Search

حصاد وتوقعات: اتجاهات الحركة في المنطقة المغاربية عام 2024

08/01/2024

شهد عام 2023 عددًا من الأحداث المهمة على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية داخل دول المغرب العربي، والتي يمكن من خلالها استشراف مسارات الحركة المتوقعة في هذه الدول خلال عام 2024، مع التركيز على الجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا.

اتجاهات الحركة خلال عام 2023:

بناء مؤسسات الدولة: تمكنت تونس من تمرير خريطة الطريق التي رسمها الرئيس “قيس سعيد” لتغيير منظومة الحكم بعد إزاحة تيار الإسلام السياسي، في محاولة لإنهاء سلسلة الأزمات السياسية التي عاشتها البلاد خلال السنوات الماضية، ومن أبرز الخطوات التي انتُهجت في هذا الإطار ما يلي:

1- تشكيل الغرفة الأولى من البرلمان بانتخابات تشريعية مبكرة، عبر قوانين انتخابية، غيرت نظام الاقتراع وأعادت ترسيم الدوائر الانتخابية، وقلصت مقاعد المجلس من 217 إلى 161 مقعد، إلا أنه لم تُشغل 7 مقاعد تعود لدوائر في الخارج بسبب عدم تسجيل ترشيحات فيها[1].

2- اقتراب تشكيل الغرفة الثانية للبرلمان التي سيكون لها دور تشريعي ورقابي بعدد 77 عضو، يتم اختيارهم بصورة غير مباشرة ومتدرجة من المجالس المحلية، وعبر قوانين انتخابية وزعت المحافظات الأربعة والعشرين على خمسة أقاليم مؤسسية، تسهم في إعطاء الأقاليم حقها في التنمية من خلال إشراكها في السياسة العامة وعمليات التنمية المحلية، ويفتح المجال لتكريس توجهات اللامركزية السياسية والاقتصادية، وفي سبيل ذلك نُظمت في ديسمبر الماضي قرعة لاختيار أعضاء المجالس المحلية من ذوي الإعاقة، وأجريت الجولة الأولى من الانتخابات المحلية، فيما تقرر تنظيم الجولة الثانية في فبراير 2024.

3- إقالة رئيس الحكومة “نجلاء بودن” التي جاءت في ظل أوضاع استثنائية لمعاونة الرئيس في إدارة السلطة التنفيذية، فيما عُين “أحمد الحشاني” رئيسًا للحكومة مطلع شهر أغسطس، في إطار الحفاظ على السلم الأهلي وسط تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وسعي تونس نحو توفير موارد بديلة عبر حصر الممتلكات العامة وفتح ملفات الفساد السياسي والمالي مع تفعيل قانون “الصلح الجزائي” لتمكين رجال أعمال من مغادرة السجن مقابل التصالح مع الدولة[2].

التهدئة السياسية: استطاعت موريتانيا إقامة نوع من التهدئة السياسية بين الرئيس “محمد ولد الشيخ الغزواني” والحزب الحاكم – حزب الإنصاف، الذي يسيطر على غالبية المقاعد في الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية – بتوقيع ما عُرف بالميثاق الجمهوري الذي يستهدف إجراء عدة إصلاحات سياسية وانتخابية من أجل تحقيق الاستقرار، كما صدر حكم بالسجن خمس سنوات على الرئيس الموريتاني السابق، بتهم استغلال منصبه في الإثراء غير المشروع.

تطوير الحماية الاجتماعية: تبنت المغرب عدة تحركات من أجل التعامل مع غلاء المعيشة وتراجع القوة الشرائية للمواطن، والتي يستغلها التيار الإسلامي المعارض لتركيز حضوره على الساحة، حيث قامت الحكومة بإحداث تغيير غير مسبوق في سياسات الحماية الاجتماعية، بإعلانها تقديم مساعدات شهرية مباشرة، يبدأ صرفها في عام 2024، وذلك لحوالي مليون أسرة معوزة، كما سعت المغرب لتجاوز الأزمة التي أحدثها الزلزال المدمر في إقليم “الحوز” من خلال الاستعانة بمساعدات دولية وإقليمية، وإنشاء صندوق يختص بإعادة إحلال البنى التحتية المتضررة.

تمكين الدول الحبيسة: أطلقت المغرب مقاربة لتمكين بلدان الساحل الحبيسة (بوركينا فاسو ومالي والنيجر وتشاد) من الوصول إلى المحيط الأطلنطي في نوفمبر الماضي، من خلال عرض الاستفادة من البنى التحتية والموقع الجيوسياسي المغربي، بما يقلل تكلفة التجارة الخارجية لهذه الدول، وفي 23 ديسمبر الماضي تم توقيع اتفاقًا في هذا الإطار، حيث تستهدف المغرب المساهمة في تحقيق الاستقرار بأدوات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمنطقة، بما يسمح أولًا بمد أنبوب غاز عبر غرب أفريقيا، وثانيًا تقييد استغلال التنظيمات الإرهابية سوء الأوضاع في تجنيد المرتزقة، وسعي قوى إقليمية للنفاذ إليها عبر التقارب مع قياداتها العسكرية الجديدة[3].

