شهدت منطقة الشرق الأوسط متغيرًا إضافيًا في الآونة الأخيرة، تمثل في تكثيف نشاط تنظيم داعش في العراق وسوريا، في ظل توجه ملموس من التنظيم لتصعيد هجماته، وهو ما يتزامن مع متغير الصراعات المسلحة في الإقليم، لا سيما الحرب الإسرائيلية في غزة، ففي الأسبوع الثاني من يناير 2024، تبنى التنظيم ما يزيد عن 51 عملية إرهابية في الشرق الأوسط، وهو ما يكشف عن العديد من الدلالات.
مؤشرات التصعيد:
تبنى تنظيم داعش الإرهابي في الأسبوع الثاني من يناير 2024 تنفيذ ما يقارب من 105 عملية إرهابية[1]، جاءت نحو نصف هذه العمليات في منطقة الشرق الأوسط، حيث أعلن التنظيم أن فروعه الرئيسية في سوريا والعراق نفذت 51 عملية إرهابية، بالإضافة إلى تنفيذ هجوم في الداخل الإيراني، والذي راح ضحيته أكثر من 360 شخصًا بين قتيل وجريح.
ويعد هذا الحجم من العمليات المتبناة في الشرق الأوسط هو الأكبر مقارنةً بالأسبوع الذي يسبقه، حيث تبنى التنظيم هجومين فقط في سوريا والعراق (إضافةً إلى 9 هجمات في أقاليم أخرى)، بل والأكبر في عدد الهجمات التي تبناها التنظيم خلال خمسة أسابيع (الفترة من 1 ديسمبر 2023، وحتى 4 يناير 2024)، حيث أعلن التنظيم تنفيذ (85) هجوم خلال الأسابيع الخمس، منها (19) هجوم فقط في سوريا والعراق.
احصائيات العمليات الإرهابية التي تبناها تنظيم داعش خلال الستة أسابيع الماضية
(الفترة من 1 ديسمبر 2023 وحتى 11 يناير 2024)
وتوضح البيانات السابقة أن الأسبوع الثاني من يناير قد شهد تضاعف عدد العمليات التي تبناها التنظيم بشكل أسبوعي، وكذا حدوث تحول نوعي في عودة تركيز التنظيم مرة أخرى على منطقة الشرق الأوسط، خاصة في سوريا والعراق، حيث تتواجد المعاقل الرئيسية للتنظيم، وهو الأمر المتناغم مع تصعيد عدد عملياته في غرب أفريقيا، فيما شهد الأسبوع نفسه عودة نشاط التنظيم وإن كان محدودًا في كل من وسط أفريقيا وموزمبيق وأفغانستان.
وبمقارنة عدد العمليات الإرهابية التي تبناها تنظيم داعش خلال النصف الأول من يناير 2024، وبين الفترة ذاتها خلال الثلاثة سنوات الماضية، نلاحظ أن تنظيم داعش قد تبنى في النصف الأول من يناير 2024 عددًا أكبر من العمليات الإرهابية، من تلك التي تبناها خلال السنوات الثلاثة الماضية، فقد تبنى خلال النصف الأول من يناير 2024 ما يقارب من 116 في مختلف الأقاليم.
عدد العمليات الإرهابية التي تبناها تنظيم داعش خلال أول أسبوعين في شهر يناير خلال سنوات مختارة
وبالرغم من أن البيانات الواردة هي لفترات صغيرة، إلا أنها تؤشر على توجهات جديدة للتنظيم، قد تتعرض تلك التوجهات لمحفزات تزيد من تعميقها، مثل تزايد المخاطر واندلاع الصراعات المسلحة في المنطقة كما الحال في الصراع في غزة أو نتيجة اضطرابات داخلية وأزمات اجتماعية، وقد يتعرض التنظيم لضغوط تؤثر على استمرار وتيرة نشاطه في الإقليم، ومن ثم دفعه للعودة إلى استراتيجيته في العمل النوعي والمحدود، ومن بين تلك الضغوط تزايد جهود مكافحة الإرهاب، واستهداف قيادات التنظيم، وغالبًا ما يؤدي ذلك إلى إرباك التنظيم ودفعه نحو التراجع والكمون.
سياق التصعيد:
يأتي تصعيد تنظيم داعش عملياته في الفترة الأخيرة – لا سيما في منطقة الشرق الأوسط – في ظل سياقات متشابكة، حيث يتزامن هذا التصعيد مع ما يلي:
- بداية العام الجديد وهي الفترة التي يستهدف من ورائها التنظيم تنفيذ عمليات تحقق له رواجًا إعلاميًا، وعودة ظهور المتحدث الرسمي للتنظيم الأم في سوريا والعراق، “أبو حذيفة الأنصاري”، في 4 يناير الجاري في إصدار جديد، وهو الظهور الثاني للمتحدث باسم التنظيم منذ توليه المنصب في أغسطس 2023، كما أن العمليات التي تبناها التنظيم في الفترة التي تلت نشر الإصدار، هي بمثابة ترجمة للرسائل التي تضمنها.
