تحظي مجموعة البريكس التي ظهرت علنًا في عام 2006، وعقدت أول اجتماعاتها في عام 2009، بقبول من الدول النامية، حيث أعربت 43 دولة عن رغبتها في الانضمام للمجموعة، بينما تقدمت 23 دولة بطلب العضوية الرسمية، وقد تم الاتفاق علي توسيع عضوية المجموعة في القمة 15 بجوهانسبرج في أغسطس 2023، لتشمل 6 دول أخرى، هم: مصر، وإيران، والسعودية، والإمارات، والأرجنتين، وإثيوبيا، وذلك بدءًا من يناير 2024.
فرص واعدة:
تسهم مجموعة البريكس (قبل توسيع عضويتها) بنحو 23% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وعدد سكانها يُشكل 42% من سكان العالم، كما تمثل تجارة دولها أكثر من 16% من حجم التجارة العالمية،[1]، هذا وتعد المجموعة منصةً للدول النامية لإيجاد حلول ومناقشة القضايا العالمية مثل التجارة والتمويل وتغير المناخ وأمن الطاقة، لذلك، فإن ضم دول جديدة تتمتع بمزايا اقتصادية وجيوسياسية سيسهم في إيجاد فرص أكبر لتوسع مجموعة البريكس عالميًا وزيادة أهميتها.
فانضمام الإمارات والسعودية وإيران لمجموعة بريكس – الأعضاء الأساسيين في منظمة الأوبك – بالإضافة إلى وجود البرازيل كعضو أساسي في البريكس – والتي انضمت حديثًا إلى أوبك بلاس – قد يسهم بشكل أساسي في تقوية نفوذ البريكس، فضلًا عن أن ضم الإمارات والسعودية علي وجه التحديد يُحقق العديد من المزايا للمجموعة، عبر استقرار إمدادات الطاقة لكبار المستهلكين وتحديدًا الصين والهند – المستوردان الرئيسيان للنفط – مما يوفر فرصة أكبر للتأثير في سوق الطاقة العالمي من خلال زيادة التنسيق بين الأطراف المعنية لدعم مصالحها، وهو ما سيسهم بدوره في تقوية العلاقات والتنسيق المستمر بين منظمة البريكس وأوبك.
كما من المتوقع ان تلعب دول مصر والإمارات والسعودية أدوارًا مهمة في مجال الطاقة المتجددة، وهو الأمر الذي يتوقع أن يستمر في العقود القادمة، مما يدعم من أجندة أعمال البريكس التي تهدف لدعم الطاقة الخضراء، ومعالجة قضايا التغير المناخي.
ومن جانب أخر، فإن الموقع الجغرافي الاستراتيجي للدول الأربع في الشرق الأوسط (مصر، والامارت، والسعودية، وإيران)، قد يعزز من حركة الربط التجاري بين الشرق والغرب، وذلك عبر الطرق البرية والبحرية، بما يقلص من زمن وتكلفة الرحلة، ويدعم ذلك أن قناة السويس المصرية تعد عنصرًا مهمًا في دعم حركة التجارة البحرية بين الشرق والغرب، وهي ركيزة أساسية داعم لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية، في ضوء توقعات بتزايد حجم التجارة العالمية بشكل كبير خلال العقود المقبلة، خاصة تلك المنقولة بحرًا، إضافةً إلى تحسن العلاقات بين طهران وجوارها الإقليمي.
كما أن ضم كل من مصر وأثيوبيا – التي تعد مقرًا للاتحاد الأفريقي – يُعزز من الحضور الأفريقي في البريكس، وبما يُسهم في تقوية العلاقات والتنسيق بين مجموعة البريكس والمنظمات الأفريقية المختلفة، ويُشار في هذا الصدد إلى أن مجموعة البريكس تضم ثلاث دول تمثل مناطق أفريقية مختلفة – مصر من منطقة شمال أفريقيا، وأثيوبيا من منطقة شرق أفريقيا، ودولة جنوب أفريقيا من منطقة جنوب القارة – وبالتالي، فإنه لا يُستبعد أن يتم ضم ممثلين عن باقي المناطق الأفريقية في الفترة المقبلة، سواء من غرب أو وسط أفريقيا، وقد تكون نيجيريا هي المرشح الأبرز للانضمام.
