركية على تسوية القضية القبرصية واستمرارها في رفض الاعتراف بجمهورية قبرص، وكذا النزاعات البحرية التركية مع اليونان، وأنشطة التنقيب السابقة التي قامت بها أنقرة في المياه المتنازع عليها، يُضاف إلى ذلك حصول القوات الجوية التركية على نظام “S-400” الروسي، مما أدى إلى استبعادها من برنامج الطائرات المقاتلة الشبح “F-35” التابع لحلف الناتو، كما أسهمت عوامل أخرى خلال السنوات الماضية في هذا الموقف الأوروبي تجاه تركيا، مثل الدور التركي في سوريا، وموقفها المبدئي بخصوص انضمام فنلندا والسويد لحلف شمال الأطلسي.

تحسن نسبي:

بدأت العلاقات التركية الأوروبية في التحسن منذ منتصف العام الجاري، في أعقاب الزلزال المدمر الذي شهدته تركيا في مطلع العام، وكذا الانتخابات التي شهدتها تركيا، في مايو الماضي، وأدت إلى فوز “رجب طيب أردوغان” بولاية ثالثة، حيث وافقت تركيا على انضمام كل من فنلندا والسويد إلى الناتو، وتبنت سياسة متوازنة تجاه الصراع في أوكرانيا، وتوسطت في اتفاقية نقل الحبوب، وهو ما فتح المجال أمام إعادة طرح مسألة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وزيادة التعاون معها.

وعلى صعيدٍ متصل، شهدت العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي عددًا من التطورات الإيجابية التي يمكن الإشارة إليها كما يلي:

  • إعادة تحسين علاقات تركيا مع اليونان، وذلك على خلفية الزيارة التي قام بها الرئيس التركي إلى أثينا، حيث أشار رئيس الوزراء اليوناني “كيرياكوس ميتسوتاكيس” في تصريح مشترك مع الرئيس التركي بأن العلاقات الثنائية بين البلدين كانت “مهددة بشكل خطير” في الماضي لكنها أصبحت على “مسار أكثر هدوءًا”، كما أعلنت أثينا أنها اتفقت مع الاتحاد الأوروبي على تمديد تأشيرات السبعة أيام الممنوحة للمواطنين الأتراك لزيارة جزر بحر إيجة، ووقعت اليونان وتركيا إعلان صداقة وستعملان على مضاعفة التجارة الثنائية بينهما إلى 10 مليار دولار.
  • اعتمدت المفوضية الأوروبية والممثل السامي في 29 نوفمبر الماضي، بيانًا مشتركًا بشأن حالة العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، وذلك في إطار متابعة المهمة التي حددها المجلس الأوروبي في يونيو الماضي بهذا الصدد، حيث أوصى البيان بمواصلة واتخاذ المزيد من الخطوات نحو التعامل مع تركيا في المجالات ذات الاهتمام المشترك، مثل التجارة والاستثمارات والهجرة والاتصال والانتقال الأخضر والتحول الرقمي والطاقة، وتيسير الحصول على التأشيرات، مع استئناف الحوارات رفيعة المستوى ومجلس الشراكة التي تم تعليقها في عام 2019.
  • عودة اللقاءات رفيعة المستوى بين تركيا والاتحاد الأوروبي، حيث قام مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الجوار والتوسع “أوليفر فارهيلي” بزيارة أنقرة في بداية شهر سبتمبر الماضي، بهدف تحديد المجالات التي يمكن للاتحاد الأوروبي وتركيا العمل عليها بشكل فوري، مثل تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي.

تطورات غزة:

يُلقي الصراع في غزة بظلاله على العلاقات التركية – الأوروبية، فعلى الرغم من التحسن النسبي الذي سبق وأشرنا إليه، يتباين موقف الطرفين بشكل واضح إزاء أزمة غزة، فبعد استمرار سياسات التصعيد الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، واستمرار استهداف المدنيين في قطاع غزة، اتخذت تركيا سياسة متوازنة في البداية طامحةً إلى تمكنها من لعب دور الوساطة بين الطرفين، إلا أن نهج تركيا قد اتخذ منحنى أكثر دعمًا لغزة، وهو ما ظهر جليًا في خطابات الرئيس التركي المتكررة، والتي أكدت على أن حركة حماس “حركة تحرر وطني” وليست جماعة إرهابية، ووصف إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، ودعوته إلى محاكمة المسئولين الإسرائيليين أمام الجهات القضائية الدولية.

في المقابل، تتخذ بعض الدول الأوروبية الرئيسية موقفًا أكثر دعمًا لإسرائيل، وفي هذا الإطار رأت المفوضية الأوروبية أن خطاب الرئيس التركي الداعم لحركة حماس يتعارض مع النهج الأوروبي، وأنه قد أحبط الطموحات الأوروبية حول الدور المأمول لتركيا بالنسبة لهم، وفي ذات السياق أكد مسئول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل” على أن حركة حماس هي منظمة إرهابية.

وختامًا، وبالنظر إلى التطورات الأخيرة، ورغم التحفظات الأوروبية تجاه سياسة تركيا الخارجية، إلا أن تحسن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي بات ضرورة للجانبين، وهو ما يُرجح استقرار واستمرار الدفع نحو تحسين العلاقات بين الطرفين بالرغم من موقف تركيا إزاء الوضع في غزة، وسيكون لموقف أنقرة انعكاسات محدودة على علاقاتها بأوروبا، وذلك في ضوء العديد من المتغيرات الجيوسياسية التي تجعل من تركيا لاعبًا مهمًا بالنسبة للاتحاد الأوروبي خلال الفترة القادمة، كما لن تسمح تركيا بأن يكون لموقفها من الحرب في غزة تأثير جوهري على جهودها نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والاستفادة من مكاسب عضويته، وهو ما يظهر جليًا في تكثيف تحركاتها تجاه أوروبا بالرغم من استمرار الصراع في غزة، وسعيها للبناء على تعهدات الغرب بالمضي قدمًا في مسألة انضمامها على خلفية موافقتها على انضمام فنلندا والسويد لحلف الناتو.

isr-lebanon
سيناريوهات مطروحة: ماذا بعد المواجهة بين حزب الله وإسرائيل؟
Turkuselections
منظور تركي للانتخابات الرئاسية الأمريكية
tunis-ch-rus
هواجس أوروبية: تونس وتعدد الشراكات الدولية
Iran-President
تحديات السياسة الخارجية الإيرانية
Scroll to Top