أكد وزير خارجية أوغندا “جيجي أودونغو” بأن بلاده تبحث في كيفية الجمع بين موقفي كل من إثيوبيا والصومال لإيجاد حل ودي للخلافات المتصاعدة بينهما بسبب الإصرار الإثيوبي على تنفيذ مذكرة التفاهم الموقعة بين الحكومة الإثيوبية برئاسة “آبي أحمد” وإقليم أرض الصومال في مطلع شهر يناير الماضي، والتي تقضي بحصول إثيوبيا على منفذ بحري في مقابل الاعتراف بإقليم أرض الصومال كدولة مستقلة، و20% من أسهم شركة الخطوط الجوية الإثيوبية، وهو ما ترفضه الصومال وتطالب إثيوبيا بالتراجع عن هذا الاتفاق احترامًا لسيادتها على أراضيها وفقًا للدستور الصومالي.
الطرح الأوغندي:
جاءت تصريحات وزير الخارجية الأوغندي حول الخلافات الإثيوبية الصومالية خلال مشاركته في فعاليات قمة الاتحاد الأفريقي السابعة والثلاثين خلال الفترة من 17 إلى 18 فبراير 2024 بإثيوبيا، والتي أكد خلالها على إمكانية أن تلعب أوغندا دور الوسيط بين كل من إثيوبيا والصومال لتهدئة حدة التوتر السياسي الذي أصاب نمط العلاقات الإثيوبية الصومالية منذ شهر يناير الماضي، بسبب التحركات الإثيوبية في إقليم أرض الصومال، بشكل غير قانوني، وبما ينتهك وحدة وسيادة الدولة الصومالية.
وتشير تصريحات وزير الخارجية الأوغندي إلى إمكانية طرح بلاده مبادرة لتقريب وجهات النظر بين إثيوبيا والصومال، وصولًا إلى تسوية سياسية يمكن من خلالها احتواء الخلافات بين الجانبين، وذلك في محاولة لعدم امتداد أثر تلك الخلافات سلبًا على الأوضاع السياسية والأمنية في منطقة القرن الأفريقي ككل.
مسارات الحركة:
تعتمد أوغندا في حالة طرحها مبادرة للقيام بدور الوساطة بين الصومال وإثيوبيا، على عدد من الاعتبارات التي قد تساعدها في إنجاح مساعيها، من أبرزها: الثقل السياسي الذي تتمتع به أوغندا على الصعيد الأفريقي، خاصةً فيما يتعلق بدورها الدبلوماسي النشط تحت مظلة منظمة الإيجاد واستضافتها للعديد من المؤتمرات الخاصة بتسوية المشكلات والنزاعات المثارة بين الدول الأفريقية، وكان لها دور في تحقيق المصالحة الوطنية داخل الصومال.
كما تمتلك أوغندا علاقات سياسية قوية بكل من الصومال وإثيوبيا، بشكل يجعل من دورها مقبولًا لدى الطرفين، ويؤهلها للعب دور الوساطة بينهما، هذا إلى جانب ما تمتلكه أوغندا من خبرات في مجال تسوية الأزمات والخلافات المثارة بين الدول الأفريقية، فقد سبق لأوغندا طرح لعب دور الوساطة بين الحكومة الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير التيجراي في بداية الصراع عام 2020، إلا أن أديس أبابا رفضت الوساطة الأوغندية انطلاقًا من رفضها أي وساطات خارجية على اعتبار أن الصراع في إقليم التيجراي مشكلة داخلية تخص الحكومة الإثيوبية وحدها.
أضف إلى ذلك لعب أوغندا دور الوساطة بين الصومال وكينيا في عام 2019 لتهدئة التوتر السياسي الذي نشأ بينهما في ذلك الوقت، بعد أن قامت كينيا باستدعاء سفيرها لدى الصومال، وأبلغت السفير الصومالي لديها بمغادرة الأراضي الكينية، حيث ادعت كينيا بأن هناك اعتداءات حدثت من الصومال على المواطنين الكينيين في المنطقة الحدودية المشتركة بينهما، ولاحتواء الموقف، سهلت أوغندا عقد محادثات مباشرة بين رئيسي كينيا والصومال لحل الخلافات بينهما.
