تستضيف الكونغو برازافيل في 5 فبراير 2024، اجتماعًا لبحث القضية الليبية، بمشاركة ممثلين عن الأطراف المحلية، وقادة دول الجوار، والدول الأعضاء في اللجنة الأفريقية رفيعة المستوى بشأن ليبيا، والتي تضم في عضويتها 10 دول هي: مصر، والجزائر، وجنوب أفريقيا، والكونغو برازافيل، وإثيوبيا، والنيجر، وموريتانيا، والسودان، وتونس، وأوغندا.
وتتطلع الكونغو برازافيل التي تترأس اللجنة الأفريقية رفيعة المستوى المعنية بليبيا، إلى إنقاذ عملية المصالحة الليبية التي يرعاها الاتحاد الأفريقي، بعدما تأثرت مسيرتها سلبًا باستمرار الجمود السياسي في ليبيا منذ عام 2022، وهو ما يثير تساؤلات بشأن قدرة الدبلوماسية الأفريقية على إنجاز هذا الملف، باعتباره خطوة ضرورية لحلحلة الوضع الراهن، والمساعدة في تخطي الجمود ودفع العملية السياسية قدمًا نحو إجراء الانتخابات.
مسار المصالحة:
عقدت اللجنة التحضيرية لمؤتمر المصالحة الليبية منذ يوليو 2023، خمسة اجتماعات، وجرى تدشين سلسلة هذه الاجتماعات بلقاء تمهيدي عُقد في برازافيل، وأربعة اجتماعات عقدت في كل من طرابلس وبنغازي وسبها وزوارة، بمشاركة ممثلين عن جميع الأطراف الليبية، وبرعاية المجلس الرئاسي واللجنة الأفريقية رفيعة المستوى بشأن ليبيا برئاسة الكونغو برازافيل، والتي مثلها في اجتماعات اللجنة داخل ليبيا وزير الخارجية جان كلود جاغوسو ووفد من الاتحاد الأفريقي ضم الممثلة الخاصة لرئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي في ليبيا “وحيدة العياري”، ومدير ديوان رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي “محمد الحسن لبات”.
وخلال تلك الاجتماعات ناقشت اللجنة التحضيرية عدة ملفات رئيسية ترتبط بقضية المصالحة، وتناولت عدة محاور رئيسية، أبرزها:
- آلية عمل اللجنة التحضيرية واللائحة الداخلية المنظمة لها.
- تحديات عملية المصالحة الوطنية وسبل مواجهتها، والتي يتمثل أبرزها في الاستقطاب المجتمعي وغياب الثقة بين الأطراف، وضعف المؤسسات والأجهزة المعنية بدعم المصالحة، وجمود العملية السياسية.
- مناقشة مشروع قانون المصالحة الوطنية الذي يعمل عليه المجلس الرئاسي استعدادًا لإحالته إلى مجلس النواب لإقراره في وقت لاحق.
- تشكيل لجان فرعية تتولى العمل على الملفات الرئيسية لعملية المصالحة الوطنية وتحديد مسئولياتها والقائمين عليها.
- الترتيبات اللازمة للمؤتمر الوطني الجامع للمصالحة الوطنية المقرر عقده في سرت في 28 أبريل المقبل، وكذلك الاجتماع السادس للجنة التحضيرية للمؤتمر الذي سيعقد في مدينة مصراتة يوم 26 يناير.
بالإضافة إلى تلك الملفات التي تجري مناقشاتها خلال الاجتماعات التحضيرية لمؤتمر المصالحة منذ يوليو 2023، برزت خلال الأسابيع الأخيرة العديد من التحديات السياسية في مسار المصالحة، تتمثل فيما يلي:
- الخلاف حول تمثيل الأطراف السياسية في مؤتمر المصالحة الوطنية المقرر عقده في سرت.
- إعلان أنصار النظام السابق الانسحاب من عملية المصالحة واتهامهم للمجلس الرئاسي بعدم الإيفاء بتعهداته بشأن الإفراج عن قيادات النظام السابق.
- تراجع قدرة المجلس الرئاسي على التعاطي بفاعلية مع قضية المصالحة خاصةً أنه لم يعلن عن مصير المفوضية العليا للمصالحة الوطنية التي أعلن تشكيلها في عام 2021 حتى الآن.
- جمود العملية السياسية الذي أعاق تقدم مسار المصالحة الوطنية، وحال دون إجراء الانتخابات التي كانت مقررة في 24 ديسمبر 2023.
