فاز “لاي تشينج تي” مرشح الحزب الديمقراطي التقدمي برئاسة تايوان بعدما حصل على 40.05% من الأصوات بعد منافسة مع مرشح حزب الكومينتانغ “هو يو يي”، ومرشح حزب الشعب التايواني “كو وين جي”، ويكتسب فوز لاي تشينج تي أهمية متزايدة في ضوء التأثيرات المحتملة داخليًا وخارجيًا، كما يعد كسرًا لنمط تداول السلطة في تايوان، والذي كان يقوم على عدم بقاء أي حزب في الحكم لدورتين متتاليتين، لكن الحزب الديمقراطي التقدمي تمكن من تأمين بقائه لثلاث دورات متتالية، إضافةً إلى طبيعة موقفه المتشدد تجاه الصين، حيث كان عضوًا في جناح “المد الجديد” داخل الحزب الديمقراطي التقدمي.
قضايا عالقة:
ستكسب قضية العلاقات عبر المضيق بُعدًا ذا أهمية متزايدة بالنسبة للصين، خصوصًا بعد فوز لاي تشينج وتأمين الحزب الديمقراطي التقدمي ولاية ثالثة كحزب حاكم في الجزيرة، وذلك بسبب تدهور العلاقات بين الصين وتايوان في ظل فترة رئاسة الحزب الديمقراطي التقدمي، لا سيما في عام 2016 في ظل حكم الرئيسة التايوانية السابقة “تساي إنج وين”، والتي شهدت قطع الصين الاتصالات الرسمية مع تايوان بعد توليها السلطة.
ولا تتوقع الصين أي نهج مختلف من الرئيس الجديد، في ضوء تأكيد الأخير على أنه سيواصل سياسة الرئيسة السابقة، وذلك من حيث توطيد العلاقات مع حلفاء، وبناء المرونة الاقتصادية والدفاعية ضد الصين مع إبقاء النافذة مفتوحة للمحادثات.
وتكمن أهمية هذا العامل بالنسبة إلى الصين في شقين: الأول، وهو أن استمرار تبني نفس نهج الرئيسة التايوانية السابقة يعني أن الجزيرة ستستمر في تعزيز علاقتها السياسية مع الولايات المتحدة والقوى الغربية بشكل عام، مع الاستمرار في تعزيز ثقافة سياسية خاصة بتايوان، وهو ما يصب في تعزيز ما يسمى بالهوية التايوانية المستقلة للجزيرة.
وينصرف الشق الثاني إلى أن استمرار سياسات تساي إنج يعني بشكل أساسي استمرار الوجود العسكري الأمريكي في تايوان، واستمرار تدفقات الأسلحة الأمريكية إليها، وترى الصين الوجود العسكري الأمريكي تهديدًا مباشرًا لها، ويسهم في تعميق حالة عدم الثقة بين الصين وتايوان، ويعرقل أي جهود لوجود حوار جدي بينهما، ذلك أن بناء تايوان قدرات عسكرية سيحفزها على تبني مسار عدم الانخراط في مفاوضات مع بكين كون لديها وسائل الدفاع اللازمة.
كما ستكتسب قضية أشباه الموصلات أولوية بالنسبة للصين في ظل حكم الرئيس التايواني الجديد، فهي إحدى أهم القضايا الخلافية بين الولايات المتحدة والصين، حيث فرض الرئيس الأمريكي “جو بايدن” منذ توليه الحكم عددًا من القيود على تصدير أشباه الموصلات وأدواتها إلى الصين، مثلما ورد في ” قانون الرقائق والعلوم” والذي تم إصداره في أواخر عام 2022، وتهدف الولايات المتحدة من وراء ذلك منع وصول التقنيات المتطورة إلى الصين، والتي يُمكن أن تستخدمها لتعزيز قدراتها العسكرية والتكنولوجية، خاصةً في مجال الذكاء الاصطناعي، وقد سعت الولايات المتحدة إلى تشكيل جبهة من الدول الحليفة (مثل اليابان وهولندا) من أجل تعطيل سلاسل الإمداد الخاصة بالرقائق إلى الصين.