وعقب اقتراح مجلس الأمن الدولي خلال اجتماعه في شهر يناير الماضي تحت عنوان “السلام والأمن في أفريقيا” بطلب من الصومال، بتحويل الخلافات الصومالية الإثيوبية إلى كل من الاتحاد الأفريقي والإيجاد لحلها باعتبارها مسألة إقليمية، تُصبح الفرصة مواتية أمام أوغندا بشكل أكبر لطرح مبادرة والتوسط بين أديس أبابا ومقديشيو في هذا الشأن، حيث طلبت الصومال من مجلس الأمن التعامل مع التحركات الإثيوبية في إقليم أرض الصومال باعتبارها انتهاكًا للسيادة الصومالية، إلا أن مقترح مجلس الأمن جاء على عكس التوقعات الصومالية.
كما تمنح محدودية الدور الذي يقوم به الاتحاد الأفريقي في حل النزاعات والأزمات المثارة داخل القارة الأفريقية لأوغندا هامش حركة أكبر للعب دور خارج إطار الاتحاد الأفريقي، خاصةً أن القمة الأخيرة للاتحاد لم تستطع اتخاذ قرارات فاعلة لحل الأزمات والمشكلات المثارة داخل الدول الأفريقية، ومن بينها الخلافات الصومالية الإثيوبية، حيث اكتفى البيان الختامي للقمة بمطالبة الطرفين بإجراء حوار مشترك لحل الخلافات المثارة بينهما.
تحديات قائمة:
رُغم الحديث عن العوامل التي قد تمثل فرصة لتسوية الخلافات المثارة حاليًا بين الصومال وإثيوبيا، إلا أن هناك بعض العقبات التي قد تحد من فرص نجاح الوساطة الأوغندية، ومن أبرزها رفض الصومال أي وساطات خارجية لحل خلافاتها مع إثيوبيا، حيث اشترطت الصومال أن تنسحب إثيوبيا أولًا من اتفاقها الموقع مع إقليم أرض الصومال، وهو الاتفاق الذي ترفضه الصومال بشكل قاطع.
ومن جهة أخرى، تصر الحكومة الإثيوبية على تنفيذ اتفاقها الموقع مع إقليم أرض الصومال، باعتباره حقًا مشروعًا لها في الوصول إلى البحر الأحمر لتنمية اقتصادها وقدراتها العسكرية، ويساعدها في ذلك إعلان حكومة إقليم أرض الصومال التزامها بتنفيذ الاتفاق الموقع مع أديس أبابا، وقامت في هذا الصدد بتعيين لجنة مكونة من 8 أعضاء تعمل على تحويل مذكرة التفاهم مع إثيوبيا إلى اتفاقية رسمية، مدعيةً بأنها سوف تحقق الرخاء للطرفين.
كما اتخذت الصومال موقفًا أكثر حدة خلال الأيام القليلة الماضية، حيث لوحت مقديشيو باتخاذ إجراءات أكثر صرامة لضمان سلامة وأمن المجال الجوي الصومالي، وذلك بعد عرقلة خدمات الحركة الجوية فوق المناطق الشمالية (أرض الصومال)، الأمر الذي اعتبرته هيئة الطيران المدني الصومالية مخالفًا لأنظمة الطيران المدني المحلية والدولية.
هذا إلى جانب الممارسات الإثيوبية التي أدت إلى تمسك الصومال بموقفها، وذلك على خلفية ما تعرض له الرئيس الصومالي “حسن شيخ محمود” من مضايقات من قبل السلطات الإثيوبية خلال مشاركته في فعاليات القمة الأخيرة للاتحاد الأفريقي، بشكل دفعه إلى اتهام إثيوبيا بمحاولة عرقلة وصوله إلى مقر انعقاد القمة في أديس أبابا، الأمر الذي من شأنه زيادة حدة التوتر السياسي بين الصومال وإثيوبيا.
وختامًا، يمكن القول إن فرص نجاح أوغندا في لعب دور الوساطة بين الصومال وإثيوبيا، ستظل رهنًا بمدى قبول الدولتين لهذه الوساطة أولًا، ومدى جدية الحلول التي قد تقدمها أوغندا لتقريب وجهات النظر بين الدولتين المتنازعتين، وصولًا إلى تسوية توافقية لحل الخلافات المثارة بينهما، ومن ثم تجنيب منطقة القرن الأفريقي مزيد من الاضطرابات السياسية والأمنية.