Search

التجاذبات الدولية حيال مشروع الجزائر لوقف إطلاق النار في غزة

20/02/2024

دعت الجزائر في 18 فبراير الجاري مجلس الأمن الدولي إلى الانعقاد للتصويت على مشروع قرار يتعلق بالوضع في فلسطين وخاصة في غزة، ويدعو المشروع إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، وقد حُدد يوم 20 فبراير الجاري موعدًا للتصويت، فيما تتواصل التجاذبات الدولية لاسيما بين روسيا والولايات المتحدة حيال مسألة وقف إطلاق النار، لتفرض بذلك تحديًا جديدًا أمام فرص إنهاء العدوان الإسرائيلي في غزة، وبما يُهدد بإشعال التوترات في الشرق الأوسط، حيث يمثل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني أكثر الصرعات تعقيدًا بالمنطقة، وأكسبه العدوان الإسرائيلي الراهن مزيدًا من التأزم بسبب التكلفة الإنسانية والاقتصادية التي يخلفها، على الرغم من تعدد الجهود والمناشدات الداعية لوقف إطلاق النار في مختلف أنحاء العالم.

سياق مليء بالتجاذب:

واقع الأمر أن الولايات المتحدة قد استبقت التحركات الجزائرية، حينما أعلنت بشكل مسبق عبر مندوبتها لدى الأمم المتحدة “ليندا توماس غرينفيلد” عن معارضة المشروع، لأنه قد يمثل خطرًا على مفاوضات التوسط في وقف إطلاق النار المحتمل في غزة بين إسرائيل وحركة حماس بوساطة أمريكية مصرية قطرية، وقد جددت المندوبة الأمريكية هذا الموقف بنفس المبرر حينما نددت بقرار إحالة نص المشروع إلى التصويت.

ويمكن تفسير الموقف الأمريكي بأنه فرصة لتحقيق هدفين رئيسيين، يتعلق الأول بما تحاول الولايات المتحدة تصديره من ضرورة منح الجهود الدبلوماسية الراهنة لإنهاء الحرب مزيدًا من الوقت، أما الثاني فينصرف إلى محاولة إثناء أي خطوة شبيهة داخل مجلس الأمن، بما يمكن روسيا أو أي طرف آخر داخل مجلس الأمن من استغلاله لتسجيل موقف ضدها، وتقويض مصداقيتها الآخذة في التآكل بشكل فعلي، خاصةً أن الأرجح أن الولايات المتحدة ستستخدم الفيتو لوقف أي مشروع قرار لا يتناسب مع مصالحها أو المصالح الإسرائيلية.

وأمام هذا الوضع، وبهدف الالتفاف على المشروع الجزائري، دفعت الولايات المتحدة قبل ساعات من التصويت على مشروع قرار الجزائر بتقديم مشروع قرار آخر لوقف مؤقت لإطلاق النار في غزة “في أقرب وقت ممكن عمليًا”، محذرةً فيه من آثار الهجوم البري الإسرائيلي المحتمل على مدينة رفح، لاسيما فيما يتعلق بتضرر المدنيين النازحين، وبما يهدد السلام والأمن الإقليميين، وتشير هذه الخطوة الأمريكية إلى احتمالين، إما أن الإدارة الأمريكية اضطرت لتلك الخطوة بعد تصاعد الدعوات الداخلية والخارجية لوقف إطلاق النار في غزة، أو أنها ترغب بعد تجدد التواصل بين الرئيس الأمريكي ورئيس الحكومة الإسرائيلية، زيادة الضغوط لإحباط المشروع الجزائري داخل مجلس الأمن.

وفي نفس السياق، تحاول روسيا تنشيط دورها في ملف الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، عبر عدد من التحركات، منها توجيه روسيا رسائل باحتمالات عدم نجاح مشروع القرار الجزائري الداعي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، بسبب الموقف الأمريكي المتوقع، وهو ما أعلنه وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” خلال مؤتمر الشرق الأوسط الذي عقده منتدى “فالداي” الدولي، حيث أكد على أن الولايات المتحدة تستهدف استبعاد روسيا من كافة محاولات التسوية في الشرق الأوسط، وهو ما دعا روسيا لاقتراح عقد اجتماع فلسطيني – فلسطيني لتجاوز الانقسامات الداخلية.

انتظار جزائري:

استغرقت الجزائر وقتًا قبل تقديم طلب التصويت على مشروع القرار (سوف يتضمن وقف إطلاق النار ورفض التهجير القسري للسكان المدنيين الفلسطينيين، ومطالبة جميع الأطراف بالامتثال للقانون الدولي، والدعوة إلى وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وسريع وآمن ودون عوائق إلى قطاع غزة) حيث طرحت المشروع على الممثلين الدبلوماسيين في أعقاب عقد المجلس في 31 يناير الماضي اجتماعًا طارئًا دعت إليه لبحث إلزامية قرار محكمة العدل الدولية القاضي بأن تمتنع إسرائيل عن أي عمل من شأنه إحداث إبادة جماعية في غزة، وربما جاء الانتظار الجزائري مدفوعًا بالرغبة في ضبط مشروع القانون وتقديم صيغة جديدة له.