وفيما يتعلق بتايوان، فقد فرضت هي الأخرى حظرًا على تصدير بعض أنواع أشباه الموصلات إلى الصين، ففي عام 2022 عدلت تايوان قانون الأمن القومي الخاص بها، وفرضت عقوبات على من يسرقون التقنيات الأساسية الوطنية لصالح “القوات المعادية”، ومعاقبتهم بالسجن لمدة تتراوح بين 5 إلى 12 عامًا، وغرامات تتراوح بين 5 – 100 مليون دولار تايواني جديد، علاوةً على ذلك فقد حظرت تايوان، ولأسباب تتعلق بالأمن القومي، تصدير المعرفة والمواد الخام إلى الصين، والتي يمكن استخدامها لصنع رقائق أصغر من 14 نانومتر، حيث أصبحت بهذا تكنولوجيا تصنيع الرقائق المتقدمة واحدة من 22 تقنية أساسية يحظر نقلها إلى الصين، إضافةً إلى ذلك فقد عدلت تايوان قانون “عبر المضيق” في عام 2022، بحيث يلتزم المهندسين التايوانيين من ذوي المهارات الخاصة بالصناعات “التكنولوجية الأساسية” بالتقدم للحصول على تصاريح إذا كانوا يريدون العمل في شركات الصينية.
وبالنسبة للصين، فإن الإجراءات التايوانية سيكون لها عواقب سلبية، وذلك لعاملين، الأول وهو أن تايوان هي أكبر مُصنع لأشباه الموصلات في العالم، حيث تصنع حوالى 90% من الرقائق المتقدمة، وتعني القيود المفروضة أن الصين لن تتمكن من الوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة اللازمة لصنع أشباه الموصلات، والتي تحتاجها صناعتها المحلية والعسكرية، ويكمن العامل الثاني في أن الموقف التايواني يأتي متسقًا إلى حدٍ بعيد مع الموقف الأمريكي، إذ أن معظم الإجراءات التايوانية قد بدأت في عام 2022 وجاءت متزامنة مع التحركات الأمريكية في نفس الشأن، علاوةً على ذلك، فإن اصطفاف تايوان مع الولايات المتحدة واليابان وهولندا يعني تشكيل تحالف – تقني وليس عسكري – ضد الصين، وهو ما يعد خروجًا عن الخط العام لتايوان الذي يتجنب بقدر الإمكان الدخول في تحالفات ضد الصين، وستبقى مسألة الرقائق نقطة احتقان بين البر الرئيسي والجزيرة.
تخوفات أمريكية:
على الرغم من أن الرئيس الجديد لتايوان يعد أقرب إلى الولايات المتحدة والغرب بشكلٍ عام منه إلى الصين، إلا إن الولايات المتحدة تتحسب من أن يتبنى الرئيس الجديد مقاربة صدامية مع الصين، قد تُفضي إلى اشعال التوترات في المنطقة وعبر المضيق، خصوصًا في ظل المواقف المعلنة للرئيس الجديد والتي ينتقد فيها الصين بشكل علني.
وتأتي التخوفات الأمريكية مدفوعةً بالعديد من العوامل، أبرزها: أن الولايات المتحدة منشغلة بالفعل بعدد من الصراعات حول العالم، فما تزال الحرب الروسية الأوكرانية مشتعلة وسط إخفاق الكونجرس في تمرير مساعدات إلى أوكرانيا في نهاية عام 2023، بينما أصبحت الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة – وما خلفته من تداعيات إقليمية تهدد الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط وتفرض ضغوطًا سياسية وعسكرية متزايدة على الولايات المتحدة – عامل قلق مستمر داخل الإدارة الامريكية، في ظل تزايد النفقات العسكرية الأمريكية الأخرى بما يؤدي إلى استنزاف الموارد الأمريكية، فضلً عن الالتزام الذي فرضه الرئيس الأمريكي على الولايات المتحدة حينما أعلن أنه في حال المواجهة العسكرية بين تايوان والصين فإن الولايات المتحدة ستتدخل للدفاع عن الأولى عسكريًا.
وختامًا، يمكن القول أن فوز لاي تشينج قد يؤدي إلى تعقيد محتمل للعلاقات الصينية التايوانية، والصينية الأمريكية – المتوترة بالفعل على خلفية عدة قضايا، من أهمها: الحرب الأوكرانية، والإخلال بالميزان التجاري بين البلدين، وقضايا حقوق الإنسان – ومع ذلك، فإنه من غير المرجح أن تتطور العلاقات بين تايوان والصين إلى نزاع مسلح في الفترة المقبلة، حتى وإن استمر التوتر بين الصين وتايوان، ذلك أن واشنطن وبكين ترغبان بشكل فعلي في الحفاظ على سقف من التوتر والتنافس، لا يصل أبدًا إلى مستوى الصدام العسكري.