- تزايد العمليات الهجومية التي تنفذها التنظيمات المسلحة ضد الأصول العسكرية لقوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في كل من العراق وسوريا، وذلك على أثر تصاعد وتيرة الحرب الإسرائيلية على غزة، والتي أدت أيضًا إلى تنفيذ الحوثيين العديد من الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر، والتي بلغت نحو 27 هجومًا منذ 19 نوفمبر الماضي.
- تفعيل العراق اللجنة الثنائية المعنية بمراجعة الوجود الأمريكي في العراق، وتأكيد دعوة رئيس الوزراء العراقي لإنهاء هذا التواجد قريبًا في أعقاب استهداف القوات الأمريكية للقيادي في حركة النجباء “أبو تقوى”.
دوافع مركبة:
يستهدف التنظيم من إعادة تفعيل خلاياه في الشرق الأوسط تحقيق أكبر قدر ممكن من الدعاية الإعلامية، وبث رسالة توحي بقدرة التنظيم على العودة والاستمرار في تنفيذ العمليات الإرهابية، وهو ما يساعده على تحقيق هدف آخر، وهو تجنيد عناصر جديدة، واستقطاب مناصرين جدد، وضمان استمرار تشغيل عناصره والحفاظ على تماسكه (يرغب تنظيم داعش في استغلال تراجع نشاط تنظيم القاعدة في منطقة الشرق الأوسط لصالحه، واجتاب مقاتلي القاعدة الذين قد ينشقوا عنها)، من خلال إرضاء طموحات مقاتليه المتطلعين إلى تنفيذ عمليات، حيث أن عودة نشاط التنظيم في سوريا والعراق تحمل رمزية التأسيس للتنظيم، والتي انتشر منها في باقي دول الإقليم.
كما يأمل التنظيم من إعادة انتشار نشاطه في الإقليم في استكمال الطوق الجغرافي لنشاطه من حيث تأكيد حضوره في مناطق الشرق الأوسط، وغرب ووسط أفريقيا، وجنوب شرق آسيا – حتى وإن لم يسيطر على الأرض – وهو ما يضمن مستقبلًا موارد ضخمة للتنظيم، سواء بشرية أو لوجيستية أو مادية، كما يؤمن هذا الطوق استمرار بقاء أيديولوجيا التنظيم وصعوبة القضاء عليها.
احتمالات العودة:
تتعرض أنشطة التنظيمات الإرهاب للعديد من العوامل والمتغيرات التي تمثل حافزًا نحو تمدد هذا النشاط أو انكماشه، وفي هذا الإطار، يُتوقع أن يتأثر نشاط تنظيم داعش في الشرق الأوسط خلال الفترة القادمة بجملة من المتغيرات، أهمها تطورات ومآلات الحرب الإسرائيلية في غزة ومدى قدرة المجتمع الدولي على احتواء مخاطر تمدد الحرب إقليميًا، وكذا حالة الاستقرار السياسي والاجتماعي في الإقليم، وتعاظم الجهود الإقليمية لمكافحة التهريب عبر الحدود وتمويل الإرهاب، وكذا معالجة أزمة اللجوء والنازحين الناجمة عن الصراعات الدائرة في الإقليم.
وفي هذا الإطار من المرجح أن يسعى التنظيم إلى ما يلي:
- تركيز عملياته على المناطق التي تحمل دلالات رمزية في الشرق الأوسط، مثل سوريا والعراق، وذلك من خلال تنفيذ هجمات نوعية ضد قوات الأمن، وكذا استهداف التنظيمات المناوئة له، بالإضافة إلى توسع تنفيذ عمليات دعائية طائفية.
- محاولة اختراق الساحة السودانية، مستغلًا الصراع المسلح هناك، وكذا محاولة العودة للمشهد في الصومال في ظل استمرار العملية العسكرية التي تشنها الصومال ضد معاقل حركة الشباب، وقرب انسحاب القوات الأفريقية من البلاد.
- اتجاه التنظيم إلى تنفيذ عمليات نوعية في عدد من البلدان بالإقليم، والتي يرغب بالعودة إليها لا سيما بعد القضاء على خلاياه فيها، مثل اليمن وليبيا.
وختامًا، فإنه من المرجح أن يعتمد التنظيم بشكل أساسي على عمليات مباغتة وتقليدية، تحقق رواجًا دعائيًا، في حين من المستبعد أن يقوم التنظيم بتنفيذ عمليات سيطرة ميدانية في الإقليم، لا سيما في ضوء ضعف هياكله الداخلية في أعقاب الضربات التي نُفذت ضد قيادات التنظيم، وكذا تراجع قدرات التنظيم اللوجيستية والمالية والبشرية نتجية جهود مكافحة الإرهاب في الإقليم ككل.
[1] لا يتبنى التقرير صحة الأرقام المعلن عنها من قبل التنظيم عبر صحيفته الإعلامية الرسمية (صحيفة النبأ) حيث يسعى التنظيم لتضخيم التنظيم نشاطه، ولكن يتم الاستناد إليها كونها تؤشر على كيفية رؤية التنظيم لنشاطه في الإقليم، ومناطق انتشاره ونفوذه.