تصاعدت لهجة تصريحات الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم “عبد الرزاق مقري” في مواجهة الخط العام الذي رسمته سياسة الدولة الجزائرية منذ عقود طويلة في أكثر القضايا الحيوية للبلاد، لا سيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
مزايدات متوالية:
حرص عبد الرزاق مقري على مناكفة النظام الجزائري في الفترة الأخيرة، وكشف عن ذلك عدة مرات على حسابه الرسمي والمنصات الإلكترونية الإخوانية على موقع الفيس بوك [1]، وقد وجه جملة من الرسائل تؤكد على موقفه الجديد تجاه بعض القضايا، من أبرزها: القضية الفلسطينية، حيث كتب في 8 ديسمبر الجاري مُمليًا على النظام الجزائري الموقف اللازم اتخاذه للرد على الدعم الأمريكي لإسرائيل، خاصةً داخل مجلس الأمن الدولي.
كما شكك مقري بعد زيارة أجراها وفد فلسطيني يتقدمه القيادي ممثل حركة فتح والسلطة الفلسطينية “جبريل الرجوب” في 18 ديسمبر الجاري إلى الجزائر، في فرص تفعيل مبادرة الصلح التي رعتها الجزائر لتوحيد حركات المقاومة الفلسطينية فيما عُرف بـ “إعلان الجزائر للم شمل الفلسـطينيين”[2]، بالإضافة إلى مهاجمته غياب النقاش السياسي عن التحولات الكبيرة التي تعرفها السياسة الجزائرية لاسيما مع الولايات المتحدة عبر سلسلة من المقالات[3].
سياسة التماهي مع السلطة:
تعتبر حركة مجتمع السلم المعارضة من أبرز القوى السياسية ذات المرجعية الإسلامية في الجزائر، وقد تأسست على خطى جمعية العلماء المسلمين في الجزائر – وهي كيان دعوي إخواني – وتشكل ثاني أكبر كتلة نيابية داخل البرلمان الجزائري، وقد عرفت العلاقة بين النظام والحركة استقرارًا منذ عهد الرئيس السابق “عبد العزيز بوتفليقة”، لاسيما أن الحركة قد تماهت مع موقف النظام في نصرة القضية الفلسطينية، ودعم حركات المقاومة من أجل التحرر الوطني، ونبذ الانقسامات بينها[4].
وكان عبد الرزاق مقري خلال توليه رئاسة حركة مجتمع السلم (مايو 2013 – مارس 2023) يفصل ما بين علاقته بالحكومة والرئاسة الجزائرية، فمن جهة، رفض مقري أن تظل الحركة جزءًا من التحالفات السياسية والائتلافات الحكومية التي تشكلت في البلاد، وحرص على توجيه انتقادات قوية لها من داخل البرلمان، ومن جهة أخرى، حرص مقري على بناء علاقات ودية مع الرئاسة الجزائرية، من خلال طلب التواصل المباشر معها في بعض قضايا الداخل، وهو ما فضل الرئيس الجديد للحركة “عبد العال حساني” استمرار العمل به في العلن، وذلك منذ توليه منصبه في مارس الماضي، وقد عزز حساني ذلك التوجه في أعقاب اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، من أجل الإيحاء بأن حركة مجتمع السلم ما زالت على عهدها مع النظام، برغم تصاعد أصداء مزايدات عبد الرزاق مقرى العلنية التي تنتقد السياسة الخارجية للبلاد.
وحاولت الحركة تثبيت ذلك الموقف بعد السابع من أكتوبر الماضي، حينما أعلنت مع بداية الحرب على قطاع غزة أنها تثمن الموقف الرسمي الداعم للقضية الفلسطينية من خلال المساعي الدبلوماسية والبرلمانية والأداء الإعلامي المتواكب، مع دعوة الحركة إلي تفعيل وتعميم أداة المقاطعة الاقتصادية والتجارية الشاملة لمنتجات الشركات الداعمة لإسرائيل[5]، إلا أن الحركة في بيان مشترك مع أحزاب إسلامية أخرى قد دعت إلى “فتح الفضاءات العامة للشعب الجزائري بمختلف فئاته للتعبير عن الموقف الجزائري المناصر للمقاومة الفلسطينية الذي توحد فيه موقف الدولة الجزائرية الرسمي مع الشعبي”[6]، وبالفعل تمكنت الحركة من تنظيم وقفة تضامنية مع الشعب الفلسطيني أمام مقرها بالعاصمة[7].
وختامًا، سيصبح التصعيد بين النظام الجزائري والنخب الإسلامية الباحثة عن زعامات جديدة، أمرًا بارزًا على الساحة السياسية مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، والتي يتوقع أن يترشح فيها الرئيس “عبد المجيد تبون” لولاية جديدة.
[1] من بين هذه المنصات موقع مؤسسة سفراء السلام العالمية، التي عقدت ملتقى دولي افتراضي خلال الفترة (14 – 17) ديسمبر الجاري، قدم خلاله عبد الرزاق مقري ورقة استشرافية لمستقبل الحرب في قطاع غزة.
[2] كما كتب عبد الرزاق مقري أيضاً في 13 ديسمبر الجاري ما يُعلي من أهمية دور حركة حماس في أعمال المقاومة، حيث أورد أنه سنشهد يومًا ما مظاهرات عارمة للفلسـطينيين تعلن ولاء الشعب للمقاومة، مضيفًا أن القضية الفلسطينية كانت تمر بمرحلة خطيرة في تاريخها منذ الاحتلال، وقبل طوفان الأقـصى، أخذ قطاع غزة يتحول إلى وطن قائم بذاته لا ينتظر سوى أن تُضاف إليه أرض سيناء لكي يتجسد مشروع صفقة القرن، وباتت الضفة يأكلها التوسع الاستيطاني …ليصلوا يومًا ما إلى تهجير الفلسطينيين إلى الأردن وغيرها.
[3] “ماذا يحدث بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية”، (1/3)، 14 ديسمبر 2023. متاح على https://makri.net/?p=2077
[4] “الجزائر: حركة “مجتمع السلم” تقرر عدم المشاركة في الحكومة القادمة”، شينخوا.30 يونيو 2021، متاح على https://cutt.us/MrrS2
[5] “حركة مجتمع السلم تثمن الموقف الجزائري الداعم للقضية الفلسطينية”، وكالة الأنباء الجزائرية. 26 أكتوبر 2023، متاح على https://cutt.us/GinoY
[6] “بيان سياسي مشترك بخصوص طوفان الأقصى”، حمس نت. 12 أكتوبر 2023، متاح على https://cutt.us/17zex
[7] “وقفة تضامنية بالجزائر العاصمة مع الشعب الفلسطيني”، الإذاعة الجزائرية. 13 أكتوبر 2023. متاح على https://cutt.us/wQi8w