إن فرص التشابك بين دول المجموعة وتعميق العلاقات قد يتبلور من خلال سعي العديد من الدول المنضمة حديثًا للمجموعة إلى تنويع اقتصاداتها، وتعزيز عمليات التحديث في القطاعات المختلفة، وهو ما سيعزز من التعاون والتشبيك بين دول المجموعة، وبالتالي زيادة تأثيرها في الاقتصاد العالمي ككل.
تحديات متشابكة:
عكست المفاوضات بشأن توسعة عضوية البريكس بين الدول الرئيسية الخمسة للمجموعة عن وجود بعض مظاهر التباين في الرؤى والتوجهات – السياسية والاقتصادية والاستراتيجية – مما قد يُصعّب من عملية التوافق والإجماع حول قرارات معينة،فمثلًا، فيما يخص عملية توسع المجموعة، فقد كانت الصين تطمح إلى انفتاح أكبر وتشجيع ترشيح عشرات الدول في محاولة منها لتعزيز مواجهة العقوبات الغربية، وفي الوقت نفسه، لم يُقابل هذا التوجه الصيني بنفس الحماسة من البرازيل والهند، وسعتا نحو استقطاب جنوب أفريقيا من أجل اتخاذ موقف مشابه.
وعلى الرغم من أن انضمام دول جديدة إلى المجموعة يعزز من ثقلها الاقتصادي والسياسي، إلا أن ذلك الأمر يواجه بعددٍ من التحديات، والتي من أبرزها: اختلاف درجة النمو الاقتصادي للدول الجديدة علي عكس الدول الخمس الأساسية، والتي كانت تحقق معدلات نمو متقاربة إلى حد كبير باستثناء النمو الاقتصادي المميز للصين، كما أنها ستحتاج في مرحلة ما إلى معايير واضحة ليتم على أساسها اختيار الأعضاء الجُدد الراغبين في الانضمام إليها مستقبلًا، مما سيترك الباب مفتوحًا أمام قرارات التوسع في كل دورة رئاسية جديدة، وهذا من شأنه إثارة مسألة صنع القرار علي أساس توافق الأراء، وقد تُثار مسألة أخرى تتعلق بتحويل مجموعة البريكس من اتحاد إلى منظمة لها أمانة عامة.
ويُنظر للبريكس في الوقت الراهن إلى كونها منافسًا جديدًا لمجموعة السبع (الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وايطاليا، وكندا، واليابان)، حيث تُشير البيانات الصادرة عن شركة “أكورن ماكرو” للاستشارات (مقرها في بريطانيا) إلى أن مساهمة مجموعة البريكس في الناتج المحلي الإجمالي العالمي تتجاوز مساهمة مجموعة السبع[2]، وبالتالي فإن محاولة البريكس بلورة دورها في بيئة تنافسية حادة قد يسفر عنه بروز تحديات جديدة، فقد تقوم دول مجموعة السبع بتشديد العقوبات علي بكين وموسكو لدورهما المتزايد في المجموعة، وذلك تحت مبررات أخرى لا ترتبط بالضرورة بهذا الدور.
كما قد تُواجه مؤسسات التمويل التابعة للبريكس – بنك “التنمية الجديد” الذي تم إنشاؤه عام 2014 برأس مال نحو 50 مليار دولار – بضغوط من الدول الغربية التي تسعي للحفاظ علي هيمنتها علي الاقتصاد العالمي من خلال المؤسسات الاقتصادية والمالية التي تسيطر عليها، لا سيما في ظل منافسة مؤسسات البريكس فيما يتعلق بتمويل مشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة.
وختامًا، يمكن القول أنه علي الرغم من التحديات التي تواجه مجموعة البريكس، إلا أنها نجحت بالفعل في اجتذاب بعض الدول التي تحظى بأهمية جيوسياسية واقتصادية في نطاقاتها الإقليمية، ومن المتوقع أن ينعكس توسع المجموعة على ثقلها في مناقشة القضايا العالمية في المستقبل القريب.
[1] “2023 World: BRICS – De-dollarization Summit”, Eurasia review. 13 September 2023. Available at https://www.ifimes.org/en/researches/2023-world-brics-de-dollarization-summit/5205
[2] “BRICS to discuss dollar alternatives at August summit: Russia”, Global Times. 23 July 2023. Available at https://www.globaltimes.cn/page/202307/1294900.shtml