أعلنت الحكومة الإثيوبية برئاسة “آبي أحمد” التوقيع على مذكرة تفاهم (اتفاق مبدئي) مع رئيس أرض الصومال في مطلع شهر يناير الجاري، للحصول على مساحة 20 كم مربع بالقرب من ميناء بربرة المطل على خليج عدن، واستخدامها لأغراض تجارية أو كقاعدة عسكرية، وفي المقابل الإعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة، وحصولها على حصة في الخطوط الجوية الإثيوبية.
تأمين الحصول على منفذ بحري:
تهدف مذكرة التفاهم الموقعة بين إثيوبيا وأرض الصومال، بشكل رئيسي إلى تأمين حصول إثيوبيا على منفذ بحري على البحر الأحمر، بما يضمن لها التحول من دولة حبيسة إلى دولة ساحلية، هذا إلى جانب تحقيق مجموعة متنوعة من الأهداف السياسية والاقتصادية والأمنية، ومن أبرزها ما يلي:
1-تحقيق مكاسب مالية، حيث يمهد الاتفاق الطريق أمام إثيوبيا نحو تحقيق عدد من المكاسب الاقتصادية، أبرزها:
- أن ميناء “بربرة” في أرض الصومال من شأنه توفير منفذ تجاري لتصدير الزراعة والماشية، وبالتالي تسهيل حركة التجارة مع منطقة الجنوب والجنوب الشرقي لإثيوبيا، وربط للمنطقة الشرقية من إثيوبيا (إقليم صوماليا الإثيوبي) بأديس أبابا من خلال استثمارات بقيمة 80 مليون دولار وهي عبارة عن طريق بري بطول 500 ميل تقريبًا، يربط بين ميناء بربرة وبين مدينة توجوشال الحدودية الإثيوبية، مما يوفر منفذًا تجاريًا إضافيًا للتجارة الإثيوبية.
- خفض تكلفة استخدام إثيوبيا لميناء جيبوتي لتسهيل عملياتها التجارية، خاصة وأن جيبوتي تمر بها 95% من حركة التجارة الإثيوبية مع العالم الخارجي، حيث يعد ميناء “بربرة” منافسًا قويًا لميناء جيبوتي.
2-بناء القوات البحرية الإثيوبية، حيث تتيح مذكرة التفاهم حصول إثيوبيا على مساحة بحرية تبلغ 20 كم مربع، ولقد كانت إثيوبيا تعمل طوال الفترة الأخيرة على تطوير قواتها البحرية وبالتالي فإن لديها فرصة لإحياء أسطولها البحري الذي تم حله بعد استقلال إريتريا عن إثيوبيا عام 1993، كما سيسمح هذا الاتفاق بإعادة تفعيل الاتفاق الموقع بين إثيوبيا وفرنسا في عام 2019 بقيمة 96 مليون دولار لمساعدة أديس أبابا على بناء قوة بحرية حديثة.
3-تأمين وصول إثيوبيا إلى البحر الأحمر، حيث تتيح مذكرة التفاهم استحواذ إثيوبيا على مساحة حوالي 20% من ميناء بربرة المطل على خليج عدن عند مدخل البحر الأحمر المؤدي إلى قناة السويس، وبالتالي تستطيع إثيوبيا إيجاد موطئ قدم لها في منظومة البحر الأحمر.
4-تعزيز الشراكة السياسية والاقتصادية والأمنية بين إثيوبيا وشركائها على الصعيدين الإقليمي والدولي، بما يسهم في حماية المصالح الإستراتيجية لإثيوبيا، ومن ثم اكتساب مكانة إقليمية في منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا.
تحركات صومالية:
أثار الإعلان عن مذكرة التفاهم رد فعل الحكومة الصومالية التي سارعت للتعبير عن رفضها لها، حيث اتجهت الصومال إلى التصعيد السياسي ضد كل من إثيوبيا وأرض الصومال، واتخذت تحركاتها المسارات التالية:
1-تحركات قانونية، تمثلت أولى هذه التحركات في إعلان الرئيس الصومالي أن هذه المذكرة تعد انتهاكًا لسيادة الصومال ووحدة أراضيها، لأن أرض الصومال الإنفصالية لا تزال تخضع للسيادة الصومالية وفقًا للدستور الصومالي، مع التأكيد على حق الصومال في الدفاع عن سيادتها بشتى الوسائل القانونية الممكنة، هذا إلى جانب توقيع الرئيس الصومالي على قانون بشأن إلغاء الاتفاق المبدئي الموقع بين حكومة إثيوبيا وإدارة أرض الصومال، ووافق عليه أعضاء مجلسي الشعب والشيوخ الصوماليين.
