Search

التهديدات الأمنية وتفضيلات الناخب الباكستاني

08/02/2024

شهدت باكستان مشكلات أمنية على حدودها، والتي ألقت بظلالها على الوضع الداخلي المعقد بفعل الأزمة السياسية التي تعيشها باكستان حاليًا، والتي تأمل إسلام أباد أن تنتهي مع إجراء الانتخابات، وبشكل عام تواجه إسلام أباد تهديدين يؤثران بشكل أساسي على أمن حدودها واستقرارها الداخلي، يتمثل الأول في المخاطر التي يمثلها الفاعلين من غير الدول، بما في ذلك التنظيمات الإرهابية، وينصرف الثاني إلى الأخطار الجيوسياسية التقليدية التي تمثلها الدول المنافسة.

تهديدات إرهابية:

شهدت باكستان سلسلة من الهجمات الإرهابية خلال عام 2023، بلغ عددها ما يقرب من 586 هجومًا إرهابيًا[1]، قامت بها ثلاث جماعات رئيسية، هي: حركة طالبان باكستان، وداعش (الدولة الإسلامية في خراسان)، وجيش تحرير بلوشستان، الذي تصنف باكستان كتنظيم إرهابي.

وعلى الرغم من أن معظم الهجمات الإرهابية التي قامت بها هذه التنظيمات كانت في الداخل الباكستاني، إلا ان وجود هذه التنظيمات، وقدرتها على تنفيذ هذه الهجمات، يرتبط جغرافيًا بالدول المجاورة، فعلى سبيل المثال، تتركز غالبية هجمات تنظيم جيش تحرير بلوشستان في مقاطعة “خيبر بختونخوا” ومقاطعة “بلوشستان”، وهو ما يتسق مع أهداف التنظيم، والذي يقاتل ضد الحكومة الباكستانية من أجل قدر أكبر من الحكم الذاتي لبلوشستان، كما يوجد التنظيم عبر الحدود مع إيران، وتتركز بعض عناصره في محافظة سيستان – بلوشستان الإيرانية، وهو ما يُمكن عناصره من الهجوم على مواقع في باكستان ومن ثم الانسحاب إلى المناطق الحدودية الباكستانية الإيرانية، وهو ما يصعب من قدرة السلطات الباكستانية على ملاحقة عناصره.

وينصرف هذا أيضًا على تنظيمي طالبان باكستان وداعش خراسان، حيث يتمركز الأول في المنطقة الحدودية بين باكستان وأفغانستان خصوصًا منطقة جنوب وزيرستان الجبلية في مقاطعة خيبر بختونخوا، وهو ما يُسهل على طالبان باكستان التنقل عبر الحدود والقيام بالعمليات الإرهابية في الداخل الباكستاني، وكذلك الحال بالنسبة لداعش خراسان، والذي يستغل عناصره الأراضي الأفغانية من أجل القيام بهجمات إرهابية في الداخل الباكستاني.

وعلى الرغم من أن الهجمات الإرهابية التي قامت بها هذه التنظيمات قد استهدفت الداخل الباكستاني، إلا أنها طرحت أسئلة مُلحة تتعلق بأمن الحدود وبالتبعية علاقات باكستان مع جوارها الإقليمي، فعلى سبيل المثال، شكلت طالبان باكستان هاجسًا أمنيًا مستمرًا لدى الحكومة الباكستانية بسبب تطرفها، وعلاقتها مع حركة طالبان أفغانستان، ولعل وصول الأخيرة للحكم في كابول بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان قد أوجد إشكالية في دوائر صنع القرار الباكستانية تتعلق بكيفية إدارة العلاقات مع طالبان أفغانستان في ظل تنامي هجمات حركة طالبان باكستان، خاصةً في ظل نفي طالبان أفغانستان أي صلة لها مع طالبان باكستان، على الرغم من وجود تقديرات مغايرة، تُشير إلى وجود علاقات فعلية بين التنظيمين، فحركة طالبان الأفغانية سهلت في الماضي محادثات سلام بين الحكومة الباكستانية وبين طالبان باكستان، وهو الأمر الذي لم يكن ليحدث لولا وجود صلات بين الجماعتين.

جدير بالذكر أن التوتر في العلاقات الباكستانية الأفغانية قد أدى إلى إعلان باكستان في نوفمبر الماضي عن ترحيل مئات الآلاف من اللاجئين الأفغان، علاوةً على ذلك فقد تم إغلاق معبر حدودي رئيسي بين البلدين لمدة 10 أيام في أوائل يناير الماضي، وذلك بعد أن أعلنت باكستان أن سائقي الشاحنات الأفغان يجب أن يحصلوا على تأشيرات لدخول البلاد، وقد جاءت التحركات الباكستانية كمحاولة للضغط على طالبان أفغانستان من أجل دفعها للانخراط بشكل جدي فيما يتعلق بقضية باكستان طالبان، والتي سبق أن تجاهلت حلها.