وقد فرضت هذه التحديدات قيودًا على عملية المصالحة الوطنية، وأظهرت تباينًا في تعامل الأطراف الليبية مع تلك القضية التي بات يجري استخدامها كأداة مناورة بين الأطراف التي يتحجج بعضها بضرورة إقرار المصالحة كشرط للتقدم السياسي وإجراء الانتخابات، ويتمسك البعض الآخر بحلحلة الأزمة السياسية وتوحيد السلطة التنفيذية كضرورة لإنجاز المصالحة الشاملة.
مسار الكونغو برازافيل:
تشكل التحديات المشار إليها، الدوافع الرئيسية التي تجعل الدبلوماسية الكونغولية والأفريقية أكثر إصرارًا على متابعة رعاية عملية المصالحة ومساعدة الليبيين على إنجازها، وذلك في إطار ما يمكن وصفه بالتسابق مع الأمم المتحدة التي ترعى العملية السياسية في ليبيا بين الأطراف المؤسسية، إذ أن إحراز تقدم في هذا الملف من شأنه أن يحقق الريادة الدبلوماسية للكونغو برازافيل، ويجدد الثقة في الدبلوماسية الأفريقية ومؤسسات الاتحاد الأفريقي عامةً، والتي تواجه العديد من التحديات السياسية بسبب تكرار أزمات الانتقال السياسي في القارة خلال السنوات الأخيرة.
غير أن هذه الدوافع التي تحفز الكونغو برازافيل والاتحاد الأفريقي على متابعة عملية المصالحة الليبية، تواجه أيضًا عقبات دبلوماسية، متمثلة في حالة التنافس سواء مع القوى الإقليمية والدولية المعنية بالأزمة الليبية، والتي لديها أجندات ورؤى خاصة لمعالجة تلك الأزمة، بالإضافة إلى ضعف الخبرة التعاونية بين الدول الأفريقية ومؤسسات الاتحاد الأفريقي في معالجة الأزمات السياسية بالقارة، وكذلك علاقة الأطراف والجهات الفاعلة في الأزمة ونظرتها للوسطاء الأجانب، والتي غالبًا ما تتأثر نتيجة للمواقف السياسية والدبلوماسية حيال تلك الأزمات.
وقد أقر وزير الخارجية جان كلود جاغوسو بتلك التحديات في تصريحاته الصحفية التي أدلى بها في كل من تونس والجزائر اللتان زارهما خلال الفترة من 13 إلى 17 يناير الجاري، عندما أشار إلى أهمية دول جوار ليبيا في المساعدة على حلحلة الأزمة السياسية وتحقيق المصالحة الوطنية نظرًا لخبراتها التراكمية ودورها الإقليمي، ومذكرًا على سبيل المثال بالمقترحات التي تسلمتها الكونغو برازافيل من تونس لتطوير وتفعيل عمل اللجنة وإطلاق عملية المصالحة الليبية، وهو ما يعني إدراكًا من جانب الكونغو لأهمية الحصول على مساندة دول الجوار لضمان فاعلية متابعة واستكمال عملية المصالحة بين الفرقاء الليبيين.
بالإضافة إلى ذلك، تتطلع الكونغو برازافيل أيضًا من خلال استضافتها لقمة ليبيا المقبلة، إلى انقاذ عملية المصالحة المتعثرة، خاصةً بعد إعلان أنصار النظام السابق انسحابهم من المشاركة، وقد دللت الرئاسة الكونغولية على هذا الحرص بأن خصت “سيف الإسلام القذافي” بأول دعوة رسمية للمشاركة في القمة المرتقبة، في محاولة من جانبها لإثناء أنصاره عن فكرة المقاطعة.
المستقبل المنظور:
يأتي اجتماع اللجنة الأفريقية رفيعة المستوى بشأن ليبيا في برازافيل المقرر عقده على مستوى القمة في إطار التأكيد على الدور الأفريقي في تسوية الأزمة الليبية، واستشعارًا من الرئاسة الكونغولية للخطر الذي يواجه قيادتها للمصالحة الليبية، بسبب استخدام الأطراف الليبية لقضية المصالحة في المناورات المحلية، وتوظيف مشاركتها في هذه العملية من أجل انتزاع مكاسب سياسية من الخصوم، بالإضافة إلى الاستفادة من الدعم الأميركي للقيادة الأفريقية لعملية المصالحة الليبية، وهو ما يمكن أن يعزز فرص نجاح المساعي الكونغولية لإنقاذ عملية المصالحة الليبية التي لا تزال ممكنة، في ظل عدم وجود أي تحفظات ليبية حول القيادة الكونغولية، واتصالاتها بالأطراف الفاعلة في الأزمة.