2-عقد اجتماعات أمنية طارئة، لبحث تداعيات مذكرة التفاهم على الأمن القومي للصومال، حيث عقد الرئيس الصومالي اجتماعًا طارئًا مع قادة القوات المسلحة الصومالية، والتي تزامنت مع اجتماع رئيس أركان جيش أرض الصومال اللواء “نوح إسماعيل تاني” مع نظيره الإثيوبي “برهانو جولا” في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، مع الترويج للاجتماع على أنه قد جاء في إطار التنسيق وتعزيز التعاون العسكري بين أديس أبابا وهرجيسا، وصياغة مواقف مشتركة للدفاع عن حق كل من إثيوبيا وأرض الصومال في التوقيع على هذا الاتفاق الذي يحقق مصالح مشتركة لكل منهما والتأكيد على عدم تراجع أي من الطرفين عن هذا الاتفاق.
3-تصعيد دبلوماسي، حيث قامت الحكومة الصومالية باستدعاء السفير الصومالي لدى إثيوبيا كنوع من الاعتراض والاحتجاج الدبلوماسي على التحركات الإثيوبية الساعية إلى التأثير على الاستقرار والسلام منطقة القرن الأفريقي، وذلك وفقًا لتصريحات رئيس الوزراء الصومالي “حمزة عبدي بري”.
4-حشد الدعم الإقليمي والدولي، حيث طالبت الصومال جامعة الدول العربية والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيجاد بدعم الموقف الصومالي، ومساعدتها في الحفاظ على سيادتها ووحدة أراضيها، وقد نجحت هذه التحركات في حصول الصومال على دعم واضح في هذا الشأن، وهو ما تمثل في ردود أفعال جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والإيجاد، والتي اتسمت في مجملها بالتأكيد على رفض الاتفاق واعتباره غير قانوني، وأهمية الحفاظ على وحدة وسيادة الأراضي الصومالية، كما ترتب على التحركات الصومالية على الصعيد الدولي، دعوة كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة كافة الأطراف لإجراء حوار سلام فعال لتجنب أي عمل قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي، والتأكيد على دعم وحدة الأراضي الصومالية، وقد اعترفت الحكومة الإثيوبية بتعرضها لضغوط إقليمية ودولية كبيرة لإلغاء مذكرة التفاهم، ورغم ذلك فإنها ستظل ملتزمة بتنفيذ الاتفاق مع أرض الصومال.
5-زيارات خارجية، سارع الرئيس الصومالي إلى التحرك الدبلوماسي على الصعيدين الإقليمي والدولي، حيث زار إريتريا للبحث في كيفية التنسيق مع أسمرة لمواجهة التحركات الإثيوبية، خاصةً أن إريتريا عبرت عن رفضها لهذه التحركات من قبل، عندما أفصح رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قبل عدة أشهر عن خطط بلاده الرامية للوصول إلى ساحل البحر الأحمر سواء كان ذلك بالتعاون الإقليمي أو بقوة السلاح، وهو ما أثار حفيظة إريتريا والصومال في ذلك الوقت.
وختامًا، تكشف مذكرة التفاهم عن تطلعات إقليم أرض الصومال نحو تعزيز علاقاته بدول الجوار الإقليمي، وتوظيف ذلك للحصول على الاعتراف الدولي به كدولة مستقلة، كما تكشف تحركات الأطراف المعنية المختلفة عن اتجاه الأوضاع السياسية والأمنية في منطقة القرن الأفريقي نحو التصعيد والتوتر بين دول هذه المنطقة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تأجيل المفاوضات المباشرة التي كانت ستُعقد بين الحكومة الصومالية وبين إقليم أرض الصومال برعاية الوسيط الجيبوتي في نهاية يناير الجاري لتسوية القضايا الخلافية بينهما.