أصدرت النيجر ومالي وبوركينافاسو بيانًا مشتركًا، قرروا فيه الانسحاب الفوري من عضوية المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس”، وجاء القرار الجماعي للدول الثلاث في ظل احتدام حدة الصراع الجيوسياسي في منطقة الساحل والصحراء.
إجراءات تصعيدية:
يكشف القرار الخاص بانسحاب دول النيجر وبوركينافاسو ومالي من تجمع الإيكواس، عن عدد من الأمور الرئيسية، أبرزها: أن هذا القرار جاء نتيجة لاستمرار التصعيد بين الدول الثلاث وبين الإيكواس، حيث اتخذت الأخيرة بعض الإجراءات التصعيدية الضاغطة على النظم السياسية الجديدة في الدول الثلاث، وقد اتخذ تصعيد الإيكواس صورًا عديدة، منها: فرض عقوبات اقتصادية على الدول الثلاث، وتعليق عضويتها في مؤسساتها، والتهديد باستخدام القوة المسلحة لعكس التطورات السياسية في دولة النيجر.
كما يعكس قرار الانسحاب رغبة الدول الثلاث في التأكيد على سيادتها ضد محاولات التدخل الخارجي في شئونها الداخلية، وتكوين جبهات داخلية متماسكة تدعم النظم السياسية الجديدة، وتكريس شرعيتها بما يضمن استقرار هذه النظم، وهو ما عكسته مظاهرات التأييد في الدول الثلاث لقرار الانسحاب من الإيكواس.
ويكشف قرار الانسحاب عن التصاعد في الدور والنفوذ الروسي في هذه الدول، حيث تخللت المظاهرات الشعبية المؤيدة لهذا القرار، رفع العلم الروسي، في مقابل تراجع الدور الفرنسي، وهو ما ظهر في الانسحاب الفرنسي من هذه الدول استجابة لمطالب النظم السياسية هناك، والتي استندت في هذا الموقف إلى المطالب الشعبية الرافضة لبقاء القوات الفرنسية في مالي والنيجر وبوركينافاسو، وهو ما أثر سلبًا على النفوذ والدور الفرنسي في منطقة الساحل والصحراء ككل، ودفع ذلك بالرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” للإعلان في فبراير 2023، عن تبني بلاده استراتيجية جديدة تجاه الدول الأفريقية، تقوم على بناء علاقات شراكة جديدة ومتبادلة تعمل على تحقيق المصالح الاستراتيجية لكل الأطراف، في محاولة فرنسية لاستعادة نفوذها المتراجع في منطقة الساحل والصحراء تحديدًا، وما يعنيه ذلك من تأثيرات سلبية على مصالحها الاستراتيجية في القارة الأفريقية بصفة عامة.
تداعيات اقتصادية:
يمكن النظر إلى قرار انسحاب الدول الثلاث من الإيكواس على أنه قد جاء كاشفًا عن التحول النوعي في المواقف السياسية لهذه الدول تجاه المنظمات الإقليمية داخل القارة الأفريقية، حيث عبرت النظم السياسية الجديدة في تلك الدول عن رفضها لسياسة فرض العقوبات التي تبنتها الإيكواس ضدهم، وذلك في الوقت الذي تعاني فيه تلك الدول من أزمات اقتصادية متفاقمة، والتي كانت في حد ذاتها سببًا رئيسيًا وراء تغيير نظم الحكم هناك، بل وأسهمت هذه العقوبات في زيادة معاناة شعوب هذه الدول وأوضاعهم المعيشية، فمثلًا، أدت هذه العقوبات في النيجر إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتناقص حاد في بعض المنتجات الأساسية.
يُضاف إلى ذلك أن هذه الدول كانت تعتمد على دول الجوار في غرب أفريقيا مثل موريتانيا، لتنظيم عمليات الإستيراد والتصدير، خاصةً أن الدول الثلاث هي دول حبيسة، وتعتمد على الدول الساحلية الأعضاء في تجمع الإيكواس للوصول إلى المحيط الأطلنطي، ومن ثم فقد يؤثر هذا القرار على حركة التجارة الخارجية للمنتجات والبضائع (اليورانيوم – الزنك – صخور الفوسفات – الماشية – القطن – الأسمدة – النفط – الحديد…) التي تصدرها الدول الثلاث، وأيضًا التأثير سلبًا على حركة الأفراد ورؤوس الأموال، والتأثيرات المحتملة بشأن عدم الحصول على الإعفاءات الضريبية التي كانت تمنحها لهم عضويتهم في الإيكواس.
ورغم ذلك، فقد وقعت الدول الثلاث بالإضافة إلى تشاد مع المملكة المغربية في 23 ديسمبر الماضي، على ما يعرف بـ “المبادرة الأطلسية”، وهي المبادرة التي طرحها العاهل المغربي “محمد السادس” لمساعدة هذه الدول على الوصول إلى ساحل المحيط الأطلنطي للخروج من عزلتهم الجغرافية، عبر الحصول على منفذ بحري، وقد سارعت الدول الثلاث للموافقة على المبادرة المغربية لمساعدتهم في إعادة هيكلة اقتصادياتهم الهشة، حيث ستسمح لهم بتعزيز علاقاتهم التجارية والاقتصادية مع شركائهم الاقتصاديين على الصعيدين الإقليمي والدولي، وبالتالي تعزيز التنافسية الاقتصادية، والمساعدة في مواجهة تداعيات العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة عليهم.
وختامًا، فإن قرار انسحاب الدول الثلاث من تجمع الإيكواس، قد جاء في إطار التحالف السياسي والعسكري القائم بينها لمواجهة الضغوط الخارجية التي تتعرض لها، ويكشف في الوقت ذاته عن احتدام حدة الصراع الجيوسياسي في منطقة الساحل والصحراء، والذي اكتسب ديناميكية خاصة خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
وبالرغم من ذلك، فإنه ما تزال هناك فرصة أمام هذه الدول للتراجع عن قرار الانسحاب، إذ تنص المعاهدة الخاصة بإنشاء الإيكواس، على أن الدولة التي ترغب في الانسحاب من عضويتها، يجب أن تُخطر المجموعة بهذا القرار خلال عام واحد، مع إمكانية الرجوع عن طلب الانسحاب خلال نفس الفترة الزمنية، أي عام واحد.