Search

مشهد ما بعد الهجمات الصاروخية المتبادلة بين إيران وباكستان

18/01/2024

أعلنت باكستان في 18 يناير الجاري عن سلسلة من الضربات العسكرية الدقيقة والمنسقة على عدة مخابئ للانفصاليين في “سيستان” و”بلوشستان” داخل الحدود الإيرانية، وتحديدًا في مدينة “سارافان”، حيث أسفرت الهجمات عن مقتل 9 أشخاص من غير الإيرانيين، وتأتي الهجمات الباكستانية بعد قيام إيران باستهداف جماعة “جيش العدل” داخل الحدود الباكستانية بهجمات صاروخية، الأمر الذي أسفر عن سقوط عدد من الضحايا.

سياق مضطرب:

تأتي الهجمات الإيرانية والباكستانية المتبادلة في ظل سياق داخلي وخارجي مضطرب لكلا البلدين أسهم في تأجيجه الأوضاع في جواريهما الإقليمي، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

  • تفجيرات كرمان: أدى حجم ونطاق التفجيرين الإرهابيين في مدينة كرمان الإيرانية إلى تزايد الضغوط على القيادة الإيرانية، حيث أسفر التفجير عما يقرب من 100 قتيل، وهو واحد من الهجمات الإرهابية الأكثر دموية في تاريخ إيران بعد الثورة الإسلامية.
  • حالة عدم الاستقرار السياسي في باكستان: امتدت هذه الحالة منذ عام 2022 بعد إقالة رئيس الوزراء الباكستاني “عمران خان”، وما تبع ذلك من حالة عامة من التوتر السياسي في الشارع الباكستاني بعد القبض على عمران خان ومحاكمته بتهم تتعلق أغلبها بالفساد وإفشاء أسرار الدولة.
  • التوترات في الشرق الأوسط: وذلك من حيث الاغتيالات المتكررة لقادة مؤثرين في محور المقاومة، والتي بدأت باغتيال إسرائيل للعميد في الحرس الثوري الإيراني في سوريا “راضي موسوي” ثم اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس صالح العاروري” ثم الاغتيال الأمريكي للقائد العسكري في حركة النجباء “مشتاق طالب السعدي”، فضلًا عن التوترات في البحر الأحمر، حيث أدت الضربات الامريكية – البريطانية الأخيرة على مواقع لجماعة الحوثي في اليمن إلى زيادة التوترات في منطقة البحر الأحمر، لا سيما في ضوء تكرار الضربات واعتزام الولايات المتحدة استمرار استهداف جماعة الحوثي طالما استمرت في استهداف السفن في البحر الأحمر.

دوافع متعددة:

برزت انتقادات عدة تجاه الحكومة الإيرانية بعد تفجير كرمان، حيث أُلقي اللوم عليها بسبب عدم قدرتها على منع الهجوم الإرهابي، خصوصًا أن الانفجار قد جاء متزامنًا مع ذكرى مقتل قاسم سليماني، وعلى الرغم من تنظيم داعش خراسان قد تبنى هجوم كرمان، وينشط بشكل أساسي في أفغانستان، فإنه من الواضح أن اختيار إيران لقصف باكستان عوضًا عن أفغانستان يأتي مدفوعًا بعدم رغبة إيران في إثارة التوتر مع حركة طالبان، حيث شابت العلاقات بين إيران وأفغانستان توترات بعد اتهام إيران لطالبان بمنع حصتها في نهر هلمند، علاوةً على ذلك فقد اندلعت اشتباكات حدودية بين طالبان وقوات من الحرس الثوري الإيراني أسفرت عن قتلى من كلا الجانبين، إلا أن العلاقات قد شهدت قدرًا من التحسن في الآونة الأخيرة بعد القبض على خلية تجسس تابعة للموساد وتفكيكها داخل الأراضي الأفغانية بالتعاون بين إيران وطالبان، وما تبع ذلك من اجتماعات ببين مسئولين إيرانيين ومسؤولين من طالبان لحل القضايا محل الخلاف من ضمنها قضية المياه، لذا فإن إيران قد ارتأت عدم استفزاز طالبان.

بالنسبة للجانب الباكستاني، فإن الضربات الصاروخية الإيرانية ولدت حالة من الغضب الشعبي داخلها، وهو غضب تتحسب منه النخبة الحاكمة في باكستان، حيث لا تزال تعاني باكستان بالفعل من حالة توتر سياسي تتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية والتي ستحدد رئيس الوزراء القادم، لذا فإن النخبة السياسية الحالية ترغب في إظهار القوة من أجل تأمين أصوات الناخبين، كما تتحسب باكستان من أن يؤدي التهاون في الضربات العسكرية الإيرانية على أراضيها إلى فتح الباب مستقبلًا أمام المزيد من الهجمات الإيرانية داخل حدودها، كما تدرك باكستان أن السماح بمرور هذه الضربات دون رد قد يشجع الهند – منافس باكستان – للقيام بضربات مماثلة داخل الأراضي الباكستانية بحجة وجود جماعات مسلحة مناوئة لها.

وختاماً، يمكن الإشارة إلى أنه من غير المرجح أن تؤدي الضربات الصاروخية بين إيران وباكستان إلى توسع التوتر بين البلدين، ووصوله إلى حرب مفتوحة بينهما، وذلك بسبب العلاقات الجيدة بين البلدين في المجمل، وهو ما تظهره تصريحات المسئولين في كلا البلدين والتي أشارت بشكل غير مباشر بعدم الرغبة في التصعيد بينهما، فضلًا عن إدراكهما مغبة سلوك مثل هذا الطريق، إذا يتواجد داخل كل دولة مجموعات مسلحة معادية للدولة الأخرى، مما يعني أن أي استهداف لأراضي أي طرف بحجة وجود جماعات مسلحة مناوئة للطرف الأخر، سيدخل الطرفين في حلقة مفرغة من العنف والعنف المضاد.

sud-conf
مسارات متعددة: هل تنجح مبادرات وقف الصراع في السودان؟
eur-elec
الانتخابات الأوروبية: تداعيات داخلية وخارجية
Electionsbrit
انعكاسات الانتخابات البريطانية على قضايا الشرق الأوسط
Ethiopia-and-Somalia-talks
هل تُستأنف الوساطة التركية بين إثيوبيا والصومال مجددًا؟
Scroll to Top