جاءت الدعوة للتحالف البحري الأخير – برغم وجود أطر شبيهة، مثل القوة 153 – لتعكس أهدافًا أمريكية واضحة، وهي: البحث عن تحالفات سياسية وجيواستراتيجية تمكنها من صياغة ترتيبات أمنية عاجلة، بصرف النظر عن حجم وإطار المشاركة للدول الأعضاء، فضلًا عن تعزيز دور الولايات المتحدة الداعم لأمن إسرائيل وإقرار الترتيبات الأمنية التي قد توفر الحماية لأمنها بعد ما جرى في مواجهات غزة، والتي لم تنته بعد.
وتعمل الإدارة الأمريكية على نقل مساحات التعاون والشراكة لمستوى آخر يختلف عن الترتيبات العابرة، وذلك من خلال إظهار أن الأزمات والتهديدات الراهنة والمحتملة تكاد تكون واحدة بالنسبة لدول الشراكة إضافةً إلى إسرائيل. وتعتمد الولايات المتحدة في جهودها لبناء الصيغ الأمنية الإقليمية المختلفة على نشاط الوجود الأمريكي في الإقليم، والذي يمكن واشنطن وحلفائها من توجيه رسائل للأطراف الإقليمية المناوئة بأولوية المسألة الأمنية بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها وعلى رأسهم إسرائيل.
وقد يؤدي ذلك الأمر إلى مزيد من التوازنات المهمة في الإقليم، ومع ذلك فإنها تضع الجميع في دائرة الاختبار، بدليل إعلان إيران – في المقابل – عن عزمها تشكيل تحالف بحري لحماية أمن الممرات في الإقليم كإجراء مضاد على ما طرحه الجانب الأمريكي، وقد يؤدي ذلك إلى تفاعلات خطيرة، وارتدادات غير مسبوقة على أمن الشرق الأوسط ككل.
يبرز أمن إسرائيل كأولوية متقدمة في السياسات والتقييمات الأمريكية، وبما يفوق أمن أي دولة أخرى في الإقليم، لكن ارتباط المصالح الأمريكية – العربية يجعل السياسة الأمريكية تتحلى بالحذر خلال الفترة المقبلة، خاصةً أن الوجود الأمريكي في المنطقة يرتبط بالضرورة بالمشاركة النشطة لحلفائها وشركائها، وبالتالي فإنها ستكون أكثر مرونة في التعامل مع أي ترتيب أمني جديد ترغب في إقحام إسرائيل به، لاسيما أن تحقيق ذلك الأمر إنما يعني أن الأخيرة ستكون قادرة على العمل في العديد من دوائر التماس والنطاقات الاستراتيجية والجيوسياسية العربية والشرق أوسطية.
ومن المعروف أن مسئولية القيادة المركزية للولايات المتحدة تشمل منطقة الشرق الأوسط، وهذه القيادة تعتبر أبرز مظاهر الوجود الأميركي الفاعل في المنطقة، والمشابه لكثير من مناطق العمليات العسكرية التي تنشط فيها القوات الأمريكية حول العالم.
تأسيسًا على العرض السابق، يمكن القول إن بناء أي تحالف بحري أو غيره من الأطر التي قد تطرحها الولايات المتحدة لاحقًا يأتي في إطار بدء واشنطن في تشكيل سلسلة من الترتيبات الأمنية المرتبطة بالمهام الكبرى للسياسة الأمريكية في بقاع عدة في العالم وليس فقط في الشرق الأوسط، حيث يُتوقع أن تمتد أطر الترتيبات الأمنية إلى مناطق أخرى، مثل: جنوب شرق آسيا ونطاقات الناتو وفي اتجاه القوقاز وكذلك إلى جنوب وشرق منطقة المتوسط، حيث المناكفة مع السياسة الصينية والروسية، على أن يتم ذلك بالتزامن مع أداء أدوار استباقية لتأمين المصالح المشتركة.
وعلى التوازي، ستركز إسرائيل على الدعم والتحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة من أجل تأمين مصالحها وتحركاتها، خاصةً في مناطق الجوار الاستراتيجي التي تمثل أهمية للأمن القومي الإسرائيلي، ونطاقات المصالح البعيدة نسبيًا، مثل جنوب القارة الأفريقية، ووفقًا للتحالف المشترك والممتد بين الجانبين، فإن إسرائيل قد تدفع الولايات المتحدة للإقدام على خطوات هيكلية مهمة، تتشابه مع ما جرى من خروج إسرائيل من ظل القيادة الأوروبية ونقلها إلى القيادة المركزية، وهي الخطوة التي أفرزت تداعيات قد تبدو سلبية في مسار التعاون الأمني بين حلف الناتو وأعضائه وبين إسرائيل، واستفادة الأخيرة من المزايا الاستراتيجية والأمنية لهذا التعاون، ومع ذلك فإن هذه الخطوة قد أتاحت الفرصة لإسرائيل من أجل تنويع شراكاتها في الإقليم، ويبدو أن تل أبيب قد تركت مهمة إصلاح أي تضرر في العلاقات مع الجانب الأوروبي لواشنطن، لتصبح مهمة أمريكية بالكامل.
ومن المتوقع أن يكون هناك حضور عسكري إسرائيلي في مواقع استراتيجية متعددة بناءً على اتفاقات أمنية وعسكرية مع شركاء للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، مما يعني أنه ستكون هناك إعادة تموضع للقوات الإسرائيلية في مناطق متعددة قد تتجاوز حدود منطقة الشرق الأوسط، وستكون إسرائيل حينها قادرة على توجيه رسالة للحكومة الإيرانية، مفادها أن هناك قوة ردع كبيرة، أوجدها التنسيق العسكري بين إسرائيل والولايات المتحدة ودول التحالفات التي تعمل الولايات المتحدة على تشكيلها في المديين المتوسط والطويل الأجل.
وختامًا، فإن الأمن الإقليمي سيرتبط في المقام الأول بقدرة الولايات المتحدة على تحريك مشاهد التحالفات الأمنية والاستراتيجية في المنطقة، وما تواجهه هذه التحالفات من تحديات، كما سيظل رد الفعل الإيراني مرتبطًا بشكل وثيق بطبيعة التحركات الإسرائيلية بالقرب أو داخل ما تعتبره نطاقات استراتيجية لها ولمصالحها، فيما قد تتحرك بعض الدول الحليفة لواشنطن في اتجاه مختلف للرغبات والتحركات الأمريكية والإسرائيلية، في ظل شيوع الإدراك بأن أمن إسرائيل – وليس أمن المنطقة أو أي من دولها – هو الهدف النهائي لأي استراتيجية أمريكية في الشرق الأوسط.