التقارب المغاربي الروسي: تمكنت الدول المغاربية من تحقيق عدة مكاسب على صعيد العلاقات مع روسيا، إذ ترغب الأخيرة في استغلال تراجع الغرب في المنطقة لمحاولة إطفاء طابع جديد لعلاقاتها بعيدًا عن الأبعاد العسكرية والأمنية، وذلك من خلال اللقاءات التي أجراها كبار مسئولي هذه البلدان خلال عام 2023، والتي أسفرت عن التعهد بأن تحصل تونس على كميات إضافية من الحبوب، وتأكيد روسيا على تأييدها الدور المركزي للأمم المتحدة ودعم جهود المبعوث الأممي للصحراء الغربية، وهو ما يمثل موقفًا متوازنًا كانت تنتظره المغرب، وإحداث تفاهمات موريتانية روسية في فبراير الماضي، وتمكين الجزائر من تحقيق تقارب أكبر مع روسيا وكذا الصين لتوظيف ما حققته من استقرار على الصعيد الداخلي، علاوةً على مكاسبها في مجال تصدير الطاقة بما حفز الرئيس “عبد المجيد تبون” على التعهد بتحسين مستوى المعيشة في 2024 الذي سيشهد أكبر ميزانية في تاريخ البلاد.

التباعد المغاربي الفرنسي: ظل التوتر طابعًا رئيسيًا في العلاقات الفرنسية مع بلدان المغرب العربي خلال عام 2023، لاسيما فيما يخص آليات المعالجة المناسبة لأزمات الهجرة غير الشرعية، برغم وجود عدد من مؤشرات إزالة الجمود على المستوى السياسي بين هذه الأطراف واستمرار تدفق بعض المساعدات الخارجية.

المسارات المتوقعة عام 2024:

تحسن العلاقات الموريتانية المغربية – برغم ما يحيطها من عقبات – في المجالات الأمنية والسياسية، لتحقيق عدة أهداف، منها: التعاون في مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود، وتضييق مساحات الحركة على القوى المنافسة لملء الفراغ الأمني في منطقة الساحل والصحراء وغرب أفريقيا.

مواكبة دول المغرب العربي لمسار التعددية القطبية وتنويع الشراكات الاستراتيجية، عبر إعطاء أهمية أكبر للارتقاء بمستوى علاقاتها مع روسيا والصين، وفي المقابل قد تشهد العلاقات المغاربية الأوروبية خلال العام الجديد تجدد الأزمات الخاصة بتسوية أوضاع المهاجرين لدى الطرفين، أخذًا في الاعتبار محورية هذه الملفات لدى الاتحاد الأوروبي، الذي يقترب من موعد انعقاد انتخابات مؤسساته.

استمرار تراجع تيار الإسلام السياسي في المنطقة المغاربية في ظل أزماته التي يعاني منها على المستويات الهيكلية القيادية، إذ يُرجح أن تعجز حركة النهضة التونسية عن عقد مؤتمرها العام لتزكية قيادات تنظيمية جديدة، بينما قد يتمكن حزب العدالة والتنمية في المغرب من عقد مؤتمره القادم دون أن يتمكن من استرجاع مكانته على الساحة السياسية في ضوء تبعات الانقسامات الداخلية، كما سيتوارى تأثير هذا التيار في الجزائر في مقابل تنامي أدوار قوى اليسار، وسيؤدي ذلك إلى حالة من النشاط والتنافسية السياسية في فترة ما قبل انعقاد الانتخابات الرئاسية.

تبني دول المغرب العربي إجراءات رئيسية على صعيد أولوياتها الداخلية في القطاعات الحيوية، مثل مياه الشرب والري، وذلك من خلال تشديد الرقابة على مخزونات المياه الجوفية، كما ستحافظ تونس والمغرب على خيارها في استقطاب الدعم المالي في ظل الضغوط على المالية العامة، بهدف إنشاء السدود ومحطات تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف لمواجهة الإجهاد المائي الناتج عن زيادة معدلات الجفاف من عام إلي آخر بسبب قلة الأمطار والتغيرات المناخية، والتي أدت إلى تراجع القطاع الزراعي على مستوى العمالة والإنتاج الموجه للسوق الداخلي والخارجي في كلا البلدين، علاوةً على تراجع نصيب الفرد من المياه[4].

حرص دول المغرب العربي على التماهي مع المواقف الشعبية بخصوص الحرب الإسرائيلية في غزة، وسيكون الهدف منذ ذلك هو توضيح مواقف الشعوب المغاربية الرافضة للعدوان الإسرائيلي، وذلك أمام المجتمع الدولي.


[1]  “لأول مرة بعد الثورة… برلمان تونس دون حركة “النهضة” فمن هم النواب الجدد؟”، سبوتنيك. 2 فبراير 2023. متاح على https://2u.pw/blylY8A

[2] “Tunisia’s Hunger Games’, CSIS. 24 July 2023. available at https://2u.pw/rrLGO5j

[3] James Barnett, “Niger’s Coup Is a West African Disaster in the Making”, Hudson Institute. 28 Jul 2023. Available at https://2u.pw/UdBWV9c

[4]  “القطاع الزراعي في المغرب.. تحديات واسعة وآفاق واعدة”، سكاي نيوز عربية. 16 أغسطس 2023، متاح على https://2u.pw/fSFx7wF

migration
الخطط الدولية لإدارة تدفقات الهجرة بين أوروبا وأفريقيا
isr-lebanon
سيناريوهات مطروحة: ماذا بعد المواجهة بين حزب الله وإسرائيل؟
Turkuselections
منظور تركي للانتخابات الرئاسية الأمريكية
tunis-ch-rus
هواجس أوروبية: تونس وتعدد الشراكات الدولية
Scroll to Top