قامت وزير الخارجية الألمانية “أنالينا بيربوك” بجولة في عدد من الدول الأفريقية شملت كل من جنوب السودان وكينيا وجيبوتي، وذلك خلال الفترة من 24 إلى 26 يناير الجاري، وهو ما يأتي في إطار الاهتمام الألماني بتطورات الأوضاع السياسية والأمنية في منطقة شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، خاصةً التطورات الجارية في السودان.
وقد أثار الصراع المسلح الممتد بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ شهر أبريل الماضي، اهتمامًا ألمانيًا، حيث أبدت قلقها إزاء كثافة المواجهات العسكرية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع عقب اندلاع الصراع بينهما في بدايته، ودعت حينها الأطراف السودانية للتهدئة والتسوية السياسية، كما أعلنت أنها بصدد دراسة جميع الخيارات المتاحة للتعامل مع هذا الصراع، بما في ذلك إرسال ثلاث طائرات نقل لإجلاء 150 مواطن ألماني من السودان.
المحددات السياسية:
- تتبنى ألمانيا سياسة خارجية تدعو إلى وقف إطلاق النار وحث طرفي الصراع على وقف التصعيد العسكري والاستجابة لدعوات التسوية السياسية، والتي ينخرط فيها جهات فاعلة، من بينها النساء والشباب، وتشكيل حكومة وحدة وطنية قادرة على وضع حلول للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية داخل السودان، وهو ما يفسر اجتماع بيربوك مع ممثلي القوى السياسية السودانية خلال جولتها الأخيرة للمنطقة.
- تدعم ألمانيا الجهود الإقليمية لإنهاء الصراع في السودان، لا سيما جهود دول المنطقة والهيئة الحكومية للتنمية بشرق إفريقيا “إيجاد” والاتحاد الإفريقي، وقد أكدت بيربوك على دعم ألمانيا لمسألة زيادة الضغط على أطراف الصراع، للموافقة على إجراء مفاوضات جادة بغرض وقف إطلاق النار بشكل فوري، ودفع طرفي الصراع نحو الجلوس على مائدة المفاوضات، لتجاوز القضايا الخلافية والدخول في مرحلة جديدة من التسوية السياسية بينهما، وفي ذلك إشارة إلى إمكانية أن تلعب ألمانيا دور الوسيط الجديد بالتعاون مع القوى الإقليمية الرئيسية ودول الإيجاد لتسوية الأزمة السودانية، خاصةً بعد تعثر الوساطة السعودية الأمريكية وتعليق مفاوضات جدة في هذا الخصوص.
- تعتمد ألمانيا في الوقت الراهن في صياغة مواقفها السياسية والدبلوماسية تجاه الأزمة السودانية على التنسيق والتعاون السياسي والأمني مع دول الجوار السوداني.
- نبذ العنف وجرائم الحرب، حيث تتبنى ألمانيا موقفًا ضاغطًا يستهدف تحسين أوضاع حقوق الإنسان والحريات العامة داخل البلاد، المتأثرة باستمرار الصراع المسلح، خاصةً في ظل التقارير الدولية التي تشير إلى ارتفاع أعداد ضحايا الصراع في السودان، لا سيما في دارفور.
- فرض العقوبات على طرفي الصراع، حيث تؤيد ألمانيا سياسة فرض العقوبات على الطرفين المتصارعين في السودان، وهي بذلك تتماشى مع العقوبات الأخيرة التي فرضها الاتحاد الأوروبي على بعض الشركات، وذلك بهدف الحد من أي محاولات لعرقلة وتقويض المساعي الدولية الخاصة بوقف إطلاق النار في السودان.
المحددات الاقتصادية:
لعب ألمانيا دورًا مهمًا في دعم الاقتصاد السوداني في مرحلة ما بعد سقوط نظام البشير عام 2019، ففي عام 2020 أبدت برلين استعدادها لإعادة العلاقات الاقتصادية المقطوعة مع السودان منذ عام 1989 بسبب اندلاع الحرب الأهلية هناك، واستقبلت السودان عددًا من المسئولين الألمان الذين أبدوا استعدادهم لاستئناف العلاقات الاقتصادية، وإيجاد شراكة استراتيجية مع السودان، إلا أن التطورات السياسية في السودان قد حالت دون تحقيق هذه المستهدفات.
ورغم ذلك واصلت ألمانيا دعمها للشعب السوداني، ففي عام 2022 قدمت ألمانيا نحو61.3 مليون يورو كمساعدات إنسانية، بالإضافة إلى التبرعات المباشرة لمنظمتي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، غير أن اندلاع الصراع المسلح في أبريل الماضي، قد أدى إلى عرقلة تنفيذ اتفاقيات التعاون الاقتصادي المشترك بين برلين والخرطوم.
تعزيز النفوذ:
تشير زيارة وزيرة الخارجية الألمانية بيربوك لدول شرق أفريقيا إلى وجود رغبة لدى برلين في الانخراط المباشر في الأزمة السودانية، كما تعكس حرص برلين على تعزيز نفوذها في هذه الأزمة، في ظل التنافس الدولي على هذه المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية، وفي نفس الوقت العمل على حماية المصالح الاستراتيجية للدولة الألمانية في منطقة شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، خاصةً أن الجولة قد شملت مناقشة سبل التصدي للهجمات الحوثية على السفن المدنية والتجارية في البحر الأحمر، حيث تخشى برلين انتقال تداعيات الصراعات في الإقليم بما فيها الصراع في السودان والحرب في غزة إلى باقي دول القرن الأفريقي وهو ما قد يؤثر سلباً على مصالحها هناك.
خلاصة القول إن الدور الألماني المتصاعد في الأزمة السودانية يأتي في إطار الجهود المستمرة لحلحلة الأزمة، لكن نجاح هذا الدور يرتهن بالعديد من العوامل، والتي يأتي في مقدمتها حدود استجابة طرفي الصراع.