وفيما يتعلق بالعلاقات الباكستانية الإيرانية، فإن قضية الجماعات المناوئة والانفصالية لكلا البلدين قد شغلت حيزًا من الاهتمام في الفترة الأخيرة، لا سيما بعد الضربات الصاروخية المتبادلة بينهما، وذلك على الرغم من أن قضية الجماعات الانفصالية لا تعد موضع خلاف حاد بين إيران وباكستان – على عكس قضية طالبان باكستان وذلك في إطار العلاقة بين باكستان وأفغانستان – حيث توجد مصلحة مشتركة بينهما، تتمثل في القضاء على الجماعات الانفصالية المناوئة والتي تنشط على جانبي الحدود، إضافةً إلى أن النمط العام للعلاقات الثنائية يغلب عليه الطابع الإيجابي، ويدلل على ذلك سرعة اتفاق الجانبين على التهدئة بعد التصعيد الأخير بينهما.

الجوار المنافس:

تتركز المخاوف الجيوسياسية لباكستان بشكلٍ أساسي في علاقتها المضطربة مع الهند، التي تعتبر المنافس الاستراتيجي لباكستان، وعلى الرغم من أن الحدود الهندية الباكستانية ظلت هادئة نسبيًا مؤخرًا – على خلفية التفاهم بينهما في عام 2021 والذي أفضى إلى تجديد الهدنة على “خط السيطرة[2]” بعدما شهد اشتباكات مسلحة بين الجيشين الهندي والباكستاني عام 2020 – بما أسهم في خفض مظاهر التصعيد العسكري في المناطق الحدودية، إلا أن الهند ما تزال تشكل عامل قلق بالنسبة لإسلام أباد، حيث أتهمت باكستان الهند في يناير 2024 الجاري بتنفيذ عمليتي اغتيال أسفرت عن مقتل عنصرين داخل الأراضي الباكستانية ينتميان إلى تنظيمات مناهضة للهند، وأعلنت أن لديها أدلة موثوقة تربط بين الهند وبين عمليتي الاغتيال، علاوةً على ذلك، فقد وجهت إسلام أباد اتهامات إلى نيودلهي برعايتها هجمات جيش تحرير بلوشستان، إذ تزعم باكستان أن نيودلهي هي الداعم الخارجي الرئيسي لجيش تحرير بلوشستان، وهو الأمر الذي تنفيه الهند.

وختامًا، فإنه من المرجح أن تشكل القضايا المتعلقة بالأمن القومي ملفًا مهمًا في الانتخابات الباكستانية الحالية، ذلك أن تصاعد معدل الهجمات الإرهابية والسيولة الأمنية في بعض المناطق الحدودية فضلًا عن العلاقات المتوترة ببعض دول الجوار الباكستاني، ستؤثر بصورة أو بأخرى على السلوك التصويتي للناخب الباكستاني، لاسيما في ضوء الهجومين الإرهابيين اللذين وقعا قبيل موعد انعقاد الانتخابات الباكستانية بيوم واحد، كما أن تزايد التهديدات الأمنية والتوترات على الحدود الباكستانية وامتداد أثرها إلى الداخل الباكستاني عن طريق العمليات الإرهابية قد يؤدي إلى تغليب الناخبين للأولويات الأمنية في الفترة المقبلة، وهو ما قد يؤدي إلى تعاظم فرص فوز السياسيين التقليديين المقربين من المؤسسة العسكرية الباكستانية، والتي تبرز دائمًا كفاعل سياسي وطني خاصةً في وقت الأزمات.


[1] “PAKISTAN’S VIOLENCE-RELATED FATALITIES MARK A RECORD 6-YEAR HIGH, 56% SURGE IN VIOLENCE RECORDED IN 2023: CRSS ANNUAL SECURITY REPORT”, Center for Research & security studies. 31 December 2023. Available at https://shorturl.at/vFRSV

[2] خط السيطرة (LoC) هو خط مراقبة عسكري بين الأجزاء الخاضعة للسيطرة الهندية والباكستانية في كشمير، وهذا الخط لا يشكل حدودًا دولية معترف بها قانونًا، ولكن تم تشكيله وفقًا لما هو قائم من أمر واقع، وقد تم تأسيسه كجزء من اتفاقية “سيملا” في نهاية الحرب الهندية الباكستانية عام 1971، حينما اتفقت الدولتان على إعادة تسميته من خط وقف إطلاق النار ليصبح “خط السيطرة”.

Latin america ch-us
الولايات المتحدة والتحركات الصينية في أمريكا اللاتينية
S
الأزمة السياسية في كوريا الجنوبية ... أي مستقبل مطروح؟
B
أبعاد ودلالات الإصلاح والتطوير في المؤسسة العسكرية البريطانية
USCHINA
الذكاء الاصطناعي... أي حوار أمريكي صيني مطروح؟
Scroll to Top