يُضاف إلى ذلك محاولة الجزائر من خلال مشروع القرار التحوط من احتمالات تفاقم الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة جراء إصرار إسرائيل على مواصلة الحرب إلى حين تحقيق أهدافها، والتخوف من تداعيات اقتصار قرار محكمة العدل الدولية على تدابير مؤقتة لا تشمل وقف إطلاق النار، وتقلص المساعدات المقدمة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بعدما أوقفت 14 دولة دعمها للوكالة بطلب من الحكومة الإسرائيلية، التي ادعت تورط بعض موظفيها في هجوم 7 أكتوبر.

كذلك، تسعي الجزائر لترتيب بعض المواقف داخل مجلس الأمن لاسيما مع الأعضاء غير الدائمين لصالح الموافقة على المشروع، حيث تعتبر الجزائر العضو العربي الوحيد داخل المجلس – انتخبتها الجمعية العامة في يونيو 2023، عضوًا غير دائم لولاية مدتها عامين – وتعول عليها الدول العربية والأطراف الفلسطينية المؤثرة خلال هذه المرحلة كصوت عربي يدعم القضية الفلسطينية داخل مجلس الأمن، كما تحاول الجزائر استكشاف سبل التهدئة بالمنطقة مع بعض الدول العربية، والوقوف على مستجدات الوضع الإنساني في غزة من خلال مباحثات المسئولين الجزائريين مع ممثلي حماس، وتنسيق مواقف المجموعة الأفريقية – الجزائر وموزمبيق وسيراليون – داخل مجلس الأمن.

السيناريوهات المحتملة:

أقدمت الجزائر على دعوة مجلس الأمن للتصويت على مشروع القرار، بعد مؤشرات من أطراف عربية ودولية تتفاوض سواء بشكل ثنائي أو متعدد بشأن الوصول لهدنة بين إسرائيل وحركة حماس، وهكذا يمكن أن تكون السيناريوهات المحتملة للتصويت على مشروع القرار الجزائري وسط التجاذبات الدولية المتواصلة كما يلي:

السيناريو الأول: رفض الولايات المتحدة مشروع القرار باستخدام حق الفيتو، تنفيذًا لما أعلنته المندوبة الأمريكية ودعمًا لتحالف الولايات المتحدة مع إسرائيل، وما يدعم تحقق هذا السيناريو صعوبة أن تنحاز فرنسا وبريطانيا واليابان وسويسرا داخل المجلس إلى خيار وقف إطلاق النار بما يتعارض مع الإرادة السياسية الأمريكية، وهو ما أكده المشروع الأمريكي المقدم مؤخراً لإحباط احتمالية تجاوب غالبية الأعضاء غير الدائمين مع المشروع الجزائري، فضلاً عن السلوك التصويتي الأمريكي ضد مشروعات قرارات مجلس الأمن التي سبق أن قُدمت لوقف إطلاق النار، وقابلها الغرب وحلفائه بالرفض والتحفظ، بينما وافقت عليها روسيا، وهو ما يفتح المجال مجددًا كي تدعو الجمعية العامة للأمم المتحدة للتصويت على قرار “وقف إطلاق نار إنساني فوري” في غزة، وفق ميثاق الأمم المتحدة، من منطلق أن الوضع في غزة يمكن أن يُعرض السلام والأمن الدوليين للخطر، لكن تمرير الجمعية لهذا القرار يستهدف “تسجيل موقف” أكثر من فكرة تنفيذه فعليًا.

السيناريو الثاني: أن تمتنع الولايات المتحدة عن التصويت على مشروع القرار الجزائري، وعلى الرغم من انخفاض احتمالية تحققه، إلا أن هناك بعض المحددات التي قد تدفع باتجاه مُغاير لما درجت عليه السياسة الأمريكية الداعمة لإسرائيل بشكل مطلق، ومن هذه المحددات تغير المعطيات لدى الإدارة الأمريكية – التي ترغب في حفظ ماء وجهها – بأن استمرار دعمها لإسرائيل وإجهاض أي تحركات لوقف إطلاق النار قد يُهدد حظوظ الرئيس “جو بادين” في الانتخابات الأمريكية المقبلة، وتدهور صورة الولايات المتحدة في الداخل والخارج، لا سيما في ظل استمرار المظاهرات داخل الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية كفرنسا وبريطانيا المطالبة بوقف إطلاق النار ووقف المساعدات العسكرية الأمريكية الموجهة نحو إسرائيل، على أن يتزامن ذلك مع توسيع الجزائر من تحركاتها الموازية مع عدد من الأطراف الإقليمية والدولية بهدف اتخاذ خطوات ملموسة لبناء موقف دولي يضغط على الولايات المتحدة لتحقيق وقف إطلاق النار في غزة.

isr-lebanon
سيناريوهات مطروحة: ماذا بعد المواجهة بين حزب الله وإسرائيل؟
Turkuselections
منظور تركي للانتخابات الرئاسية الأمريكية
tunis-ch-rus
هواجس أوروبية: تونس وتعدد الشراكات الدولية
Iran-President
تحديات السياسة الخارجية الإيرانية
Scroll to Top